كتب وبحوث

قطيعة الإنسانوية مع الله

قطيعة الإنسانوية مع الله

إعداد وفاء الصالح

يتطرق كتاب الإنسانوية المستحيلة، الذي ألفه الدكتور إبراهيم الرماح وصدر عن مركز دلائل، إلى شرح فكر الإنسانوية ونزعتها كمنهج حياة وتفكير، والعبور على مراحلها عبر التاريخ وصولاً إلى وضعها في العصر الحديث الذي يضع الاجتهادات الإنسانية في محل التشريعات الربانية، مع توضيح أين تقف وجهة النظر الإسلامية.

ويحتوي الكتاب فصولاً تتضمن: معالم الإنسانوية وتعريفها وجذورها ومنظماتها. ثم ينتقل إلى إشكالات الخطاب الإنسانوي، ونزعة الإلحاد وتأليه الإنسان، ودين الإنسانوية والبعد التجاوزي، والنسبية الأخلاقية، والداروينية والتفرد الإنساني، والإنسانوية الغربية والآخر، والعلموية واحتكار الآخر، والاضمحلال وما بعد الإنسانوية. ثم ينتقل إلى الحديث عن الإنسانوية في ميزان الدين، إلى غير ذلك من المباحث.

معالم

إذا ذكر مصطلح الإنسانية يتبادر إلى الذهن مجموعة من معاني الإحسان إلى البشر وإعلاء قيمة الكرامة الإنسانية والاهتمام بالإنسان عموماً، وهذا القدر يكاد يكون متفقاً على حُسنه بين جميع البشر. لكن مصطلح الإنسانوية يعني شيئاً آخر.

إن مصطلح الإنسانوية (Humanism) على صيغة المصدر لم يظهر في الثقافة الغربية للمرة الأولى إلا في أوائل القرن التاسع عشر، مع أن مدلول الكلمة كان موجوداً منذ وقت طويل، حيث استعملت في البداية للدلالة على نظام تعليمي تربوي جديد يهدف إلى تكوين الناشئة، من طريق الثقافة والآداب القديمة.

وأما الإنسانوية في السياقات الحديثة فهي حسب معجم Merriam – Webster (عقيدة، مجموعة من السلوكيات، أو طريقة للحياة متمركزة حول اهتمامات الإنسان أو قيمه، كفلسفة ترفض ما فوق الطبيعة، تعتبر الإنسان موضوعاً طبيعياً، تؤكد على الكرامة الأساسية وقيمة الإنسان وقدرته على تحقيق الذات من خلال العقل والمنهج العلمي [التجريبي]).

وقد اختير لفظ (الإنسانوية) لا (الإنسانية)؛ للدلالة على المبالغة والغلو في ذلك المذهب بصيغته الغربية الحديثة.

وبالإجمال، فإن المبادئ الناظمة للنزعة الإنسانية هي:

– التوجه إلى الإنسان وحده والانفصال عن تشريع الإله.

-التعويل على العقل وحده والانفصال عن توجيه الوحي.

– التعلق بالحياة الدنيا وحدها والانفصال عن أية دلالة أخروية.

جذور

قضية النزعة الإنسانوية لا يكتمل طرحها الفلسفي إلا في إطار ربطها بالبناء العام التي نشأت فيه الثقافة الغربية.

ففي العصور القديمة: ادعى الرواقية محبة الجنس البشري بأسره، وقد أقاموا دعواهم على أساس أن كل إنسان هو غاية في ذاته؛ ولهذا تجب عندهم محبة البشرية من أجل ذاتها، لا لغاية أو منفعة.

القرون الوسطى: في زمن القرون الوسطى اكتست المسيحية بروح الكآبة والقلق، كان تخويفهم من العذاب أكثر من ترغيبهم للناس في رحمة الله وحلمه… كما استلهمت نصرانية القرون الوسطى تعاليم القديس أوغسطين في مذهبه الذي هو أشد المذاهب تنديداً بالإنسان وتخويفاً له من نار الجحيم، وقرر أن الإنسان قد وُلد خاطئاً وسيموت ملعوناً [إلا من استُثني]. وبالتالي فإن الفكرة الثابتة لدى لاهوتيي القرون الوسطى هي التنقّص من مكانة الإنسان، واحتقار الجسد، وإنشاء نظرة سلبية عنه.

ثم جاء على أثر ذلك في عصر آخر رد الفعل ضد الإلحاح غير الطبيعي الذي يفرضه مذهب الزهد الغالي ونكران الذات. وطفقت الدُّنيانية (نسبة إلى الدنيا) تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانوية، وأصبح الناس لا يخفون تعلقهم الشديد بالإنجازات البشرية وبإمكانية تحقيق آمالهم في هذه الحياة المنظورة، كما حصل في عصر النهضة.

أما في العصر الحديث: ففي ١٩٣٣م ظهر البيان الإنسانوي الأول على يد روي سيلرز وريمون براغ، وتضمن هذا البيان ١٥ تأكيداً حول الكونيّات، والتطور البيولوجي والثقافي، والطبيعة البشرية، ونظرية المعرفة، والأخلاق، والدين، وتحقيق الذات، والسعي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.

وبعد ٤٠ سنة من إصدار هذا البيان الأول ظهر البيان الإنسانوي الثاني، على يدي باول كرتز وإدوين ويلسون، الذي هدف إلى تحديث البيان الأول الذي عُدّ متفائلاً جداً، خصوصاً بعد ظهور النازية ونشوب الحرب العالمية الثانية. وفي هذه المرحلة تجلت القطيعة العظمى مع الدين والنزوع الأكبر إلى الإلحاد.

وبعد ٣٠ سنة تجلى البيان الإنسانوي الثالث في عام ٢٠٠٣م تحت عنوان: الإنسانوية وتطلعاتها، بواسطة الجمعية الإنسانوية الأمريكية، وهذا البيان أقصر من سابقيه حيث احتوى ٧ نقاط، هي:

١- تستمد المعرفة من الملاحظة والتجريب والتحليل العقلاني.

٢- البشر هم جزء لا يتجزأ من الطبيعة، ونتيجة للتغير التطوري، وهي عملية غير موجهة.

٣- تستمد القيم الأخلاقية من حاجة الإنسان والفائدة واختبارها من خلال الخبرة.

٤- تحقيق الحياة ينبثق من المشاركة الفردية في خدمة المثل العليا الإنسانية.

٥- البشر اجتماعيون بالطبيعة ويجدون المعنى في العلاقات.

٦- العمل لنفع المجتمع يزيد السعادة الفردية.

٧- احترام وجهات النظر الإنسانية في مجتمع مفتوح، علماني، ديمقراطي، مستدام بيئياً.

(المصدر: موقع المثقف الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى