كتاباتكتابات المنتدى

من أخلاق الصَّحابة رضي الله عنهم عند سماعهم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

من أخلاق الصَّحابة رضي الله عنهم عند سماعهم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

 

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

حَرَصَ الصَّحابة رضي الله عنهم على الالتزام بآداب ومبادئ مهمَّة، كان لها عظيمُ الأثر في حسن الحفظ وتمام الضَّبط، وقدرتهم في تبليغ دعوة الله للنَّاس؛ ومن هذه الآداب، والأخلاق:

1 – الإنصات التَّامُّ، وحسن الاستماع:

فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجلَّ في نفوس الصَّحابة، وأعظم من أن يَلْغَوْا إذا تحدَّث، أو ينشغلوا عنه إذا تكلَّم، أو يرفعوا أصواتهم بحضرته؛ وإنَّما كانوا يلقون إليه أسماعهم، ويشهدون عقولهم، وقلوبهم، ويحفزون ذاكرتهم، فعن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه في الحديث عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه، قال: «… وإذا تكلَّم؛ أطْرَقَ جلساؤه، كأنَّما على رؤوسهم الطَّير، فإذا سكت؛ تكلَّموا….» [الشمائل للترمذي (352)] .

قال الشَّيخ عبد الفتاح أبو غدَّة – رحمه الله -: «أصله: أنَّ الغراب يقع على رأس البعير، فيلقط منه القُراد، فلا يتحرَّك البعير حينئذٍ؛ لئلا ينفر عنه الغراب ويبقى القُراد في رأس البعير فيؤلمه، فقيل منه: كأن على رؤوسهم الطير».(أبو غدة، 1996، ص 30)

وأيَّاً ما كان أصل المثل، فهو يدلُّ على السُّكون التَّامِّ، والآنصات الكامل، هيبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له، وإجلالاً لحديثه.(البر،1999، ص77)

2 – ترك التَّنازع وعدم مقاطعة المتحدِّث حتَّى يفرغ:

وهذا من تمام الأدب، المفضي إلى ارتياح جميع الجالسين، وإقبال بعضهم على بعضٍ، والمعين على سهولة الفهم، والتَّعلم؛ ففي حديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه السَّابق في سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه، قال: «لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلَّم عنده أنصتوا له حتَّى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوَّلهم…» [سبق تخريجه]، أي: أنَّ من بدأ منهم الحديث والكلام، سكتوا حتَّى يفرغ أوَّلاً من حديثه، ولم يقاطعوه، أو ينازعوه، وبذلك يبقى المجلس على وقاره، وهيبته، ولا تختلط فيه الأصوات، ولا يحصل أدنى تشويش.(البر،1999، ص87)

3 – مراجعته صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم حتَّى يتبيَّن لهم:

فمع كمال هيبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشدَّة تعظيمهم له، لم يكونوا يتردَّدون في مراجعته صلى الله عليه وسلم ؛ لاستيضاح ما أشكل عليهم فهمُه، حتَّى يسهل حفظه بعد ذلك، ولاشك أنَّ هذه المراجعة تعين على تمام الفهم، وحضور الوعي؛ فمن ذلك حديث حفصة رضي الله عنها قالت: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «إنِّي لأرجو ألا يدخلَ النَّار أحدٌ إن شاء الله – ممَّن شهد بدراً، والحديبية»، قالت:قلت: يا رسول الله! أليس قد قال الله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]، قال: «ألم تسمعيه يقول: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]» [أحمد (6/285) وابن ماجه (281)] .

ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أُنَيْسَ رضي الله عنهم؛ الَّذي رحل جابرٌ إليه فيه، قال ابن أنيس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد – أو قال: النَّاس – عُراةً غُرْلاً بُهْماً» قال: قلنا: ما بُهماً؟ قال: «ليس معهم شيءٌ، ثمَّ يناديهم بصوتٍ يسمعه مَنْ بَعُد، كما يسمعه مَنْ قَرُب: أنا الملك، أنا الدَّيَّان، لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنَّة أن يدخل الجنَّة، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار أن يدخل النَّار، وعنده مظلمةٌ، حتَّى أُقِصَّه منه، حتى اللَّطمة»، قال: قلنا: كيف ذا، وإنَّما نأتي الله غُرْلاً بُهماً؟ قال: «بالحسنات والسَّيِّئات» قال: وتلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17] [البخاري في الأدب المفرد (970) وأحمد (3/495) والحاكم (2/437 – 438) ومجمع الزوائد (1/133)] .

وهكذا استفهم الصَّحابة عمَّا خفي عليهم، واستوضحوا ما أشكل عليهم فهمه، وهذه المناقشة والمراجعة كان لها أثرٌ كبيرٌ في الفهم، والوعي، والحفظ.(البر،1999، ص80)

4 – مذاكرة الحديث:

كان الصَّحابة – رضوان الله عليهم – إذا سمعوا شيئاً من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وحملوا عنه علماً؛ جلسوا، فتذاكروه فيما بينهم، وتراجعوه على ألسنتهم؛ تأكيداً لحفظه، وتقويةً لاستيعابه، وضبطه، والعمل به، فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «كنَّا نكون عند النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا؛ تذاكرناه فيما بيننا، حتى نحفظه». وقد بقي مبدأ المذاكرة قائماً بين الصَّحابة حتَّى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ فعن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة – رحمه الله -! قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا؛ تذاكروا العلم، وقرؤوا سُوَرَهُ».(الخطيب،1983، ج2، ص86)

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه،2004م،صص609-611

عبد الفتاح أبي غدَّة، الرَّسول المعلِّم(ﷺ) وأساليبه في التعليم  دار مكتب المطبوعات الإسلاميَّة – حلب، الأولى، 1417هـ  1996م.

عبد الرحمن البر، مناهج واداب الصَّحابة في التَّعلُّم والتَّعليم، دار اليقين – المنصورة، الطَّبعة الأولى 1420 هـ  1999 م

الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الرَّاوي واداب السَّامع مكتبة المعارف بالرِّياض، 1403هـ  1983م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى