تقارير وإضاءات

ما موقف الإسلاميين في حكومة المغرب من التطبيع.. استمرار أم طلاق مع الملك؟

ما موقف الإسلاميين في حكومة المغرب من التطبيع.. استمرار أم طلاق مع الملك؟

إعداد يوسف أحمد

لم تكن خطوة انضمام المغرب إلى قطار “التطبيع” ليصبح رابع بلد عربي يطبع العلاقات مع الاحتلال في شهرين مفاجئة؛ لأن تاريخ العلاقات السرية بين المغرب والكيان الصهيوني يرجع إلى 60 عاماً، كما رصدته صحيفة “نيويورك تايمز”، ولكن المفاجئ هو توقيت وملابسات القرار، حيث يرأس الحكومة أمين عام حزب إسلامي رافض للتطبيع.

لذلك أصبح حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي في مأزق شديد بعد إعلان الملك التطبيع مع الكيان الصهيوني رسمياً؛ لأن حكومة التيار الإسلامي هي التي ستتعامل مع هذا التطبيع، وتواجه الشارع وتتصادم مع أحد أهم مبادئها وهو رفض التطبيع.

لهذا يبدو موقف الحزب ورئيس الوزراء في غاية الحرج، ما يطرح تساؤلات حول: هل يستقيل وتنهار الحكومة؟ وهل يعقب هذا تصادم بين الإسلاميين والملك؟ أم يبادر الملك بتكاليف حزب يقبل التطبيع برئاسة الحكومة الجديدة؟ وما تداعيات التطبيع؟

وهل يقف تاريخ العلاقات السرية بين المغرب والكيان والممتدة إلى 60 عاماً وراء هذا التطبيع؟، أم هي المكاسب المغربية التي أعلن عنها بالمقابل وهي اعتراف أمريكا بالصحراء المغربية ملكاً للمغرب لا الجمهورية الصحراوية، وصفقة سلاح بمليار دولار؟

وبالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين المغرب والكيان الصهيوني، فإنه كان بينهما تعاون وثيق سري منذ ما يقرب من ستة عقود في المسائل الاستخباراتية والعسكرية، فما قصة هذه العلاقات السرية؟

موقف “العدالة والتنمية”

مثل غالبية الأحزاب العربية، يرفض حزب العدالة والتنمية المغربي ذو التوجه الإسلامي الاعتراف بالاحتلال الصهيوني، وفي أغسطس الماضي 2020م، أكد رئيس الحكومة المغربية، وهو في الوقت ذاته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، معارضة أي تطبيع مع الكيان الصهيوني.

وقال العثماني حينئذ: إنها خطوط حمراء بالنسبة للمغرب ملكاً وحكومة وشعباً، وهذا يستتبع أن كل التنازلات التي تتم في هذا المجال هي مرفوضة من قبلنا.

وتابع: موقف المغرب ملكاً وحكومة وشعباً هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض كل عملية تهويد والتفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين، وعلى عروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف.

وشدد على أنه “كما نرفض أيضاً كل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن التطبيع معه هو دفع له وتحفيز له كي يزيد في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني والالتفاف على الحقوق المذكورة”.

وقد حاولت الحكومة المغربية إصدار موقف مؤقت للرد على التطبيع، مساء أمس الجمعة، وأعلنت رفضها لخطة “صفقة القرن” الأمريكية، والمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد مدينة القدس.

حيث قال رئيس الحكومة، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، سعد الدين العثماني، خلال ندوة لمؤسسة “عبدالكريم الخطيب للدراسات والفكر” (غير حكومية)، بمقر الحزب في الرباط، غداة إعلان استئناف العلاقات بين الرباط والكيان الصهيوني: إنه معارض لـ”صفقة القرن”؛ ما يعني معارضته التطبيع دون قول هذا صراحه.

وقال العثماني: أمس (الخميس) قام الملك محمد السادس بالاتصال بالرئيس (محمود) عباس، ليقول له: إن موقف جلالته الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير، وإن المغرب يضعها في مرتبة قضية الصحراء.

وأضاف أن هذا المبدأ أيضاً نتبناه (في الحكومة)، بتأكيدنا المستمر على رفض “صفقة القرن”، وأي انتهاكات لسلطات الاحتلال “الإسرائيلية”، وخصوصاً محاولات تهويد القدس في الآونة الأخيرة وأكد أن “الموقف المغربي عموماً يبقى باستمرار داعماً للقضية الفلسطينية”.

ومع هذا لم يصدر حزب العدالة والتنمية بياناً حاسماً حول موقفة بعد من قرار الملك التطبيع، علماً أن الملك هو المسؤول الأول عن السياسة الخارجية للبلاد، والوزارات هو من يشكلها، وليس للعثماني وحكومته أي دور في منع التطبيع، لذلك يعتقد أن يصدر الحزب اليوم السبت في اجتماع الأمانة العامة له موقفاً محدداً، يتقرر على أساسه استمراره في الحكم أم لا.

تهميش الإسلاميين في المغرب

قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في 7 أكتوبر 2016م، كانت أغلب التوقعات تشير لتأثر العدالة والتنمية بالثورات المضادة التي عصفت بالقوى الإسلامية التي وصلت للحكم خصوصاً في مصر، بينما أبقت على دورهم في تونس والمغرب.

ولكن جاء فوز إسلاميي المغرب بأغلبية المقاعد والاستمرار في الحكم، وفوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى وحصوله على 125 مقعداً من أصل 395، ليمكنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، ولكن وفق توافقات مع الملك.

فقد نتج عن هذا انقلاب جزئي في موقف الملك الذي عين، في أبريل 2017م، حكومة “تكنقراط” همشت الإسلاميين جزئياً، وقد كتبت جريدة “لوموند” الفرنسية، في 5 أبريل 2017م، تشرح كيف أن حكومة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، انحنت للشروط التي فرضها عليها مقربون من القصر، وأن رئيس الوزراء الجديد (سعد الدين العثماني) الذي تم تعيينه، يوم 17 مارس 2017م، قبل بكل التنازلات الثقيلة لتشكيل حكومته، وتبنى موقفاً توفيقياً لتشكيل أغلبية من 240 مقعداً برلمانياً يمثلون 6 أحزاب.

وقالت الجريدة: إن حزب “التجمع الوطني للأحرار” العلماني، الذي يرأسه عزيز أخنوش، المقرب من الملك، حصل على حصة الأسد داخل الحكومة الجديدة.

وأضافت الجريدة أن هذا الحزب، رغم أنه لم يحصل سوى على 37 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، فإنه هيمن على المناصب الاقتصادية داخل الحكومة الجديدة بوزراء تكنقراط، على رأسهم رئيسه الملياردير “أخنوش” رجل الأعمال وصديق الملك، بينما تم تهميش وزراء حزب “العدالة والتنمية” رغم حصولهم على نحو 10 حقائب وزارية، ولكنها ضعيفة، من بينهما 4 كتابات للدولة، وهم من الذين لا يحضرون المجالس الوزارية التي يرأسها الملك.

ومنذ ذلك الحين وهناك توترات في البرلمان، بين أعضاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب التجمع الوطني للأحرار العلماني، الذي يرأسه عزيز أخنوش، آخرها حملة لمقاطعة شركات أخنوش الوزير الأكثر نفوذاً في المغرب، واتهام حزبه الإسلاميين بالوقوف خلف الحملة، ما يهدد التحالف الحالي بين الإسلاميين والليبراليين.

قصة 60 عاماً من العلاقات بين الكيان الصهيوني والمغرب

بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين المغرب والكيان الصهيوني، فإنه كان بينهما تعاون وثيق سري منذ ما يقرب من ستة عقود في المسائل الاستخباراتية والعسكرية، وقد بدأت منذ الأربعينيات من القرن الماضي.

وقد رصد تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” تاريخ هذه العلاقات على مدار 60 عاماً، مؤكداً أن “إسرائيل” ساعدت المغرب في الحصول على أسلحة ومعدات جمع المعلومات الاستخباراتية وتعلم كيفية استخدامها، كما ساعدته في اغتيال زعيم معارض، بينما ساعد المغرب “إسرائيل” في استقبال اليهود المغاربة، وشن عملية ضد أسامة بن لادن، وحتى التجسس على دول عربية أخرى.

وبحسب الصحيفة، يعكس التعاون، الذي تم الكشف عنه في مجموعة من المقابلات التي أجريت والوثائق المكتشفة على مدى سنوات عديدة، سياسة “إسرائيلية” طويلة الأمد لبناء علاقات سرية مع الأنظمة العربية، فقد اتبعت “إسرائيل” ما يسمى بإستراتيجية الأطراف، للوصول إلى الدول البعيدة عن النزاع الإقليمي “الإسرائيلي” العربي أو التي لديها علاقات عدائية مع أعداء “إسرائيل”.

وبحسب “نيويورك تايمز”، نشأت العلاقة المغربية “الإسرائيلية” جزئياً من العدد الكبير لليهود في المغرب قبل ولادة “إسرائيل” في عام 1948م، وكثير منهم كان يهاجر إلى هناك، ويشكل أحد أكبر أجزاء سكان الكيان، نحو حوالي مليون “إسرائيلي” من المغرب أو من نسل أولئك الذين كانوا يضمنون مصلحة عميقة وثابتة في ذلك البلد.

وأشارت الصحيفة إلى أنه عندما حصل المغرب على استقلاله عن فرنسا عام 1956م، تم حظر هجرة اليهود، فقامت وكالة التجسس “الإسرائيلية” (الموساد) بتهريب العديد من اليهود، ولكن تم الكشف عن العملية في عام 1961م، عندما غرقت سفينة تابعة لـ”الموساد” تحمل هؤلاء المهاجرين، مما أسفر عن مقتل معظم من كانوا على متنها.

بعد تولي الملك الحسن الثاني السلطة في نفس العام، ساعدته “إسرائيل” بقوة، وكشفت له عن مؤامرة المعارض المغربي مهدي بن بركة، الذي طلب منها المساعدة في الإطاحة بالملك، فقد تم استدراجه إلى باريس والتخلص منه بمعرفة العملاء “|الإسرائيليين”.

كما زودت “إسرائيل” المغرب بالسلاح وتكنولوجيا المراقبة ودربت المغاربة على استخدامها، وساعدت في تنظيم جهاز المخابرات المغربي.

وكشفت الصحيفة الأمريكية أنه في عام 1965م، التقى القادة العرب والقادة العسكريون في الدار البيضاء، سمح المغرب لـ”الموساد” بالتنصت على غرف الاجتماعات والأجنحة الخاصة، وقد أعطى التنصت “إسرائيل” رؤية غير مسبوقة في التفكير والقدرات والخطط العربية، التي تبين أنها حيوية لـ”الموساد” والجيش “الإسرائيلي” في الاستعداد لحرب 1967م.

وقال الجنرال شلومو غازيت، الذي أصبح فيما بعد رئيس المخابرات العسكرية، في مقابلة عام 2016م: “هذه التسجيلات، التي كانت حقًا إنجازًا استخباراتيًا غير عادي، أثبتت شعورنا، لدى الجيش “الإسرائيلي” الأعلى، بأننا سننتصر في الحرب ضد مصر”.

كما كان المغرب موقع الاجتماعات السرية بين الحكومة المصرية و”الإسرائيلية” في أعقاب حرب أكتوبر، التي انتهت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978م.

ما ثمن التطبيع؟

على مدى السنوات الماضية، سعى الملك محمد السادس إلى الحصول على مساعدة “إسرائيل” لإقناع واشنطن بقبول ضم المغرب للصحراء الغربية، الذي أتى ثماره أخيرًا في إعلان يوم الخميس الماضي حين أعلن ترمب عن توقيعه اعترافاً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، التي شهدت توترات مؤخراً، ولكنه إعلان معرض للتغيير مع تغير الرؤساء الأمريكيين ومصالح أمريكا.

وأضاف ترمب، في تغريدة أخرى: “لقد وقعت اليوم إعلاناً يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، إن مقترح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار”.

أيضاً بعد إعلان التطبيع بين الرباط و”تل أبيب”، أعلنت وكالة “رويترز” أن إدارة ترمب أخطرت بشكل رسمي الكونجرس بخطتها لعقد صفقات تصدير أسلحة إلى المغرب بقيمة تصل إلى مليار دولار، وأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أرسلت إخطاراً للكونغرس بمضيها قدماً في بيع طائرات مسيرة وأسلحة موجّهة بدقة، بقيمة قد تصل إلى مليار دولار للرباط، وهي أيضاً مكسب هامشي لأن الكونجرس قد يرفضها.

المصادر المطلعة قالت لـ”رويترز”: إن الصفقة التي تعد لها إدارة ترمب تشمل 4 طائرات مسيرة من طراز “إم كيو-9 بي سي جارديان” من صنع شركة جنرال أتوميكس المملوكة للقطاع الخاص، وذخائر موجهة بدقة من نوع هيل فاير، وبيف واي، وجي دي أيه إم من صنع شركات لوكهيد مارتن وريثيون وبوينج.

أيضاً كشف مسؤول بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تعهد واشنطن بتنفيذ استثمارات في المغرب بنحو 3 مليارات دولار على مدار 3 سنوات، ولكن نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن مسؤول بارز بإدارة ترمب قوله: إن الاستثمارات الأمريكية المرتقبة في المغرب “ليست مرتبطة” باتفاق التطبيع بين “إسرائيل” والمغرب.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى