كتاباتكتابات مختارة

10 معلومات جديدة عن صلاة التراويح

10 معلومات جديدة عن صلاة التراويح

بقلم د. مسعود صبري

يتعلق المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في شهر رمضان بعد الصيام بقراءة والقرآن وصلاة التراويح أكثر من غيرهما، وصلاة التراويح التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يعزم على الأمة عليها، بل جعلها من السنن المستحبة، وحث على فعلها، في قوله صلى الله عليه وسلم:” ومن قام رمضان ؛ إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه”.

لقد تملكت أنوار تلك الكلمات النبوية من نفوس وأرواح المسلمين عبر الزمان والمكان، فوقعت محبة صلاة التراويح في قلوب المسلمين – منذ قالها النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا، وستكون إلى أن يقوم الناس لرب العالمين.

ولما كان السلف الصالح – وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أفقه الناس بالدين، وبتلك الصلاة، كان من الواجب العلمي معرفة هدي الصحابة والسلف في تلك الصلاة؛ حتى يؤديها الناس على الوجه الأكمل.

ومن معالم الهدي في صلاة التراويح عند الصحابة والسلف ما يلي:

الجهر بالاستعاذة والبسملة عند القراءة في قيام رمضان: فمما أثر عن السلف من أن الأئمة في صلاة التراويح كانوا إذا انتهوا من قراءة الفاتحة، وأرادوا البدء بقراءة ما بعد الفاتحة من سور القرآن يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، يرفعون بها أصواتهم، والناس يسمعون، وذلك خاص بصلاة التراويح في شهر رمضان، فإن من المعلوم أن الاستعاذة تكون أول الصلاة بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، لكن الجديد هنا هو الاستعاذة بعد قراءة الفاتحة وقبل بدء القرآن في السور، وذلك خاص بصلاة التراويح في رمضان.

قال ابن شهاب رحمه الله: ” ما زال القراء في رمضان حين يصلون إذا ختموا أم القرآن يستعيذون من الشيطان، فيرفعون أصواتهم في كل ركعة: نعوذ بك من الشيطان الرجيم، إنك أنت السميع العليم، سبحانك رب العالمين، بسم الله الرحمن الرحيم ” .

وقال أبو الزناد: «أدركت القراء إذا قرءوا في رمضان يتعوذون بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم يقرءون، وكان إذا قام في رمضان يتعوذ حتى لقي الله لا يدع ذلك” .

 وكان قراء عمر بن عبد العزيز لا يدعون التعوذ في رمضان. وقال الجريري: ورأيت أهل المدينة إذا فرغوا من أم القرآن {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] وذلك في شهر رمضان يقولون: ربنا إنا نعوذ بك، فذكره ” وقال ابن وهب: سألت مالكا، قلت: أيتعوذ القاري في النافلة؟ قال: ” نعم في شهر رمضان يتعوذ في كل سورة يقرأ بها، يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قيل له: يجهر بذلك؟ قال: نعم، قلت: ويجهر في قيام رمضان ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال لي: نعم”.

وكان من الهدي عندهم الجهر بالبسملة بعد الاستعاذة في قراءة السورة، فكان إسحاق «يرى أن يجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في قيام رمضان في كل سورة”.

ويحكى عن ابن المبارك أنه كان يرى ذلك،  وكان يقول: «من ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فيما بين السور في قيام رمضان فقد من القرآن مائة وثلاث عشرة آية ولا يكون ختم القرآن” .

إطالة القراءة في صلاة التراويح: كان من هدي الصحابة والسلف أنهم يطيلون القراءة والركوع والسجود في صلاة التراويح، حتى إنهم كانوا يصلون حتى وقت السحور، وذلك مع الخلاف الوارد عن عدد الركعات التي يصلونها، هل هي ثلاث عشرة ركعة، كما هو وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عشرين ركعة، أو إحدى وأربعين ركعة، كما هو عمل أهل المدينة.

ومن الآثار الواردة في ذلك: ما ورد عن السائب بن يزيد أنه قال: «أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب رضي الله عنه وتميما الداري رضي الله عنه أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة”  وفي رواية: كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح،  كان القارئ يقرأ في ركعة بخمسين آية، ستين آية.

 وقال محمد بن كعب القرظي: «كان الناس يصلون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان عشرين ركعة يطيلون فيها القراءة ويوترون بثلاث” .

بل كان من شأن الصحابة – رضوان الله عليهم-  أنهم كانوا يعتمدون على العصي في زمن عمر – رضي الله عنه-، رغم أنه لم يكن بهم علة ولا مرض وإنما يفعلون هذا من طول قراءة الإمام.

وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يجعل طوال القراءة حسب سرعة الإمام في قراءته، فعن أبي عثمان: أن عمر رضي الله عنه جمع القراء في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأوسطهم خمسا وعشرين، وأثقلهم قراءة عشرين “.

وكان يقسمون الليل أربعة أرباع، ينامون الربع الأول، ويصلون ربعيه، وينصرفون في الربع الأخير لسحورهم وقضاء حوائجهم، وذلك زمن عمر – رضي الله عنه-.

وكان الإمام ينتظر بين الركعات بما يسمى بالترويحة، حتى يعطي فرصة لمن يريد أن يجدد وضوءه أو يقضي حاجته، وعلى هذا، فالانتظار القليل الحاصل عادة في مساجد المسلمين لا يحقق مقصود الترويحة من قضاء الحاجة وتجديد الوضوء.

والفقهاء على أن قدر الصلاة والقراءة يكون على قدر نشاط الناس، فعن عبد الرحمن بن القاسم رحمه الله: سئل مالك عن قيام رمضان، بكم يقرأ القارئ؟ قال: ” بعشر عشر، فإذا جاءت السور الخفيفة فليزدد، مثل الصافات، وطسم فقيل له: خمس؟ قال: بل عشر آيات “.

 وقال أبو داود: سئل أحمد عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس، قال: هذا عندي على قدر نشاط القوم وإن فيهم العمال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أفتان أنت” .

بل من السلف من كان يختم القرآن كل ثلاث ليال، كما ورد عن التابعي عن خالد بن دريك، قال: ” كان لنا إمام بالبصرة يختم بنا في شهر رمضان في كل ثلاث فمرض، فأمنا غيره فختم بنا في كل أربع فرأينا أنه قد ضعف “. شعب الإيمان (4/ 552)

القيام آخر الليل مقدم على أوله: وكان من هدي الصحابة – رضوان الله عليهم- أنهم كان يصلون التراويح آخر الليل وليس أول الليل كما هو حال غالب المسلمين، وقد قال عمر لما رأى الناس تصلي أول الليل:” والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون”، يريد آخر الليل.

 وقال الحسن رحمه الله: «كان الناس يصلون العشاء في شهر رمضان في زمان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم ربع الليل الأول، ثم يقومون الربع الثاني، ثم يرقدون ربع الليل، ويصلون فيما بين ذلك”  وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا تعشى في شهر رمضان هجع هجعة ثم يقوم إلى الصلاة فيصلي.

 وعن عكرمة رحمه الله: كنا نصلي ثم أرجع إلى ابن عباس رضي الله عنه فأوقظه فيصلي فيقول لي: يا عكرمة هذه أحب إلي مما تصلون، ما تنامون من الليل أفضله يعني آخره ” عمران بن حدير رحمه الله: أرسلت إلى الحسن رحمه الله فسألته عن صلاة العشاء في رمضان أنصلي، ثم نرجع إلى بيوتنا فننام، ثم نعود بعد ذلك؟، فأبى، قال: «لا، صلاة العشاء ثم القيام”.

على أنه لا يؤخر المرء صلاة التراويح مادام الناس يصلونها أول الليل؛ اتباعا للجماعة، قال  أبو داود رحمه الله: قيل لأحمد رحمه الله وأنا أسمع يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل؟ قال: «لا، سنة المسلمين أحب إلي”.

وتأخير صلاة التراويح لآخر الليل هو عندي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء”.

حضور النساء الجماعة في قيام رمضان: كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- أن تحضر النساء صلاة التراويح مع الجماعة في المسجد، لا أن يصلين في بيوتهم.

ويدل على ذلك ، ما ورد عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس قارئين، فكان أبي بن كعب رضي الله عنه يصلي بالرجال، وكان ابن أبي حثمة رحمه الله يصلي بالنساء ” . وقال عرفجة الثقفي رحمه الله: «أمرني علي رضي الله عنه فكنت إمام النساء في قيام رمضان” .

 وعن ابن أبي مليكة: أن ” ذكوان أبا عمرو كانت عائشة رضي الله عنها أعتقته عن دبر، فكان يؤمها ومن معها في رمضان في المصحف، قال: وكان يؤمها من يدخل عليها إلا أن يدخل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فيصلي بها” .

إمامة المرأة للنساء في قيام رمضان: على أن المرأة إذا أحبت الصلاة في البيت، فلا حرج عليها في ذلك، ولجماعة من النساء أن يجتمعن في البيت، أو في المسجد فيصلين وحدهن، تؤمهن امرأة منهن، على الراجح من أقوال أهل العلم.

ويشهد لذلك ما ورد عن  عن أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم”  أمرها أن تؤم أهل دارها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكان لها مؤذن “.

بل “كانت أم سلمة رضي الله عنها تؤم النساء في رمضان وهي في الصف معهن لا تقدمهن “، كما روى قتادة ذلك عن أم الحسن.

وكيفية إمامتها أن تقف وسطن في الصف, فإذا ركعت تقدمت خطوة أو خطوتين ثم لتسجد، فإذا قامت رجعت إلى مقامها.

جواز القراءة من المصحف في صلاة التراويح: ومما ورد عن بعض الصحابة والسلف جواز أن يقرأ الإمام من المصحف في صلاة التراويح،  من ذلك ما ورد أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها غلام لها في المصحف وكان يقال له ذكوان في رمضان بالليل.

 وسئل ابن شهاب رحمه الله عن الرجل يؤم الناس في رمضان في المصحف قال: «ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرءون في المصاحف” .

وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه أنه كان يأمره، أن يقوم بأهله في رمضان ويأمره أن يقرأ لهم في المصحف ويقول: «أسمعني صوتك” . وقال عطاء في الرجل يؤم في رمضان من المصحف: «لا بأس به”  وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: «لا أرى بالقراءة من المصحف في رمضان بأسا يريد القيام”  ابن وهب رحمه الله: سئل مالك، عن أهل قرية ليس أحد منهم جامعا للقرآن أترى أن يجعلوا مصحفا يقرأ لهم رجل منهم فيه؟ فقال: «لا بأس به” ، فقيل له: فالرجل الذي قد جمع القرآن أترى أن يصلي في المسجد خلف هذا الذي يقوم بهم في المصحف أو يصلي في بيته؟ فقال: «لا، ولكن ليصل في بيته”  وعن أحمد رحمه الله: ” في رجل يؤم في رمضان في المصحف، فرخص فيه فقيل له: يؤم في الفريضة؟ قال: ويكون هذا ” وعنه أيضا وقد سئل هل يؤم في المصحف في رمضان؟ قال: «ما يعجبني إلا أن يضطر إلى ذلك، وبه قال إسحاق”

بدء القراءة في أول ليلة: اعتاد المسلمون قراءة القرآن من أوله في أول ليلة من رمضان لمن أراد ختمه، فيبدؤون بقراءة سورة البقرة، لكن «كان أهل المدينة إذا دخل رمضان يبدؤن في أول ليلة بإنا فتحنا لك فتحا مبينا” ، كما نقل ذلك أبو حازم.

يؤم الناس أحسنهم قراءة: كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- أن يؤمهم أحفظهم للقرآن وأجودهم له بمراعاة أحكام التجويد، ولم يكن من هديهم أن يختاروا حسن الصوت فقط، أو من يبالغ في التغني في القرآن، بل هذا مكروه، وذلك لأنه يذهب الخشوع في الصلاة، ويكون هم الرجل أن يستمع التغني بالقرآن، فينصرف عن التدبر عن معانيه، فلا يعقل منه شيئا.

وقد حصل هذا زمن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- فغير الإمام، فعن نوفل ابن إياس الهذلي رحمه الله قال: كان الناس يقومون في رمضان في المسجد فكانوا إذا سمعوا قارئا حسن القراءة مالوا إليه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” قد اتخذوا القرآن أغاني والله لئن استطعت لأغيرن هذا فلم تمر ثلاث حتى جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه .

 وقال أيوب رحمه الله، عن بعض المدنيين: قدم رجل من أهل العراق يقال له: البيذق، فنزل المدينة، فأقاموه يصلي بالناس في رمضان، فجعلوا يقولون لسالم مولى ابن عمر: لو جئت، قال: ” فما زلنا به حتى جاء ليلة، فسمع حتى دخل أو أراد أن يدخل فخرج وهو يقول: غناء غناء”. يعني أن أداء العراقي في قراءة القرآن تشبه أداء الغناء.

 وقال سعيد بن جبير لرجل: ” ما الذي أحدثتم من بعدي؟ قال: ما أحدثنا بعدك شيئا، قال: بلى، الأعمى وابن الصيقل يغنيانكم بالقرآن ” وقرأ رجل عند الأعمش فرجع قرأ بهذه الألحان، فقال الأعمش: «قرأ رجل عند أنس بن مالك رضي الله عنه نحو هذا فكرهه” . وقال مالك رحمه الله: «يكره هذه الألحان التي يقرءونها في القيام في المسجد”  وقال الشافعي رحمه الله، في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن”  قال: يقرأه حدرا وتحزينا”.

باب إمامة الغلام الذي لم يحتلم في قيام رمضان: كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- أن يؤمهم أقرؤهم من الرجال البالغين، فإن لم يكن في القوم من البالغين حافظ؛ أمهم الغلام الذي لم يبلغ الحلم في التراويح دون الفريضة، ما دام صبيا مميزا، وكان حافظا.

فعن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: جاء نفر من الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوه يقول: «يؤمكم أكثركم قرآنا” ، قال: فقدموني بين أيديهم، وأنا غلام، فكنت أؤمهم، قال عاصم: فلم يزل إمام قومه في الصلاة وعلى جنائزهم “.

وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الأشعث بن قيس أنه كان أميرا، فقدم غلاما صغيرا فأم الناس، فعابوا عليه، فقال: «إني إنما قدمت القرآن” .

 وعن عائشة رضي الله عنها: «كنا نأخذ الصبيان من الكتاب ونقدمهم يصلون لنا شهر رمضان، فنعمل لهم القلية والخشكار”  يعني خبز السمراء.  وعن الحسن رحمه الله: «لا بأس بإمامة الغلام الذي لم يحتلم في رمضان إذا أحسن الصلاة”  وعن ابن شهاب ” لم يزل يبلغنا أن الغلمان يصلون بالناس إذا عقلوا الصلاة وقرءوا القرآن في رمضان وغيره وإن لم يحتلموا” .

باب قيام رمضان في أرض الحرب: كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- دوام قيام رمضان بأي بلد كانت، سواء كانوا في سلم أو حرب، في بلاد المسلمين أو بلاد غير المسلمين، فعن أبي عبيد الله،  قال: ” كنا بأرض الروم وعلينا ابن مسلمة وفينا أناس كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا في منزل فصمنا فيه رمضان وقمنا”.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى