كتب وبحوث

دراسة موضوعية لأحاديث تخلق الجنين في ضوء حقائق علم الأجنة الحديث – د. عبد المنعم التمسماني

دراسة موضوعية لأحاديث تخلق الجنين في ضوء حقائق علم الأجنة الحديث – د. عبد المنعم التمسماني

بسم الله الرحمن الرحيم

         الحمد لله ﴿الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى﴾[1] ، ﴿ أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ﴾ [2]. أحمده جل وعلا على جليل آلائه وجزيل نعمائه ، وأصلي وأسلم على خير خلقه وأصفيائه ، نبينا وحبيبنا محمد الذي ارتضاه واجتباه ، وأيده بالمعجزات الباهرات واختصه بمعجزة القرآن الخالدة وحباه ، وأبانه بأسمى وأعلى منازل الفضل على كل آدمي عداه، وتوعد محادَّه ومشاقَّه بسوء المغبة وبعظيم العقاب وأقساه ، وبتر شانئه وكتب عليه الذلة والهوان والخزي والشقاء، إن لم يرجع عن غيه ، إلى يوم يلقاه .

أما بعد :

         فمن المفاهيم العلمية الخاطئة التي ظلت رائجة وسائدة في أوساط كثير من أهل العلم قديما وحديثا ، والتي يتعين تصحيحها : الاعتقاد بأن أطوار الجنين الأساسية [ النطفة، والعلقة، والمضغة] تستغرق مائة وعشرين يوما !.

         ومستند هذا الفهم الخاطئ الذائع والمخالف للحقائق العلمية المستندة إلى علـم الأجنـة : ظاهر حديث جمع الخلق بلفظه المخـرج في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

         وقد اتخذ بعض المناوئين للإسلام من هذا الرأي ومستنده مدخلا وذريعة للطعن في مجمل ما ورد عن رسول صلى الله عليه وسلم . ومن هؤلاء : أحد دعاة النصرانية ، يدعى ( جورج مايكل) ، حيث خطت يداه بأحد المواقع التنصيرية مقالا بذيئا تحت عنوان : ( خطأ علمي شنيع في أطوار الجنين في الإسلام !! ) [3] ، ادعى فيه أن كل الأحاديث النبوية في

         الموضـوع مناقضة لمقررات العلم الحديـث ، وتجاسر على النيل مـن الجناب المحمدي المنيف ، فاتهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بالكذب على المسلمين ، وذيل مقالته المغرضة بالعبـارة الشنيعة الآتيـة : ( إذا كان محمد قد أخطأ خطأ بشعا في حسـاب مدد أطوار الجنين ، فكيف ينتظر المسلمون إعجازا من ورائه ؟! )

         ولم يكتف بهذا الهراء ، بل اتهم هو والمروجون لمقاله كـل المسلمين بالعجز عن رد ودحض أراجيفه وافتراءاته .. !!

         قلت : لما كان رأي الكثير من علماء المسلمين بخصوص هذه المسألة الشائكة مناقضا فعلا لحقائق علم الأجنة الثابتـة ، ومدعاة لأهل الزيغ والانحراف – على اختلاف نحلهم وتعدد مشاربهم – للطعن في صحيح السنة المطهرة ، والنيل من الوحي المعصوم ، تمهيدا لنسف الإسلام من جذوره .. كان من اللازم على المحققين من الباحثين المعاصرين ، من أولي العلم والدراية بالنصوص الشرعية المرتبطة بهذه المسألـة ، ومن ذوي الخبرة برأي الطب الحديث بشأنهـا ، القيام بتحقيق القول فيها ، بجمع مختلف النصوص الحديثية الصحيحة المتعلقة بتخلق الجنين، ودراستها دراسة مستوعبة مقارنة في ضوء المعطيات العلمية الحديثة المستيقنة .

         وذلك ما حاولت الإسهام في القيام به من خلال هذا البحث المتواضع ، إدراكا مني لأهمية المسألة وخطورتهـا ، وانتصارا للسنة المطهرة، وذودا عن حياضها ، وصيانة لساحتها من عبث وإفك المتربصين ، ودرءا لأي تعارض ظاهري بين ما صح من نصوصها المتعلقة بالمسألة التي نحن بصددها ، وبينهـا وبين حقائق العلم اليقينية ، وإبرازا لما تنطوي عليه من إشـارات علمية معجزة تؤكد صدق نبوة ورسـالة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي أبان للبشرية بوحي من ربه طريق رشدها ، ودلها على سبيل فلاحها ونجاحها وسعادتها في عاجلها وآجلها .

         وقد تعمدت الاقتصار على أحاديث الصحيحين ، إذ بحسن الجمع والمقارنة بينها يحصـل المراد، ويتحقق المقصود ، فيرتفع اللبس، ويزول الإشكال ، ويصلح الخطأ الذائع

حول زمن تخلق الأطوار الأساسية للجنين .

         والله ولي الهداية والتوفيق ، وهو بإسعاف وتأييد راجيه حقيق .

         هذا ، وقد اقتضت طبيعة البحث في هذا الموضوع الشائك أن يبنى بعد المقدمة على مبحثين وخاتمة .

          المبحث الأول : خصصته لإيراد حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري برواياته الأربع ، والتعليق على الجملة الأولى منه، وفق الروايتين الأولى والرابعة .

         وقد انطوى على خمسة مطالب : .

         المطلب الأول : إيراد الروايات الأربع لحديث ابن مسعود عند البخاري .

         المطلب الثاني : المقارنة بينها .

         المطلب الثالث : التعليق على الجملة الأولى من الحديث ، وفق الروايتين الأولى والرابعة .

         المطلب الرابع : مناقضة ظاهر بقية النص الحديثي للحقائق العلمية المستندة إلى علم الأجنة الحديث .

         المطلب الخامس : سبيل إزالة هذا التعارض الظاهري .

         المبحث الثاني : أوردت فيه وناقشت روايات مسلم للحديث، المزيلة للإشكال، والقاطعة للنزاع في المسألة . وجعلته في ثلاثة مطالب :

         المطلب الأول : ذكر نص حديث ابن مسعود ، وحديث حذيفة بن أسيد برواياته الأربع .عند مسلم .

         المطلب الثاني : التعليق على الحديثين .

         المطلب الثالث : أدلة وحجج أخرى تدعم ما قررناه مما يتفق مع الدراسات الجنينية الحديثة.

          – الخاتمة .

المبحث الأول : إيراد الروايات الأربع لحديث ابن مسعود عند البخاري، والمقارنة بينها، والتعليق عليها .

         المطلب الأول : ذكر الروايات الأربع للحديث ، والمقارنة بينها :

 – أولا : إيراد الروايات :

– الرواية الأولى :

         حدثنا الحسن بن الرَّبيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قـال عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه ) : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدوق – قال : « إن أحدكم يجمع [ خلقه ]في بطن أمه أربعين يومـا ، ثم يكون علقة[4] مثل ذلـك ، ثم يكون مضغة[5] مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكـا ، فيؤمر بأربع كلمات ، ويقـال له : اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد ، ثـم يُنْفخ فيه الروح … » [6].

         – الرواية الثانية :

         حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا زيد بن وهب ، حدثنا عبد الله : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ : « إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات ، فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح … » [7].

         – الرواية الثالثة :

         حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا شعبة ، أنبأني سليمان الأعمش قال : سمعت زيد بن وهب ، عن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ قال : « إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا ، فيؤمر بأربع : برزقه، وأجله، وشقي أو سعيد … » [8].

         – الرواية الرابعة :

         حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا الأعمش ، سمعت زيد بن وهب ، سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ : « إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، وأربعين ليلة ، ثم يكون علقـة مثله ، ثم يكون مضغة مثله ، ثم يبعث إليه الملـك ، فيؤذن بأربع كلمات ، فَيَكْتُبُ رزقه، وأجله، وعمله ، وشقي أم سعيد ، ثم يَنْفُخُ فيه الروحَ … »[9] .

          – ثانيا : المقارنة بين هذه الروايات :

          إذا تأملنا هذه الروايات الأربع لحديث عبد ابن مسعود رضي الله عنه ، فإننا نلحظ بداية

         أنها جميعها لم تشر إلى الطور الأول لتخلق الجنين ، ألا وهو طور (النطفة)[10] . بينما أشير إليه في الروايات الثلاث الأولى لحديث حذيفة عند مسلم الآتي ذكره .

         أما القرآن الكريم فقد استعرض، بعبارات في غاية الدقة والإحكام، وبأسلوب معجز متحَدٍّ، كل أطوار الجنين ، بل ومختلف مراحل الإنسان ، بدءًا من مرحلة الطين ، ومرورا ببقية المراحل حتى الموت ، بل وما بعد الموت من منازل ومحطات معلومة ..

         وذلك في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : ﴿ ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نُطْفة ، ثم من عَلَقَة، ثم من مُضْغَة [مُخَلَّقَة] و[غير مُخَلَّقَة] [11] لنُبَيِّن لكم ، و نُقِر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نُخْرجكم طفلا ، ثم لتبلغوا أَشُدَّكم، ومنكم من يُتوفى، ومنكم من يُرد إلى أرذل الْعمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا …﴾ [12] .

         وقوله سبحانه : ﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين . ثم إنكم بعد ذلك لميتون . ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ﴾[13] .

وقوله جل وعلا : ﴿ هو الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم يخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ثم لتكونوا شيوخا . ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ﴾[14] .

         وأهم ما يلفت النظر في المقارنة بين هذه الروايـات هو تفرد الروايتين الأولى والرابعة  بزيادة لفظة (الخلق) ، وهكذا صُدِّرت الرواية الأولى بعبارة : « إن أحدكم يجمع [خلقه] … » ، واستُهِلّت الرواية الرابعة بعبارة : « إن [خلق] أحدكم يجمع … » .

         بينما صُدِّرت الروايتـان الثانية والثالثة بلفظ : « إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما » ، وفي الرواية الرابعة زيادة « وأربعين ليلة » .

         وفيما عدا ذلك نلحظ اختلافا طفيفا في المبنى ، أما من حيث المعنى فمؤدى الروايات جميعها واحد ، وهو – كما فهمه معظم الشراح من ظاهرها – : الدلالة على امتداد الأطوار الثلاثة للجنين واستغراقها جميعها مائة وعشرين يوما ، لكل طور أربعون يوماً ..

         المطلب الثاني : التعليق على “الجملة الأولى” من النص الحديثي وفق الروايتين الأولى والرابعة :

         من المفيد الوقوف مليا عند الجملة الأولى من النص الحديثي ، وفق الروايتين المذكورتين ، وهما : قوله صلى الله عليه وسلم : »إن أحدكميجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما» ، وقوله « إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، وأربعين ليلة » ، لاكتشاف ما حوته من إعجاز .

         ففي هذه الكلمات المختارة بدقة تحديد لـ”زمن جمع الخلق” . وكلمة (الجمع) في اللسان العربي تعني ضم الشيء بعضه إلى بعض بعد انتشـاره وتفرقه . وهنـا يطرح السؤال الآتي : ما هو الشيء الذي كان منتشرا ومتفرقـا فجمع وضم بعضه إلى بعض لتحقيق تكوُّن الخلق؟

         إذا عدنا إلى أقوال شراح الحديث من أئمة السلف لتلمس الإجابة عن هذا السؤال ، نجدها مختلفة ومتباينة ، ونورد أهمها  فيما يلي:

         أ – روى الأعمش عن خيثمة عن ابن مسعود أنه فسر الجمع بقوله : « إن النطفة إذا وقعت في الرحم ، فأراد الله أن يخلق منها بشرا، طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة ، ثم تنزل دما في الرحم ، [فذلك جمعها] » [15]‏ .

         ونقل الحافظ ابن حجر هذا التفسير المنسوب لابن مسعود عن ابن الأثير، وعقب عليه بقوله : « وقوله ‏:‏ ‏”‏فذلك جمعها‏”‏ كلام الخطابي، أو تفسير بعض رواة حديث الباب ، وأظنه الأعمش ، فظن ابن الأثير أنه تتمة كلام ابن مسعود، فأدرجه فيه ، ولم يتقدم عن ابن مسعود في رواية خيثمة ذكر الجمع حتى يفسره . وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال ‏:‏ الصحابي أعلم بتفسير ما سمع ، وأحق بتأويله ، وأولى بقبول ما يتحدث به ، وأكثر

         احتياطا في ذلك من غيره ، فليس لمن بعده أن يتعقب كلامه‏ »[16] .‏

          ب – وقال ابن الأثير:‏ « ويجوز أن يريد بالجمع مُكث النطفة في الرحم أربعين يوما تتخمر فيه حتى تتهيأ للخلق والتصوير ، ثم تخلق بعد الأربعين »[17] .

          ج – وقال القرطبي في ‏”‏ المفهم ‏”‏‏[18]:‏ « قوله “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما” يعني- والله أعلم- أن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا ، فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم في هذه المدة » ‏.‏

         – هذه أشهر أقوال شراح الحديث من علماء السلف في بيان المقصود من (جمع الخلق) ، وتحديد الشيء الذي يجمع بعد أن كان منتشرا .

         قلت : وهي كلها اجتهادات شخصية في زمن لم يكن العلم قد قال الكلمة الفصل في الموضوع ، لذلك نجدها غير متفقة مع مقررات علم الأجنة الحديث التي تؤكد أن جميع أجهزة الجنين تظهر تباعا ، وتجمع في صورة براعم خلال الأربعين الأولى من تخلق الجنين ، كما سيتضح لنا .

         وعليه ، فيتعين تفسير معنى(جمع الخلق) بما يتفق مع هذه الحقائق العلمية الثابتة التي لم تعرف إلا مؤخرا مع تطور علم الأجنة .

         وهكذا يكون التعبير النبوي بـ(جمع الخلق) غايـة في الدقة العلمية ، إذ أنه يشيـر إلى تجمع خلايا كل عضو مـن أعضـاء الجنين المختلفة بعد أن كانت منقسمة ومتفرقة ومتمايزة[19] .

         المطلب الثالث : مناقضة ظاهر بقية النص الحديثي للحقائق العلمية المستندة إلى علم الأجنة الحديث :

         إن بقية عبارات النص الحديثي تفيد بظاهرها أن مرحلة النطفة تستغرق أربعين يوما ، ثم تصير علقة في الأربعين الثانية ، ثم تصير مضغة مع بداية الأربعين الثالثة ، إلى أن تنتهي مراحل تخلق الجنين بنفخ الروح بعد مائة وعشرين يوما .

         وقد أخذ بهذا المعنى الظاهري للحديث جل العلماء قديما وحديثا ، كما ألمعنا إليه .

         قال الحـافظ في “الفتح” : « وحديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومـا ، في ثلاثة أطوار ، كل طور منها في أربعين ، ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح »[20] .

         قلت : هذا المدلول الظاهري لحديث ابن مسعود مخالف بل ومناقض لما أثبتته الدراسات الطبية المعتمدة على علم الأجنة . وإليك خلاصة ما انتهت إليه :

         – يبدأ خلق الإنسان ، كما هو معلوم ، بـ”طور (النطفة)” . حيث يخترق الحيوان المنوي – خلال عملية الإخصاب – البويضة ، ويتزاوج معها ، فتتكون بذلك (النطفة الأمشاج) بالوصف القرآني المعجز ، أي المختلطة العناصر الوراثية من الجنسين بالمفهوم العلمي ، وتوسم في علم الطب بـ(البويضة الملقحة) : الزيجوت ( ZYGOTE ) .

         والجدير بالذكر في هذا السياق أن البشرية لم تكن – قبل القرن التاسع عشر – تعرف بواسطة علومها التجريبية شيئا عن (النطفة الأمشاج) ، بل كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة والأطباء أن الجنين الإنساني إنما يتكون من ماء الرجل فقط ، وأن رحم المرأة ليس إلا محضناً للجنين، وشبهوا ذلك بالبذرة التي ترمى في الأرض، فتأخذ منها غذاءها ، ثم تخرج شجرة يافعة وارفة الظلال يانعة الثمار .. وهكذا كانوا يتصورون خطأ أن المرأة ليس لها أي دور في إيجاد الجنين سوى رعايته وتغذيته ..

         ومع تطور العلم اكتشفوا هذه الحقيقة في القرن التاسع عشر، وتأكدوا منها في القرن العشرين[21] .

ويستغرق هذا الطور الأيام الستة الأولى من الحمل .

         – ثم يبدأ بعد ذلك التحول إلى “مرحلة (العلقة )” التي يطلق عليها علماء علم الأجنة : مرحلة العلوق ( IMPLANTION ) ، حيث تعلق (النطفة الأمشاج) بجدار الرحم وتنشب فيه فيما بين اليوم السادس واليوم السابع ، بعد أن تكون الخلايا قد انقسمت وصارت مثل الكرة تماما أو مثل تمرة التوتة ..

         ويمتد تشكل العلقة إلى نهاية الأسبوع الثالث ، أي إلى اليوم الواحد والعشرين ، وبذلك تأخذ حصتها من الأربعين يوما .

         – ثم تبدأ “مرحلة (المضغة)” وهي مرحلة (الكتل البدنية) (SOMITES) ، حيث يكون الجنين فيها بالفعل كتلة بحجم وهيئة ما يمكن مضغه ، فيبدو وكأن أسناناً قد انغرزت فيه ولاكته ثم قذفته .

         وتبدأ الكتل البدنية في الظهور من اليوم العشرين أو الواحد والعشرين ، وتستمر في الظهور إلى اليوم الثلاثين .. ولا تكاد تظهر كتل جديدة حتى تكون الكتل القديمة قد تمايزت إلى قطاع عظمي ، وقطاع عضلي ، وقطاع جلدي .

         وهكذا يخصص الأسبوع الرابع لظهور الكتل البدنية ، والأسبوع الخامس والسادس لتحول تلكم الكتل البدنية إلى قطـاع عظمي وعضلي ، ثم الأسبوع السادس والسـابع لتكسي العظام بالعضلات .

         فتكون مرحلة التخلق قد ظهرت عند تمام أربعين أو اثنين وأربعين يوماً [22].

         وهذا التقدير يتفق مع حديث حذيفة بن اليمان عند مسلم الآتي ذكره .

         ثم إنه قد تأكد الآن نظريا وكذا حسيا – من خلال التصوير الجنيني – أنه لا يمكن أبدا بحال وصف الجنين بأنه نطفة في اليوم الستين أو السبعين ، وبأنه عبارة عن قطعة ممضوغة لا شكل فيها ولا تخطيط بعد اليوم الثمانين إلى المائة والعشرين ؛ لأنه في هذه الآونة يكون قد تخلق ، ويمكن أن يرى بوضوح من خلال أجهزة التصوير .

         المطلب الرابع : سبيل إزالة هذا التعارض الظاهري :

         الأصل في النصوص الشرعية الثابتة عدم التعارض ؛ لأن الحق لا يعارض الحق ، فإن بدا لنا تعارض بينها، فهو في ظاهر الأمر، لا في الحقيقة والواقع ..

         وأول خطوة ينبغي أن تنتهج عند حصول هذا التعارض الظاهري – كما هو مقرر لدى جمهرة الأصوليين – هي محاولة الجمع بين النصوص المشتركة في الموضوع من مختلف المظان الحديثية ، ثم القيام بتدبرها ، وإمعان النظر الفاحص فيها ، ودراستها دراسة مقارنة ، قائمة على أساس التوفيق بين معانيها والتأليف بين دلالاتها ، ومحاولة الربط المتين بينها ، للوقوف على المعنى المراد من مجموعها ، والوصول إلى رأي حصيف وموقف سديد يمثل حكم الإسلام في الموضوع المدروس والمراد معالجته .

         فإن تأتى هذا الجمع ولو من بعض الوجوه كان العمل به متعينا ، ولا يلجأ عندئذ إلى الترجيح ؛ لأن العمل بمجموع الأدلة أولى من إهمال بعضها بالكلية عن طريق الترجيح ، فالأصل في الدليل إعماله وليس إهماله .

         جاء في “شرح التلويح على التوضيح ” : « إعمال الدليلين واجب ما أمكن، فيعمل بكل واحد في مورده، إلا أن لا يمكن »[23] .  وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي : « الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، ولا طريق للجمع إلا هذه الطريق »[24] .

وهذا ما سلكته في معالجة هذا الموضوع الشائك . وإليك البيان مفصلا :

المبحث الثاني : إيراد ومناقشة روايات مسلم للحديث، المزيلة للإشكال، والقاطعة للنزاع في المسألة :

المطلب الأول : عرض حديث ابن مسعود ، وحديث حذيفة بن أسيد برواياته الأربع .عند مسلم .

أولا : حديث ابن مسعود  :

         روى مسلم قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا أبو معاوية ووكيع ، وثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا أبي وأبو معاوية ووكيع ، قالوا : ثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله قال : ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدوق – : « إن أحدكم يجمع خلقه فيبطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون [ في ذلك ] علقة مثل ذلك ، ثم يكون [ في ذلك ] مضغة مثل ذلك ، ثم يرسـل الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمـات : بكتب رزقه ، وأجلـه ، وعمله ، وشقى أو سعيد … »[25].

ثانيا : حديث حذيفة بن أَسِيدٍ برواياته الأربع :

         أخرج مسلم عن حذيفة بن أَسِيد أربع روايات بأسانيد مختلفة وألفاظ متفاوتة في المبني ، لكنها تتحد في المعنى وتشترك في الدلالة ، فتفسر وتؤكد مضمون حديث ابـن مسعود المذكور قبلها ، وإليك نصها :

  أ – الرواية الأولى :

         حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب – واللفظ لابن نمير – قالا : حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أَسِيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أو سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب أذكر أو أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص»[26] .

  ب – الرواية الثانية :

         – حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سَرْح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه أنه سمع عبد الله بـن مسعود يقول : الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره ، فأتى رجلا مـن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أَسِيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال : وكيف يشقى رجل بغير عمل ؟ فقال له الرجل : أتعجب من ذلك ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا ، فصورها وخلق سمعها وبصرهـا وجلدها ولحمها وعظامهـا ، ثم قـال : يا رب أذكر أم أنثى ؟ [27] فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك . ثم يقول : يا رب أجله ، فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك . ثم يقول : يا رب رزقه ، فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك . ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص »[28] .

  ج – الرواية الثالثة :

         حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا زهير [ أبو ] خيثمة ، حدثني عبد الله بن عطـاء ، أن عكرمة بن خالد حدثه ، أن أبا الطفيل حدثه قال : دخلت على أبي سَرِيحة حذيفة بن أَسِيد الغفاري فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول :  « إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ، ثم يتصور[29] عليها الملك – قال زهير بن معاوية حسبته قال : “الذي يخلقها” – فيقول : يا رب أذكر أو أنثى ؟ … » .

  د – الرواية الرابعة :

         حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا ربيعة بن كلثوم، حدثني أبي كلثوم، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أَسِيد الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة . ثم ذكر حديثهم »[30] .

المطلب الثاني : التعليق على الحديثين :

         يدل حديث ابن مسعود على أن الأطوار الأساسية لتخلق الجنين : العلقة والمضغة نصا ، والنطفة لزوما ، تحدث خلال الأربعين الأولى من الحمل .

         أما حديث حذيفة برواياته الأربع فإنه صريح الدلالة على أن الملك يبعث من قبل الباري جل وعلا بعد الأربعين الأولى ، حيث تكون الأطوار الأساسية لتخلق الجنين قد اكتملت . ثم إننا نلاحظ في رواية ابن مسعود زيادة حرف الجر [في] واسم الإشارة [ذلك] قبل لفظتي (علقة) و( مضغة) ، وهي زيادة صحيحة تعد من أصل المتن ، وتعتبر مفتاحا لحل الخلاف وإزالة الإشكال ، وتأكيد التطابق التام مع الحقائق العلمية المستندة إلى علم الأجنة الحديث ، إذ أن حرف الجر [في] يفيد الظرفية الزمانية والمكانية ، واسم الإشارة بعده [ذلك] عائد على الوقت ، أي الأربعين يوما .

         أما اسم الإشـارة في قوله (مثل ذلك) الوارد في مختلف روايـات الحديث ، فإنه يمكن أن يصرف إلى واحد من ثلاثة أشيـاء ذكرت قبله ، وهي : إمـا [جمع الخلق] أو [بطن الأم] أو [40 يوما] .

فصرفه إلى الفترة الزمنية (40 يوما) متعذر كما يفهم من السياق ، ثم إن مضمون حديث حذيفة الآتي ذكره – والذي هو مبين لهذا النص المجمل- يمنع ذلك ، لما تقرر في علم الأصول أن النص المجمل يحمل على النص المبين .

         وأما صرفه إلى [بطن الأم] فلا يصح ولا يستقيم ؛ لأن تكراره في الحديث حشو في الكلام لا يفيد معنى جديدا ، ويتنافى مع فصاحة وبلاغة أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه .

         فيتعين إذن صرف اسم الإشارة في قوله (مثل ذلك) في هذه الرواية وكذا في رواية البخاري على [جمع الخلق] .

         وهذا ما سبق أن توصل إليه وحققه وقرره الإمام العلامة، اللغوي، الأديب، المفسر، الفقيه، القاضي، الشافعي : كمال الدين أبو المكارم عبد الواحد الأنصاري، المعروف بـ(ابن الزملكاني) (ت651هـ) ، الذي قال فيه الإمام أبو شامة : « كان عالما خيرا ، متميزا في علوم متعددة » [31].

         يقول رحمه الله في “البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن” : « وأما حديث البخاري[32] فنزل على ذلك ، إذ معنى يجمع في بطن أمه، أي يحكم ويتقن، ومنه (رجل جميع)، أي مجتمع الخلق . فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه ، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضا من الأربعين ، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يومـا ، فنصب (مثل ذلك) على المصدر لا على الظرف . ونظيره في الكلام قولك : إن الإنسـان يتغير في الدنيا مدة عمره . ثم تشرح تغيره فتقول : ثم إنه يكون رضيعا ، ثم فطيما ، ثم يافعـا ، ثم شابـا ، ثم كهلا ، ثم شيخـا ، ثم هرما ، ثم يتوفاه الله بعد ذلك . وذلك من بـاب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا .

         ومعلوم من قواعد اللغة العربية أن (ثم) تفيد الترتيب والتراخي بين الخبر قبلها وبين الخبر بعدها ، إلا إذا جاءت قرينة تدل على أنها لا تفيد ذلك ، مثل قوله تعالى : ﴿ ذلكم

وصاكم به لعلكم تتقون . ثم آتينا موسى الكتاب… ﴾[33] .

         ومن المعلوم أن وصية الله لنا في القرآن جاءت بعد كتاب موسى ، فـ (ثم) هنا لا تفيد ترتيب المخبر عنه في الآية . وعلى هذا يكون حديث ابن مسعود – عند مسلم – : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومـا ، ثم يكون في ذلك (أي في ذلك العدد من الأيام) علقة (مجتمعة في خلقها) مثل ذلك (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين) ، ثم يكون في ذلك (أي في نفس الأربعين يوما) مضغة (مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها) مثل ذلك (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوما) … »[34] 

وهكذا يكون حديث ابن مسعود عند مسلم دالا على أن المراحل والأطوار الأساسية لتخلق الجنين تكون في الأربعين الأولى .

         وعليه ، فيتعين فهم مضمون رواية البخاري لحديث ابن مسعود بما يتفق وينسجم مع مضمون رواية مسلم لحديثه .

         هذا ، وقد اختلفت روايات الحديث في تحديد وقت بعث الملك بالضبط ، ففي بعضها أنه يتسور بعد (أربعين ليلة ) ، وفي بعضها بعد (أربعين أو خمسة وأربعين ليلة )، وفي بعضها بعد ( اثنتين وأربعين ليلة ) ، وفي بعضها بعد ( بضع وأربعين ليلة ) .

         ولعل هذا التباين في تحديد وقت نـزول الملك محمول على أن ذلـك يختلف باختـلاف الأجنة.

         ونقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض قوله: « ويحتمل أن يجمع الاختلاف في العدد الزائد على أنه بحسب اختلاف الأجنة » وعقب عليه بقوله : « وهو جيد لو كانت مخارج الحديث مختلفة ، لكنها متحدة وراجعة إلى أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد ، فدل على أنه لم يضبط القدر الزائد على الأربعين ، والخطب فيه سهل »[35] .

قلت : ومما يرجح الاحتمال الذي أورده القاضي عياض أن علماء الطب اليوم قد أثبتوا أن الأجنة تختلف في درجات وسرعة النمو كما هو الشأن بعد الولادة[36] .

المطلب الثالث : حجج أخرى تدعم ما قررناه مما يتفق مع الدراسات الجنينية الحديثة:

         أولا : لقد قرر الخالق سبحانه وتعالى في الآية 12 من سورة (المؤمنون) أن تكَوٌّن العظـام يتم بعد طور المضغـة فقال : ﴿ ثم خلقنـا النطفة علقة ، فخلقنـا العلقة مضغـة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ .

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المذكور أن بداية تخلق العظام تكون بعد الليلة الثانية والأربعين من بدء تكوين النطفة ، فقال عليه الصلاة والسلام : » إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا ، فصورها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها…» .

         وقد أثبتت دراسات علم الأجنة الحديثة والمستيقنة أن تكون العظام يبدأ بعد الأسبوع السادس مباشرة ، وليس بعد الأسبوع السابع عشر، مما يؤكد المعنى الظاهر الواضح لحديث حذيفة .

وبناء عليه ، فإن القول بأن العظام يبدأ تخليقها بعد مائة وعشرين يوما يتعارض تعارضا بينا مع ظاهر حديث حذيفة ، وكذا مع الحقائق العلمية الثابتة .

2 – من المقرر أصوليا أن دلالة الحس معتبرة عند التعارض[37] ، أي أن ما شهد الحس والواقع بحصوله وجب اعتباره وتقديمه .

وعليه ، فما دام قد ثبت بالصور والأشعة أن تكون الأطوار الأساسية للجنين يتم خلال الأربعين الأولى وجب الأخذ بمقتضاه .

الخـاتمـة :

         يتضح لنا من خلال استقراء مجمل أحاديث تخلق الجنين الواردة في الصحيحين والتوفيق بينها أن روايات مسلم تفسر وتبين ما أجمل في حديث ابن مسعود عند البخاري ، وتزيل الإشكال، وترفع اللبس، وتؤكد ما أثبته العلم الحديث من أن الأطوار الأساسية لتخلق الجنين ، والمتمثلة في النطفة والعلقة والمضغة ، لا تستغرق مائة وعشرين يوما كما شاع وذاع بين كثير من أهل العلم قديما وحديثا ، بل تتم باكتمال الأربعين الأولى أو بعدها بأيام قلائل .

         هذا ، وأرى أن أتوج هذا البحث المتواضع بشهادتين منصفتين لعالمين كبيرين من علماء الأجنة ، تكشفان ما انطوت عليه نصوص القرآن والسنة، التي تحدثت عن أطوار الجنين ، وعن مختلف مراحل الإنسان، من إشارات علمية معجزة تؤكد صدق نبوة ورسـالة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم .

          – أولاهما : شهادة البروفيسور (جولي سمسون) ، أستاذ أمراض النساء والولادة في “جامعة نورث وستون” بشيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية.

         لقد أتيح لهذا الرجل أن يطلع على أطوار الجنين ومراحل تطوره في القرآن والسنة ، وبعد إجالة النظر الفاحص فيها عموما ، ثم القيام بمقارنة دقيقة بين أحاديث تخلق الجنين ، وخاصة منها : حديث ابن مسعود في الصحيحين « إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما …» وحديث حذيفة عند مسلم « إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها …» واللذين توقفنا مليا عندهما بمختلف رواياتهما ، وتناولناهما بالدرس والتحليل والمقارنة أصيب بالذهول، وتملكته الدهشة والاستغراب ، وشكك بداية في مصدرهما (الوحي) ، لكنه بعد أن تأكد من ذلك واطمأنت نفسه ، أعلنها صريحة مدوية في أحد المؤتمرات الدولية أمام جمع غفير قائلا : « أعتقد أنه لا يوجد خلاف بين المعرفة العلمية والوحي ، بل إن الوحي ليدعم أساليب الكشف العلمية التقليدية المعروفة حينئذ . وجاء القرآن قبل عدة قرون مؤيدا لما تطرقنا إليه ، مما يدل على أن القرآن هو كلام الله »[38] .

          – والشهادة الثانية لأحد كبار العلماء في العالم في مجال (التشريح وعلم الأجنة) ، إنه العالم الكندي البروفيسور“كيث ل. مور” (Dr Keith.L.Moore)، أستاذ (علم التشريح والأجنة) بجامعة تورنتو بكندا ، والذي يرأس العديد من الجمعيات الدولية ، منها : “جمعية علماء التشريح والأجنة” بكندا وأمريكا ، و”مجلس اتحاد العلوم الحيوية الأخرى” … إضافة إلى كونه عضوا منتخبا بـ”الجمعية الطبية الملكية” بكندا، و”الأكاديمية الدولية لعلوم الخلايا”، و”الاتحاد الأمريكي لأطباء التشريح”، و”اتحاد الأمريكتين في التشريح” …. وله مؤلفات عديدة في مجال التشريح الإكلينيكي وعلم الأجنة ، أهمها وأشهرها كتابه الذي يحمل عنوان : (The Developing Human) (أطوار خلق الإنسان) ، والذي اختير من طرف لجنة علمية أمريكية أحسن كتاب في العالم ألفه مؤلف واحد ، وصار مرجعا علميا عالميا ، وترجم إلى ثمان لغات …

         لقد التقى هذا العالم المتميز بالشيخ الزنداني ، وجرى بينهما حوار ، فعرض عليه الزنداني كثيراً من الآيات والأحاديث المتعلقة بمجال تخصصه في علم الأجنة ، فأبدى استغرابه ودهشته مما سمع ، واقتنع بما عرض عليه ، وضمن شيئا منه في إحدى نسخ كتابه العالمي المذكور . وأفاد أن تقسيم أطوار الجنين في بطن أمه كما هو معروف الآن في العالم كله تقسيم صعب، غير مفهوم، ولا ينفع في فهم مراحل تطور الجنين ؛ لأنه يقسم المراحل تقسيماً رقمياً ، أي المرحلة رقم 1 ورقم 2 ورقم 3 ، وهكذا … ، بينما التقسيم القرآني لها لا يعتمد على الأرقام، بل يعتمد على الأشكال المتميزة الجلية : [ “نطفة-علقة-مضغة-عظام-كساء العظام باللحم-النشأة خلقاً آخر ] ، ووصف هذا التقسيم القرآني لأطوار الجنين بأنه تقسيم علمي دقيق ، وسهل، ومفهوم، ونافع ، ودعا إلى تبنيه ، ووقف في أحد المؤتمرات يعلن هذا ، وكان مما قاله : “إن أوصاف الأجنة البشرية في القرآن الكريم لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، والاستنتاج الوحيد المعقول هو : أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – من الله ، إذ ما كان له أن يعرف مثل هذه التفاصيل لأنه كان أمياً، ولهذا لم يكن قد نال تدريباً علمياً” .

         وألقى محاضرة بجامعة الملك عبد العزيز حول “مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة” أمام جم غفير من الأساتذة الدكاترة الأطباء والطلاب ، وقال في نهايتها : ” لقد أسعدني جداً أن أشارك في توضيح هذه الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الخلق في القرآن الكريم والحديث الشريف، ويتضح لي أن هذه الأدلة حتماً جاءت لمحمد من عند الله ؛ لأن كل هذه المعلومات لم تكتشف إلا حديثاً وبعد قرون عدة ، وهذا يثبت لي أن محمداً كان رسولًا من عند الله ” [39].

         وصدق ربنـا إذ يقول : ﴿ سنريهم آياتنـا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ﴾ [40] .

والحمد لله في البدء والختام ، وصلى الله على نبينا محمد خير الأنام ، وعلى آله الأطهار وصحبه الكرام .

المصادر والمراجع

– المصحف الشريف ، برواية حفص عن عاصم ، طبع بدار الندوة الإسلامية ، بيروت  لبنان .

– “أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن”، للشنقيطي ، محمد الأمين بن محمد المختار (ت 1393هـ) . خرج أحاديثه : محمد عبد العزيز الخالدي . الطبعة الأولى : 1417هـ/1996م . نشر : دار الكتب العلمية – بيروت ، لبنان .

– “إعلام الموقعين عن رب العالمين” ، لابن قيم الجوزية ، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت751هـ) . تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد . الطبعة الأولى : 1373هـ – 1955م . نشر : دار الفكر ، بيروت – لبنان .

 “البحر المحيط” ، لأبي حيان ، محمد بن يوسف الأندلسي ، (ت 745هـ) . تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، و علي محمد معوض . طبعة : 1422هـ -2001م . نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

– “البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن” ، لابن الزملكاني ، كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم (ت651هـ) . تحقيق . خديجة الحديثي ، و أحمد مطلوب . الطبعة الأولى : 1394هـ، 1984م . نشر : مطبعة العاني ، بغداد – العراق .

– “تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام” ، للذهبي ، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . تحقيق : عمر عبد السلام تدمري . الطبعة الأولى : 1407هـ   1987م . نشر : دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان .

– “تفسير القرآن العظيم” ، لابن كثير (ت 774 هـ) . طبعة  1420هـ – 2000م ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

– “جامع البيان في تأويل القرآن” ، للطبري ، أبي جعفر محمد بن جرير (ت 310هـ) . الطبعة الثانية : 1420هـ/1999م . نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

– “الجامع لأحكام القرآن” ، للقرطبي ، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671هـ) . الطبعة الأولى : 1407هـ – 1987م . نشر دار الفكر ، بيروت – لبنان .

– “جامع العلوم والحكم” ، لابن رجب الحنبلي ، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي (ت 795هـ ) . طبعة : 1407 – 1987م . نشر : دار الجيل ، بيروت – لبنان .

– “خلق الإنسان بين الطب والقرآن” ، لمحمد علي البار . الطبعة الرابعة : 1403هـ – 1983م . نشر : الدار السعودية للنشر والتوزيع ، جدة .

– “شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح” ، لعبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي ( ت 719هـ) . تحقيق : زكريا عميرات . طبعة  1416هـ – 1996م. نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

– “شرح صحيح مسلم” ، للنووي ، يحيى بن شرف بن مرى .. (ت 677 هـ) ، مطبوع مع صحيح مسلم . الطبعة الأولى : 1415هـ 1995م . نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت  لبنان .

– “صحيح البخاري” [مع الفتح] ، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) . نشر : دار المعرفة – بيروت  لبنان .

– “صحيح مسلم” [مع شرح النووي] ، لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261هـ) . نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت  لبنان .

– “طبقات الشافعية الكبرى” ، للسبكي ، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي ( ت 771هـ) . تحقيق : محمود محمد الطناحي و عبد الفتاح محمد الحلو . طبعة : 1413هـ . نشر :  هجر للطباعة والنشر والتوزيع .

– “فتح الباري شرح صحيح البخاري” ، لابن حجر ، أحمد بن علي العسقلاني ، (852هـ) . نشر : دار المعرفة ، بيروت  لبنان .

– “لسان العرب” ، لابن منظور ، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ت 711هـ) . الطبعة الأولى : 1410هـ/1990م . نشر : دار صادر ، بيروت – لبنان .

– “المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز” ، لابن عطية ، أبي محمد عبد الحق بن غالب الأندلسي (ت 546 هـ) . تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد ، الطبعة الأولى : 1413هـ/1993م . نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

– “مختار الصحاح” ، للرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (ت 721هـ) . الطبعة الأولى : 1997م . نشر : دار الفكر العربي ، بيروت – لبنان .

– “مفاتيح الغيب” ، للرازي، فخر الدين محمد بن عمر التميمي الشافعي (ت 604هـ) . طبعة : 1421هـ – 2000م . نشر دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان .

– “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” ، لأبي العباس القرطبي ، أحمد بن عمر بن إبراهيم (ت 656هـ) . حققه وعلق عليه وقدم له : محيي الدين مستو و أحمد محمد السيد

و يوسف علي بديوي ، و محمود إبراهيم بزال . الطبعة الأولى : 1417هـ – 1996م . نشر : دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب ، دمشق – بيروت

– موقع جامعة الإيمان  (  www.jameataleman.org ).

– موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

      ( www.eajaz.org/arabic/index)

– موقع www. gorgemichel.wordpress.com 

– “النهاية في غريب الحديث والأثر” ، لابن الأثير ، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) . تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي . نشر : دار الفكر ، بيروت ، لبنان .

المحاور الأساسية

– المقدمة 

– المبحث الأول : إيراد الروايات الأربع لحديث ابن مسعود عند البخاري، والمقارنة بينها، والتعليق عليها

المطلب الأول : ذكر الروايات الأربع للحديث ، والمقارنة بينها 

المطلب الثاني : التعليق على “الجملة الأولى” من النص الحديثي

وفق الروايتين الأولى والرابعة

المطلب الثالث : مناقضة ظاهر بقية النص الحديثي للحقائق العلمية

المستندة إلى علم الأجنة الحديث

المطلب الرابع : سبيل إزالة هذا التعارض الظاهري

– المبحث الثاني : إيراد ومناقشة روايات مسلم للحديث،

المزيلة للإشكال، والقاطعة للنزاع في المسألة

المطلب الأول : عرض حديث ابن مسعود ، وحديث حذيفة بن أسيد برواياته الأربع .عند مسلم

المطلب الثاني : التعليق على الحديثين

المطلب الثالث : حجج أخرى تدعم ما قررناه مما يتفق مع الدراسات الجنينية الحديثة

 الخاتمة 


[1] من سورة الأعلى : 2 ،3 .

[2] من سورة السجدة : 7- 9 .

[3] انظر موقع :ww. gorgemichel.wordpress.com   .

[4] تطلق العلقة في اللغة على كل ما يعلق وينشِب ، يقال : علِق بالشيء علقا : نشب به . و علِق الصيد في حبالته : نشب . وأعلق أظفاره في الشيء : أنشبها . والعلَق : النشوب، و الطين الذي يعلق باليد . كما تطلق العلقة على القطعة من الدم الجامد ، وهذا هو المعنى الأكثر تداولا لها في مختلف مظان التفسير . ولها معاني أخرى .. إلا أن المعنى الأول هو الذي يتفق ويتطابق تمام التطابق مع قرره علم الطب الحديث .  ( انظر لسان العرب ، مادة : علِق : 10 /261، 262، 267 ؛ مختار الصحاح ، ، مادة : علِق ، ص : 200 ؛ الجامع لأحكام القرآن : 12/6 ؛ المحرر الوجيز .. : 4/107 ؛ أضواء البيان : 5/ 14 ؛ خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، للدكتور محمد علي البار ، ص: 203 ،204 ) .

ومما يجدر الإلماع إليه أن التعبير عن هذا الطور بهذه اللفظة [العلقة] من إعجاز القرآن العلمي ؛ لأنه أنسب وأصدق وأدق وصف لهذه المرحلة من الناحية العلمية .

وكذلك الشأن بالنسبة لكل المصطلحات التي عبر بها الوحي قرآنا وسنة عن أطوار الجنين المختلفة .

[5] تطلق المضغة على القطعة الصغيرة من اللحم، أي مقدار ما يمضغ منه . (انظر مفاتيح الغيب ، للرازي : 23/ 74 .الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي : 12/6 ؛ البحر المحيط ، لأبي حيان : 6/322 ) .

[6] صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة ، ح : 3208 .

[7] المصدر نفسه : كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم وذريته ، ح : 3332 .

[8] المصدر نفسه : كتاب القدر ، باب 1 ، ح : 6594 .

[9] المصدر نفسه : كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى : ] ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين [ ، ح : 7453 .

[10] النطفة في اللغة : الماء القليل ولو قطرة . أما في الاصطلاح : فتطلق على الحيوان المنوي الذي يخترق البويضة الموجودة في رحم المرأة ، فتتكون من ذلك (النطفة الأمشاج) التي أخبر الباري سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان منها فقال جل وعلا : ﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ﴾ [الإنسان : 2] . ومعنى (الأمشاج) في اللغة : الأخلاط ، واحدها مشج – بفتح الميم والشين ، وقيل بكسر الميم وسكون الشين – ، ومشيج …. يقال : “مشجت هذا بهذا” إذا خلطته به . ويقال : “هو ممشوج به ومشيج” أي مخلوط به . وأثر عن أنس وابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والربيع أن معنى الأمشاج : ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر ويختلطان في الرحم فيكون منهما الولد . ورجحه الإمام البخاري ، وإمام المفسرين ابن جرير الطبري . ( انظر صحيح البخاري : كتاب التفسير ، باب 76 : تفسير سورة [هل أتى على الإنسان] ؛ جامع البيان في تأويل القرآن : 12/354- 356 ؛ المحرر الوجيز : 5/408، 409 ، ؛ الجامع لأحكام القرآن : 19/120، 121 ؛ أضواء البيان : 5/ 13 ) .

وهذه الحقيقة التي قررها كتاب ربنا سبحانه وتعالى، منذ خمسة عشر قرنا ، لم يتوصل إليها الأطباء وعلماء الأجنة حتى القرن التاسع عشر ، حيث قرروا أن البويضة الملقحة بالحيوان المنوي هي خليط من كروموسومات نطفة الرجلوكروموسومات البويضة الأنثوية . مما يعكس بجلاء إعجاز القرآن في هذه المسألة العلمية .. انظر ص : 10 من البحث .

[11] اختلف المفسرون في معنى المضغة المخلقة وغير المخلقة على أقوال ، أهمها :

أ – أن المخلقة هي ما ظهر فيه تخطيط وتصوير، وغير المخلقة عكسها، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن كثير في تفسيره : 3/210، ورجحه العلامة محمد الأمين الشنقيطي في “أضواء البيان”: 5/14-16.

ب – أن المخلقة هي ما ولد حياً ، وغير المخلقة ما كان من سقط ، سواء كان مخلقاً أو غير مخلق .جـ – أن المخلقة هي المصورة خلقاً تاماً ، وغير المخلقة هي السِّقط قبل تمام خلقه ، وهو ما رجحه الإمام ابن جرير الطبري في “جامع البيان …” : 9/110، 111 . وانظر “الجامع لأحكام القرآن”

، للقرطبي : 12/6 .

وقد توصل الأطباء مؤخرا إلى هذه الحقيقة التي قررها كتاب ربنا جل وعلا منذ خمسة عشر قرنا ، فأكدوا أن الجنين يمر بالمرحلتين المذكورتين، مما يعكس بوضوح وجلاء إعجاز القرآن الكريم في وصفه للمضغة وتقسيمه لها. وصدق العليم الخبير إذ يقول : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟) بلى . ( انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، ص : 208، 209 ) .

[12] الحج:5 .

[13] المؤمنون: 12-16 .

[14] غافر : 67 .

[15] أورده القرطبي في تفسيره : 12/7 ، وابن الأثير في النهاية :1/297 .

[16] فتح الباري : 11/480 .

[17]  النهاية  : 1/297‏ .

[18] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم : 6/649،650 .

[19] انظر “أطوار الجنين في أربعين يوما” : مقالة لهالة أحمد فؤاد، منشورة بموقع :

http://www.khayma.com/alwaha/e3jaz1.html

، ومقالة “أطوار الجنين ونفخ الروح” لعبد الجواد الصاوي بموقع “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة”  : www.eajaz.org/arabic/index. .

[20] فتح الباري : 11/483 ، وانظر الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي : 12/7 ؛ شرح النووي على صحيح مسلم : 16/157 ؛ جامع العلوم والحكم ، ص : 56 .

[21] انظر ” خلق الإنسان بين الطب والقرآن”  لمحمد علي البار، ص : 112 ، 113 ، 185-192 .

هذا، ومن المفيد أيضا الإلماع في هذا السياق إلى أن القرآن الكريم قد بين بوضوح وجلاء أن الذكورة والأنوثة تقرر في النطفة . قال تعالى : ﴿ وأنه خلق الزجين الذكر والأنثى . من نُّطْفَة إذا تُمْنَى ﴾ [النجم 45-46 ] .  وهذه الحقيقة لم تعرف إلا بعد اكتشاف المايكروسكوب الإلكتروني في القرن الماضي !! فأنى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعرف أن النطفة بأحد نوعيها (X) أو Y) ( هي المسؤولة عن تحديد جنس الجنين ، لولا إخبار الخالق العليم بذلك ؟ فسبحانه جلت قدرته .

[22] انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، ص : 377، 378 .

[23] شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح ، لعبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي : 1/116 .

[24] أضواء البيان : 2/102 .

[25] أخرجه في كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه … ح : 2643 .

[26] أخرجه في كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي ، ح : 2644 .

[27] من الثابت علميا أن الأعضاء التناسلية الخارجية لا تظهر إلا بعد ظهور السمع والبصر والعظام واللحم والجلد . وعليه، فإن من الإعجاز العلمي في هذا النص الحديثي تأخير الحديث عن تلكم الأعضاء التناسلية الخارجية بعد الإشارة إلى ما يسبقها في الظهور من المكونات والأجزاء الخلقية .

( انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، ص : 303 ) .

[28] المصدر نفسه  ، ح : 2645 .

[29] قال النووي  في شرح صحيح مسلم : (16/159) : « هكذا هو في جميع نسخ بلادنا (يتصور) ، وذكر القاضي (يتسور) بالسين . قال : والمراد بيتسور ينزل ، وهو استعارة من تسورت الدار إذا نزلت فيها من أعلاها ، ولا يكون التسور إلا من فوق فيحتمل أن تكون الصاد الواقعة في نسخ بلادنا مبدلة من السين ، والله أعلم » .

[30] المصدر نفسه ، ح : 2645 .

[31] انظر ترجمته في تاريخ الإسلام ، للذهبي : 48/101 ؛ طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي : 8/316 .

[32] يقصد حديث ابن مسعود المخرج في صحيح البخاري ، السالف الذكر .

[33] الأنعام : 153،154 .

[34] البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ، ص : 275 .

[35] فتح الباري : 11/481 .

[36] انظر “خلق الإنسان بين الطب والقرآن” ، لمحمد علي البار ، ص : 233 .

[37] انظر إعلام الموقعين : 1/311 ؛ المحصول ، للرازي : 1/100 و 4/23 .

[38] انظر حوار الشيخ عبد المجيد الزنداني مع البروفيسور جولي سمسون ، بموقع جامعة الإيمان    www.jameataleman.org .

[39]  انظر حوار الشيخ عبد المجيد الزنداني مع البروفيسور “كيث ل. مور في موقع “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة”       http://www.eajaz.org/arabic

وفي موقع جامعة الإيمان    www.jameataleman.org .

[40] فصلت : 53 .

(المصدر: مركز المقاصد للدراسات والبحوث)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى