تقارير وإضاءات

سلسلة المراسلات الشخصية للإمام المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي | الرسالة الثالثة إلى صهره

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله

الأخ الفاضل الكريم حليف الوفاء أليف الصفاء شريف الأخلاق ماجد الأعراق، الفقيه:

محمد بن سليمان المعلمي حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلني كتابكم الكريم المؤرخ (12/ربيع الأول/ سنة/58)([1])

وطيه كتاب سيدي الوالد حفظه الله، فجزاكم الله تعالى خيرًا، لقد كشفتم عني غمة كبرى، فإني منذ أمد بعيد أُوَاتِرُ([2]) المكاتيب بوسائط مختلفة، ولا يرجع إليَّ جواب، وكنت في ارتباك شديد، لا أدري ألا تصل المكاتيب؟ أم لا تصل الجوابات؟ أم حدث حادث؟ أم سيدي الوالد غير راضٍ عني؟ أم ماذا؟.

ولكن بوصول مكتوبكم مع مكتوب الوالد تبين لي أن مكاتيبي لم تصل (حنانيك بعض الشر أهون من بعض).

جزاكما لله تعالى خيرًا عما تقومون به من مراعاة خاطر سيدي الوالد، وهنيئًا لكم ذلك، وسوف ترون إن شاء الله تعالى بركة ذلك في الدنيا والآخرة.

تفضلوا أقرئوا سلامي على الشيخ الهمام سعيد بن أبي بكر معوضه، أطال الله بقاءه، وإني وإن سرني سروره بالتخلص من متاعب الوظيفة ومصاعبها، فقد غمني حرمان أهل الناحية من ولايته، فإن ولايته وإن كانت تعبًا عليه ففيها راحة لأهل الناحية، وإني لأتأسف من العوارض التي اضطرته مع همته القعساء وهمته الشماء، إلى أن يؤثر راحة نفسه على راحة أهل الناحية كلهم([3]).

الأخ عبدالمجيد لم أرَ الوالد ذَكَرَهُ كما كان يذكره سابقًا، فأوجست في نفسي خيفة أن يكون قد قصر في خدمة الوالد، واشتغل عن ذلك بأمور الدنيا، فإن كان كذلك فأرجو منكم إذا اتفقتم به أن تعينوه على نفسه والشيطان، وتبينوا له أن الإخلال بخدمة الوالد في آخرعمره هو غاية الحرمان ونهاية الخسران.

وفي صحيح مسلم([4]): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة”.

وفي جامع الترمذي، ومستدرك الحاكم([5]): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد”.

وفيهما([6]) عنه -صلى الله عليه وسلم-: “الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضَيِّع”.

وفي شعب الإيمان([7]) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من أصبح مطيعًا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحدًا فواحدًا، وإن أصبح عاصيًا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحدًا فواحدًا، قال رجل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه”.

وفيهما([8]) عنه -صلى الله عليه وسلم-: “كل الذنوب يغفر الله منها ماشاء إلا عقوق الوالدين” الحديث.

والأحاديث في الباب كثيرة، وفي كتاب الله تعالى ما يُغني؛ إذْ قرن الله تعالى الإحسان إليهما بتوحيده، وشكرهما بشكره.

عظم الله أجر الجميع في الكريمة ميمونة، ورحمها، وأخلف لكم بخير.

ذكرتم أن سيد الوالد لما مرض أرسل إليكم وأطلعكم على ما كتبه وما يريده بعد عافيته، فجزاه الله تعالى خيرًا، وهو أعلم بما يصلح، والخير فيما يراه إن شاء الله تعالى، وقد أحسنتم بالإشارة عليه بتمييز ما لورثة الأخ محمد -رحمه الله-.

الرسائل التي ألَّفتُها لم تطبع إلى الآن، وكنت مؤملاً أن يساعدني الولد أحمد بن محمد، على تبييضها، ولكنه قام بشيء من ذلك، ثم أحسست بسآمته، وأرجو الله تعالى أن يُغني عنه، وييسر لي القيام بذلك.

أشغالي هنا كثيرة، لا أكاد أجد فرصة في اليوم إلا ساعة، أو نحوها، فثماني ساعات للخدمة، وثلاث ساعات للتدريس، حتى إنني لم أتمكن من أن أكتب إليكم جوابًا يُناسب كتابكم فسامحوا.

طَيُّ هذا جواب لسيدي الوالد، وفيه ما يُغني.

هذا والولد أحمد، وابني عبدالله يقرئانكم السلام، وأرجو الله تعالى أن يصل هذا الكتاب، وتستقيم الواسطة، فتتصل المكاتبة.

أرجو أن تؤكدوا على سيدي الوالد أن يحرر الجواب بسرعة، وتؤكدوا على الواسطة لديكم، أن يؤكد على الخادم في زبيد، في إرسال الجواب بأسرع ما يُمْكِنُ، لكي أطمئنّ بأن الواسطة قابلة للاعتماد.

هذا وأقرئوا سلامي على جميع الإخوان، والأقارب، وسامحوا، فعسى أن أتمكن في المستقبل من الكتابة إليكم كما يجب. والسلام

(9/جمادى الأولى سنة 1358هـ)

الحقير([9]) عبدالرحمن المعلمي

بل لا حاجة أن تنتظروا جواب سيدي الوالد، يكفي أن تعرفوني بجواب منكم، حين تطلعون على هذا، لكي أطمئن باستقامة الواسطة، والسلام([10]).

([1])   أي: سنة (1358هـ)، كما سيأتي في آخر الرسالة.

([2])   أواتر: أي: أُتَابِعُ (مختار الصحاح) مادة (و ت ر)، والمكاتيب: الرسائل -يعني: أنه يتابع إرسال الرسائل ولا يرجع له عنها جواب-.

([3])   كان صالحًا أديبًا، مسموع الكلمة، نافذ القول، حازم الرأي، تولى أعمال ناحية عتمة وغيرها، وتوفي بصنعاء، ودفن بمقبرة خزيمة، سنة (1377هـ)، وتلا قبيل موته قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ٣٤ ﴾ [لقمان: 34]، (نزهة النظر في تراجم رجال القرن الرابع عشر) (ص47)، ومعلومات من والدي عافاه الله، ومن حفيده، الأخ الوجيه: عادل بن عبدالله بن سعيد -حفظه الله-.

([4])   برقم (2551)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

([5])   سنن الترمذي برقم (1899)، المستدرك (4/168)، عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وصححه غير واحد من العلماء.

([6])   سنن الترمذي برقم (1900)، المستدرك (4/168)، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، وصححه غير ما عالم.

([7])   برقم (7538)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وضعفه العراقي؛ لأنه من طريق عبدالله بن يحيى السرخسي وهو متهم.

([8])   المستدرك (4/172)، شعب الإيمان برقم (7505)، عن أبي بكرة -رضي الله عنه-.

([9])   الحقير لفظ درج عليه بعض علمائنا هضمًا للنفس وتعريفًا له بحقيقة أمرها.. في موطن يقترن بتفخيم النفس وذكر رتبها.

([10]) وفرغت من نسخها بين الظهرين من يوم الاثنين التاسع من شهر الله المحرم لعام ثمانية وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- (9/1/1438هـ)، والله الموفق.

(المصدر: حساب تويتر الأستاذ أحمد بن غانم الأسدي الباحث في السيرة النبوية والتاريخ اليمني)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى