كتب وبحوث

صناعة الخوف: الإسلاموفوبيا لدى الصهيونية المسيحية الأمريكية

صناعة الخوف: الإسلاموفوبيا لدى الصهيونية المسيحية الأمريكية

إعداد ستيفن فينك

ترجمة: صابرينا يحيى العقلة

 

“الإسلام العنيف هو الإسلام الحقيقي”

هذه العبارة التي قالها وليد شعيبات[1] تُلخِّصُ وجهةَ نظرٍ عن الإسلام يقدِّمُها عادةً زعماءُ الصهيونية المسيحية الأمريكية، وهي فرعٌ عن المسيحية الإنجيلية (البروتستانت) الأمريكية التي تؤكّدُ دعمها المستمر لدولة إسرائيل. يُنشئ هؤلاء الزعماءُ تصوراتٍ جوهريةً ذات دور فاعل في تشكيل مفاهيم عامة الصّهاينةِ المسيحيين عن المسلمين بصورةٍ عامةٍ، وعن الفلسطينيين بصورةٍ خاصة. حيث يعكسون بذلك الميول الاستشراقية في ترسيخ رسومٍ مسيئة للإسلام والمسلمين، وللوصول إلى تعيين مكان الصهيونية المسيحية ضمن المشهد المسيحي الإنجيلي الأمريكي، نجد من الصعوبة بمكان تحديد العدد الفعلي للمسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة. قبل وفاته بوقت قصير، ادعى القسّ المسيحي الصهيوني جيري فالويل Jerry Falwell في عام 2007، أن عددهم تجاوز 100 مليون، ولكن نورتون ميزفنسكي Norton Mezvinsky يدَّعي أن الرقم في عام 2009 ربما في حدود 50-60 مليونًا. ورغم أن رقم فالويل مبالغٌ فيه على الأغلب، إلا أن تقدير ميزفنسكي يشير إلى وجودٍ مسيحيٍ صهيونيٍ كبيرٍ في الولايات المتحدة، وبالتالي يتعرضُ عددٌ كبيرٌ من الأمريكيين بصورةٍ منتظمةٍ للخطاب المناهض للإسلام الذي يمكنه أن يؤثر بشدةٍ على وجهاتِ نظرهم تجاهَ الفلسطينيين.

ثمة تشديدٌ كبير في التعليم الصهيوني المسيحي على عقائد القيامة، أي الأحداث التي تسبق نهاية العالم. وعلى الرغم من الاختلافات في تفاصيلٍ محددةٍ حول ما سوف يحدث بالضبط، هناك اعتقادٌ مسيحيٌّ صهيونيٌّ جوهري بأن يسوع سوف يأخذُ المؤمنين به حقًا إلى السماء أثناءَ الارتقاء rapture، وسيعودُ بعد ذلك إلى الأرض، ولكن بعد أن تكون إسرائيل -وخاصةً القدس- تحت السيطرةِ اليهوديةِ تمامًا وذات أغلبيةٍ سكانيةٍ يهودية.[2] الفلسطينيون هم الخصم، حيث يجب تقليص وجودهم ونفوذهم في المنطقة إلى حدٍّ كبير، هذا إن لم يتوجب التخلص منهم نهائيًا، كتمهيد لأحداث نهاية الزمان المنشودة. وأثناء عرضِ وجهة النظر المروِّعة هذه يُزود زعماءُ الصهيونية المسيحية رعاياهم وقُرَّائهم بشعورٍ بالفاعلية الشخصية؛ إذ أن قرارهم بدعم إسرائيل وليس الفلسطينيين له أهميةٌ كونيةٌ في تعجيل هذه الأحداث الأخروية. وعلاوةً على ذلك، فإن تصوير الفلسطينيين بصورةٍ سلبيةٍ يقوم بدورٍ مهمٍ في عقائد المسيحيين الصهاينة حول نهاية العالم، وذلك في سبيل دعم المبادئ الأساسية التي تتعلق بعدالة الله؛ إذ يصفون الفلسطينيين بأن لديهم القابلية للعنف، وغيره من أشكال الشر، ويشيرُ زعماءُ الصهيونية المسيحية إلى أنه لن يكون هناك سببٌ يدعو إلى التشكيك في الاعتقاد بأن الرب مُهلكُهم في الأيام الأخيرة. وإن كان الرب مسؤولًا مسؤوليةً مباشرةً عن إبادة عددٍ كبيرٍ من الفلسطينيين، إلا أن ذلك لا يعني أنه مسؤول عن دمائهم في نظر الصهيونية المسيحية، بل هو منزهٌ عن ذلك.

ولكن بدلًا من دراسة عقائد نهاية الزمان عند الصهيونية المسيحية الأمريكية، سوف أركِّز على جانبٍ رئيسٍ في هذه الحركة يؤكِّدُ على الحاضر وليس على المستقبل. وسأبحث في استخدام زعماء الصهيونية المسيحية للآية من الكتاب المقدس من سفر التكوين (12: 3): “وأباركُ مباركيك، ولاعِنُك ألعَنُه”. بالنسبة لهؤلاء الزعماء، كلمات الرب لإبراهيم هي كلمات الرب للأمريكيين في القرنِ الحادي والعشرين، الذين سوف يواجهون عواقب وخيمةً إذا لَعَنوا دولة إسرائيل بدلًا من أن يباركوها. وسأدرسُ استخدام هذه الآية ضمن ما أسميه “تأويل الصهيونية المسيحية الأمريكية لسفر التكوين (12: 3)”، لافتًا الانتباه بصورةٍ خاصةٍ إلى منهجها الإسلاموفوبي. تقومُ هذه الرواية على الخوف، وتهدِّد بشبح كارثةٍ وشيكةٍ إن لم يستجب المسيحيون الأمريكيون لتحذير سفر التكوين (12: 3) ويتعهدوا بتقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل ضدَّ تهديد الإسلام الذي هو في أصله شرير وعنيف. وبصورةٍ خاصةٍ لأن أساس هذه الرواية هو الخوف، يمكن أن تمارس هذه الرواية تأثيرًا قويًا على الطريقة التي يَنْظر بها عامةُ الصهاينة المسيحيين إلى الفلسطينيين، وهذا يؤدي إلى أن يعارض هؤلاء الصهاينة المسيحيون مطالبة الفلسطينيين بأرضهم، وينكروا كرامتهم الإنسانية، ويبرروا العنف ضدَّهم.

إن راعي كنيسة كورنرستون Cornerstone Church ذات 19000 عضوًا في سان أنطونيو، جون هاجي John Hagee هو أحد الشراح الصهاينة المسيحيين الأمريكيين الرئيسيين لسفر التكوين (12: 3). أطلق هاجي “ليلة تكريم إسرائيل” في عام 1981، ردًا على ما اعتبره إدانةً عالميةً جائرةً لإسرائيل بعد قصفها للمُفاعل النووي في العراق. وفقًا لكتابه (الدفاع عن إسرائيل In Defense of Israel)، في أول “ليلةٍ لتكريم إسرائيل” صرَّح هاجي: “إسرائيل، أنت لست وحدك؛ المسيحيون يدعمونك، وأمريكا تدعمك. نحن نحبك، وسوف نقف إلى جانبك”، ومنذ عام 1981 كان هذا الحدث “بمثابة تشجيع وإلهام للأشخاص الذين غالبًا ما كانوا يشعرون بأنهم وحيدون. وساهمتْ ليلة تكريم إسرائيل أيضًا في جمع ملايين الدولارات لدعم الأعمال الخيرية، ولتوطين يهود العالم في إسرائيل”. بالفعل كان هذا الدعم المالي وفيرًا مع جون هاجي، تبرعت الوزارات بثمانية ملايين دولار لإسرائيل في عام 2007 وحده من أجل الهجرة وغيرها من المساعدات. وقد بثَّ تلفزيون هاجي التبشيري العالمي برامج في جميع أنحاء العالم على 150 محطة تلفزيونية، واستقطبت كتبُه عددًا كبيرًا من القراء، مثل كتابه (العدّ التنازلي للقدس Jerusalem Countdown) الذي باع أكثر من 800,000 نسخة. وساهم هاجي أيضًا في تشكيل قرارات السياسة الخارجية الأمريكية بصورة خاصة من خلال منظمة “مسيحيون متّحدون من أجل إسرائيل (CUFI)” التي بدأها في عام 2006. يكتب ستيفن سبيكتور Stephen Spector أن CUFI  تمثل شبكةً من النشطاء الذين “يُغرقون الكابيتول هيل Capitol Hill [الكونغرس الأمريكي] برسائل البريد الالكتروني، والفاكس، والمكالمات الهاتفية حول القضايا ذات الاهتمام المباشر بالدولة اليهودية”. وفي أول محاولة تأثير لمنظمة CUFI، في آب/أغسطس 2006، جاء أكثر من 3400 صهيوني مسيحي من جميع الولايات الخمسين إلى واشنطن العاصمة، وشاركوا في 280 لقاءٍ مع نواب من الكونغرس، وفي يوم المأدبة التي أقامتها CUFI أقر مجلسُ النواب قرارًا مواليًا لإسرائيل بأغلبية 410 أصوات مقابل ثمانية أصوات.

بالإضافة إلى هاجي، سيتم في هذه المقالة تسليط الضوء على أفكارِ ثلاثة من زعماء الصهيونية المسيحية البارزين. إن مايكل إيفانز Michael Evans هو مؤسس فريق الصلاة من أجل القدس، الذي كان من بين أعضائه بات روبرتسون Pat Robertson، جيري فالويل، فرانكلين غراهام Franklin Graham، وغيرهم من القساوسة المعروفين، فضلًا عن شخصياتٍ سياسيةٍ كبيرةٍ مثل: النائب الأمريكي ديك آرمي Dick Armey، ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu. تَعرِض كتب إيفانز بفخر حصوله على “جائزة السفير” من الحكومة الإسرائيلية ومواقِفه الاستشارية لكثير من رؤساء وزراء إسرائيل ورؤساء بلدية القدس. مع أن القس تشاك ميسلر Chuck Missler غير مرتبط سياسيًا، أو عنده مؤلفات كثيرة مثل هاجي أو إيفانز، إلا أنه شكَّل وجهة نظر العديد من الصهاينة المسيحيين من خلال برنامجه الإذاعي المسيحي اليومي 66/44 وخدمته الكهنوتية على الإنترنت (دار كوينونيا Koinonia House)، التي تدَّعي وضع “العالم تحت المجهر عبر عدسة نبوءة الكتاب المقدس”(www.khouse.org). ويشجِّع ميسلر قرّاءَ كتابِه (النبوءة 20/20 Prophecy) على التسجيل للحصول على النشرة الإلكترونية الأسبوعية التي تلخص “الأجزاء من الأخبار ذات الصلة بالكتاب المقدس”. وختامًا فقد حقَّق وليد شعيبات شعبيةً من خلال الكتب التي قام بتأليفها، أو شارك بتأليفها، أو حتى أكثر من ذلك من خلال ظهوره على وسائل الإعلام المحافظة مثل قناة فوكس نيوز. ومع أن صحيفة جيروزاليم بوست Jerusalem Post وغيرها من المصادر قد طعنت في صحة دعواه، يصف شعيبات نفسه بأنه إرهابي فلسطيني مسلم سابق، مما يكسِبُه ظاهريًا وجهة نظر شخصٍ داخلي سابق لإثبات تصريحاته شديدة العداء للإسلام، مثل تأكيده في كتابه (حرب الله على الإرهاب God’s War on Terror) أنه “يصرح بكامل وعيه أن هذا الكتاب سوف يبرهن حقيقة أن الإسلام هو دين الشيطان”.

مع أن تحليل عرض هؤلاء الزعماء الأربعة لرواية سفر التكوين (12: 3) يُشكِّل محورَ هذه المقالة، إلا أنني سأناقش أولًا رواية أخرى تتشابه كثيرًا معها. مثل رواية سفر التكوين (12: 3)، يصيغ ما أُسميه “رواية القرن التاسع عشر” أيضًا بواسطة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط، وهي تعجُّ أيضًا بتصورات جوهرية مهينة للإسلام وأتباعه من الفلسطينيين. وعلاوةً على ذلك، تُعزِّز هذه الرواية إنكار الملكية الفلسطينية للأرض، وامتهان إنسانية الفلسطينيين، على غرار رواية سفر التكوين (12: 3). ولكن الأهم من ذلك أن رواية القرن التاسع عشر لا تتضمن تبريرًا للعنف ضد الفلسطينيين. هذا الاختلاف هو السبب الرئيس لدراسة رواية القرن التاسع عشر في هذه المقالة. كما أسعى لتسليط الضوء على أن أساس رواية سفر التكوين (12: 3) المتمثل في الخوف – الأمر الذي لم يتم تأكيده في رواية القرن التاسع عشر- لا يؤدِّي فقط إلى إنكار ملكية الأرض وامتهان الإنسانية، ولكنه يؤدي أيضًا إلى تبرير أعمال العنف ضد الفلسطينيين بل والدعوة إليها. وبالتالي فوجود الخوف في التفسيرات المهينة للإسلام والمسلمين يمكن أن يكون له آثار مؤذية بصورة خاصة في خلق المناخ الذي تتم فيه تبرئة العنف ضد المسلمين وجعله أمرًا مرغوبًا به.

إسلاموفوبيا القرن التاسع عشر

رواية القرن التاسع عشر

خلافًا لأساس رواية سفر التكوين (12: 3) المتمثل في الخوف من الإسلام؛ فإن رواية القرن التاسع عشر تقوم على الثقة، تجسيدًا لمفهوم الاستثنائية الأمريكية، أي أن قوة أمريكا وحيويتها في ازدياد، وهي متمثلة في هذه الرواية بنفوذ أمريكا المكتشَف حديثًا في الشرق الأوسط وبالتفوق الواضح المزعوم لأمريكا على الإسلام وأتباعه الفلسطينيين الذين يُصَوَّرون على أنهم في الأساس أشرار ومحتلون جاهلون للأرض المقدسة الأسطورية. البارز في هذه الرواية هو وصف أمريكا مجازًا بأنها “إسرائيل الجديدة”، باركها الله واصطفاها بصورةٍ خاصة لمهمة إلهية فريدة من نوعها، على غرار شعب إسرائيل في الكتاب المقدس. إن هذا التشبيه المتأصل في الماضي الاستعماري الأمريكي -وبصورة خاصة فيما بين البيوريتان المتشددين في نيو إنغلاند New England – يعني أنه: تمامًا كما تم تحرير بني إسرائيل في مصر، قاد الله المهاجرين إلى أمريكا بعيدًا عن العبودية في أوروبا إلى أرضِ ميعادٍ مجيدةٍ، حيث نظر المستعمرون والأمريكيون الأوائل لحياتهم بوصفها انعكاسات طبوغرافية لمسيرة بني إسرائيل في الكتاب المقدس. على الرغم من أن التشبيه بـ “إسرائيل الجديدة” استمر في التأثير في التعريف الذاتي الأمريكي طوال القرن التاسع عشر إلا أنه حدث تطور ملحوظ فيما يتعلق بدلالته؛ لأن العديد من الأمريكيين لم يركزوا فقط على دولتهم الخاصة بوصفها إسرائيل الثانية، ولكن أيضًا على الأرض الحقيقية والواقعية لإسرائيل التوراتية بسبب كلٍ من الصلات التجارية والدبلوماسية والعسكرية المكتسبة حديثًا في الشرق الأوسط، فضلًا عن زيادة الحماسة الدينية في ظل الصحوة الكبرى الثانية. يناقش جون ديفيس John Davis هذا التركيز الأمريكي الجديد في قوله “بوصفهم الشعب المختار الثاني، افترضوا أنه أمر طبيعي أن يتوجب عليهم أن ‘يرثوا’ أرض السلالة المختارة الأولى”. ونتيجةً لذلك سافر العديد من الأمريكيين إلى فلسطين لإقامة بعض المستوطنات الدائمة في المنطقة.[3]

إن فحصًا أدق لصلة أمريكا في القرن التاسع عشر بفلسطين يضع في الحسبان مجموعةً متنوعة من الأمور مثل جمعية الاستكشاف الفلسطينية Palestine Exploration Society المكرَّسة لتعزيز الإيمان المسيحي وفهم الكتاب المقدس من خلال دراسة جغرافية الأرض المقدسة، أو منتزه فلسطين Palestine Park على ضفاف بحيرة تشاتاكوا Chautauqua في نيويورك، وهو مقصد عام فيه معالم طوبوغرافية، ومبانٍ ووجهات فاعلة تسعى إلى توفير تجربة “أصيلة” للأرض المقدسة. ولكن تركيزي سيكون على تصريحات قالها أمريكيون سافروا إلى فلسطين في القرن التاسع عشر من خلال رسائلهم ومذكراتهم وكتبهم وخُطبِهم. كان هؤلاء الأمريكيون يُبجِّلون ما كانوا يطلقون عليه عادةً اسم “الأرض المقدسة”. يُمَجِّد وليام كوبر William Cowper هذه الأرض لأنها تثبت ظاهريًا وبصورةٍ لا تقبل الجدل صحة الكتاب المقدس. ويصرِّح برايم Prime أن ” كل خطوة تقدمت فيها على أرض فلسطين= قدمت بعض الأدلة الجديدة والمذهلة على حقيقة القصة المقدسة.  في كل ساعة كنا نهتف بأن التاريخ لابد بأن يكون صحيحًا= كان البرهان الكامل أمام أعيننا. كان الكتاب المقدس كتابًا جديدًا، الإيمان الذي يبدو الآن أنه انتقل إلى الواقع الفعلي، وأشرقت كل صفحةٍ من صفحاته ببريق جديد ومضاعف ألف مرة”. بالنسبة إلى الوزير الكهنوتي المعروف جيدًا توماس دي ويت تالماج  Thomas De Witt Talmage القدس جديرة بالثناء بصورة خاصة لأنها مدينة السماء، وفريدة من نوعها بين كل المدن في العالم. و أعلن بقوةٍ: “يا أورشليم! يا أورشليم! يا أعظم مدينةٍ على وجه الأرض، وصورة مدينة السماء. حتى بعد أن أقضي عشرة آلاف سنة في السماء [الجنة]، فإن ذاكرة أول منظر من على الصخور بعد ظهر يوم 2 ديسمبر سوف تكون حيَّة كما هي الآن”.[4]

الأهم من ذلك، تشكلت عبارات المديح هذه من خلال الصور المثالية التي تم ترسيخها في عقول الرحالة قبل الوصول إلى فلسطين. يقول تالماج: “سمعت طوال حياتي عن فلسطين وكنت قد قرأت وتحدثت عنها، وألقيت خُطبًا عنها، وتغنيت بها، وصلَّيت لها، وحلمت بها حتى تراكمت توقعاتي فوق بعضها لتصل لتكوِّن شيئًا بحجم جبال همالايا”. احتَفَظ الرحالة بهذه المفاهيم الرومانسية في أذهانهم على الرغم من حقيقة أن ما واجهوه في الواقع كان في كثير من الأحيان مختلفًا كثيرًا عن هذه الصور. يكتب جوناثان سارنا Jonathan Sarna أن رمزية الأرض المقدسة كانت أكثر أهمية بكثير لهؤلاء الأمريكيين ” مما كانت عليه الواقع. أصيب الذين زاروا الأراضي المقدسة في الواقع بخيبة أمل في بعض الأحيان. كانت الأرض المقدسة الموجودة في أذهانهم أكثر جاذبية بكثير من الأرض المقدسة التي شاهدوها لاحقًا”. ولكن مثل تالماج فهذا الواقع لم يتسبب في أن يتخلى الرحالة الأمريكيون عن رؤيتهم المثالية للأرض المقدسة. كما يصفها غيرشون غرينبيرغ Gershon Greenberg في تعليقه على كتاب برايم (حياة الخيام في الأرض المقدسة Tent Life in the Holy Land). وفقًا لغرينبيرغ، على الرغم من أن الصور التي ترسخت في عقل برايم في أمريكا تتعارض مع الواقع الذي واجهه في الأرض المقدسة، إلا أنه تغلب على هذا التوتر “بتجاوز واقعه الخاص وغمر نفسه تمامًا في الدراما الإنجيلية”. فعل الرحالة الأمريكيون الآخرون الأمر نفسه، واحتضنوا بإصرار صورهم المثالية للأرض المقدسة بغض النظر عما واجهوه في الواقع أثناء مكوثهم في فلسطين.

على الرغم من أن هؤلاء الرحالة كانوا يمجِّدون الأرض المقدسة باستمرار، إلا أن هذا الموقف لم يتسع ليشمل هؤلاء الذين سكنوا هذه الأرض. أظهر الرحالة الأمريكيون عادةً شعورًا بالتفوق، وغالبًا ما كان يعتريهم ازدراءٌ تام للفلسطينيين بسبب عقيدتهم الإسلامية. على غرار رواية سفر التكوين (12: 3)، تعرضُ رواية القرن التاسع عشر الإسلام بمصطلحات جوهرية سلبية إلى حدٍّ كبير.  نشأ هذا التقييم السلبي للإسلام إلى حد كبير من المشاعر الأمريكية الموجودة مسبقًا تجاه الإسلام والمسلمين. قد لاحظ دوغلاس ليتل Douglas Little أن العديد من الأمريكيين في أواخر القرن الثامن عشر اطّلعوا على السير الذاتية التي صورت النبي محمد بأنه مؤسسٌ لدينٍ شريرٍ وكذلك على التقارير التي وصفت الفظائع التي واجهها الأمريكيون خلال الحرب مع قراصنة شمالي أفريقيا.[5] يقول أن “رجال الدولة الثوريين الذين اكتشفوا أمريكا في ربع قرن بعد عام 1776 اعتبروا العالم الإسلامي الذي يعاني من الاستبداد، والبؤس الاقتصادي، والتأخر الفكري، بأنه مناقض للنظام الجمهوري الذي عهدوا إليه بشرفهم المقدس”.[6] بناءً على هذا المنظور فإن رواية القرن التاسع عشر تؤكد على موضوعات العنف، والتساهل، والجهل عند تصوير الإسلام وسكان فلسطين المسلمين.

تَظهَرُ صلةٌ لا انفصام لها بين الإسلام والعنف في هذه الرواية؛ فيصرّح الرحالة سميث J.V.C. Smith  في وصفه للـ “محمديين” أن “مخالفةً مفترضةً لحكمٍ واحدٍ منبثقٍ من القرآن يوقظ غضبهم؛ وأول تفكير هو ذبح هؤلاء الذين تجرؤوا على العبوس أو السخرية من المؤسسات المقدسة للمسلمين”. ويربط هنري هاريس جيسوب Henry Harris Jessup أيضًا الإسلام بصورة أساسية بالعنف، معلنًا أنه “كلما حمل الإسلام السيف يستخدمه لاضطهاد وإذلال جميع الكفار”. إضافةً إلى العنف، يظهر موضوع التساهل الخاطئ في كثير من الأحيان في وصف الرحالة للإسلام. يؤكد سميث أن “الأخلاق هي بالتأكيد في أدنى مستوياتها في كل بلد يكون فيه المحمديون مسيطرين؛ وبالتالي في فلسطين وجميع أنحاء سوريا، هناك خطايا مقيتة وبغيضة شائعة كشيوع غرائز أتباعه الفاسدة والوحشية”، وفي مكانٍ آخر يدَّعي أن “المحمدية تبيح وتنظم التساهل بطريقة تقنع المؤمن المخدوع بأنه يقوم بواجبه بِوَرع، في حين تشبَّع النزعات الأنانية والمنحطة في طبيعته”. ومثال آخر على الربط بين الإسلام وبين التساهل الأخلاقي يأتي في كتاب (خطوات دنيوية Earthly Footsteps)، وهو كتاب مصور من مختلف المواقع الفلسطينية. جاء في الشرح التوضيحي على الصورة التي تُدعى “المسجد العسكري في دمشق” ما يلي: “يعتقد الكثيرون الذين درسوا المحمدية جيدًا أنها ليست سوى شهوانية منظمة، يتحرك أتباعها بفتور من النساء إلى الحمام، ومن الحمام إلى المسجد”.[7] علاوةً على ذلك ووفقًا لرواية القرن التاسع عشر، يتصف الإسلام أيضًا بالجهل؛ نقلًا عن مقالٍ في صحيفة يزعم بأن النبي محمد سعى عمدًا لإبقاء على المسلمين في “جهل مُدقِع”[8]، يقول شعبان بأن العديد من الأمريكيين في القرن التاسع عشر كانوا يعتقدون أن النبي محمدًا حاول أن يديم الجهل بين المسلمين عن طريق منع تقدم العلم والتعليم.[9] ومن انعكاسات هذه النظرة، أعلن جيسوب أن الإسلام هو “في صراع مباشر” مع الحضارة الحديثة، وفي “الصراع بين الحضارة والهمجية يجب أن يكون الإسلام هو الخاسر”.[10] وبالمثل، يذكر تالماج الصعوبة التي واجهها أثناء محاولة نزوله على اليابسة على شاطئ فلسطين، معلنًا أن “المحمدية تعارض الأرصفة السهلة، وتعارض البواخر، وتعارض السكك الحديدية، وتعارض دور الطباعة، وتعارض الحضارة. …مبدؤهم ‘اترك الصخور حيث هي‘، لسان حال الأتراك: “نحن لا نريد الناس من الديانات الأخرى والعادات الأخرى أن يحطّوا هنا؛ اذهبوا بعيدًا بقرنكم التاسع عشر، حريتكم الفكرية واختراعاتكم الحديثة”. وبالمقارنة بين ما رأى تالماج وغيره من الرحالة في فلسطين وبين العادات والمؤسسات الأمريكية، وجدوا أن فلسطين أدنى بكثير من أمريكا. وحيث تأثروا بمفهوم الاستثنائية الأمريكية، تشكل هذا الحكم في نفس الوقت بالاعتقاد بتأثير التآكل المفترض للإسلام.[11]

منتجات رواية القرن التاسع عشر: إنكار الملكية الفلسطينية للأرض وامتهان إنسانية الفلسطينيين

اعتقد العديد من الرحالة بأن المسلمين كانوا لا يستحقون العيش في الأرض المقدسة بسبب هذا العنف، والتساهل، والجهل المزعومين. يُعرب إدوارد ويلسون Edward L. Wilson عن أسِفه لأنه التقى بالقرب من بحيرة طبريا فلاحين “مثيرين للاشمئزاز” قائلًا: “ليس هناك احتمال لوجود سامري صالح من المدرسة القديمة في مجموعة كاملة منهم. لا يوجد أبدًا أي انسجام بينهم وبين طبيعة الأرض”. إزاء فكرةِ أن الفلسطينيين كانوا أدنى منزلةً بكثير من عظَمة الأرض المقدسة، ساد الاعتقادُ بأن الأمريكيين كانوا مخولين حقًا بهذه الأرض وليس الفلسطينيين. فيتفاخر كاتب مجلة أمريكي في عام 1855 قائلًا: “نحن نعرف أكثر بكثير عن أرض اليهود من العرب المنحطين الذين يسيطرون عليها”[12]. تبنيًا لمثل هذه الإدانة، اعتقد الرحالة الأمريكيون بأنهم -وليس السكان الفعليين- لديهم حق المطالبة الأصيل بالأرض المقدسة. وفقًا لشعبان فقد كان يُنظر إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم “متطفلين مخدوعين في أرضٍ اعتبرها الرحالة الأمريكي ملكيته الخاصة”. وكتب ديفيس أن “الأمريكيين أصبحوا مقتنعين بأن الأرض الفلسطينية كانت -أو ينبغي أن تكون- متاحةً لهم دون شروط”. يوضح ديفيس هذه العقلية باقتباس وليم طومسون William M. Thomson الذي يجزم أنه على الرغم من أن الأرض المقدسة أُعطيت للآباء “أقصد أن أجعلها أرضي من مدينة دان إلى بئر سبع قبل أن أتركها”. وتماشيًا مع هذا الافتراض، تصوَّر بعض الرحالة أن فلسطين هي وطنهم الحقيقي. أعلن باكارد J. F. Packard: “تذهب إلى الأرض المقدسة يصحبك شعور بأنك قادم إلى منزلك. بطريقة ما أنت تنتمي دائمًا إلى هنا”. عززت رواية القرن التاسع عشر عقلية أن الأمريكيين -وليس الفلسطينيين- ينتمون حقًا إلى الأرض المقدسة. كان الفلسطينيون شعبًا غير مرغوب فيه في المكان الذي عاشوا فيه، واعتُبِر الفلسطينيون محتلين أجانب لأرض مثالية ليس لأتباع الإسلام العنيفين، والمنحلين أخلاقيًا، والجهلة أي حق شرعي للمطالبة بها.[13]

وحيث وضعت رواية القرن عشر ضمن هذه الحالة، فقد شجعت أيضًا على عدم الاعتراف بإنسانية الفلسطينيين. تضمَّنَ هذا إلى حدٍّ ما جَعْل الفلسطينيين تقريبًا غير مرئيين. كتب بيرك لونغ Burke Long أن الرحالة الأمريكيين في القرن التاسع عشر حاولوا أن “ينزعوا الخبث ويستخرجوا بصورة نقية الأرض المقدسة الحقيقية المذكورة في الكتاب المقدس من زخارفها المعاصرة الكريهة”، مظهرين بذلك الميل إلى تجاهل وجود الفلسطينيين؛ ليضمنوا أن وجودهم لن يشوه مفاهيم الرحالة المثالية حول الأرض المقدسة. ولكن ما بدا أنه كان أكثر شيوعًا، كما بين في الفقرات السابقة، هو أن الرحالة اعترفوا بوجود الفلسطينيين ولكنهم استخفوا به وجعلوه إهانة للمصالح الأمريكية في فلسطين -وخاصةً بسبب طبيعة الإسلام الشريرة الواضحة- وهو الدين الذي يعتنقه معظم الفلسطينيين. تجلى هذا التوجه الفكري أحيانًا عن طريق الرحالة الذين عبَّروا عن كراهيتهم للمسلمين المحليين. يروي شعبان أن العديد من الرحالة حُرموا من دخول الأماكن المقدسة في القدس، مما أثار مشاعر الاستياء ودعا إلى عبارات الكراهية ضد السكان المسلمين. وقد احتج هؤلاء الرحالة “ضد هذا التطفل المسلم على حقوقهم”. ربما اعترف الرحالة بوجود الفلسطينيين، ولكنهم مع ذلك كرهوا القيام بذلك مُعتبرين أن الفلسطينيين ليسوا أشخاصًا يتقاسمون معهم الكرامة الإنسانية، ولكنهم أتباع دين خبيث، وخصوم لهم في سعيهم لامتلاك الأرض المقدسة. ولكن الأهم من ذلك هو أن امتهان الإنسانية هذا والشعور بالتنافس لم يُتَرجما إلى تعابير لتبرير العنف ضد الفلسطينيين والرغبة به، صحيحٌ أنه لا يمكن استبعاد أن يكون الرحالة قد أضمروا مثل هذه الرغبة نهائيًا، إلا أنها لم تظهر في كتاباتهم. بالنسبة إلى هؤلاء الرحالة فقد يكون الفلسطينيون منافسين بغيضين للمصالح الأمريكية، ولكنهم ليسوا تهديدًا لأمن الولايات المتحدة وبقائها.[14] يتضح من خلال عدسة رواية سفر التكوين (12: 3)، من ناحية أخرى إنّ الفلسطينيين يمثلون حقًا هذا التهديد، وبالتالي قد تَلزَمُ إبادتهم.

إسلاموفوبيا الصهيونية المسيحية الأمريكية

البناء الجوهري للإسلام

على غرار رحالة القرن التاسع عشر، يربط زعماءُ الصهيونية المسيحية الأمريكية الإسلام بصورةٍ قاطعةٍ مع العنف. يعلن هاجي أن “الإسلام لا يتسامح فقط مع العنف؛ إنما يأمرُ به. تُعرف الشجرةُ من ثمارها، والثمارُ التي أنتجها الإسلام هي أربعة عشر قرنًا من العنف وسفك الدماء في جميع أنحاء العالم”. ومن أجل دعم مثل هذا الادعاء، يصرح هاجي أن القرآن يفرض بَتْرَ يَد أو قدمِ الشخص الذي يقاوم الإسلام، قائلًا أنه “في أمريكا، قطع يد شخصٍ أو قدمِه لأنه لا يقبل دينك غير واردٍ -ولكن الكتاب المقدس الإسلامي يأمرُ بذلك”.[15] كان زعماء الصهيونية المسيحية قلقون بصورةٍ خاصة بشأن وجود رسالةٍ بديلةٍ تتعلق بالإسلام، وهي أنه دين السلام. لذلك هم يحاولون دحض هذه الفكرة. يكتب شعيبات: “تخيل كيف أشعر بوصفي مسلمًا سابقًا عندما أسمع بعض المعلقين الغربيين الجاهلين يقولون لي بأن الإسلام يعني السلام.  بلى، ويومًا ما سيأتي وحيد قرن يمشي على قوس قزح مصنوع من حلوى القطن ويأخذنا جميعًا إلى مزرعة مايكل جاكسون “نيفرلاند” حيث سوف نعيش معًا متحدين”. إضافةً إلى ذلك، يتحدى زعماءُ الصهيونية المسيحية فكرة أن الإرهاب الإسلامي هو انحراف عن التيار العام الإسلامي. يعلن هاجي أن “الإرهابيين الإسلاميين ليسوا متطرفين، ولكنهم أتباعٌ مخلصون لمحمد يحتذون به، ويفعلون ما يخبرهم الكتاب المقدس الإسلامي أن عليهم فعله”. يؤكد شعيبات، عاكسًا هذا الاعتقاد بأن الإرهابيين الإسلاميين “يتصرفون في الواقع بطريقة إسلامية. إنهم يتصرفون مثل محمد وخلفائه. في حين أنه كثيرًا ما يقال أن الإرهابيين الإسلاميين قد اختطفوا الإسلام، في الواقع أن من يسمَّون بالمسلمين المعتدلين هم من يحاولون تغيير التعاليم الحقيقية للإسلام”.[16]

في إطار موضوع العنف هذا، يولِّد مفهوم الجهاد مناقشةً كبيرةً عند زعماء الصهيونية المسيحية الذين يؤكدون أن الجهاد العنيف إجباريٌ على كل المسلمين. وفقًا لإيفانز Evans، القرآن يقضي بـ “شن الجهاد، أو الحرب المقدسة ضد غير المسلمين جميعهم. وبما أن الحرب المقدسة كانت جزءًا لا يتجزأ من الإسلام في بدايته، فهي تستمر كذلك حتى يومنا هذا. ووفقًا للشريعة الإسلامية، الجهاد لن يتوقف، هو سيستمر إلى يوم القيامة”. يوافق ميسلر Missler على أن الجهاد العنيف إلزاميٌ على كل مسلم بِغَضِّ النظر عن الزمان أو المكان. وليبرهن بصورةٍ واضحةٍ على البناء الجوهري الخالد للإسلام، يعلنُ ميسلر أنه “منذ نشأته، استخدم المحاربون المسلمون الجهاد لنشر دينِ العنف والكراهية. الإسلام لا يتغير: ادرس أي واحدٍ من البلدان التي يسيطر فيها الإسلام”.[17] من بين زعماء الصهيونية المسيحية الأربعة الذين تمّت مناقشتُهم في هذه المقالة، يكرِّس شعيبات اهتمامًا كبيرًا لمفهوم الجهاد. مدّعيًا معرفةً شخصيةً متميزة بوصفه إرهابيًا مفترضًا، ومسلمًا سابقًا. يهاجم شعيبات الأفكار التي تقول أن المسلمين يرون أن الجهاد يشير في المقام الأول إلى النضال الروحي الداخلي بدلًا من الدعوة إلى العنف، وأن المسلمين لا يتسامحون في الجهاد بوصفه عملًا من أعمال العنف إلا في حالة الدفاع فقط.[18] يحتجُّ شعيبات أنه “عندما يدَّعي المسلمون الغربيون أن مختلف الآيات التي تتحدث عن الجهاد هي فقط حول “التغلب على مصيبة الظلم” أنهم يُقدمون من جديد مشروب كول-إيد kool-aid الشهير لجيم جونز.[19] ولكن ما هو محزن هو أن نرى الكثير من الغربيين يلتهمون هذا الهراء السام”، ويعلن في أماكن أخرى أن:

مفهوم الجهاد في الإسلام هو مهاجمةُ الكفار حرفيًا بغرض تحويلِهم إلى الإسلام، بالإقناع أو بالقوة،  حتى وإن لم يكونوا قد بدأوها.  هذا واضح تمامًا؛ محمد ومِنْ بَعدِهِ خلفاؤه هاجموا كل الدول المحيطة بهم بطريقة هجومية لنشر الإسلام. لم تكن هذه الحروب دفاعية، بل كانت حروبًا هجومية هدفها إكراه الضحايا على الاستسلام لله أو يُسحقون. الأمر واضح وبسيط فأي جزء من كلمة  الجهاد  أو قاتل أو اقتل لا يفهمه الغربيون.

وإذ يستشهد بالعديد من الآيات القرآنية، يُصر شعيبات على أن الجهاد، وبصورة خاصة بشكل الحملة الهجومية العنيفة لجلب غير المسلمين إلى الدين الإسلامي، هو واجبٌ على جميع المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل.[20]

وفقًا لزعماء الصهيونية المسيحية، هذا الأمرُ الرسمي بالجهاد الهجومي العنيف يقوي عزم المسلمين على تحقيق السيطرة على العالم، بحيث يعتنق أفراد كل الأمم الإسلام. يقول ميسلر: “أن هدف الإسلام العنيد هو إخضاع العالم بأكمله. إنه يطمح بجرأة للقضاء الفعال على غير المسلمين جميعهم”.[21] يربط ميسلر هذا الطموح بتعاليم القرآن التي وصفها بأنها “دستور المحارب الملتزم بالفتح العالمي -بالسيف- إن لزم الأمر”. يبرهنُ هاجي وجهة نظرٍ مماثلةٍ من القرآن، مُدعيًا أنه يطلب من الدول الإسلامية القتال ضد أيَّة دولة غير مسلمة، مهما كانت قوية، من أجل تعجيل قضية سيطرة المسلمين على العالم. لدى شعيبات أيضًا الكثير ليقوله حول السيطرة على العالم، معلنًا على سبيل المثال أن “الفتح في نهاية المطاف والأسلمة الكاملة للأرض هي توقعٌ طبيعي لمعظم المسلمين تمامًا كتوقعهم لطلوع الشمس. المسلمون لديهم شعور بالاستحقاق ويشعرون كما لو أن السيطرة على العالم هي ببساطة قدرهم”. وبسبب تركيزهم المفرط على السيطرة على العالم، يسمح المسلمون لأنفسهم بارتكاب جميع أنواع الأعمال الوحشية وفقًا لما يرى زعماء الصهيونية المسيحية.[22] يعلن ميسلر أن “العقل الغربي لا يمكنه فهمُ القانون الأخلاقي القائل بأنَّ أي شيءٍ يجعل قضية الإسلام تتقدم هو أمرٌ مُمَجد: القتل، والكذب، والخداع، وما إلى ذلك”. المسلمون نشؤوا على تجسيد الشر، هم لا يتغاضون فحسب عن أعمال العنف الآثمة، بل هم يمجّدونها.

في حين يتم عرض الرغبة في السيطرة على العالم بوصفها عنصرًا أساسيًا من الإسلام، إلا أنه من الأكثر ملاءمة لرواية سفر التكوين (12: 3) التأكيد على أن هذه الرغبة تُركِّز بصورة مكثفة على دولة إسرائيل. يؤكد زعماء الصهيونية المسيحية أن المسلمين في جميع أنحاء العالم ملتزمون بكل إخلاص بإبادة إسرائيل. يدعي هاجي أن النبي محمد كان يحلم بسيطرة العالم الإسلامي،[23] ويحذِّر قائلا: “إن الخطوة الأولى لتحقيق حلم محمد هي تدمير إسرائيل”. يضخِّم ميسلر هذا التهديد بإعلان أن واحدًا من “الأهداف الأساسية” للإسلام هو:

محو إسرائيل واليهود من على الخارطة.  إرث الكراهية هذا الذي يركز على اليهود -ويشمل المسيحيين- كان دائمًا هاجس الإسلام، وهذا يشير بصورة واضحة إلى أنه شيطاني. إن برنامج الإسلام هو نفس برنامج فرعون الذي ذبح الأطفال في سفر الخروج، ومحاولات هامان في زمن استير، ومباشرة هتلر للحل النهائي، وسيستمر مع عمل قائد العالم النهائي في هرمجدون.[24]

الدعوى التي يعبِّر عنها زعماء الصهيونية المسيحية عمومًا  هي أن الشوق إلى إبادة إسرائيل يشغل المسلمين إلى حدٍ كبير؛ لأن صحة القرآن ستزول إن لم تدمَّر إسرائيل. يكتب هاجي: “يعتقد الإسلام أن النبي محمد كان يعلم الحقيقة المطلقة -أي أن مشيئة الله بالنسبة لهم هي أن يحكموا الأرض- لذلك، إن لم يهزم الإسلام إسرائيل فإن محمدًا والقرآن على خطأ -وهذا غير وارد على الإطلاق-  لذلك يجب أن تُهزم إسرائيل. إذا عاشت إسرائيل، كانت العقيدة الإسلامية ليست صحيحة”.[25] يُقدم شعيبات هذه الدعوى أيضًا، وخلص إلى أن “الله هو ليس الرب” بالنسبة للمسلمين إذا استمرت إسرائيل في الوجود. وفقًا لزعماء الصهيونية المسيحية، لن تكون المخاطرة أكبر بالنسبة للمسلمين في سعيهم لتدمير إسرائيل؛ لأن أسس دينهم سوف تنهار بصورة لا يمكن إصلاحها إذا لم يحدث هذا التدمير.

رواية سفر التكوين (12: 3)

الأهم من ذلك، أن هؤلاء الزعماء يؤكدون على أن المخاطرة كبيرةٌ بنفس القدر للأمريكيين؛ لأن أمتهم قد تُدمَّر إذا لم يدعموا إسرائيل ضد الفلسطينيين. بناءً على عرضهِم لسفر التكوين (12: 3)، يحثُّ هؤلاء الزعماء تجمعات المصلِّين والقراء على دعم إسرائيل، وبالتالي يتلقون بركات الرب بدلًا من لعناته. وفقًا لهاجي “لا يمكن أن تكون الكلمة أبسط، فإن كنت تريد بركات الرب في حياتك، يجب أن تبارك إسرائيل، ولا تكُن سببًا في شقائها بالكرْه، والاضطهاد، والقتل”. يُورد هاجي الآية (12: 3) من سفر التكوين ويعلن أنه “يمكن أن أسوِّد الصحف الطوال حول كيفية تأثير تلك البركة واللعنة بصورة كبيرة في التاريخ البشري. إنها حقيقة لا يمكن إنكارها أن الشخص أو الأمة التي باركت إسرائيل قد باركها الرب، وأن الشخص أو الأمة التي لعنت إسرائيل أتاها عذاب الرب مضاعفًا”. يذكر هاجي بعد هذا الاقتباس العديد من قصص الكتاب المقدس، ساعيًا لإظهار نموذج لا يقبل الجدل لبركات الله على هؤلاء الذين ساعدوا شعب إسرائيل، وللعنات الرب على هؤلاء الذين آذوهم بطريقة ما. يؤكِّد زعماءُ الصهيونية المسيحية أن هذا النموذج ينطبق على كل الأزمان كما كان خلال أيام الكتاب المقدس. يكتب شعيبات: “الوعد الذي أعطي لإبراهيم، “سوف ألعن لاعنيك وأبارك مباركيك” ما يزال قائمًا. هذا الوعد ليس له تاريخ انتهاء صلاحية”. من الجدير بالذكر أن شعيبات يعكس ترتيب الكلمات في سفر التكوين (12: 3)، واضعًا فكرة اللعنة قبل المباركة، لأنه مثل زعماء الصهيونية المسيحية الآخرين يحذِّر من اللعنات أكثر من تحدثه عن بركات الله. يخبر شعيبات قُراءه أن التزام الله بلعن أولئك الذين يؤذون شعب إسرائيل هو “قانونٌ مُثْبَتٌ بالأدلة التاريخية بحيث لا يستطيع إنسان عاقل أن ينكره. لا يوجد شيء يمكن أن يكون ذاتي التحقيق أكثر منه”.  وهو يؤكد هذا الادعاء بذكر أمثلة تاريخية عديدة من بينها وفاة هتلر. يُعلن زعماء الصهيونية المسيحية بصورةٍ ملحوظةٍ أن أمريكا تتلقى حاليًا مثل هذه اللعنات من الرب. يقدم إيفانز بيانًا مروِّعًا بأنه “لا يوجد شك على الإطلاق بأن حماية الرب رُفعت عن أمريكا. كانت أحداث 11 سبتمبر لعنةً على أمتنا الحبيبة، ولكن الأسوأ من ذلك هو حقيقة أن معظم الأمريكيين لا يفهمون لماذا حدث ما حدث. أنا أعتقد أنه سوف يحدث مرة أخرى، ومرارًا وتكرارًا وأسوأ بكثير، إذا لم يتنبه الأمريكيون للحقيقة”. وهكذا فإن رواية سفر التكوين (12: 3) تقرر الرسالة الآتية: كما أثبتت أمثلةُ الكتاب المقدس والتاريخُ الحديث وبصورةٍ قاطعةٍ، يجب أن تَدعمَ أمريكا إسرائيل خشيةَ أن يحدث أمرٌ أكثر تدميرًا من 11 سبتمبر.

إن الأمر الجوهري في هذه الرسالة هو أيضًا هل دعم الأمريكيين لإسرائيل خيارٌ مُلِح. يؤكد زعماء الصهيونية المسيحية على السُلطة المطْلقة والسيادة للرب، ولكنهم لا يعتقدون أن هذه الصفات الإلهية تَحُول دون إعطاء البشر مسؤولية اتخاذ القرارات التي قد يكون لها عواقب تاريخية كبيرة. وفي إشارته إلى الأحداث السابقة في الكتاب المقدس مثل رغبة الرب بالسماح لإبراهيم بأن يشفع لسكان سدوم وعمورية قبل تدمير هذه المدن، يكتب إيفانز “في حين يمكن أن يعتقد العديد أن تحقيق هذه النبوءة التوراتية هو عمل سيادي لله، تشير الكتب المقدسة نفسها إلى أنه يمكننا أن نختار بأن نكون في جانب النعمة أو اللعنة من النبوءة”. ومع ذلك، ليس كل الأمريكيين قادرين على اتخاذ هذا القرار وفقًا لزعماء الصهيونية المسيحية. في سياق اقتباس سفر التكوين (12: 3)، يعلن إيفانز، ” أنه يجب على الأمريكيين الذين يخافون الله أن ينهضوا الآن قبل فوات الأوان” لأنهم وحدهم المهيؤون لاتخاذ القرار المطلوب من أجل مصلحة أمريكا ككل.

نظرًا إلى الحاجة الملحَّة لهذا الاختيار، تؤكد رواية سفر التكوين (12: 3) بصورة خاصة على عصر الكايروتيك Kairotic الذي يبرز فيه الحاضر بوصفه لحظةً في التاريخ عندما يجب على المسيحيين الأمريكيين اتخاذ قرار وجودي له أهمية لا تحصى. يعلن إيفانز أنه “لم يكن هناك بالنسبة للأمريكيين وقت أكثر إلحاحًا للعمل بوضوح أخلاقي مما هو عليه اليوم، كما لم يكن هناك وقت أبدًا ظهرنا فيه بصورة أكثر ازدواجية؛ مستقبل أمتنا، فضلًا عن عالمنا= معلَّق بين أفعالنا ولا مبالاتنا”. يعرض هاجي أيضًا هذا البعد الكاريوتيكي للزمن، قائلًا “أمريكا على مفترق طرق! هل سنؤمن ونطيع كلمة الله بشأن إسرائيل، أو سنستمر في المراوغة والتعاطف مع أعداء إسرائيل؟”. من خلال ترسيخ فكرة أن الإسلام – دين معظم الفلسطينيين- شرير وعنيف أساسًا، يسعى زعماء الصهيونية المسيحية لجعل هذا الخيار واضحًا للغاية، كما لو أنه لا توجد حاجة على الإطلاق إلى التشكيك في موقف الولايات المتحدة في دعم إسرائيل بدلًا من “أعدائها” الفلسطينيين الخبثاء.

من نتائج رواية سفر التكوين (12: 3): إنكار الملكية الفلسطينية للأرض

يهدف زعماء الصهيونية المسيحية إلى التأكيد على أنه يجب على المسيحيين الأمريكيين أن يختاروا دعم إسرائيل، ولكن اعترافًا بغموض هذا التوجيه، لا بد من طرح سؤال حول ما يترتب على هذا الدعم بالضبط. تجيب فيكتوريا كلارك Victoria Clark عن هذا السؤال، فتورد الآية من سفر التكوين (12: 3) ثم تذكر أن “مباركة” إسرائيل اقتضت أن العديد من المسيحيين الصهاينة “يعارضون أية عملية سلام، ويدعمون استمرار بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ويموِّلون تلك المستوطنات المحظورة دوليًا، ويدعمون خطةً إسرائيليةً يمينيةً متطرفةً بـنقل الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة”. والأكثر أهمية أن زعماء الصهيونية المسيحية طالبوا الولايات المتحدة بعدم حث إسرائيل على التخلي عن أيّةِ أرضٍ، أو التوقيع على معاهدات سلام مع السلطات الفلسطينية. وفقًا لهؤلاء الزعماء، وعد الله أرض إسرائيل للشعب اليهودي ليس فقط في العصور الإنجيلية وإنما إلى الأبد. يؤكد هاجي أن “الله أعطى الشعب اليهودي أرض إسرائيل بميثاق إلهي، وذلك الميثاق هو ميثاق دم، وهو أبدي وغير قابل للرجوع عنه” وهو يحيل إلى العديد من مقاطع الكتاب المقدس ليؤكد على أن إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948 كان تحقيقًا لنبوءة توراتية.[26] وإضافة إلى الادعاء بأن إسرائيل لديها تفويض إلهي بالأرض التي تمتلكها في الوقت الراهن، يؤكد زعماء الصهيونية المسيحية بأن الفلسطينيين ليس لديهم الحق في أية أرض، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة. يكتب هاجي أن الفلسطينيين ليس لديهم الحق في أرض إسرائيل، لأنها أُعطيت لنسل إبراهيم من ذرية إسحق وليس إسماعيل “أبو العرب” الذي “تم استثناؤه من صك ملكية الأرض في سفر التكوين (17: 19-21)”. ويؤكد هاجي أيضًا على أنه يملك الدليل التاريخي على موقفه، قائلًا إن:

أرض إسرائيل لم تكن أبدًا للفلسطينيين. أبدًا! لقد أطلق عليها الامبراطور الروماني هادريان Hadrian اسم بالستينا Palaestina في عام 130 ميلادي، ولكن لم يكن هناك أبدًا أرض تسمى فلسطين. لا يوجد لغة فلسطينية. قبل عام 1948، الناس الذين يطلق عليهم اليوم فلسطينيين كانوا يعيشون في مصر. كانوا يعيشون في سوريا. كانوا يعيشون في العراق. انتقلوا إلى أرض إسرائيل عندما شردتهم حرب 1948، التي بدأتها الدول العربية، ولكن إسرائيل لم تحتل الأرض التي يسميها هؤلاء الناس اليوم وطنًا. الإشارة إلى إسرائيل بوصفها  أرض محتلة هي نشر للأكاذيب.[27]

يتحدى ميسلر ملكية الفلسطينيين للأرض بحجة مماثلة، معلنًا أنه “لم تكن هناك أبداً دولة تُدعى فلسطين يحكمها الفلسطينيون. بالنسبة لزعماء الصهيونية المسيحية، ليس لدى إسرائيل أي سبب للتخلي عن أي أرض، ويجب ألا تفعل ذلك؛ لأن هذا من شأنه أن يتعارض مع إرادة الله.

يعلن هؤلاء الزعماء أن الولايات المتحدة سوف تواجه عواقب وخيمة إذا لعبت دورًا في الخسارة الإسرائيلية للأرض. يعلن هاجي أن أي أمة “تجبر إسرائيل على تقسيم الأرض سوف تلقى حسابًا سريعًا ومحتمًا من الله”. المصير الذين كان يتنبأ به للولايات المتحدة إذا طلبت من إسرائيل الانسحاب من المنطقة أو الدخول في معاهدات مع الفلسطينيين. من أجل مُنِعَ هذا السيناريو، يناشد هاجي قُرَّاءَه للضغط على أعضاء الحكومة الأمريكية، قائلًا: “كل مسيحي في أمريكا لديه تفويض من الكتاب المقدس للتضامن المطلق مع إسرائيل والطلب من قادتنا في واشنطن أن يتوقفوا عن الحث على انسحاب إسرائيل بوصفه حلًا لكل النزاعات التي تنشأ في الشرق الأوسط”. وعلاوة على ذلك، يُحذر زعماء الصهيونية المسيحية بصورة خاصة من التدخل الأمريكي في اتفاقيات الأرض المتعلقة بمعاهدات السلام مع الفلسطينيين؛ لأن أتباع الإسلام لا يمكن الوثوق بهم -بزعمهم- ليلتزموا بشروط معاهدتهم. يؤكد شعيبات أنه “بالنسبة للعقل المسلم، المعاهدات ليست اتفاقيات ملزِمة، ولكنها فرص ليصبح أقوى وليكسب الوقت، أو لتظهر بصورة سلميَّة في حين تستعد للحرب. ولكن لكي لا نكون مخطئين، عقد معاهدات سلام مع الكفار من أجل السلام وحسب هو ليس أبدًا الهدف النهائي، الهدف الوحيد للإسلام هو الانتصار على العالم كله”.[28] ينتقل ميسلر إلى بداية التاريخ الإسلامي لتوضيح هذا الادعاء، مدعيًا أن محمد عقد معاهدة سلام مع قبيلته قريش، ولكنه انتهك المعاهدة، وقتل أبناء عشيرته بعدما اكتسب قوة عسكرية بعد ذلك بعامين.[29] وفقًا لميسلر، هذا الحدث “ليس مجرد حدث تاريخي: إنه حدث ممجَّد حتى يومنا هذا”. بسبب هذا الموقف الإسلامي المزعوم تجاه المعاهدات، يحث شعيبات قُرَّاءه على عدم التفاؤل المضلَّل بشأن مشاركة الفلسطينيين في معاهدات السلام؛ معلنًا أن “هذا تكرارٌ لعام 1938 مرةً ثانيةً”. بإثارة شبح هتلر المخيف واحتقاره لمحاولات إحداث السلام، يقول شعيبات إن مأساةً تشبه المحرقة اليهودية نسبيًا ستحدث إذا وثق الأمريكيون بأن يلتزم الفلسطينيون بتنفيذ أية معاهدة مع إسرائيل بصدق.

تماشيًا مع استعمال زعماء الصهيونية المسيحية لسفر التكوين (12: 3)، يؤكدون أن مثل هذه المأساة لن تؤثر على إسرائيل فحسب، بل على الولايات المتحدة أيضًا إذا مارست أمريكا ضغوطًا على إسرائيل للتخلي عن الأرض، أو لعقد اتفاقيات معاهدة مع السلطات الفلسطينية. يعلن هاجي أن “أمريكا عرضة للهجمات الإرهابية في المستقبل، والتي قد تكون عواقبها أقسى بكثير من خسارة ثلاثة آلاف نفس في 11 سبتمبر؛ هذا ليس الوقت المناسب لاستفزاز الرب وتحديه ليصب جام غضبه على أمتنا لكونها قوة رئيسة في تقسيم أرض إسرائيل”. مما يعكس أهمية القدس الكبيرة بالنسبة للمسيحيين الصهاينة، أنها تبدو بارزةً بصورة خاصة في هذه التحذيرات؛ لأن زعماء الصهيونية المسيحية يدينون أي خطة لتقسيم المدينة. يعلن إيفانز أن “الدول التي قسمت القدس سوف تُلعن لعنا كبيرًا إذا حدث ذلك، فإن أي قدر من الدعاء والتوبة لن يردَّ اللعنة عن تلك الأمة”. ثم يركز إيفانز بصورة خاصة على الولايات المتحدة، مُحذِّرًا “إذا قسَّمت أمريكا القدس، لن يكون هناك أيَّة مغفرة، وستنتهي أمريكا بصورة مأساوية في مزبلة التاريخ”. مستحضرين لصور من أحداث 11 سبتمبر، يشجع قادة الصهيونية المسيحية أتباعهم وقُراءهم على تصوُّر حدوث جائحة أكبر من ذلك بكثير إن لم يعارضوا بصورة فاعلة تقسيم إسرائيل، وخاصة القدس.

من نتائج رواية سفر التكوين (12: 3): امتهان إنسانية الفلسطينيين

يشير زعماءُ الصهيونية المسيحية بصراحة أحيانًا إلى الفلسطينيين للادعاء بأنهم ليسوا جماعة حقيقية من الناس. يجعل هاجي هذا الموقف واضحًا للغاية، مشيرًا إلى أن “الفلسطينيين لم يُوجِدوا أبدًا مجتمعًا مستقلًا”. بالنسبة إلى ميسلر، الهوية الفلسطينية لا تثير التساؤلات ببساطة؛ إنها مرفوضةٌ صراحةً، ومنقولةٌ إلى السكان اليهود في إسرائيل. ويكتب أن “الشعب اليهودي هم الفلسطينيون الحقيقيون. ولديهم تاريخ موثق لمدة ثلاثة آلاف سنة في تلك الأرض”.[30] يمكن لمثل هذه التصريحات التي تنكر بصراحة وجود الفلسطينيين كمجموعة من الناس أن تؤثر بقوة في تصوُّرِ عامة المسيحيين الصهاينة للفلسطينيين، ولكن ما ليس ظاهرًا للعيان كهذا، هو أن هذا التصور يمكنه أيضًا أن يتشكل من المعاملة الضمنية للفلسطينيين الكامنة في رواية سفر التكوين (12: 3). بالنسبة للجزء الأكبر، الفلسطينيون في هذه الرواية هم شعب لم يذكر اسمه، يندرج تحت اسم “الإسلام”. إضافة إلى التعتيم على حقيقة أن ليس كل الفلسطينيين مسلمون، هذا التوجه لمناقشة “الإسلام” بدلًا من “الفلسطينيين” يجعل الفلسطينيين بصورة فعالة غير مرئيين في رواية سفر التكوين (12: 3)، على غرار كتابات الرحالة في القرن التاسع عشر، في حين أن إنسانية الأمريكيين وسكان إسرائيل اليهود تأخذ مركز الصدارة في رواية سفر التكوين (12: 3)؛ لأن وجودهم معلَّق بصورة خطيرة بسبب الدمار المحتمل وشيك الحدوث؛ لذا لا يسلط الضوء على إنسانية الفلسطينيين.

لفتت ميلاني ماك أليستر Melani McAlister الانتباه إلى ظاهرة مشابهة في سلسلة (المتروك خلفاً Left Behind)، وهي مجموعة من الروايات والأفلام التي حقَّقت شعبيةً كبيرةً بين المسيحيين الصهاينة خلال تسعينيات القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. مع ملاحظة أنه لا يوجد عربيٌّ فلسطينيٌّ واحدٌ لعب دورًا في السلسلة رغم أن أحداثها تجري في القدس أو بالقرب منها؛ تخلص ماك أليستر إلى أن الفلسطينيين “هم ببساطة خارج الاحتمالات التمثيلية للعالم المنسي. إن اقتراح ديك آرمي بوجوب نبذ الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإصرار بات روبرتسون على أنه يجب على إسرائيل ألا تقبل بتسويةٍ على شبر واحد من الأرض تم تمثيلهما ضمن الروايات بوصفه تحقيقًا لأمنية: لا توجد مشكلة فلسطينية على الخريطة الإنجيلية”. على غرار السلسلة المنسية، تتجه رواية سفر التكوين (12: 3) إلى نبذ الفلسطينيين من الوعي المسيحي الصهيوني، مع المحافظة على تركيزها على الإسلام المادي بدلًا منهم. التركيز على الإسلام وليس على الفلسطينيين يليق بأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، لأن زعماء الصهيونية المسيحية أحدثوا ارتباطات واسعة النطاق بين الإسلام والعنف من أجل زيادة الشعور بالتهديد الوشيك الذي يشتهون حصوله. نتيجةً لذلك، لم يصبح الإسلام أكثر شرًا فحسب في أذهان المسيحيين الصهاينة، ولكن استمر وجود الفلسطينيين بالبقاء في خلفية الصورة، هذا إن تم الاعتراف به أصلًا.

وعلاوة على ذلك، بالنسبة إلى عامَّةِ المسيحيين الصهاينة هؤلاء الذين يتعاملون مع رواية سفر التكوين (12: 3) ومع ذلك يعترفون بوجود الفلسطينيين. تعزز رواية سفر التكوين (12: 3) تأثيرًا إضافيًا فيه امتهان للإنسانية، وهو عدم القدرة على إدراك الكرامة الإنسانية للفلسطينيين. نظرًا لتصوير رواية سفر التكوين (12: 3) السلبي للإسلام، يُنظر إلى المسلمين الفلسطينيين ضمنًا بأنهم عنيفون وشريرون أساسًا، ويفتقرون إلى الكرامة الإنسانية. علاوة على ذلك، هم يوصفون ضمنًا بأنهم مغايرون لسكان إسرائيل اليهود، كما يوضح هاجي، يعلن زعماء الصهيونية المسيحية بصورة منتظمة أن “المعتقدات الدينية للإسلام وإسرائيل تبقى في تعارض تام لبعضها البعض”.  يعلن شعيبات مُشِيدًا بفضائل السكان اليهود في إسرائيل وفي نفس الوقت مشوهًا لسمعة الفلسطينيين= أن “اليهود يحبُّون السلام.[31] في الواقع عندما أتحدث في المناسبات اليهودية أنا أقتبس دائمًا قول غولدا مئير: “سيكون لدينا سلام عندما يحب العرب أطفالهم أكثر مما يكرهوننا”[32] تتألق وجوههم عند سماع مثل هذه العبارة؛ إنهم يحبون حكمة غولدا مئير”. يمجِّد هاجي أيضًا السكان اليهود في إسرائيل مقارنةً بجيرانهم المسلمين، مُصرًا على أن النظام الإسرائيلي للحكومة الذي وضعه اليهود يقف وحده بوصفه نموذجًا في المنطقة. وفقًا لهاجي، إسرائيل هي “الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط. إنها جزيرة في بحر من المسلمين المتطرفين الذين يصرخون طلبًا لموت كل كافر (غير مسلم)”.

توظيفًا لهذه العقلية المانوية، تمتهن رواية سفر التكوين (12: 3) إنسانيةَ المسلمين الفلسطينيين. كما يقول تشارلز ستروزير Charles Strozier، وكاثرين بويد Katharine Boyd هذا النوع من التفكير الثنائي يجعل المرء “يرى الآخرين بصورة جزئية جدًا “كأشياء جزئية”، بحيث يفقد المرء “القدرة على تصوِّر العالم الداخلي للآخرين وإنسانيتهم”، بصورة خاصة لهؤلاء الذين يصنَّفون على الجانب الشنيع من هذه الازدواجية. يؤكد دوغلاس ليتل Douglas Little، متأملًا تحليل إدوارد سعيد للاستشراق، أن هذا الفهم المتشعب بما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين يعزّزُ عقلية أن الفلسطينيين “يمثلون الإرهاب وأكثر من ذلك قليلًا”. المسيحيون الصهاينة الذين يتعاملون مع رواية سفر التكوين (12: 3) معتادون على تجاهل الكرامة الإنسانية للفلسطينيين؛ لأنهم ممنوعون من تخيل العالم الداخلي للفلسطينيين، وينظرون إليهم بصورة موحدة على أنهم إرهابيون وأتباع دين خبيث، في حين يجب ألا يُعتبر هذا التأثير المحتمل أمرًا لا مفر منه، كما لو أن كل المسيحيين الصهاينة سوف يتبنُّون لا محالة مثل هذه العقلية بسبب رواية سفر التكوين (12: 3)، إلا أنه يجب الاعتراف باحتمالية أن يصبح هذا واقعًا، كما سأناقش في المقطع الآتي. هذا الاعتراف مهم بصورةٍ خاصةٍ لأنه في حين يُحث المسيحيين الصهاينة على تكريس طاقتهم وصلواتهم ومواردهم لإنقاذ يهود إسرائيل وأنفسهم أيضًا من الخطر المحدق، إلا أن عدم اعتبار الكرامة الإنسانية للفلسطينيين قد يظهر عند المسيحيين الصهاينة الراغبين بتدمير الفلسطينيين.

من نتائج رواية سفر التكوين (12: 3): تبرير العنف ضد الفلسطينيين

كما تناول العديد من الكُتَّاب عندما تفشل مجموعةٌ واحدةٌ بإدراك إنسانية مجموعةٍ أخرى، قد يترتب على ذلك بسهولة رغبة في تبرير العنف ضد هذه المجموعة الأخرى. يعرض جيمس والر James Waller ما يسميه “البناء النفسي للآخر” ويناقش بأن الناس من المحتمل أن يقتلوا الآخرين إذا تصوَّروا بأنهم مختلفون جوهريًا عنهم. يأخذ أمين معلوف بالاعتبار أنه متى ظهرت فئات منقسمة منا ومنهم فهناك ميل للاعتقاد بأنه “مهما حدث للآخرين فإنهم يستحقونه”. يناقش رودريك هارت Roderick Hart هذه المسألة أيضًا، مقترحًا أن كل مجتمع يحدَّد “لا مجتمع”، وهو مجموعة “اختارت عمدًا منهجًا مختلفًا عن منهجنا واتبعته بعيدًا”. وفقًا لهارت، “بذكر اللامجتمع -بيانياً ورياضياً- يقودنا زعماء المجتمع للمخاطرة التي لن نصل إليها إن لم يفعلوا. هم يجعلوننا نرى الآخر في انحراف تام، ويجعلوننا نتجرأ نتيجة لذلك”. قد تأخذ هذه الجرأة شكلًا من أشكال العنف ضد المجتمع الآخر، والذي يتغاضى عنه الجناة وحلفاؤهم؛ لأن الضحايا يُعتبرون  كائنات شريرة تستحق هذه الإجراءات.

يمكن ربط هذه الموافقة على العنف ضد الفلسطينيين برواية سفر التكوين (12: 3)، كما يتبين بالدعوة القوية لتحرك الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين التي يعبِّر عنها جميع زعماء الصهيونية المسيحية الذين تمت مناقشتهم في هذه المقالة. يُعلن هاجي “لقد حان الوقت بوصفنا أصدقاء أن نقول: إسرائيل!  نحن نقف إلى جانبك -وكفى يعني كفى!- لديك الحق في مهاجمة أعدائك الإرهابيين تمامًا كما لدى أمريكا الحق في مهاجمة أعدائنا!” يصرُّ إيفانز على أنه “لابد  لأمريكا أن تسمح لإسرائيل بخوض حربها ضد الإرهاب الذي لم يُحارَب من قبل”. ويعلن ميسلر أن “إسرائيل لديها الحق الذي وهبها الله إياه لتدافع عن نفسها ضد الإرهاب”. إضافةً إلى ذلك، يستعطف شعيبات القُرَّاء لدعم ما يعتبره “الحرب الإسرائيلية ضد الإرهاب” والمفروضة إلهيًا ضد الفلسطينيين. على الرغم من أن هؤلاء الزعماء قد لا يؤيدون العمل العسكري المباشر ضد الفلسطينيين، على غرار دعوة إيفانز في كتابه (ما وراء العراق Beyond Iraq) في عام 2003 لضربات استباقية أمريكية على العراق، إلا أنهم يرغبون بصورة واضحة بأن تقوم القوات الإسرائيلية بأعمال عنف ضد الفلسطينيين.

الأهم من ذلك، هناك اتجاهان لزعماء الصهيونية المسيحية قد يقودان الأشخاص العاديين لقبول أفكار هؤلاء الزعماء دون تمحيص، وبالتالي زيادة احتمال أن يبرر الأشخاص العاديون أعمال العنف ضد الفلسطينيين ويرغبوا بها.

أولًا: 

يعرض زعماءُ الصهيونية المسيحية عادةً روح سُلطةٍ شخصيةٍ فريدة من نوعها، تسعى لنفي أي شك يتعلق بصحة ادعاءاتهم. بصورةٍ مشابهةٍ على نحو لافت للنظر للتعليقات التي أدلى بها إيفانز، يفتخر هاجي، “أنا أذهب إلى إسرائيل بصورة منتظمة منذ عام 1978، وعلى مدى السنوات طورتُ شبكةً من المصادر السرية على درجة عالية من الكفاءة وفي مواقع استراتيجية لديها تركيزٌ واضحٌ ومحددٌ جدًا على التطورات الجيوسياسية الحرجة في إسرائيل والشرق الأوسط”. وشعيبات جديرٌ بالذكر بصورة خاصة في هذا الصدد؛ لأنه يؤكد بصورة منتظمة وضعه بوصفه “إرهابيًا فلسطينيًا سابقًا” لتوليد شعورٍ بسلطةٍ شخصيةٍ حاسمة. في كتابه (حرب الله على الإرهاب God’s War on Terror)، يقول للقُرَّاء إنهم:

سوف يجدون منهجًا مكثفًا حول موضوع الإسلام كما تنبأ الكتاب المقدس. سأزودكم بفهمٍ جديدٍ للنبوءة التوراتية من وجهة نظرٍ شرقيةٍ وتبصرٍ في الكتاب المقدس كما يراه إرهابيٌّ مسلمٌ سابق. أنا أدرك أن هذه ليست أعظم المؤهلات، بصورة خاصة أنني لست حتى خريج معهدٍ للتعليم العالي – ولكن الكثيرين من أتباع يسوع لم يكونوا كذلك-. لقد اختار بول، وهو إرهابي ضد المسيحيين، وحوَّله إلى واحدٍ من أعظم السفراء المسيحيين الذين عاشوا من قبل. مثل بول، أنا اضطهدت شعب الله، ومثل المسيح، ولدت في نفس القرية مثل ملك الملوك.

وإذ يضع نفسه في مثل هذه الأبعاد الأسطورية، يهدف شعيبات لخلق هالةٍ من السلطة على غرار ما ينسبه قراؤه للكتاب المقدس.

ثانيًا:

قبول أفكار زعماء الصهيونية المسيحية دون تمحيص قد ينتج من ميلهم إلى لصق تفويض إلهي بروايتهم، كما لو كانت طاعة الرب تتطلب قبول كل ما يقولونه. من أجل إبراز هذا الشعور بالتفويض الإلهي يؤكد زعماء الصهيونية المسيحية أحيانًا أن الأحداث التي يصفونها ليست من باب السياسة التي هي في نهاية المطاف شأنٌ إنساني، ولكنها عنايةٌ إلهية بالأحرى. يعلن إيفانز أن “الكتب المقدسة تدعونا لنتكلم علنًا. المعركة التي تخاض حول القدس ليست سياسة -إنها نبوءة-. إنها ليست معركة سياسة خارجية، ولكنها معركة سماوية!”. وفق هذه الخطوط يحدِّد إيفانز دوره في اجتماع عام 1981 مع موظفي الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والجنرالات والأدميرالات الأمريكيين بشأن بيع طائرات عسكرية للمملكة السعودية، الاقتراح الذي عرَّفه إيفانز بأنه يتعارض مع إرادة الله. وجوابًا على السؤال الموجَّه له: “ماذا يعرف الرب عن السياسة الخارجية؟” هتف إيفانز: “هو [الرب] السياسة الخارجية!”. هذا النوع من التأكيد يسعى لقمع الخلاف والشك، مشيرًا إلى أنه لا توجد حاجة حتى للنظر في وجهات النظر البديلة بما أن الرب قد حسم المسألة بالفعل.

في حين أن هذين الاتجاهين قد يقومان بدور هام في تحفيز رغبة عامة المسيحيين الصهاينة في العنف ضد الفلسطينيين، إلا أن الشعور بالخوف الذي أوجدته رواية سفر التكوين (12: 3) يلعب دورًا أكبر. بخلاف رواية القرن التاسع عشر التي قامت على الثقة الأمريكية، تعزِّز رواية سفر التكوين (12: 3)- مع تهديدها بالدمار الأمريكي الكارثي- الرغبة بمنع هذا الدمار من خلال أعمال العنف. هذا الحرص على العنف ردًا على الشعور بالتهديد هو سمة الموقف الأمريكي المعاصر تجاه الخوف، كما أبرزه بيتر ستيرنز Peter Stearns. بالنسبة للأمريكيين في القرنين العشرين والحادي والعشرين، الخوف هو “أمرٌ غير مقبول، وهو عاطفة إن لم يمكن منعها، تضفي شرعيةً على الندب والانتقام”. يناقش ستيرنز أن الأمريكيين قد نشأوا اجتماعيًا ليثوروا بصورةٍ مبالغةٍ فيها ضد الخوف “من مزيج من قلة الخبرة، وتعلموا الاستياء والسعي من أجل إعادة الطمأنينة” فيقول إن الأمريكيين المعاصرين “يردُّون على الخوف بوصفه إهانةً عاطفيةً  فرديةً كبيرة. التي يجب أن يعاقب شخص ما وتتم تهدئته بطريقةٍ ما”. مع تعريف رواية سفر التكوين (12: 3) للإسلام وأتباعه الفلسطينيين بأنهم خطرٌ داهمٌ على إسرائيل وبالتالي على أمريكا، قد يرد المسيحيون الصهاينة على هذا التهديد المحدق بالتوق لمعاقبته. إضافةً إلى هذا الموقف الأمريكي المعاصر تجاه الخوف، فإن سمة من سمات رواية سفر التكوين (12: 3) نفسها تربط هذه الرواية برغبة في أعمال عنف ضد الفلسطينيين. كما يوضح روبرت كوكس J. Robert Cox احتمال ارتكاب وتبرير أعمال عنف ضد مجموعة أخرى يزداد كثيرًا عندما تُعتبر هذه المجموعة تهديدًا لشيء لا يمكن إصلاحه. يقول كوكس أنه في مثل هذه الحالات “قد تشعر الجهات الفاعلة أنها محقة في الذهاب إلى الحدود القصوى لمنع، أو إحباط خسارة شيء نادر، أو ثمين، أو فريد من نوعه.  إن الموضع الذي لا يمكن إصلاحه قد يقال لتسويغ التدابير “غير الاعتيادية” والإجراءات التي تتجاوز المعتاد، أو المعروف، أو ما يوافق عليه معظم الناس”. بالتأكيد على وجود الخطر الوشيك على إسرائيل والولايات المتحدة، وهي الأمم التي صوَّرها زعماء الصهيونية المسيحية على أنها “نادرة أو ثمينة أو فريدة من نوعها”، يمكن أن تُحفز رواية سفر التكوين (12: 3) بسهولة عامة المسيحيين الصهاينة على الموافقة على “إجراءات عنف استثنائية” ضد الفلسطينيين، بما أنهم اعتُبروا مسؤولين عن هذا التهديد ضد ما لا يمكن إصلاحه. إذًا فإن الدعوة إلى عمل عسكري ضد الفلسطينيين لم تعد مجرد رغبة عددٍ قليلٍ من زعماء الصهيونية المسيحية، ولكنها قناعةٌ مشتركةٌ يملكها عددٌ كبير من عامة المسيحيين الصهاينة.

الخاتمة

وفقًا للفيلسوف هانس غيورغ غادامر Hans-Georg Gadamer، التواصل الصحيح يتضمن الحوار، “لعبة الأخذ والعطاء” بين الذات والآخر التي تؤدي إلى إثراء تلك الذات من خلال ما ينكشف في الحوار. يكسب المرء من خلال استيعاب ما في حركة الحوار ذهابًا وإيابًا= رؤيةً جديدةً لوجود المرء في العالم فضلًا عن وجود الآخرين. والمصيري في هذه العملية هو الانفتاح على شخص آخر، أو على نَص من خلال طرح الأسئلة، والذي يسمح للمرء بأن يكون مخاطبًا ومتأثرًا بشيء آخر. يكتب غادامر “أن تطرح سؤالًا يعني أن تكشف للعلن. الانفتاح على مضمون المسألة يتمثل في حقيقة أن الجواب لم يحسم” وبالتالي يستلزم طرح المزيد من الأسئلة. بالنسبة لغادامر، الحوار يُبرز تبادلًا مستمرًا للأسئلة والأجوبة التي تستدعي أسئلة جديدة لتُطرح، وتمكُّن شخصٍ ما، وشخصٍ آخر أو نصٍ للوصول إلى تفاهم متبادل، ولكن هذا الفهم مشروط بصورة مستمرة؛ فمفهوم غادامر عن الحوار هو عملية مفتوحة لا تسعى إلى فهم تام، ولكنها تقود بدلًا عن ذلك إلى فهم أكبر من أي وقت مضى.

خلافًا لنموذج غادامير عن الحوار، العقلية التي تكسو رواية سفر التكوين (12: 3) لا ترحب بالأسئلة ذات النهايات المفتوحة والفهم المشروط. حُسمت الإجابات بالفعل في هذا الخير المنقسم في مقابل وجهة النظر الشريرة التي تتجنب أي اعتراف بغموض العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية. يقول جيسون بيفينز Jason Bivins إن هذا النوع من وجهات النظر متوطن في “دين الخوف”، الذي “يطلب منا ألا ننظر فقط إلى الحياة السياسية ولكن إلى الوجود الإنساني أيضًا بوصفه ثابتًا ومستقرًا؛ إنها تؤكد أنه يمكن لخيار واحد ولا رجعة فيه -نحن أو هم، في أو خارجًا، الهوية أو السير على غير هدى- أن يكون بمثابة بديل للحياة العامة الفوضوية وغير المعينة. لقد بنى دينُ الخوف ببطء إطارًا يُنظر من خلاله إلى الحياة العامة من حيث الصراع بدلًا من التعاون والحوار. في حين يمكن القول إن “الصراع” قد يكون تسميةً مناسبةً لوصف العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية المعاصرة، إلا أن العقلية القائمة على الخوف المغروسة في رواية سفر التكوين (12: 3) تُعرقل بصورة فعالة المسيحيين الصهاينة حتى من النظر إلى هذه العلاقة بوصفها فرصة للتعاون والحوار بدلًا من كونها صراعًا غير قابل للحل. وعلاوةً على ذلك، في إطار هذه العقلية يُعتبر التعاون والحوار مع الفلسطينيين منافيين للعقل؛ لأنهما متناقضان مع ازدواجية التفكير التي تجد فيها هذه العقلية الأمن.

كما يشير ستيوارت كروفت Stuart Croft في تحليله لـ “الحرب الأمريكية على الإرهاب”، عندما يُنظر إلى العدو بأنه “الشر” فإن هذا العدو “لا يمكن إجراء تسوية معه، يمكن فقط تدميره”. بالنظر إلى تعصب زعماء الصهيونية المسيحية بشأن إجراء تسوية مع “العدو” الفلسطيني من خلال التعاون والحوار، قد تعتبر الرغبة في تدميره بأنها الخيار العملي الوحيد. أعلن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في خطاب قبوله لجائزة نوبل للسلام في عام 2002 أن “رابطة إنسانيتنا المشتركة أقوى من انقسامات مخاوفنا”. قد يكون زعماء الصهيونية المسيحية محقين في أن المسيحيين الأمريكيين يواجهون خيارًا مُلحًا، ومع ذلك، بدلًا من القرار فيما إذا كانوا سيدعمون إسرائيل أم لا على النحو الذي قدمته رواية سفر التكوين (12: 3)= يبدو أن القرار الأكثر إلحاحًا هو فيما إذا كانوا سيتبنون عقلية قهر الخوف التي أوضحها كارتر، أم وجهة النظر القائمة على الخوف المتأصلة في هذه الرواية.

اقرأ ايضاً: قضية فلسطين، منظورًا إليها من منظور المسؤولية الأخلاقية


[1] وليد شعيبات، كاتب فلسطيني يعيش في أمريكا، ويصف نفسه بأنه كان في صفوف جبهة التحرير  الفلسطينية، ثم تحول من “مسلم إرهابي” إلى “نور المسيحية الصهيونية”. لكن في تحقيق صحفي لبرنامج أنديرسون كوبر على شبكة CNN الأمريكية، لم يستطع البرنامج العثور على اي دليل على صدق مزاعم شعيبات بخصوص كونه إرهابيا سابقا، كما نفت الجهات الإسرائيلية التي ادعى أنه قام بعمليات إرهابية فيها حدوث أي نوع من العمليات الإرهابية، ونفت الشرطة الإسرائيلية وإدارة السجن الذي ادعى شعيبات أنه أمضى فيه أسابيع، أنها قد قبضت على شعيبات أصلًا، ونفت وجوده في السجن من الأساس، وتوصل التقرير إلى أن عامة دعاوى شعيبات هي محض أوهام نسجها ليجمع بها الأموال. تقرير الـ CNN : https://www.youtube.com/watch?v=mojCtGW4b1Q&feature=youtu.be&fbclid=IwAR3RAkJVsUmqLCow-P6NkzagW2agPiLjVwlDrXwBhFujF5i6Ygzkgfg4DKw   -الإشراف.

[2] تعرف هذه بـ “عقيدة عودة البهود” حيث يؤمن البروتستانت أن المجيء الثاني للمسيح قبل نهاية العالم يجب أن يكون مسبوقًا بتجمع اليهود في فلسطين، ورغم أنهم يعتبرون اليهود “كفارًا” لأنهم رفضوا الإيمان بالمسيح لما بعثه الله، إلا أنهم يأملون أن يتحول اليهود قبل مجيئه الثاني إلى المسيحية. -الإشراف.

[3] يشير الكاتب هنا إلى تشبيه الأمريكيين أنفسهم ببني إسرائيل في الكتاب المقدس، فكما أن بني إسرائيل أبادوا الكنعانيين بتصريح من الإله -حسب ما ورد في الكتاب المقدس- فقد كان للبيوريتان الحق في إبادة السكان الأصليين؛ وبالتالي فمن باب أولى أن ورثة الشعب المختار لهم الحق في إبادة الفلسطينيين؛ هذا التشابه أشار إليه العديد من المفكرين وهو يمثل البعد الديني والمخيالي في تصور الغرب لإسرائيل على أنها انعكاس لمسيرته هو. -الإشراف.

[4] يتضح جليًا من هذه التصريحات نوع سذاجة ممزوج بإرادة المرء أن يكون ما يعتقده صحيح؛ هل معنى وجود أورشليم أو غيرها من المناطق التي أشار إليها الكتاب المقدس أن ما يسرده من أحداث وقعت في هذه المناطق هو صحيح ؟ ناهيك عن أن يكون قد وقع بأمر إلهي؟ -الإشراف.

[5] يقصد الحرب البربرية الأمريكية الأولى بين عامي 1801 و 1805. -الإشراف.

[6] للمزيد حول المسلمين الأوائل في أمريكا انظر: https://atharah.com/لقد-وصل-المسلمون-إلى-أمريكا-قبل-البروت ، https://atharah.com/التاريخ-المفقود-للمسلمين-الأمريكيين . الإشراف,

[7] هذا الرأي نابعٌ من الأساس من موقف الأخلاق المسيحية من غرائز الإنسان، حيث يعد الكاثوليك الجسد وشهواته أسر و حجاب للإنسان عن الله، وبالتالي يجب التخلص منها جميعًا ، في أن الإسلام اتخذ موقفًا أقرب إلى العقل باحتواء هذه الغرائز و صرفها على الوجه الذي تحدد الشريعة، وهو ما عابه نيتشه على المسيحية وامتدحه في الإسلام. -الإشراف,

[8] “Our Arabian Visitors,” New York Morning Herald, August 5, 1840.

[9] هذه التعليقات تكفي بنفسها في بيان زيفها؛ لكن المهم هو ما تعكسه من الرغبة السريعة في قولبة الإسلام والمسلمين في قالب “الآخر المتخلف البدائي”، انطلاقًا من احتكار أمريكا للمدنية والتحضر، والجدير بالذكر أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تصدر عمن قرأ تاريخ الإسلام قراءة عابرة، مما يدل على أن الأمر  لم يكن سعيًا لتكوين صورة صادقة عن المسلمين بقدر ما هو رغبة في إثبات المركزية الغربية بإهدار كرامة الآخر. -الإشراف.

[10] بناء على أن الحضارة هنا هي الحضارة الغربية، التي يرى أصحابها أنها تنفرد بها، وبالتالي فلا شك أن كل ما عداها همجية، سواء كان هذا الآخر همجبي فعلا، أم أنه همجي لأنهم لا يرون حضارة ممكنة سوى حضارتهم. انظر:  أفضل العصور – أثارة (atharah.com) -الإشراف.

[11] من المهم عند النظر في تصريحات الرحالة الأمريكيين ملاحظة ما كان موجودًا في بلاد المسلمين حقا، وبين ما أراد الغرب رؤيته في المسلمين. -الإشراف.

[12] “The Dead Sea, Sodom, and Gomorrah,” Harper’s New Monthly Magazine 10 (1855): 187-93, 187.

[13] ولأنه لم يكن لدى المسلمين أو الفلسطينيين أدنى وصول للجمهور الغربي الأوسع، فقد لاقت هذه الصورة المشوهة قبول الجمهور الغربي، لذلك نستطيع القول أنه حتى قبل تدشين المشروع الصهيوني، كان الفلسطينيون في المخيال الغربي “مغتصبين” لأرض ليست لهم؛ وعمل الصهاينة على تعزيز و استغلال هذه الصورة، حتى الآن. -الإشراف,

[14] حتى وإن لم يبدُ ذلك في كتاباتهم -وهو ما يحتاج إلى تتبع أوسع مما عرضه الكاتب- فإن هذا لا ينفي فاعلية هذه الصورة في الانتقال من مجرد الكراهية إلى الدعوة إلى الإبادة! بل أصل هذه الدعوة إلى الإبادة الفلسطينيين هو تلك الصورة المشوهة التي رسمها الرحالة عن الإسلام والمسلمين، وما تلاها هو من امتداداتها ليس إلا؛ بعبارة أوضح: إسلاموفوبيا الصهيونية المسيحية الأمريكية لم تبدأ من الصفر لتصل إلى ضرورة إبادة الفلسطينيين وأن القدس حق لهم، بل بنت على تلك المعتقدات التي ترسخت منذ القرن التاسع عشر. -الإشراف.

[15] هذا الادعاء -وما شابهه- لم يعد له مصداقية علمية لا في الشرق ولا في الغرب؛ لكن نفس صدور هذه الدعوى يدل على أن صاحبه لا يعنيه الوقوف على الحقيقة -إذ أن هذا قول من لم يقرأ حرفًا من الإسلام- بقدر ما يهدف إلى رسم صورة معينة لجمهور خاص؛ فبنظرة أولية: “دين العنف” لم يُبِد أتباع الديانات الأخرى أو سكان البلاد التي فتحها! -الإشراف.

[16] هذه الأغاليط لا يقبلها حتى الغرب نفسه! انظر: https://atharah.com/إلى-أي-مدى-يمكن-أن-تكون-مخطئًا-تمامًا-بش

[17] انظر : https://atharah.com/هل-الإسلام-ديانة-الموت؟-الشهادة-في-سبي

[18] أشرنا سابقًا إلى أن شعيبات مهرج كذاب، هدفه الشهرة وجمع المال.

[19] في نوفمبر من عام 1978 قام نحو 900 شخص (276 منهم كانوا أطفالاً صغاراً) بالانتحار الجماعي عن طريق شرب السم (السيانيد) في مكان واحد وزمان واحد وذلك في مزرعة جونز تاون في غايانا التي كانت مركزاً لطائفة معبد الشعب التي أسسها جيم جونز. انتحر جيم جونز بعد ذلك برصاصة في الرأس. (المترجمة)

[20] والدليل طبعًا على صدق كلامه أن شعبيات نفسه “خرج” من الإسلام و لم يمسسه سوء، واليهود يرتعون في بلدان المسلمين ويدنسون مقدساتهم ولم يصبهم خدش… ولا حول ولا قوة إلا بالله. -الإشراف.

[21] ولماذا لم يقض عليهم لما كان العالم كله يدين للإسلام؟

[22] هذا طبعًا في الوقت الذي يوزع فيه الغرب الورود والهدايا على البلدان التي استعمرها. انظر: https://atharah.com/the-liberal-world-order-was-built-with-blood/   -الإشراف.

[23] النبي الأمين لم يكن يحلم -صلوات الله وسلامه عليه- بل كان يبشر أمته بشرى المؤيَّد من السماء. -الإشراف.

[24] لماذا تولى اليهود والنصارى مناصب عليا في الدولة الإسلامية إذا كان الهاجس هو إبادتهم؟  -الإشراف.

[25] يصر هؤلاء على بناء إسلام خاص غير ما يعتقده المسلمون، ثم يوجهون إليه ضرباتهم، لتروج حججهم على من لا علم له. -الإشراف.

[26] من المهم التأكيد على أنه سواء الأمريكيين الصهاينة أو اليهود= فإن الاستشهاد بالكتاب المقدس هو استعمال براجماتي محض لإسكات الجمهور؛ وإلا فإن النبوءة التوراتية -إن صدقت- فهي تقضي أن المسيا/المخلص الذي يرسله الرب هو من سيعيد اليهود إلى جبل صهيون؛ وليس الدول الغربية الكبرى هي من ستتولى هذه العملية، وكما تنبأ المسيري رحمه الله، ستتخلى الدولة اليهودية شيئًا فشيئًا عن يهوديتها. -الإشراف.

[27] إذا كانت فعلا أرض فلسطين هي أرض خلاء، ولم تغتصبها إسرائيل، فلماذا لم تغتصبها إلا عام 1984 طالما أنها خالية منذ آلاف السنين؟ -الإشراف.

[28] تكفي تصريحات شعيبات لإثبات أنه لم يشم رائحة الإسلام… ولا عاش مسلمًا قط. -الإشراف.

[29] يقصد فتح مكة؛ قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اذهبوا فأنتم الطلقاء)! -الإشراف.

[30] طبقًا للسجلات التاريخية -التي يحلو للغرب وإسرائيل تجاهلها- كان اليهود يشكلون نسبة 2.5% فقط من سكان فلسطين “الخالية” التي كانت في كنف الدولة العثمانية في بداية الفرن التاسع عشر؛ وفي عام 1918 نما عدد السكان اليهود في فلسطين إلى 60000؛ لكن لم تتجاوز نسبتهم  9.1% من السكان. -الإشراف.

[31] مئات الثكالى وملايين اللاجئين و دير ياسين وخمسة حروب مع الدول العربية منذ نشأتها كل ذلك يشهد على “السلام”!

[32] يقول بن غوريون “لماذا يجب على العرب أن يجنحوا للسلام؟ لو كنتُ زعيما عربيًا ما تصالحتُ مع إسرائيل؛ هذا طبيعي، ببساطة: لقد غصبنا بلادهم”.


المصادر والمراجع:

  • Bivins, Jason C. 2008. Religion of Fear: The Politics of Horror in Conservative Evangelicalism. New York: Oxford University Press.
  • Clark, Victoria. 2007. Allies for Armageddon: The Rise of Christian Zionism. New Haven, CT: Yale University Press.
  • Cox, J. Robert. 1998. “The Die is Cast: Topical and Ontological Dimensions of the Locus of the Irreparable.” In Landmark Essays on Contemporary Rhetoric, edited by Thomas B. Farrell, 143-157. Mahwah, NJ: Hermagoras Press.
  • Croft, Stuart. 2006. Culture, Crisis and America’s War on Terror. New York: Cambridge University Press.
  • Davis, John. 1996. The Landscape of Belief: Encountering the Holy Land in Nineteenth-CenturyAmerican Art and Culture. Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Evans, Michael D. 2005. The American Prophecies: Ancient Scriptures Reveal Our Nation’s Future. New York: Time Warner.
  • Evans, Michael D. 2003. Beyond Iraq: The Next Move – Ancient Prophecy and Modern Day Conspiracy Collide. Lakeland, FL: White Stone.
  • Gadamer, Hans-Georg. 1977. “On the Problem of Self-Understanding.” In Philosophical Hermeneutics, translated and edited by David E. Linge. Berkeley, CA: University of California Press.
  • Gadamer, Hans-Georg. 1975. Truth and Method. Translated by Garrett Barden and John Cumming. New York: Seabury Press.
  • Greenberg, Gershon. 1986. “A Documentary Reader: The America-Holy Land Relationship in Religious Thought.” In With Eyes Toward Zion – Volume II: Themes and Sources in the Archives of the United States, Great Britain, Turkey, and Israel, edited by Moshe Davis, 353-371. New York: Praeger.
  • Hagee, John. 2007. In Defense of Israel. Lake Mary, FL: FrontLine.
  • Hagee, John. 2006. Jerusalem Countdown: A Warning to the World. Lake Mary, FL: FrontLine. Hart, Roderick P. 2008. “Introduction: Community by Negation – An Agenda for Rhetorical Inquiry.” In Rhetoric and Community: Studies in Unity and Fragmentation, edited by J. Michael
  • Hogan, xxv-xxxviii. Columbia, SC: University of South Carolina Press.
  • Jessup, Henry Harris. 1879. The Mohammedan Missionary Problem. Philadelphia: Presbyterian Board of Publications.
  • Little, Douglas. 2002. American Orientalism: The United States and the Middle East since 1945. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Long, Burke O. 2003. Imagining the Holy Land: Maps, Models, and Fantasy Travels. Bloomington, IN: University of Indiana Press.
  • Maalouf, Amin. 2001. In the Name of Identity: Violence and the Need to Belong, translated by Barbara Bray. New York: Arcade Publishing.
  • McAlister, Melanie. 2003. “Prophecy, Politics, and the Popular: The Left Behind Series and Christian Fundamentalism’s New World Order.” The South Atlantic Quarterly 102: 773-798.
  • Mezvinsky, Norton. 2011. “Islam and Muslims as Seen by the Christian Zionists.” In Islam in the Eyes of the West: Images and Realities in an Age of Terror, edited by Tareq Y. Ismael and Andrew Rippin, 41-53. London: Routledge.
  • Missler, Chuck. 2006. Prophecy 20/20: Bringing the Future into Focus through the Lens of Scripture. Nashville, TN: Thomas Nelson.
  • Packard, J.F. 1880. Grant’s Tour Around the World. Cincinnati: Forshee & McMakin.
  • Prime, William Cowper. 1857. Tent Life in the Holy Land. New York: Harper & Bros.
  • Sarna, Jonathan D. 1986. “Comment.” In With Eyes Toward Zion – Volume II: Themes and Sources in the Archives of the United States, Great Britain, Turkey, and Israel, edited by Moshe Davis, 346-349. New York: Praeger.
  • Sha’ban, Fuad. 1991. Islam and Arabs in Early American Thought: Roots of Orientalism in America. Durham, NC: Acorn Press.
  • Shoebat, Walid with Joel Richardson. 2010. God’s War on Terror: Islam, Prophecy, and the Bible, 2nd Edition. Newton, PA: Top Executive Media.
  • Smith, J.V.C. 1853. A Pilgrimage to Palestine. Boston: David Clapp.
  • Spector, Stephen. 2008. Evangelicals and Israel: The Story of American Christian Zionism. New York: Oxford University Press.
  • Stearns, Peter N. 2006. American Fear: The Causes and Consequences of High Anxiety. New York: Routledge.
  • Strozier, Charles B. and Katharine Boyd. 2010. “Definitions and Dualism.” In The Fundamentalist Mindset: Psychological Perspectives on Relgion, Violence, and History, edited by Charles B. Strozier et al, 11-15. New York: Oxford University Press.
  • Talmage, Thomas De Witt. 1893. Talmage on Palestine: A Series of Sermons. Springfield, OH: Mast, Crowell & Kirkpatrick.
  • Thomson, William M. 1880. The Land and the Book; or, Biblical Illustrations drawn from The Manners and Customs, The Scenes and Scenery of the Holy Land. New York: Harper and Bros.
  • Waller, James. 2007. Becoming Evil: How Ordinary People Commit Evil and Mass Genocide, 2ndEdition. Oxford: Oxford University Press.
  • Wilson, Edward L. 1890. In Scripture Lands: New Views of Sacred Places. New York: CharlesScribner’s Sons.
(المصدر: موقع أثارة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى