تقارير وإضاءات

معاناة المسلمين في أوروبا وأمريكا

إعداد : أمجد خشافة

لا شيء كانت تدعيه دول الغرب أكثر من التلويح بشعارات الحرية، لكن سرعان ما تهاوت هذه الادعاءات خلال السنوات الأخيرة حين أصبحت بعض تلك الدول تقود حملات منظمة ضد كل ما له صلة بالإسلام.

بدأت هذه الحملات من خلال ظهور الأحزاب الراديكالية السياسية على مستوى أوروبا التي سعت إلى تشويه الإسلام وإلصاق تهم “الإرهاب” لكل مسلم مقيم في بلدانهم لا سيما من كانوا من جنسيات عربية.

وأدى هذا الحشد الكبير في أوروبا ضد الإسلام إلى خلق “فوبيا” لدى الرأي العام المجتمعي تجاه الأقلية المسلمة، وهو ما زاد من تفاقم العنف والعنصرية والتضييق عليهم، حتى باتت بعض الدول مثل فرنسا تتخذ قوانين رسمية تظهر عنصرية واضحة ومصادرة حرية الرأي لدى المسلمين وحشرهم في زاوية ضيقة هي أقرب لأي تهمة متعلقة بـ “الارهاب”.

تمييز عنصري ضد اللاجئين:

ومنذ أن شهدت بعض البلدان العربية حروباً طويلة مثل سوريا فقد شكلت أزمة لجوء السوريين إلى أوروبا ميزاناً كشفت فيه عن تنصل هذه الدول وبشكل رسمي تجاه هذه الكارثة الإنسانية، وهو ما يجعلها لا تقل شأناً عما تفعله الاحزاب الراديكالية من فرز عنصري ضد المسلمين.

وحين اضطر آلاف السوريين للهروب من الحرب والتوجه عبر البحار إلى شواطئ اليونان وإيطاليا واجه من نجا من الغرق منهم إغلاق دول أوروبا لحدودها، ثم حاول الاتحاد الأوروبي، بعد أن تفاقم مستوى اللجوء السوري، التوجه نحو توزيع بعض اللاجئين على بقية الدول الأوروبية، وحرمان الملايين وإرجاعهم إلى تركيا.

وعلى الرغم من قبول الاتحاد الأوروبي اللاجئين وتوزيعهم على الدول إلا أن العنصرية ظهرت بشكل واضح في تلك الدول تجاه السوريين المسلمين، وجعلت معايير قبول اللاجئين تخص النصارى ولا تشمل المسلمين.

فدولة سلوفاكيا أعلنت بشكل رسمي بعد أن عارضت توزيع اللاجئين السوريين على دول الاتحاد الأوروبي أعلنت أنها ستستقبل النصارى فقط من اللاجئين السوريين، وتذرعت بأن بلادهم لا يوجد فيها مساجد للمسلمين وأنهم سيواجهون صعوبة في التأقلم بالبلد.

ويبرز التمييز الديني ضد المسلمين بشكل أكبر في فرنسا إذ لا زالت هذه الدولة ترفض بشكل رسمي الاعتراف بالمجموعات العرقية وتصر على ضرورة أن يتشرب المهاجرون إليها بالثقافة الفرنسية وهي ممارسة واضحة لعدم الاعتراف بحقوق المسلمين ما لم يندمجوا بالثقافة الفرنسية.

هذا التوجه في فرنسا اضطر البعض من ضعاف المهاجرين إلى التنصر حتى يتفادون الضغوطات الرسمية والمجتمعية، لكن من بقي على إسلامه يجد صعوبة في الاندماج.

وكذلك دولة التشيك لا تبدو أحسن حالاً تجاه المسلمين؛ فقد أعلن رئيسها أن بلاده لا تستقبل اللاجئين المسلمين لا سيما القادمين من بلدان شمال إفريقيا بحجة الفوارق الثقافية، وأما في النمسا فهي أول دولة أوروبية تصرح بشكل علني عن عدم استقبالها للاجئين السوريين المسلمين ولكن ستتم استضافة السوريين النصارى، ويسود هذا التوجه أيضاً لدى السياسيين النمساويين دون الاعتبارات الحقوقية التي تعتبر هذا الفعل جزءاً من الفرز العنصري وفقاً للقوانين الدولية.

ولا يبدو أن التوجه العام الأوروبي عفوياً تجاه هذه الانتقائية في استقبال اللاجئين السوريين وتقليص مساحات حق اللجوء الإنساني لكل من هو مسلم؛ ولكن جاءت ضمن ظاهرة “رهابية” لدى الأوروبيين من تنامي عدد المسلمين وانتشار الإسلام على نطاق الرقعة الأوروبية، إذ يعتبر الإسلام وفقاً لتقارير الدين الثاني في فرنسا.

وتتراوح نسبة المسلمين وَفقاً لجريدة لوموند “2007” ومؤسسة إيبسوس موري سنة 2011م ما بين 3% إلى 5 – 8% وَفقاً لكتاب حقائق العالم، وتشير أغلب التقديرات أن عدد المسلمين في فرنسا يتراوح بين 5 – 6 ملايين، وغالبية المسلمين هم من بلاد المغرب الغربي، وهذا الانتشار الواسع جعل بعض المنظمات الأوروبية تعلن النفير والتحريض ضد “أسلمة الدول الأوروبية” كما يزعمون وهو ما ينعكس سلباً على المسلمين وحياتهم المعيشية والحقوقية في هذه الدول.

عنف مضاد تجاه المسلمين:

وفي حين أن اللاجئين المسلمين الذين ذهبوا لدول أوروبا تعرضوا لهذا الفرز العنصري رغم تجريم القوانين الدولية لهذا الفرز بحسب الدين؛ فإن سكان أوروبا المسلمين أنفسهم تعرضوا لأكثر من مجرد استلاب حقوقهم إلى عمليات السجن والقتل في بعض الحالات، كما حدث في فرنسا بالتزامن مع حادثتي “تشارلي إيبدو” وهجمات باريس الأخيرة 13 نوفمبر 2015م.

ورغم العنف المضاد الذي تعرض له المسلمون في أغلب الدول الأوروبية إلاّ أن فرنسا تصدرت أكثر الدول الأوروبية والغربية عنفاَ تجاه المسلمين، رغم أن المسلمين أدانوا تلكما الحادثتين وأنهما لا تعبران عنهم، لكن ربما الشحن الطويل والتحريض ضد المسلمين أعطى لهم هذه الأحداث فرصة للانتقام أكثر؛ فشنت السلطات الفرنسية حملات أمنية كان ضحيتها بعض المسلمين.

وسَعت فرنسا إلى اعتماد بعض القوانين ضد المسلمين منها تجريم ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والهيئات الحكومية المختلفة، وفرض قانون حظر الصلاة في الشوارع والساحات العامة وأمام المساجد، إضافة إلى الحملات المناهضة للعرب مثل “أيها العرب اذهبوا بعيداً”، ودعوة زعيمة اليمين المتطرف “ماري لو بان” إلى إعادة النظر في عقوبة الإعدام ووضع قيود مشددة بهدف محاربة الأصولية الإسلامية.

وفي ألمانيا، وعقب أحداث باريس، انتجت حملات وتظاهرات ضد المسلمين إلى مقتل مهاجر إرتيري، وهذه المظاهرات هي التي قادتها حركة تدعى “بيديغا” والتي تعني “أوروبيون وطنيون مناهضون لأسلمة الغرب”، وقد فتحت لها فرعاً في إسبانيا في ظل التواطؤ الرسمي مع توجهاتها العنصري على المسلمين.

ويزداد الانتساب إلى هذه الحركة في ألمانيا وأعلنت في إسبانيا في أول ظهور لها أنه “لا يوجد للإسلام مكان في المجتمعات الحرة والديمقراطية مثل أوروبا”، وهو ما يجعل وجود المسلمين في هذه الدول مهدداً في قادم الأيام لا سيما إذا استمر التحريض والتواطؤ الرسمي تجاه هذه الحركة.

وفي بريطانيا لم تكن في السابق تشهد فرزاً عنصرياً تجاه المسلمين لكن في السنوات الأخيرة لا سيما عقب أحداث باريس تعرض المسلمون فيها إلى اعتداءات وحملات كراهية حسب ما أظهرته دراسات نشرت العام المنصرم، حيث سجلت 734 جريمة كراهية بين عامي 2013 – 2014، منها 23 اعتداءً و 13 هجوماً عنيفاً و 56 هجوماً على مساجد، ومئات الإساءات عبر الإنترنت.

وتأتي هذه الأحداث بالتزامن مع دراسة رسمية صادرة عن السلطات البريطانية، نشرت العام المنصرم، تعتبر أي منتسب لـ “جماعة الإخوان المسلمين” في بلادها يعتبر محط شبهة في “الإرهاب”، وهذه أول مرة تُصدر السلطات البريطانية مثل هذا النوع من التقارير السابق من نوعه رغم أن البعض اعتبر هذه الدراسة جاءت بدوافع وبالتنسيق مع دول عربية تتجه نحو وضع هذه الجماعة ضمن “الإرهاب” وهو في الأصل ينعكس سلبياً على كل الجاليات المسلمة في بريطانيا.

المسلمون في أمريكا:

وفي الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أن وضع المسلمين، في الوقت الراهن، أقل ضرراً من حملات العنف والتحريض، بالمقارنة بدول أوروبية، لا سيما المسلمين الذين تمكنوا من الحصول على الجنسيات الأمريكية.

ورغم ما حدث من تراجع في الحقوق والحريات، التي كانت أبرز شعارات أمريكا في العالم، عقب أحداث 11 سبتمبر إلاّ أنها لا زالت تعطي اعتباراً لعدم الانقسام البيني داخلها على أساس الدين باعتبار أن المسلمين يوجدون بكثرة ويصل عددهم ما بين ثلاثة إلى سبعة ملايين مسلم في أمريكا.

 لكن ما تقدمه أمريكا كسلطات رسمية تجاه المسلمين من حرية في التدين بدأ يتلاشى مؤخراً لا سيما حينما أصبح الهجوم على المسلمين جزءاً من الحملات الانتخابية الأمريكية من قبل الجمهوريين وتلاقي رواجاً لدى المتطرفين الأمريكيين ضد المسلمين.

فخلال حملات المرشح الجمهوري “ترامب” أعلن أكثر من مرة توجهه المتطرف تجاه المسلمين ومعاداتهم؛ إذ دعا في ديسمبر من العام المنصرم لمنع المسلمين الأجانب من دخولهم الولايات المتحدة.

وبالتوازي مع هذا النوع من التوجه والتحريض ضد المسلمين تتصدر وسائل إعلام أمريكية لدعم هذا التطرف ضد المسلمين، وأبرز هذه الوسائل صحيفة “النيورك بوست” التي لا تتوقف عن مهاجمة المسلمين وتشوية المسلمين، إلا أن انخراط المسلمين في المجتمع يعكس تلك الصورة السيئة التي تصورها الحملات السياسية ووسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين.

وبشكل عام، فإن الأقليات المسلمة في دول أوروبا وأمريكا باتوا في دائرة التهمة، وتصاعد التمييز العنصري على أساس دينهم قلص من حجم مساحات حريات المسلمين وحصولهم على حقوقهم في العيش.

وإذا ما استمر هذا الفرز العنصري تجاه المسلمين ودخوله ضمن سياسة تلك الدول فسيظهر حجم الكارثة التي سيعانيها المسلمون في قادم الأيام، وربما يصبح العنف ضد المسلمين ثقافة متجذرة.

*المصدر : مجلة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى