تقارير وإضاءات

محاولة لضرب حق من حقوق المسلمين.. “عون” يستهدف آخر التركات العثمانية في لبنان

محاولة لضرب حق من حقوق المسلمين.. “عون” يستهدف آخر التركات العثمانية في لبنان

إعداد أحمد زكريا

أثار حديث الرئيس اللبناني ميشال عون عن نيته “القضاء على الطائفية وبناء الدولة المدنية” نت خلال بوابة “الأحوال الشخصية” بالتحديد، الكثير من الجدل وإشارات الاستفهام، حول السبب الذي دفع عون للتطرق لهذا الأمر في هذه المرحلة بالذات، والتي يشهد فيها لبنان ثورة شعبية ضد فساد السلطة.

وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قال عون في خطاب له “إنني أتعهد ببذل الجهود لإقامة الدولة المدنية والتخلص من الطائفية، والبداية من قانون موحد للأحوال الشخصية، وأتعهد بمتابعة الحرب على الفساد عن طريق التشريع اللازم والقضاء العادل والنزيه بعيداً عن أي انتقائية”، كما دعا رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، يوم الأحد الماضي، لنفس الدعوة، في مفارقة أثارت ريب الشارع اللبناني “لماذا التركيز على قاونو الأحوال الشخصية في هذا الوقت الحساس وإهمال مطالب الشعب المعيشية من اقتصاد وكهرباء وماء وغلاء أسعار؟!”.

ويعلق مراقبون أن المتابع لمسار الثورة في لبنان يرى أن “هدفها إنهاء حالة الفساد والقضاء على المفسدين إضافة للمطالبة بإصلاحات اقتصادية ومعيشية، دون التطرق للأحوال الشخصية والمحاكم الشرعية وما  يندرج في سياقها”.

وبالعودة إلى الوراء، فإن التاريخ يشهد أن قانون الأحوال الشخصية المعتمد في لبنان، يعتبر “تركة” من تركات الدولة العثمانية، بشهادة مؤرخين أكاديميين، ومن هنا يرى المراقبون أن عون يحاول طمس أي معالم تشير تشير للدولة العثمانية وما قدمته للبنان.

وفي هذا الصدد، قال المؤرخ اللبناني حسان الحلاق لـ”وكالة أنباء تركيا” إنه “من المؤكد أن المحاكم الشرعية هي من أهم إنجازات الدولة العثمانية في لبنان، لأنها أدت إلى إقامة العدل بين مختلف مواطني الدولة العثمانية من مسلمين وغير مسلمين، ومن الرعايا الأجانب أيضا”.

وأضاف الحلاق أن “المحاكم الشرعية تختص بقضايا المجتمع كافة، وكان يتفرع منها: محكمة البداية ومحكمة الحقوق ومحكمة الجزاء، ومحكمة الاستئناف وسواها، وهي كانت بمثابة (العدلية) اليوم”.

وأشار الحلاق أن “وثائق وسجلات المحكمة الشرعية في لبنان، تمثل الوجه الحضاري للدولة العثمانية، وللمسلمين عامة، وللإسلام على الأخص، نظرا لاحتوائها على مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والوقفية والعقارية و الدعاوى والمنازعات والأحكام والفرمانات، وكل ما يؤكد على عدالة الدولة العثمانية”.

ويعتبر قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته الدولة العثمانية، حسب الحلاق، “من أهم الإنجازات الخاصة بتنظيم المجتمع العثماني ومن بينه المجتمع اللبناني، وذلك للتوفيق بين الشريعة الإسلامية ومقتضيات المجتمعات العثمانية في الشرق والغرب”، لافتا إلى أن “لبنان والعديد من الدول العربية ما زالت تعتمد الكثير من مواد هذا النظام في تنظيم أحوالها الشخصية”.

وأكد الحلاق أن “الأرشيف اللبناني ما يزال يزخر بمئات الألوف من الوثائق والمستندات العثمانية التي لا يمكن التخلي عنها سواء في موضوعات الحقوق والواجبات، وفي إطار الذاكرة التاريخية”، مضيفا أن “كتابة التاريخ اللبناني لا يمكن أن يكون مستكملا إلا إذا تم الاعتماد على الأرشيف العثماني المتوافر في جميع المدن والمناطق اللبنانية، وفي مراكز الأرشيف والمكتبات العامة والخاصة، وفي أرشيف الأسر البيروتية واللبنانية”.

وختم المؤرخ اللبناني أنه “لا تاريخ موضوعي في لبنان دون الاعتماد على الأرشيف العثماني سواء المتوافر في لبنان أو في إسطنبول”.

ويرى مراقبون أن ما أشار إليه عون بخصوص قانون الأحوال الشخصية ونيته إجراء تغيير جذري في بنيته وبنية المحاكم الشرعية، هو بسبب أن جذور هذا القانون تعود للدولة العثمانية، مذكرين بالهجوم الذي شنه عون، نهاية آب/أغسطس الماضي، ضد الدولة العثمانية خلال خطاب متلفز بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس “لبنان”.

وقال عون حينها إن “الدولة العثمانية دولة مارست الإرهاب ضد اللبنانيين وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى”، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين.

وفي هذا السياق، علّق المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ الدكتور هشام خليفة، على طرح عون، قائلا إن “هناك شريحة كبيرة من المسيحين ليسوا علمانيين، وكذلك أغلب المسلمين ليسوا علمانيين، بمعنى أن ينادوا بقوانين علمانية وضعية رافضين كل شيء ديني أو إلهي، وهناك قسم من العلمانيين يريدون أن يبعدوا الدين تماما عن حركة المجتمع، وأن يبقى فقط حالة عبادية تعبدية”.

وشدد خليفة في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “ما قام به رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون والذي يفترض به أن يكون رئيسا لكل لبنان، بمسلميه ومسيحييه، بعلمانييه ومتدينيه، يهدف أولا للقضاء على ما تبقى للمسلمين، وتكرار طرح هذه القضية عدة مرات من رئيس البلاد، يدخل في إطار لعبة سياسية نتيجة ما يحدث في لبنان من ثورة على الفساد والهدر والنهب وما إلى ذلك”.

وأضاف أن “هذا الأمر هو خطة قديمة بدأت منذ أيام ضرب الدولة الإسلامية العثمانية، التي كانت تحكم بأغلب الدين والتي كان منهجها منهج إسلامي وطني منفتح”.

وشدد أن “من هذا الإرث الطيب بقي قانون الأحوال الشخصية المتمثل بالمحاكم الشرعية الإسلامية والمحاكم المذهبية الأخرى، وبالتالي هناك محاولة جديدة للقضاء على ما تبقى للمسلمين من تعامل ديني ولو على مستوى الأحوال الشخصية فقط”.

وأشار خليفة إلى أن هذه القضية “أوسع من قضية الزواج المدني التي هي جزء من المشروع الذي طرحه الرئيس عون تحت عنوان قانون موحد للأحوال الشخصية، أي أنه سيمس الزواج والطلاق والميراث والعدة وكل هذه القضايا التي ما زالت هي الباقية الوحيدة التي تربط الأسرة اللبنانية إن كانت مسلمة أو مسيحية، وبالذات المسلمة لأن هذه القضايا هي قضايا شرعية إيمانية عقدية تتعلق بالعقيدة أحيانا”.

وأوضح أن “عدم التطبيق شيء وإذا حالت دون تطبيقها ظروف قاسية فهذا شيء آخر، أما إذا اختار الإنسان خيارات أخرى غير الشرع فهذا يؤدي إلى أن تؤثر على عقيدته ودينه وإيمانه”.

وبين أن “هذه المحاولة قد سبق وأن قام بها غير عون، مثل الرئيس الأسبق إلياس الهراوي، وأيضا في آخر فترة من عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، والآن يقوم بها ميشال عون”.

ورأى خليفة أن عون “يريد بذلك أولا أن يشغل الناس بقضية يعلم أنها حساسة جدا وأنها قد تثير المرجعيات الدينية وتثير الشارع المسلم، وبالتالي قد تؤدي إلى إشكالية تخفف من حدة الثورة، والأمر الثاني قد تؤدي إلى انقسام بالثورة لأن الثوار كما تبين اليوم هم من جميع الطوائف وبكثافة، يعني السني والمسيحي بأنواعه والدرزي والشيعي كله يشارك في الثورة، وهناك جزء كبير جدا يرفض المساس بقانون الأحوال الشخصية”.

وتابع أن “طرح هذه القضية حتى يجعل هؤلاء يتساءلون مع الذي يخالفهم بالرأي من الثوار عن هذه القضية، وهنا قد يحدث إشكال يؤدي إلى شرخ في صفوف الثوار”.

وأوضح خليفة أن “الهدف أيضا قد يكون لدغدغة مشاعر العلمانيين في هذه الثورة، وكأنه (عون) يقول: لهم أنا ضمانة لكم أي خففوا حدتكم، وبالتالي يحاول أن يستجدي عاطفتهم تجاه رفضهم لكل شيء ديني”.

وشدد “نحن مع الدولة المدنية ومع الدولة اللاطائفية، ولكننا لسنا مع الدولة اللادينية”.

وأضاف أنه “في لبنان دولة علمانية مدنية، ولكن الدستور يحمي الطوائف ويحمي العقائد ويمنع التجديف بحق الله عز وجل والأديان، وبالتالي المساس بمثل هذا القانون مخالفة واضحة للدستور اللبناني”.

وختم خليفة أن “من أهداف هذه الحملة على الأحوال الشخصية اقتطاع لبنان من محيطه العربي والإسلامي، ورميه في أحضان الغرب فكريا وثقافيا وحتى عقائديا”.

وتوالت الانتقادات لما يسعى إليه عون وحزبه السياسي، تجاه قانون الأحوال الشخصية، إذ قال الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان عزام الأيوبي في منشور على حسابه في “الفيس بوك”، إنه “كلما أرادوا أن يتهربوا من إلغاء الطائفية السياسية وضعوا الأحوال الشخصية في مقدمة المشهد، سلاحها الأساسي هو الطائفية، ولن تتخلى عنه طوعا”.

في حين قال عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى أحمد الأمين في منشور له في “الفيس بوك” أيضا إن “الأغراض باتت معروفة ومكشوفة بعد خطاب الرئيس عون في مطلبه بتوحيد الأحوال الشخصية بتوقيت غريب مواز لعاصفة شعبية مطلبية لمحاربة الفساد والفاسدين”، مضيفا أن “رئيس الجمهورية اللبنانية أقسم على احترام الدستور اللبناني في خطاب القسم المعروف في المجلس النيابي حينما تولى سدة الرئاسة من 3 سنوات”.

وحذر الأمين  في سياق حديثه “من هنا تأتي خطورة مخالفته الدستور ونكثه للقسم في خطابه، بطلب إقرار قانون أحوال شخصية موحد، أي أنه ملزم لكل اللبنانيين ، متجاوزا بذلك الطلب كل معاني التعددية والخصوصية الدينية والمذهبية اللبنانية”.

وتابع قائلا إن “خطابكم يا فخامة الرئيس بطلب إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية هو تجاوز دستوري بحسب ما ورد في المادة التاسعة من الدستور باحترام أنظمة الأحوال الشخصية للمواطنين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، كما أنه ينتج عنه حكما إلغاء كل المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية، مما يتعارض مع المنظومة والتركيبة الطائفية اللبنانية المعقدة، والاحتكام الى نظام مدني لا ديني يحمل في ظاهره لواء الحفاظ على الأسرة ومصلحتها وفي باطنه دمارها وتفرقها ، وذلك بحسب ما رأينا في اسقاطاته لدى الغرب الذين بدأوا العودة عنه إلى النظام الشرقي المحافظ”.

وختم الأمين قائلا “إن  كان لا بد يا فخامة الرئيس وهو أولوية ، إلغاء الطائفية السياسية من رأس الهرم إلى أدناه ، وكذلك التعيينات المبنية على الطائفية والولاء الحزبي على حساب النظر إلى الكفاءة والخبرة والمناقبية، ومن الأولويات أيضاً ، إلغاء الطائفية المناطقية في الخدمات والمشاريع دون المفاضلة الحزبية المقيتة” .

وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اندلعت شرارة الثورة في لبنان احتجاجا على قرار الحكومة اللبنانية فرض ضرائب جديدة، توسعت لتشمل مطالب إصلاحية أخرى جعلت الحكومة تعيد حساباتها فيما يخص الرضوخ لرغبات ومطالب المحتجين، وأجبرت رئيس الحكومة سعد الحريري على تقديم استقالته، وما تزال الثورة مشتعلة في عموم المناطق اللبنانية.

(المصدر: وكالة أنباء تركيا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى