كتب وبحوث

الفرد والمجتمع والثورة: خمس مقاربات سوسيولوجية في الفضاء السيبيري 3من 3

الفرد والمجتمع والثورة: خمس مقاربات سوسيولوجية في الفضاء السيبيري 3من 3

 

إعداد أكرم حجازي

 

مكانة العرب في الفضاء السيبيري

يكثر العالم العربي الحديث عن نقطتين أساسيتين في هذا السياق عن سد الفجوة الرقمية وإنشاء الحكومة الالكترونية. ولو نجح العرب مثلا في مسعى الحكومة فسيعني ذلك انقلابا تاما للصورة التقليدية لاسيما وأن الدولة في المجتمعات العربية متمركزة في كل ناحية من نواحي المجتمع التقليدي. ففيما خلا بعض الإجراءات التي تستوجب الحضور فالمؤسسات الإدارية ستغدو خالية من المتعاملين، وكلما توسعت الخدمات المقدمة للمواطن من الحكومة الإلكترونية كلما تلاشت الحاجة إلى جيوش الموظفين وكلما أمكن السيطرة على الفساد الإداري والمالي. ولكن ما هي المؤشرات المتاحة لتقييم ولو نسبي لحجم العالم الرقمي في البلدان العربية حتى يمكن التحقق من جدوى إقامتها إن كان ذلك ممكنا؟

 فالتقرير الذي نشرته لجنة الخبراء في منظمة (اليونسكو) عام 2000  يشير إلى أن  حجم الانترنت يبلغ 1.5 مليار صفحة تتزايد بمعدل 2 مليون صفحة يومياً، أما جمهور الشبكة الدولية فيقدر بحوالي 300 مليون مستعمل مع زيادة يومية تبلغ 150 ألف يومياً، وتصل الشبكة بين 220 مليون جهاز، يضاف إليهم يومياً 200 ألف جهاز، ويخضع تدبير تلك الأجهزة إلى أمور عدة من ضمنها الاقتصاد الإلكتروني الذي يتوقع أن يصل حجمه إلى 5 تريليون دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لكن 5% فقط من البشر يحوزون جل تلك الأرقام، إن لم نقل كلها، فلا يصل إلى البقية الباقية من البشرية إلا الفتات وتأتي هذه النتيجة المعلوماتية من البلاد الصناعية الأكثر غنى وثراء (ثورة الديجيتالمرجع سابق).

هذه الأرقام تمثل لحظة تأمل لما يشيع في الكثير من الكتابات العربية حول مصطلح الثقافة الرقمية الذي يروج له حتى رسميون ليدل على مدى استخدام السكان لوسائل وأدوات التكنولوجيا الرقمية وأنظمة الاتصال، وينتهي الأمر إلى الإقرار بوجود فجوة رقمية ينبغي سدها من خلال تعميم استخدام التكنولوجيا الرقمية لتكون بمتناول أوسع الفئآت الاجتماعية. أما محتوى الفجوة فيجري التعرف عليه من بعض الأرقام المتداولة، مع وجوب الحذر في التعامل معها، والتي تقدر أن مستخدمي الإنترنت في الدول العربية لا يتجاوز 3.5 مليون شخص من أصل 275 مليون مواطن عربي (الفجوة الرقمية www.c4arab.com )وهي نسبة تعادل فقط  0.6% من إجمالي عدد السكان أبرزها موزعة على النحو التالي: الإمارات العربية المتحدة بنسبة 10.2%، تليها لبنان 8%  والكويت 5.5% و الأردن 2% وتأتي المملكة العربية السعودية و دولة مصر بنسبة 0.8% (ثورة المعلومات… www.c4arab.com ).

 باختصار فقد جرى تعريف الثقافة الرقمية بمنتجاتها المادية ومدى انتشارها في المجتمع في حين تفتقد الكثير من الدول لإمكانيات التعامل معها. فرغم أن المؤشرات لا تعد ولا تحصى في هذا السياق إلا أن ما يثير الاستغراب فعلا هي الكيفية التي تفكر بها الدول العربية بإنشاء حكومات إلكترونية ونسب الأمية في القراءة والكتابة عند الكثير من مواطنيها يزيد عن نصف عدد السكان؟ هذا ناهيك عن التراجع الكبير في اللغة العربية قراءة وكتابة حتى لدى الطلبة الجامعيين؟ فإنْ لم يكن المواطنون هم المدعوون للتعامل مع الحكومة الإلكترونية فمن هي إذن الشرائح المعنية؟ ولأية غاية وجدوى تقام مثل هذه الحكومات إنْ لم يكن أفراد المجتمع مؤهلين للتعامل معها والاستفادة من خدماتها؟

أما على صعيد البحث العلمي فسنكتفي بما أورده تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة. إذ يكشف التقرير ببلاهة عن حجم الإنفاق الحكومي العربي على البحث العلمي دون أن يتحقق من اتجاهات الإنفاق وفعاليته. ومع ذلك فبالمقارنة مع إسرائيل التي تنفق 2.4% من ناتجها القومي السنوي تنفق الدول العربية التي أمكن الحصول على أرقام معلنة لديها مثل الإمارات: 0.6% والكويت: 0.2% والأردن: 0.3% وتونس: 0.3% وسورية: 0.2%  ومصر: 0.2% (تقرير التنمية البشرية،2001 ).

وفي قطاع الاتصالات فإن عدد مشتركي الهاتف في الدول العربية بلغ 69 مشتركاً لكل ألف شخص عام 1999، وكان مستقبلو صفحات الإنترنت 0.4 لكل 1000 شخص عام 2000 وهي نسبة تقل عن 20% من معدلها في الدول النامية وتساوي 250 /1 من معدل الدول المتقدمة والغنية، ويجب الأخذ بالاعتبار هنا مدى فاعلية استخدام تقنيات الاتصالات وإسهامها في التنمية والتعليم (تقرير التنمية البشرية،2001 ). وثمة ما يدعو إلى الصدمة إذا ما علمنا أن حجم الهواتف النقالة المستخدمة في اليابان مثلا يفوق حجم مثيلاتها في كل أفريقيا، أو أن عدد الخطوط العاملة في ضاحية مانهاتن في نيويورك يساوي ما لدى دولة عربية مثل موريتانيا بكاملها (غسان سنو، 2004)، وأن المواطن في دول عربية يدفع قرابة 12$ شهريا رسوم وضرائب بدون أي استخدام للهاتف.

وفيما يتصل بتأهيل الإطارات المتخصصة فثمة حديث عن هؤلاء في بعض البلدان العربية. وفي هذا السياق يشار إلى مصر التي تقدم إلى السوق العربية نحو 16 ألف مبرمج  و6 آلاف آخرين إلى دول غربية، وتخرج جامعاتها وكلياتها 5 آلاف مبرمج في العام الواحد، ويتجه هؤلاء إلى سوق يقدر حجمها الحالي بحوالي 70 مليون دولار، وهو حجم قطاع البرامج وحدها، ويبلغ حجم سوق المعلوماتية الكلي نحو 450 مليون دولار. وفي فلسطين تعمل 150 شركة في المعلوماتية وتشغّل نحو 1000 خبير تقني، ويصل حجم استثماراتها في البرمجيات إلى 20 مليون دولار. ويميل الأردن إلى الاعتماد على توافر الأيدي الحسنة التدريب، وفيه ما يقارب 9000 مبرمج يعمل ثلثهم في القطاع الخاص، ويصل حجم سوق المعلوماتية الإجمالي إلى 180 مليون دولار. ويكاد لبنان أن يشكل حالة خاصة نظراً لقوة دخول المعلوماتية إلى الحياة اليومية، وفيه 250 شركة تعمل على قطاع البرامج، وتشغل ثلاثة آلاف خبير تقني يعطون دخلاً يقدر بحوالي 150 مليون دولار، وتتجدد الخبرة العلمية عبر 1800 خريج في المعلوماتية كل عام، يذهب كثير منهم للعمل في الجوار العربي، أو في الدول الغربية (ثورة الديجيتال: مرجع سابق).

بيد أن هؤلاء يتوجهون أصلا إلى السوق، في حين تحتاج الحكومة الإلكترونية إلى بنية تحتية هائلة بل إلى إعادة نظر في التعليم والتنمية والمفاهيم والاستراتيجيات على نحو غير مسبوق، إذ أن غلاء الأسعار في استعمالات وسائل الاتصال والتكنولوجيا الرقمية (عبد العزيز الشمري، www.alwatan.com) (3) وفرض القيود القانونية على انتشارها اجتماعيا لا يفيد البتة في التحول نحو الاستثمار فيها ولا في خدمة التنمية ولا في تحسين حياة المواطن إن لم يكن العكس هو الحاصل زيادة في تكاليف الحياة الاجتماعية رغم تصاعد مؤشرات الفقر وتدني مستوى الدخول في غالبية الدول العربية. وفيما يبدو ابتزازا للمواطن هدفه تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح فقد أدخلت علوم الحوسبة إلى الغالبية الساحقة من الجامعات العربية والمعاهد والكليات العليا والمتوسطة وفرضت بعضها معدلات عالية لا تقل عن 95% للراغبين في دراسة العلوم الرقمية(عبد العزيز الشمري: مرجع سابق) فضلا عن أسعار بعضها يفوق ما تشترطه كليات الطب والهندسة على طلابها من رسوم. فكيف يمكن توفير الأيدي الخبيرة الكافية لتشغيل هذه الحكومة؟

وحتى اللحظة لا ندري كيف تقبل العالم العربي دعوات بيل غيتس صاحب الثورة الرقمية الراهنة عندما زار العالم العربي ودعا قادته إلى الاستثمار في التعليم والصحة إذا أرادت هذه الدول اللحاق بعالم المعلومات وتحسين فرص حياتها (مصطفى أبو لبدة: 8/2/2004) للمرة الأولى في تاريخها.

الحواشي

1- مع الإشارة إلى أن للكاتب مؤلف بعنوان “رواية الواقعية الرقمية/الرواية  في العصر الرقمي” ويتحدث فصلها الثاني عن “الإنسان الافتراضي”، وقد نشرت صحيفة الرأي الأردنية الرواية أو أجزاء منها فيما ينشرها بالاتفاق مع المؤلف موقع:http://www.middle-east-online.com  .

2-  وفي مقالة أخرى له على موقعه بعنوان:”المشهد العربي في الانترنت” أرجع فيها مفهوم: “النص المتشعب التخييلي“، إلى جنس أدبي استحدثه مبدعون روائيون في الولايات  المتحدة الأمريكية مباشرة بعد صياغة تد نلسون لمفهوم “النص المتشعب“، أولهم ميكائيل جويس بروايته Afternoon التي صارت الآن من كلاسيكيات هذا الجنس الروائي.

3-  إن نسبة ما يدفعه المواطن الأمريكي من دخله الشهري لقاء استهلاكه للإنترنت بمعدل3 – 4 ساعات يوميا يبلغ 20$  مقابل 60$ يدفعها المواطن العربي، وهو مبلغ باهظ بالنظر إلى الفارق الكبير في مستوى الدخل الذي يميل لصالح المواطن الأمريكي وبالنظر إلى ما يوازي حجم راتب أحد الموظفين في بعض الدول العربية.

قائمة المصادر

  • القرآن الكريم- سورة النمل، الآيات: {38} ،{39} ،{40}.

أولا: الكتب

  1. باسم غدير غدير (2003 )، العالم الرقمي وآلية تحليل البيانات: دمشق، دار الرضا للنشر.
  2. بيار أنصار(1992)، ترجمة نخلة فريفر العلوم الاجتماعية المعاصرة: بيروت، المركز الثقافي العربي.
  3. حنا جريس وآخرون(2004مستقبل الثورة الرقمية:العرب والتحدي القادم (الهيبر تكستعصر الكلمة الإلكترونية)، كتاب العربي55، سلسلة فصلية تصدرها مجلة العربي الكويتية، الكويت: 15 كانون أول- يناير.
  4. 4.      تقرير التنمية البشرية (2001): ” توظيف التقنية لخدمة التنمية البشرية“، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي undp.
  5. سعد الدين إبراهيم وآخرون (1982ثورة يوليو وإعادة تفسير التاريخمصر والعروبة وثورة يوليو: بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.ط1.
  6. عبد الرحمن ابن خلدون(بدون تاريخ)، مقدمة ابن خلدون: القاهرة: دارالشعب، نسخة محققة.
  7. عبد الوهاب الكيالي  مؤسس وماجد نعمة، مدير تحرير(1986موسوعة السياسة (هجائية): بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، سبعة أجزاء، وما زالت مستمرة في التنقيح ومواكبة الأحداث، الجزء الأول. ط1.
  8. عماد بشير(2004) مستقبل الثورة الرقمية:(الصحافة العربية اليومية في العصر الرقمي): مرجع سابق.
  9. عمر محمد بن يونس- أ (2003المجتمع المعلوماتي والحكومة الإلكترونية، مقدمة إلى العالم الافتراضي: الإسكندرية: دار الفكر الجامعي.
  10. عمر محمد بن يونس- ب (2004مشكلة قواعد البيانات: الإسكندرية: دار الفكر الجامعي ط2.
  11. 11.                         غسان سنو (12،13 /1/2004) البنية التحتية الضعيفة عائق أمام الإنترنتندوة مجتمع المعلومات بين المفهوم والتطبيق: الكويت: معهد الكويت للأبحاث العلمية.
  12. هانس بيتر مارتين وهارالد شومان(آب2003فخ العولمة: الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، شهرية عالم المعرفة / 295، ط2.
  13. مصطفى المصمودي (1985) النظام الإعلامي الجديد: الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، شهرية عالم المعرفة.
  14. موسى الخلف(تموز2003العصر الجينومي، استراتيجيات المستقبل البشري: الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، شهرية عالم المعرفة.
  15. نبيل علي(2004) مستقبل الثورة الرقمية: (عنف المعلومات… وإرهابها): مرجع سابق.

ثانيا:  صحف ومواقع الإنترنت

  1. 16.                         أحمد مغربي (صحيفة الحياة اللندنية 10/11/2003): التراكم المعلوماتي عالمياً…كم يساهم العرب فيه؟ نقلا عن غرافيك: ” التراكم المعلوماتي على الصعيد العالمي”.
  2. 17.                         ثورة(الديجيتال) والفجوة الرقمية: متوفرة على الشبكة الدولية- إنترنت: موقع شبكة النبأ المعلوماتية www.annabaa.org.
  3. 18.                         جان كلود غيبو أ (صحيفة لوموند ديبلوماتيك تشرين الثاني/نوفمبر2000): هل الإنسان على طريق الزوال؟: النسخة العربية.
  4. جان كلود غيبو ب (صحيفة النهار البيروتية 22 /1/2003): مقابلة أجرتها صباح زوين.
  5. عبد العزيز الشمري (تعطل بدء تطبيق الحكومة الإلكترونية): متوفر على الشبكة الدولية– الإنترنتhttp://www.alwatan.com.
  6. فرانسيس فوكوياما، (مجلة نيوزويك 25 ديسمبر2001):“هدفهم العالم المعاصر”، الطبعة العربية/ عدد81.
  7. محمد اسليم (المشهد العربي في الانترنت): متوفرة على موقع المؤلف في الشبكة الدولية- إنترنت: rhttp://aslimnet.free.f.
  8. محمد اسليم (مقدمات العصر الرقمي): مقالة وعنوان لكتاب قيد الإنجاز متوفرة على موقع المؤلف في الشبكة الدولية- إنترنت: نفس الموقع أعلاه.
  9. محمد سناجلة (منْ هو الانسان الافتراضي؟): متوفرة على الشبكة الدولية- إنترنت: http://www.al-mashreq.org “.
  10. مصطفى أبو لبدة (صحيفة الرأي الأردنية 8/2/2004): بيل غيتس لديه«خطة طريق» التنمية: متوفر على الشبكة الدولية- إنترنت:  http://www.alrai.batelco.jo.
  11. الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت (ثورة المعلومات وأسباب تأخرها في الدول العربية): متوفرة على موقع الموسوعة في الشبكة الدولية www.c4arab.com.
  12. الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت (الفجوة الرقمية): نفس الموقع أعلاه.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى