تقارير وإضاءات

علماء أهل السنة قرة عين حرس إيران الثوري!

إعداد عبد الحكيم ظافر

“لا يُسمح لي بالسفر والتنقل بين المحافظات الإيرانية إلا داخل محافظة سيستان وبلوشستان والسفر إلى مدينتي قم وطهران، فالبعض من الجهات لا ترغب في رحلاتي الخارجية أو الداخلية، لذلك لم أستطع المشاركة في الكثير من المؤتمرات الدينية خارج البلاد”، الشيخ عبدالحميد زهي إمام وخطيب أهل السنة ورئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان عضو رابطة العالم الإسلامي، وهو يشكو ببؤس وضع لم يشفع فيه للشيخ سياسته الدعوية غير التصادمية وحرصه على العمل ضمن إطار ما يسميه بالوحدة وتجنبه بكل سبيل الوصول إلى نقطة اللاعودة مع سلطات قال عنها منذ أسابيع في مقابلة معه نشرتها صحيفة ابتكار الإيرانية إنها تمنع أهل السنة من إقامة صلوات الجماعة والجمع في مساجدهم وتمنع إنشاء غيرها أيضاً.

حال الشخصية العلمية السنية الأبرز في إيران الذي لا تصفه السلطات الإيرانية بـ”التطرف” ربما هو الأفضل بين علماء وشيوخ السنة في هذا البلد الذي ينص دستوره على شيعية البلاد؛ فالكثير من العلماء قد قضوا نحبهم منذ بداية الثورة الإيرانية آخرهم أربعة من أبرز علماء أهل السنة في الإقليم البلوشي أجهزت عليهم اطلاعات (جهاز الاستخبارات الإيرانية) في حادثي سير مدبرين أديا إلى استشهاد العلامة نعمة الله مير بلوجزهي المشهور بالعلامة التوحیدي كبير المفسرين السنة البلوش والعلامة عبدالحكيم حسن آبادي أستاذ الحديث بدار العلوم في مدينة زاهدان والشيخ عبدالحكيم كمشادزهي إمام جامع مدينة نصرت آباد ورفيقه الشيخ عزيز الله براهوتي في إبريل الماضي.

المئات قبلهم من رموز وعلماء أهل السنة استشهدوا خلال السنوات الثلاثين الدامية التي مرت منذ بداية الثورة الإيرانية، فتحت إشراف ما يُسمى بفيلق القدس، تأسست فرقة خاصة أوكلت لها مهمة قتل كل عالم مسلم لا ينافق السلطة الإيرانية، وقد نفذت عدداً لا يحصى من الجرائم أودت بحياة المئات من علماء سنة إيران، من أبرزهم الشيخ عبد الستار، إمام أهل السُّنّة والجماعة في مدينة خاش البلوشية، الشيخ يار محمد كهروزي، إمام أهل السُّنّة والجماعة في مدينة خاش البلوشية، الشيخ علي دهواري، مدير مدرسة إمام محمد البخاري وخريج جامعة المدينة المنورة وتتلمذ على يد الشيخين ابن باز والعثيمين، الدكتور عمران دهواري، نجل الشيخ علي دهواري، مولوي صلاح الدين موحد إمام جمعة مدينة زرنج نيمروز، الشيخ عبد العزيز يعقوب الكردي، أحد كبار رجال الدين السنة في إقليم بلوشستان، الشيخ عبد الله براهوئي، أحد علماء أهل السنة في مدينة زاهدان، مولوي مصطفي جانجي زهي، أحد علماء أهل السنة في مدينة زاهدان، وملا محمد ربيعي إمام جمعة مدينة كرمانشاه.

ومثلهم في كل مكان حل فيه الحرس الثوري وميليشياته، أفي العراق أم اليمن أم سوريا؛ فقد أحصت رابطة علماء السنة في العراق بالأسماء 246 اسماً لعالم أو خطيب وإمام مسجد في ربوع العراق اغتالهم يد الميليشيات الواقعة تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني [1]، وفي اليمن استشهد أو اختطف العشرات من أئمة المساجد السنة مما لم يتم إحصاؤه حتى الآن.

مؤلم هذا، لكن رغم مرارته قد لا يثير اهتماماً كبيراً؛ فلقد باتت سياسة إيران حول تجفيف منابع الإسلام وإجهاض نهضته وقيامته واضحة بما لا يجعل المرء مع كل أسف يقف طويلاً أمام أخبار كهذه مشدوهاً؛ فالمثير للدهشة دوماً هو ما يسير بعكس اتجاه المعقول، مثل هذا التصريح الطريف للعميد غلام حسين غيب برور رئيس منظمة تعبئة المستضعفين في إيران (الباسيج) الذي قال في الأسبوع الثالث من يناير 2018 إن “علماء أهل السنة هم قرة أعيننا”!

وإمعاناً في إطالة أنفه يزيد: “في مقدمة الشهداء يأتي شهداء علماء الدين.. إذ كان علماؤنا طيلة تاريخ إيران هم الرواد في الحفاظ على الدين، وفي بعض الأحيان كانوا يضحون بأرواحهم”! ولعل وزير الدعاية النازية جوبلز لو كان حياً لهاله إغراق العميد برور في بحور الكذب الإعلامي بما يخرج عن سياق نظرية جوبلز ذاتها، التي تنصح بالاستمرار بالكذب حتى تصدق الشعوب ترهات الإعلام وتخرصاته، لكن برور يبدو “مضطراً” بعض الشيء في لجوئه لهذا القدر المبالغ به من الكذب حيث بدا له أن أهل السنة في إيران بحاجة أكثر هذه الأيام لدغدغة مشاعرهم بمثل هذه الأكاذيب، فالواقع أن ثمة ما يمكن رصده حقيقة في علاقة السلطة بأهل السنة في إيران في الآونة الأخيرة؛ فرغم سنين الاضطهاد الطويلة، واستمرار سياسة التهميش ضدهم عمدت السلطات مؤخراً لمحاولة كسب ود طائفة من أهل السنة تريد أن تنعتق من ربقة الاضطهاد بأي ثمن.. هذا الخطاب موجه إليهم بالفعل.

التقية أصل في العقيدة الإيرانية، ولا تتورع السلطة فيها عن استخدامها مع أهل السنة، لكنها غدت مضطرة أكثر من أي وقت مضى لمحاولة كسب ود السنة والعرقيات المختلفة لاسيما بعد المظاهرات الأخيرة.

تصريح برور طريف، ولكن دلالته عميقة ولافتة، فمن النادر رغم محاولات كسب بعض بسطاء السنة في إيران أن يصدر تصريح بهذا الأسلوب “الرومانسي” لقيادة عسكرية وجدت نفسها معوزة إليه ليس في أعقاب مظاهرات تفجرت في ربوع البلاد واستعرت ناراً في أقاليم البلوش والأكراد والعرب السنية أكثر من غيرها بكثير، فحسب، بل أيضاً في أعقاب مطالبات متصاعدة اخترقت جدر من يسمون بالإصلاحيين داعية إلى مساواة الأقليات ومنحها بعض المناصب للحفاظ على استقرار البلاد.

ورغم نيل السنة نصيباً كبيراً من اعتقالات ومضايقات ما بعد المظاهرات إلا أن تصريح برور وغيره بدا أنه يسعى إلى المساهمة في إطفاء جذوة الغضب المعتمل في نفوس الأقليات بخاصة أهل السنة.

ثمة شعور ينمو لدى سلطة الملالي يقودهم إلى الاعتقاد بأن بقاء دولتهم بات رهيناً باحتواء الأقليات، وإذ افتقروا دوماً إلى العدل والقسط فقد لجؤوا إلى حيلتهم القديمة، معسول الكلام وتقية الأكاذيب، وهي إن كانت قد نجحت خلال العقود الثلاثة الماضية فإن استمرار نجاحها أضحى اليوم محل شك كبير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] http://www.rabtasunna.com/3775-t

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى