كتاباتكتابات مختارة

ظاهرة المجاهرة بالفاحشة ووسائل الإعلام

ظاهرة المجاهرة بالفاحشة ووسائل الإعلام

بقلم عاطف عبد المعز الفيومي

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أولًا: أسباب وانحراف:

من عجائب صور الانحراف في الواقع المعاصر في البلاد الإسلامية والعربية – ظاهرةُ: “المجاهرة بفعل الفاحشة والزنا”، أو الدعوة إلى فعلها، أو إظهار الإعجاب بأهلها بوضوحٍ ودون مواراة أو حياء أو خجل، ولا ريب أنها ظاهرةٌ خطيرة ومثيرة ومؤرّقة لذوي الغَيْرة والدِّين والمروءة، وكذا مسألة انتشارها وإشاعتها في شاشات الإعلام المرئي، والقنوات المفتوحة الخاصة والعامة، وكذا الإذاعات المسموعة، والصحف والمجلات والدوريات.

وقد جاء النهي في شريعتنا وأخلاقنا عن فعل ذلك؛ فقد قال – تعالى – محذِّرًا هؤلاء المجاهرين بها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:

“وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئًا من الكلام السيِّئ، فقام بذهنه منه شيءٌ، وتكلم به، فلا يُكْثر منه ويُشِيعه ويذيعه؛ فقد قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [النور: 19]؛ أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا ﴾؛ أي: بالحدِّ، وفي ﴿ الْآخِرَةِ ﴾ بالعذاب، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: فردُّوا الأمورَ إليه تَرْشُدُوا”.

وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري – رحمه الله -:

“إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدَّقوا بالله ورسوله، ويظهرَ ذلك فيهم، ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، يقول: لهم عذابٌ وجيع في الدنيا، بالحدِّ الذي جعله اللهُ حدًّا لرامي المحصَناتِ والمحصنين إذا رمَوْهم بذلك، وفي الآخرة عذابُ جهنم إن مات مصرًّا على ذلك غيرَ تائب”.

وقال ابن سعدي – رحمه الله -:

“﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ﴾؛ أي: الأمور الشنيعة المستقبَحة المستعظَمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة ﴿ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: موجعٌ للقلب والبدن؛ وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد؛ لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟!”، وسواء كانت الفاحشة صادرة أم غير صادرة.

وكل هذا من رحمةِ الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءَهم وأموالهم، وأمَرَهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحبَّ أحدُهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾؛ فلذلك علَّمكم، وبيَّن لكم ما تجهلونه”؛ انتهى.

وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجلُ بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله تعالى، فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه ويصبح يكشف ستر اللهِ عنه)).

ومن أسباب ظهور هذه الظاهرة البغيضة:

أولًا: تقصير كثيرٍ من الأُسَر المسلمة في تربية أولادهم وبناتهم على آداب الإسلام وأخلاقه وقِيَمه:

فلقد تحول ربُّ الأسرة في كثير من البيوت إلى مورد مالي، يعمل طول يومه؛ ليأتي بالمال والطعام والشراب، دون أن يرفع رأسَه مرة ليرى: هل أولاده أقاموا صلاتهم أم لا؟ وهل ذكروا الله في يومهم أم لا؟ وكذلك الأم تحولتْ إلى مديرة شؤون المطبخ وبعض الحاجات، وتقضي كثيرًا من أوقاتها في مشاهدة البرامج والمسلسلات وغيرها، وبين العمل والمطبخ يضيع الأولاد والبنات، فلا قرآن حفظوا، ولا سنة علِموا وعملوا، ولا بقِيَمٍ تأدَّبوا، ولا توجيه أخذوا، إلا ما رحم الله – تعالى.

بل ربما وجدنا الكثير من الأُسَر يشاهدون الأفلام الهابطة، ويسمعون الأغانيَ الماجنة والعارية، دون حياء أو خجل، ودون توجيه لِما يجوز وما لا يجوز، فإذا أنبتت أمثالُ تلك الأسر أفرادًا منحرفين في أخلاقهم وسلوكهم ومجتمعهم، فلا عتب بعد ذلك، وكما قال القائل:

إذا كان ربُّ البيت بالدفِّ ضاربًا          فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهمُ الرَّقصُ

ثانيًا: ومن الأسباب الخطيرة والكبيرة ضَعْف الوازع الإيماني والغَيْرة في المجتمع جملة:

فلم يَعُدِ الكثير يهتم بتوجيه الناس إلى فعل الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بل ربما صِرنا نرى كثيرًا من المنكرات في طُرقات المسلمين، ولا يتحرك لكثيرٍ من الناس ساكنٌ في قلبه أو دينه أو غَيْرته، ويهز كتفيه ويمضي وكأن الأمرَ لا يَعْنيه، وهذا مما جرَّأ بعضَ الناشئة على التمرُّد والجهر بالمعصية، بل والتهكم بالمجتمع إذا حاول التوجيهَ والإصلاح.

ثالثًا: بعض الهيئات والمؤسسات التعليمية:

حيث إننا نرى في بعض تلك الهيئات التعليمية والتثقيفية عنايةً كبيرة بنشر الموسيقا – المحرَّمة شرعًا – وآلات العزف والطَّرب والغناء، وتلك المعاهد التي تدعو إلى تعلُّم الرقص والتمثيل زعموه فنًا، وتعليم الفتيات الرقص والتمايل كالأفاعي على المسرح، وما يسمى بفن “الباليه” أو قل: “البلاء”، وتظهر فيه الفتاةُ وهي شبهُ عارية، وكذلك العناية بأخبار المشاهير من هؤلاء، وتتبُّع سِيَرهم وأعمالهم.

وهذه ظاهرةٌ خطيرة مستفحلة في تلك المؤسسات المشبوهة، التي تزعزع القِيَم والأخلاق في أجيال المسلمين دون شعور بأثرها إلا بعد مُضي الزمان والأيام.

رابعًا: وسائل الإعلام بصورها:

ومن أسباب ظهور تلك الظاهرة البغيضة: وسائلُ الإعلام، المرئي منها والمسموع والمقروء على حدٍّ سواء؛ فلقد ساهم الإعلامُ الهابط في تدني قِيَم الإسلام وآدابه وأخلاقه في قلوب الأجيال والمجتمع المسلم – ولا ينكر هذا عاقل – وذلك من خلال عزفها على وَتَر الجرائم الكبرى الثلاث، وهي:

الأُولى: نشر الجريمة:

فما أكثرَ الأفلام والروايات والمسلسلات التي تؤصِّل للجريمة؛ من السرقة والغش والكذب والاحتيال، والقتل والظلم، وكذلك شرب المخدِّرات والمُسْكِرات، وكل ذلك تحت مسمى الحرب على الجريمة، وحسْبُنا أن نسمع عن “يا عزيزي كلنا لصوص”، أو “الشيطان يعظ”!

الثانية: هَدْم الأخلاق والمُثُل:

فما أكثر الأفلامَ واللقاءاتِ مع أهل الفن الهابط والإسفاف بالقِيَم، وما أكثر ما يُقدَّمون للناس في البرامج بصورٍ وألوان مختلفة على أنهم القدوةُ والكبار، ويُرمَز لأحدهم كذبًا وبهتانًا بـ: “الفنان القدير”، و”الموسيقار الشهير”، و”المغني الأصيل”، إلى غير ذلك من ألفاظ التهويل والتضليل للمجتمع المسلم.

وهم في حقيقة الأمر مَن علَّموا أجيالنا عدمَ غضِّ البصر عن محارم المسلمين، وعلَّموهم أن يصادق الشابُّ الفتاةَ، وأن يجالسها ويهاتفها، بل ويخرج معها، وربما خلا بها عشَرات المرات الخَلْوة المحرَّمة، وما أدراكم ما الخَلوة المحرمة؟!

وكذلك علَّموهم أن لمس يدِ المرأة الأجنبية ليس حرامًا ولا منكَرًا، وأن الفنَّ والعُرْي والتمثيل، إنما هو عين الإبداع والتقدم، وأن التعليمَ مجردُ مهزلة، وحسبنا بـ: “مدرسة المشاغبين” مثالًا وفشلًا!

الثالثة: نشْرُ الفاحشة والمنكَر:

وذلك من خلال تصوير بعضِ المشاهد والمقاطع المحرَّمة شرعًا وعقلًا في الفيلم أو المسلسل، والتي تتجسد فيها المرأةُ وهي شِبه عارية، وفي حجرة النوم، وتجلس أو تنام بجوار رجلٍ غريب، تسميه بـ: “الحبيب”، وإذا تأدبَّت قالت: “يا أبا فلان”، وما هو بأبيه وكذَبوا، ويفعل معها كل حرام، مما يعف القلمُ عن الإفصاح عنه، مما لا يكون إلا بين الرجُلِ وزوجته في الحلال الطاهر، وتتكرر تلكم المشاهدُ والمقاطع عشَرات المرات، وبصور مختلفة، على أعين الأجيالِ والشباب في جُلِّ وسائل الإعلام، في الليل والنهار، فماذا يعني ذلك للمشاهد؟

يعني أن هذه المَشَاهد ليست محرَّمة، وأن تلك المقاطع ليست جريمةً شرعية، وليست نشرًا للفاحشة، إنما هي: “الفن، والتقدم، والإبداع”.

ومن المثير أنها تتكرر بصورة مختلفة، وتلبَس أثوابًا متلوِّنة، في جملة من البرامج واللقاءات المشبوهة والمُريبة من القائمين عليها مِن أهل الإثارة ونشر الفتن في المجتمع المسلم، وقد وقفتُ على حوادثَ كثيرةٍ رأيتُها وسمعتها في كثير من تلك الوسائل الإعلامية المأفونة، أو الأخرى الخبرية.

حيث يستضاف في تلك البرامج شابٌّ أو فتاة، أو جمعٌ مختلط من النساء والرجال، ويدور معه الحوار، حتى إنه لا يزال به في الحديث، وإذا به يهوي ويصرح هو أو هي، أنه قد مارَسَ الزنا ووقع في الفاحشة مرة أو مرات، دون حياءٍ من دِينٍ أو فطرة باقية، بل نجد أحدَهم يصرِّح أنه يحب ذلك، ويدعو إليه مع أخته وزوجتِه وابنته، ولا يرى حرَجًا أن تمارسَ أختُه الفاحشةَ قبل زواجها أو بعده، عافانا الله وإياكم من تلك الأقذار والأنتان والأنجاس.

ثانيًا: العبث بالمصطلحات الشرعية “الجنس” بديل “الزنا والفاحشة”:

والغريب والمريب في أمر الإعلام أننا نراه كثيرًا ما يتلاعب بالألفاظ الشرعية المنفِّرة من الفواحش والمنكرات، ومقارفة المعاصي والمحرَّمات، وكثيرًا ما يَعدِل عنها إلى ألفاظٍ تهوِّنُ من شأن المعصية والفاحشة، فلا يقول: إنه فعل الزنا أو الفاحشة، كما في نصوص الكتاب والسنة، إنما يسمُّون ذلك بـ: “ممارسة الجنس”، وهذا عبث ومكْر خطير، على الدِّين والمجتمع والقِيَم والأخلاق، أخذوه عن المجتمع الغربي الكافر، الذي لا يستحيي من الخروج عاريًا في الشوارع والطرقات والسيارات علنًا، ولا يستحيي من فِعْل الفاحشة والمنكر كذلك جهارًا.

وهذا عينُ ما قالَه النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الحديث عن أبي سعيد الخُدري – رضي الله عنه – علم من أعلام نبوَّة الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – يبيِّن فيه – صلَّى الله عليه وسلَّم – حالَ كثيرٍ من هذه الأمَّة في اتِّباعهم سبيلَ غير المؤمنين، ومشابهتهم لأهل الكتاب من اليهود والنَّصارى؛ حيث جاء في روايات الحديث: قلنا: يا رسول الله، اليهود والنَّصارى؟ قال: ((فمن؟))، وهذا التَّشبيه في المتابعة: ((شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراع))، وفي رواية: ((حَذْو القذة بالقذة)) هو: كناية عن شدَّة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي.

لأن التعبير بكلمة “الجنس” بديلًا عن كلمة “الزنا، والفاحشة، والمعصية” – لا يؤدي إلى نفور السامع من فعله واستقذاره طبعًا، بل على النقيضِ من ذلك، فلربما أورث السامعَ لهذه الكلمة إمعانًا خفيًّا بتلك الإيحاءات الشيطانية إلى محبة ذلك، والدعوة إلى فعله، وهذا من أخبث المكر بالقِيَم والفطرة والشخصية السوية، فضلًا عن شخصية المسلم العفيف.

ومن هنا ندرك تمامًا خطورة تلك البرامج الإعلامية الماكرة على الشباب والمجتمع المسلم من جانب، وخطورة إظهار هؤلاء المتدنسين بالزنا والفواحش من جانب آخر، وكأنهم قدوة الشباب والفتيات في مجتمعاتنا، وخطورة نشر الفاحشة علنًا أو تضمينًا بتلك الوسائل المشبوهة من جانب ثالث.

إن انتشارَ تلك الظاهرة المريبة في المجتمع المسلم من المحرمات الكبرى التي نهى الإسلامُ عنها، فنحن مجتمعٌ مسلم، يحكمه دينُه وقِيَمُه وأخلاقُه، ولا يحل لأحد أن يمتلكَ الوصاية عليه باسم الفن والمسرح والإعلام، كما لا يحل لأحد أن يتملَّقَ على قِيَمِه ومُثُلِه الفاضلة الأبية.

فها هي نصوص القرآن والسنة، تدْعونا إلى الفرارِ من الفاحشة والخنا، وتدعونا إلى التحذير من الذين يريدون أن يدمِّروا بيوتهم ومجتمعَهم من أجل نشر الفواحش والمنكَرات فيها، وتدعونا إلى مراعاة حُرُمات الله تعالى، وألا نتعدَّى على أعراض الناس؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين، وأن نغضَّ البصر عن كل حرام، وأن نترك كل خَلوة بين رجل وامرأة تُفْضِي إلى فعل الحرام.

قال – تعالى – في كتابه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

وكذلك أخبرنا ربُّنا عن قوم لوط – عليه السلام – الذين فعلوا الفواحش واللواط، وانتكست فطرتُهم السوية فضلًا عن الدينية والخُلقية؛ فقال – تعالى -: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 28].

بل إن اللهَ – تعالى – بيَّن حال هؤلاء، وعقوبتَهم في الدنيا والآخرة، وأمَرَنا بإقامة تلك العقوبة عليهم؛ ردعًا لهم ولغيرهم، من الذين لا يرقبون إلًا ولا ذمة في هدم أخلاق المجتمع المسلم؛ فقال – تعالى -: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 1 – 3].

وقال – تعالى – في وجوب غض البصر عن المحرمات: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 30، 31].

وقال الله – تعالى -: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].

وعن عقبة بن عامرٍ – رضي الله عنه – أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إياكم والدخولَ على النساء))، فقال رجلٌ من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))؛ متفقٌ عليه، قال النووي: الحمو: قريبُ الزوج؛ كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه.

وعن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يخلُونَّ أحدُكم بامرأةٍ إلا مع ذي محرمٍ))؛ متفقٌ عليه.

وعن بريدة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: ((حرمةُ نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، ما من رجلٍ من القاعدين يخلف رجلًا من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من حسناتِه ما شاء حتى يرضى))، ثم التفت إلينا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((ما ظنُّكم؟!))؛ رواه مسلم.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: “لعن رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – الرجُلَ يلبَسُ لِبسةَ المرأة، والمرأة تلبس لِبسة الرجُل))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.

ثالثًا: وجوب التصدي لطوفان الباطل والفاحشة:

إن كثيرًا من تلك الوسائل التي تساهم في تدمير الشباب والمجتمع المسلم، لا بد من الوقوف أمام إعصارها بقوةِ الإيمان والدِّين والأخلاق، فضلًا عن وجود الفطرة السوية القويمة داخل الشخصية المسلمة والعربية.

ولا بد من الوقوف أمام التيار الجارف من المد الانحرافي السلوكيِّ والقِيَمي في بلاد المسلمين، خاصة من أهل العلم والتقوى، وكذلك المسؤولون عن إدارة تلك الوسائل من القنوات والإذاعات والدوريات المقروءة من الصحف والمجلات وغيرها، عليهم أن يتقوا ربَّهم في أمتهم، ويتقوا ربهم فيما يقدِّمون من البرامج والبناء للمجتمع، إننا نريد المسؤول “المسؤول” بحقٍّ، الذي يعرف ماذا يقدِّم لأمته، وماذا يمنع عنها.

ولا بد من رَدْع هؤلاء المجرمين، وردع وسائل الإعلام المروِّجة لفتنهم وجرائمهم، وردعهم بالوسائل الشرعية؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدعوة لإقامة العقوبات الشرعية عليهم، واتخاذ رفع أمرهم لأهل الأمانة والديانة والمسؤولية والرقابة عليهم؛ لأنهم يأخذون زمام المجتمعات إلى الإباحية والفواحش والمنكرات.

ولا بد من نشر القِيَم الإسلامية والسلوكية الصحيحة في تلك الوسائل، وتدعيمها من الذين يريدون الخير والبقاء والنَّصْر لهذه الأمة الأبية، وتوعية الشباب المسلم بخطورة هذه البرامج الخبيثة المشبوهة.

والعمل على بيان أحكام وآداب الإسلام؛ من غضِّ البصر عن المحرمات، ومن البعد عن الخَلْوة والاختلاط بين الشباب والفتيات، ومن سترِ الفتاة المسلمة بالحجاب الشرعي الكامل من أعين الرجال والذئاب، ومن آداب الاستئذان ورعاية حرمات البيوت والمسلمين، ومن التحذير من خطر الفاحشة من الزنا واللواط والشذوذ وغيرها على الفرد والمجتمع كلِّه، ومن نشرِ فضائل الإسلام وأخلاقه؛ من الحياء والعفة، والمروءة والرجولة، والأدب وحُسن الخلق، والبعد عن مواطن الريب والفواحش، والبعد عن أصحاب السوء ورفقتهم أينما كانوا، ومصاحبة الأخيار والصالحين.

ولا بد من خَلْق ثقافتين مهمتين في شبابنا:

الأُولى: خَلْق ثقافة الحذر من الوقوع في الحرام وأسبابه، وتعدي المناهي الشرعية والحرمات.

الثانية: ثقافة المراقبة والخشية لله – تعالى – ظاهرًا وباطنًا؛ لأن ترك المحرمات ليس من أجل رؤية الناس لها؛ بل من أجل تحريمِ الله لها، واطِّلاعه على فاعلها.

كما أنه لا بد من وجود المواد الشرعية المتخصصة في تدريس القِيَم والأخلاق في الأبنية التعليمية والجامعية، من مراحل التعليم الأولى، وإلى مراحله النهائية والأكاديمية، هذا لزام على مجتمع الإسلام والمُثُل والأخلاق، وليس نافلة للمناقشة والحوار.

ولا يفوتنا دائمًا ذلك الحصن الحصين في التربية والتهذيب، وهو الأسرة المسلمة، التي تربِّي أبناءها على الدين والفضيلة ومحاسن الأخلاق، وتغرس فيهم معالمَ الفطرة السوية، ومعالم الشخصية المسلمة الفريدة في سموها، والسامية في أخلاقها، وقد جاء في القرآن قوله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

وقوله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58، 59].

وجاء في الحديث الصحيح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مُرُوا أبناءَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))؛ رواه أحمد وأبو داود.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المصدر: موقع مداد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى