تقارير وإضاءات

التعليم الإسلامي في أفريقيا.. حائط صد أمام التنصير

التعليم الإسلامي في أفريقيا.. حائط صد أمام التنصير

إعداد محمد سرحان

يقولون: إن «أفريقيا تحتاج إلى كتاب لا إلى مساعدات»، فالكتاب وسيلة العلم، وإذا كان التعليم هو مفتاح أفريقيا للوقوف على طريق النهضة، فإن التعليم الإسلامي للمسلمين في أفريقيا –إن تم تطويره- فهو حائط صد أمام حملات التنصير في عباءة يد تساعد، وهو مشعل الوسطية في مواجهة ثقافات طائفية التي باتت السرطان الجديد المتفشي في أوساط المسلمين بهذه القارة، لا سيما في تلك الدول التي يمثل المسلمون فيها أقلية، خاصة وأن التعليم الإسلامي ذو جذور راسخة هنا، إذ بدأ في صورة «الخلاوي القرآنية والكتاتيب»، وظل -رغم بساطته- المعاون للمسلمين في الإبقاء على هويتهم، رغم الإهمال والتغييب، لكنه بقي وإن احتاج إلى تطوير وإعادة بلورة.

أوغندا.. جذور ممتدة 
للتعليم الإسلامي في أوغندا جذور ممتدة منذ وصول الإسلام إلى مملكة «بوغندا» (بالباء) في منتصف القرن الـ19، أو ما قبل ذلك وفق روايات أخرى، لكن ما يعنينا هنا ليس تأريخاً زمنياً لدخول الإسلام، وإنما ارتباط تعلم اللغة العربية والإسلام بدخول الإسلام كدين إلى هذه المناطق، إذ يقال: إنه كان للعرب حضور ملحوظ وقت الملك «سونا» ثم فترة ابنه «موتيسا الأول»، حيث انتشرت اللغة العربية في أقاليم «بوغندا» ووصل التعليم الإسلامي أوج قمته في عهده (1862 – 1875م)، وأعلن الإسلام ديناً رسمياً للمملكة، وظهرت الكتاتيب.
كان ذلك تمهيداً مبسطاً ذكره لنا «د. هارون جمبا»، الأمين العام لجمعية المدارس القرآنية في أوغندا، الذي قال في حديثه لـ»المجتمع»: إن المسلمين اتجهوا مع بداية الأربعينيات إلى إنشاء المدارس العربية الإسلامية بالمباني الخاصة بها، وكانت تدرس فيها المواد الإسلامية واللغة العربية التي لاقت إقبالاً واسعاً وانتشاراً ملحوظاً في أقاليم عديدة في «بوغندا».
ويقول «جمبا»: التعليم الإسلامي شهد تطوراً ملحوظاً في تطوير المدارس نفسها وآليات التدريس فيها، وأيضاً على مستوى المناهج، وتأهيل القائمين على التدريس، ولعل ما ساعد على ذلك الانفتاح الكبير على الدول العربية والإسلامية في السبعينيات عندما تولى السلطة في أوغندا الرئيس المسلم «عيدي أمين» عام 1971م ولمدة 8 سنوات، أضف إلى ذلك ظهور مؤسسات إسلامية مؤثرة مثل تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى بأوغندا عام 1972م الذي يضم قسماً كاملاً للشؤون التعليمية، وهو معني بتنظيم تدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية بشكل واسع.

المدارس القرآنية
تنتشر المدارس الإسلامية في أوغندا وتبلغ نحو 650 مدرسة، تستقبل حوالي 173 ألف طالب، وتنتشر في أغلب المدن والمناطق، ولعل من أهم مشاريع التعليم الإسلامي في أوغندا «جمعية المدارس القرآنية، ويقول «د. هارون جمبا»، الأمين العام للجمعية: إنها تأسست في أواخر التسعينيات من القرن الـ20، وبدأت بتنظيم تعليم اللغة العربية والمواد الشرعية في المدارس القرآنية من الروضة حتى الثانوية، مع وضع منهج موحد جديد لجميع المدارس العربية، وللجمعية 4 مدارس في 3 محافظات، وهي كمبالا وماساكا وموكونو ولويرو، بالإضافة إلى كونها تشرف على 533 مدرسة إسلامية في أوغندا، بجانب برامج دعوية ورعاية الأيتام والبرامج الموسمية كإفطار الصائم ولحوم الأضاحي في المدارس الداخلية، وهذه البرامج يستفيد منها أكثر من 18 ألف طالب وطالبة ومدرسي المناهج الشرعية، بالإضافة إلى محفظي القرآن الكريم وخريجي المدارس القرآنية.
ويشير “جمبا” إلى جملة من التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي في أوغندا التي تحتاج مراعاة ومتابعة، وعلى رأس هذه التحديات تراجع أعداد الطلبة المسلمين الملتحقين بهذه المدارس، ولعل من أهم أسباب ذلك عدم الاعتراف الرسمي بشهادتها؛ مما يؤدي إلى عدم وجود ضمان في فرص الوظائف الحكومية، وسوق العمل في القطاعات الخاصة، وهذا يؤثر على مستقبل الطالب عموماً.

بالإضافة إلى مجانية التعليم الرسمي بالمقارنة بالمدارس الإسلامية التي تتطلب مصروفات دراسية، كما أن أكثر مدارس اللغة العربية والمواد الشرعية قد توقفت عن العمل في كثير من المحافظات بسبب سحب الدعم الحكومي، في ظل غياب مناهج موحدة شاملة لتدريب الطلبة في مدارس التعليم الإسلامي واللغة العربية على التقنية الحديثة لمواكبة العولمة والمنافسة الشديدة في سوق العمل، وأيضاً غياب نظام مراقبة التعليم الإسلامي سواء في تطبيق المناهج المتوافرة وطرق التدريس والوسائل التعليمية ونظم التقويم والكتب المنهجية وتوفير المدرسين المؤهلين للتدريس في مدارس التعليم الإسلامي واللغة العربية مع ضمان مرتبات لهم.

أفريقيا الوسطى.. علم بلا فائدة 
أفريقيا الوسطى عرفت الإسلام عن طريق جيرانها من الشمال والشرق، وهما السودان وتشاد على الترتيب، كونهما دولتين مسلمتين، وأفريقيا الوسطى تقع في قلب القارة السمراء على مساحة 624 ألف كم2، ويقدر عدد سكانها بحوالي 4.5 مليون نسمة، يمثل المسلمون منهم وفق التقارير الرسمية، نسبة تتراوح من 15 – 17%، بينما تقديرات المسلمين أنفسهم تقول: إن نسبتهم من 20 – 25%، وتتركز النسبة الأكبر منهم في الشمال والشمال الشرقي، وعدد كبير أيضاً في العاصمة بانجي.

إشكاليات اجتماعية
يقول «زكريا يونس»، داعية وناشط مجتمعي في العاصمة بانجي: إن التعليم الإسلامي لا يجد انتشاراً كبيراً هنا مقارنة ببقية دول أفريقيا، وذلك لقلة المسلمين وقلة المقبلين على هذا التعليم، فضلاً عن غياب الدعم سواء من قبل المنظمات المحلية أو الرسمية وحتى المنظمات الإقليمية، فالتعليم الإسلامي هنا يُنظر إليه على أنه علم بلا فائدة، ولا يتجاوز الصلاة والصيام، على العكس طبعاً من التعليم الفرنسي (بحكم خضوع أفريقيا الوسطى للاحتلال الفرنسي فترة طويلة)، فالتعليم الفرنسي يُنظر إلى صاحبه باعتباره مثقفاً، وقد يصبح لاحقاً وزيراً أو رئيساً بخلاف التعليم الإسلامي، ولعل السبب هنا هو الاستعمار.
يضيف “يونس”: في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ بعض المشايخ بإنشاء الكتاتيب والخلاوي وبعض المدارس الإسلامية الابتدائية والإعدادية وحلقات تعليم للفقه والحديث واللغة العربية بالعاصمة بانجي.
وبحسب “يونس”، فإن عدم الاعتراف الرسمي بالتعليم الإسلامي جعل هذا النوع من التعليم غير مرغوب فيه إلا لفئة قليلة ليس لها تأثير في الساحة إلا في المساجد والخلاوي القرآنية، فضلاً عن إشكاليات متعلقة بالتعليم الإسلامي نفسه؛ كغياب منهج موحد متطور، بدلاً من تعدد المناهج المستقاة من عدة دول، فضلاً عن غياب الدعم من قبل المنظمات الإسلامية، في المقابل تجد انتشاراً متسارعاً للمنظمات التعليمية التابعة للكنيسة وتحظى بدعم كبير.
ويضيف “يونس”: كما أنه بعد تهجير مئات الآلاف من المسلمين وهدم أكثر من 400 مسجد ومئات المدراس والكتاتيب القرآنية نتيجة صراع السنوات الأخيرة في أفريقيا الوسطى، أصبح التعليم الإسلامي يواجه معضلة حقيقية تتمثل في كيفية إعادة بناء تلك المدارس والمساجد، ووضع مناهج جديدة تتلاءم وبيئة أفريقيا الوسطى بعد اعتراف الدولة بالدين الإسلامي.
واختتم “يونس” بقوله: إنه مع بداية الألفية الثالثة قامت جمعية “العون المباشر” الكويتية (لجنة مسلمي أفريقيا سابقاً) ببناء بعض المساجد في العاصمة والمحافظات، وأنشأت إذاعة “صوت السلام” في بانجي، وأنشأت مدينة للأطفال الأيتام، وألحقت بها مسجداً ومدرسة للأطفال، ولكن بعد الحرب الطائفية تم هدم المدينة والمساجد والإذاعة.

تنزانيا.. الحفاظ على الهوية الإسلامية 
المسلمون هم من بنوا الحضارة في تنزانيا، بداية من اللغة، إلى الثقافة، فالتعليم، والفن المعماري، حتى إن المستعمر الألماني لما جاء وجد أن للمسلمين حضارتهم، ويعرفون الكتابة والقراءة؛ فاستخدمهم في دواوينه، لكن بعد الحرب العالمية الثانية، ودخول المنطقة تحت وصاية الإنجليز تغير الوضع؛ حيث تم إلغاء لغة السواحيلية التي كانت تكتب بالحروف العربية، وبدلاً عنها بدأ استخدام الحروف اللاتينية، وهكذا بين ليلة وضحاها أصبح الذي كان يعرف القراءة والكتابة أمس، هو أمّي اليوم، كما أغلقت جميع المدارس الإسلامية وتغيرت إلى مدارس علمانية وأخرى مسيحية، ووضع النظام التعليم تحت إشراف المؤسسات التبشيرية.

تغييب مقصود
وحول التعليم الإسلامي في تنزانيا، (وهي اتحاد بين «تنجانينقا»، و»زنجبار» اتحدتا عام 1964م وباتت تعرف بـ»جمهورية تنزانيا المتحدة»)، يقول «شمس علمي»، داعية ومدير مؤسسة «ذي النورين»: بعد إلغاء اللغة السواحيلية، انعزل المسلمون وهمشوا تعليمياً، وضاعت أجيال كاملة من المسلمين، فلما أفاقوا بعد الاستقلال، وجدوا كل شيء محجوزاً.
وأضاف: في السنوات القليلة الماضية، كانت الأوضاع التعليمية للمسلمين سيئة للغاية، ويكفي أن نشير إلى تقرير سابق لـ”مركز البحوث والدراسات لجامعة دار السلام” (REDET)، ذكر أن 80.6% من عدد مدرسي المدارس الإعدادية والثانوية في تنزانيا من غير المسلمين، و60% من الجامعات والكليات تابعة لمجمع الكنائس في تنزانيا، إلا أنه مؤخراً بدأت الأمور تتحسن، وبدأ المسلمون يتوحدون تحت مؤسساتهم ببناء المراكز التعليمية والجامعات.
وأشار “علمي” إلى أن التعليم الإسلامي في تنزانيا ينقسم إلى قسمين، وهما:
أولاً: التعليم غير الرسمي، ويضم فرعين: الخلاوي القرآنية (الكتاتيب)، وتقوم على تعليم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ أجزاء من القرآن، وأغلبها تكون في المسجد، أو في الحارة أو بيت الشيخ، وقد ساهم هذا النوع من التعليم في الحفاظ على الهوية الإسلامية لا سيما وقت الاستعمار البريطاني.
كما يضم التعليم غير الرسمي “المدارس العربية والإسلامية”، وهي مدارس تعنى بتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وتنتشر في معظم مدن تنزانيا، ولا سيما في منطقة الساحل حيث الأغلبية هناك للمسلمين، ويمثّل هذا النمط من التعليم أكثر مؤسسات التعليم انتشاراً وأوسعها تأثيراً في نشر اللغة العربية والعلم الشرعي؛ باعتبار تركيزها في هذا الجانب واعتنائها به، إلا أن معظم هذه المدارس غير معترف بها من قبل الحكومة، لكنها تمتاز بأن مناهجها تتعمق في العلوم الشرعية.
ثانياً: التعليم الرسمي أو المدارس المزدوجة، وقد نشأ هذا النمط من التعليم علاجاً لما يعانيه خريجو المدارس العربية والإسلامية من صعوبة مواصلة الدراسة في الجامعات، ولعدم اعتراف كثير من مؤسسات القطاع العام والخاص بشهادات هذه المدارس، ومن هنا تقوم المدارس المزدوجة على تدريس الطلاب المناهج الرسمية الموجودة في المدارس الحكومية، وتضيف إليها تدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية، وتمتاز بأن لخريجيها نفس الفرص المتاحة لخريجي المدارس العامة، وحسب المقرر المعترف به من قبل الحكومة تدريس العلوم الشرعية يتم فيها باللغة السواحيلية، لكن طلابها يدرسون مجرد مبادئ عامة عن الإسلام بعكس المدارس غير الرسمية التي تتعمق في العلوم الشرعية.

مساعٍ للتطوير
هناك مساع لتطوير التعليم الإسلامي، من بينها ما تقوم به مؤسسة «ذي النورين» من عقد دورات وورش عمل لتطوير التعليم الإسلامي من خلال عدة مسارات، منها «تمكين المعلم»؛ وذلك بتأهيله خلال دورات تدريبية تأهيلية، بالإضافة إلى إعداد منهج يتناسب والبيئة في تنزانيا.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى