تقارير وإضاءات

الوقف الإسلامي.. هوية فلسطينية في مواجهة خطر التهويد

الوقف الإسلامي.. هوية فلسطينية في مواجهة خطر التهويد

إعداد نبيل السهلي

لم تسلم المقابر الإسلامية كما باقي الوقف الإسلامي في الداخل الفلسطيني من عملية التهويد المتدرجة التي تنتهجها دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث أقام فلسطينيو الداخل منذ أيام خيمة اعتصام واحتجاج بالقرب من مقبرة بلد الشيخ قضاء حيفا، وذلك إثر كشف النقاب عن صفقة بيع للمقبرة أو جزء منها لإنشاء مجمع دوائر حكومية إسرائيلية؛ إضافة إلى مجمع تجاري وترفيهي بغرض طمس معالم القسم الأكبر من المقبرة والأراضي الملحقة والتابعة لوقف مسجد الاستقلال في مدينة حيفا والوقف الإسلامي بشكل عام؛ ويستهدف المخطط الصهيوني تجريف الأضرحة.

تهويد الوقف الإسلامي

بعد إنشاء ما يسمى سلطة التطوير الإسرائيلية؛ قامت دولة الاحتلال بوضع يدها على الأوقاف الإسلامية، من خلال شراء تلك الأوقاف من حرس أملاك الغائبين، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من الأوقاف الإسلامية تحت سيطرتها.

في عام 1948 كانت مساحة أراضي الوقف الخيري الإسلامي في فلسطين تصل إلى نحو (179) ألف  دونم، وقامت السلطات الإسرائيلية بوضع خطط لمصادرة وتهويد تلك الأراضي والممتلكات والمواقع عبر عدة أساليب وبمسميات خبيثة تطويرية أو اعتبارها مناطق عسكرية.

وفي عام 1953 أصدرت السلطات الإسرائيلية قانونا، من أجل تبرير المبيعات من قبل حرس أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير، وذلك بغية قوننة المصادرة للأملاك والأوقاف الإسلامية.

وخلال فترة وجيزة استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية خلال الفترة بين الأعوام من 1948 إلى 1967 هدم وتدمير 130 مسجدًا في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل، وتمثل تلك المساجد نحو (41.5) في المائة من إجمالي عدد المساجد في الداخل الفلسطيني.

وفي مدينة حيفا حول الجيش الإسرائيلي مقبرة الاستقلال هناك إلى حي سكني لليهود. وثمة محاولات إسرائيلية حثيثة منذ السبعينيات لهدم وجرف مقبرة قرية بلد الشيخ في جنوب شرق مدينة حيفا على سفح جبل الكرمل، التي دفن فيها الشهيد المجاهد العربي الكبير عز الدين القسام الذي استشهد في أحراج يعبد بقضاء جنين في التاسع عشر من تشرين ثاني / نوفمبر من عام 1935، وهو المجاهد الذي أسس لثورة فلسطين الكبرى عام 1936.

ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل قامت بجرف العديد من المقابر الإسلامية في عكا ويافا والأقضية محاولة تهويد المنطقة. ويندرج اقتراح ما يسمى المحكمة العليا أخيراً لسحب الاستئناف المقدّم من قبل ممثّلي الأهالي وأقارب المتوفين المدفونين في مقبرة بلد الشيخ لإلغاء مصادرة وبيع جزء من مقبرة القسام، والتفاوض والتوصل إلى اتفاق بينهم وبين سلطات الاحتلال؛ يندرج في سياق التهويد المبرمج والمتدرج للوقف الإسلامي في الداخل الفلسطيني بشكل عام؛ في وقت أكد فيه القائمون على وقف الاستقلال ولجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني باعتصامهم واحتجاجهم على قرار ما يسمى المحكمة العليا؛ أنهم ماضون في مسار النضال لاستعادة مقبرة القسّام.

وكانت إسرائيل صادرت (30) دونما من أصل (43) دونماً من مقبرة بلد الشيخ التي تحتضن أضرحة الكثيرين من أهالي القرية، ومن عائلات كثيرة؛ مثل آل السهلي والخطيب والولي وغيرهم؛ فضلاً عن عدد من أضرحة الشهداء وفي مقدمتها ضريح المجاهد عز الدين القسام؛ وقد رفعت دعاوى على مدار ثماني سنوات خلت في المحاكم ضد شركة “كيرور أحزكوت”، التي استولت بمعية دائرة أراضي إسرائيل على مساحة 13 دونماً من الأراضي، وهي بصدد إقامة مشاريع على أنقاض المقبرة وهويتها العربية الإسلامية بغرض تهويدها في نهاية المطاف.

بلد الشيخ

تحدثنا عن المحاولات الإسرائيلية التهويدية لمقبرة بلد الشيخ. وبلد الشيخ هي قرية فلسطينية مهجرة تقع على بعد سبعة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني الجميل؛ وترتفع 75 مترا عن سطح البحر؛ ويعود اسمها نسبة إلى الشيخ السهلي الصوفي. بلغت مساحة أراضيها 9849 دونماً. قدر عدد سكانها عام 1922 بحوالي (407) نسمة؛ وفي عام 1945 ارتفع إلى (4120) نسمة.

وعلى بعد نحو نصف كيلومتر غرب القرية كان هناك مدرج طيران. وخلال عام 1859 زار “ادوارد روجرز” نائب القنصل البريطاني القرية وقال إن عدد سكانها بلغ في حينها 350 شخصا، كما زارها “غيرن” وهو رحالة فرنسي في عام 1875 وقدر عدد سكانها بنحو 500 شخص ورأى عددا من أشجار الزيتون والنخيل والينابيع شمال القرية؛ كانت ثاني كبرى القرى في قضاء مدينة حيفا بعد قرية الطيرة، وكان في القرية محطتا وقود وعدد من المقاهي وقد أقيمت فيها مدرسة ابتدائية عام 1887 وحتى حلول عام 1948 كان في القرية ثلاث مدارس، وكان في القرية معصرة زيتون إضافة إلى أفران، وكان أهالي القرية يعتاشون من زراعة وفلاحة الأرض وتربية المواشي وقسم كبير منهم كان يعمل في المصانع في حيفا.

ولأهالي القرية كما جنبات فلسطين التاريخية عادات وتقاليد وطقوس متشابهة في الأعياد والمناسبات الدينية والأفراح والأتراح، فضلاً عن ذلك ثمة أغان خاصة للأطفال خلال عيدي الفطر والأضحى؛ ويحتفظ أهالي القرية بالتواتر ببعض الأمثال الشعبية الفلسطينية وفي مقدمتها المثل القائل “الدار دار أبونا وإجو الغرب يطحونا”.

ويبقى القول بأن هناك ضرورة ملحة لإعطاء بعد إنساني وقانوني وشعبي واسع؛ لإفشال المخطط الإسرائيلي لتهويد مقبرة بلد الشيخ والوقف الإسلامي بشكل عام؛ ولهذا يجب أن تخدم حركات إحياء ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار / مارس المقبل تلك التوجهات الوطنية الفلسطينية؛ خاصة وأن صورة وزخم هبة الأقصى الرمضانية ما زالت حاضرة وبقوة.

الأوقاف الإسلامية لا تتجاوز في معناها المباشر كونها منشآت نفعية يعودها أثرها على الإنسان أولا، وفي فلسطين تحمل أيضا معاني الانتماء والهوية.. تماما مثل المقابر التي يرتادها الناس لزيارة أهاليهم وتذكر مناقبهم.. ومن هنا تكمن أهميتها لكونها جزءا من هوية المكان وانتمائه، وهو ما يسعى الاحتلال لتغييره..

المصدر: عربي21

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى