تقارير وإضاءات

حكم السيادة الإسلامية على القدس وفلسطين

حكم السيادة الإسلامية على القدس وفلسطين

 

للقدس مكانة كبيرة في الإسلام وفي نفوس المؤمنين بالله تعالى فهي من أقدس البقاع بعد مكة والمدينة المنورة، وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، حتى شملت البركة بلاد الشام كلها. والمسجد الأقصى مسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه، قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}، وهو ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة في غيره
والقدس معدن الأنبياء عليهم السلام، كما قال ابن كثير رحمه الله، ومحمد صلى الله وسلم وارث دعواتهم، فهو أولى بهم وبميراثهم، والذين اتبعوه من المؤمنين، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}، ومن هنا فإن مسئولية حماية القدس والمسجد الأقصى تقع على عاتق المسلمين، ويعد اليهود الذين احتلوا فلسطين وجوهرتها القدس والمسجد الأقصى غاصبين معتدين وبهذا الاعتبار صاروا أهل حرب باتفاق الفقهاء، وتعين قتالهم على كل مكلف من أهل فلسطين وعلى من يحيطون بهم من أهل البلاد المجاورة أن يمدوهم بالرجال والمال والسلاح، حتى يتمكنوا من طرد اليهود الغاصبين وكسر شوكة دولتهم وإرجاع المسلمين إلى ديارهم، وإظهار دين الله في هذا الجزء من ديار الإسلام. ودليل ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل}، فالله تعالى أمر أن نقاتل من قاتلنا ومن اعتدى علينا ومن أخرج المسلمين ديارهم، وأن نستمر في قتالهم حتى تزول فتنتهم وتكسر شوكتهم، ويرفع ظلمهم، فمن قاتل اليهود الغاصبين للمسجد الأقصى فقد برئ عند الله ومن قصر في أداء هذا الواجب فقد أثم. قال صلى الله عليه وسلم: “من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد” والقدس والمسجد الأقصى وفلسطين كلها جزء من ديار الإسلام، فمن قتل دونها فهو شهيد، لأن الله كتب الشهادة لمن قتل في حق، والدفاع عن حوزة الإسلام ومقدساته من أعظم الحق، فالجهاد الآن لتحرير القدس والأقصى فرض عين
يحرم التنازل عن القدس كلها أو عن جزء منها، كما يحرم الإقرار للدولة اليهودية الغاصبة بالسيادة عليها، ومن باب أولى يحرم قطعًا أن يُعطَى اليهود جزءًا من ساحة المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم عليه، وإن أي اتفاق بين اليهود وبين أي قيادة عربية يتم على هذا الأساس يعد باطلاً من أساسه لعدم مشروعية محله، لأن محل هذا الاتفاق هو تمليك جزء غال من أرض الإسلام للعدو الغاصب أو إقرار لسيادته عليه، وهذا غير مشروع بالنص والإجماع أما النص فقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، ومعنى الآية لا تجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً، ومن أبرز السبل والكبائر أن يقر عدوان اليهود وغصبهم بتنازل أو باتفاق يوقع عليه قادة نصبوا أنفسهم لحماية الأرض والعرض والمقدسات، ومن الطامات الكبرى أن يحول جزء من ساحات المسجد الأقصى الذي اختاره الله للإسلام والتوحيد وعبادة الله وحده إلى كنيسة يكفر فيه بالله تعالى ويسب فيه أنبياؤه عليهم السلام ويؤذى فيه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وتنكر فيه رسالة الإسلام، وقد قال الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا} قال سبحانه: { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين }
وأما الإجماع فقد اتفقت كلمة المسلمين على تحريم الاتفاق على تسلم جزء من بلاد الإسلام إلى سيادة عدو كافر، ومن باب أولى تحويل المسجد إلى كنيسة أو هيكل وعدوا الرضا بذلك كفرًا وردة وخيانة لله ورسوله وللمؤمنين
إن القدس والمسجد الأقصى المبارك وقف إسلامي على المسلمين كافة إلى يوم القيامة، فهي لا تباع ولا توهب ولا تورث، ولا يملك حاكم أن يتنازل عنها وكل اتفاق ينقل الوقف الإسلامي إلى العدو الكافر من اليهود يعد باطلاً من أساسه ولا يسري أثره على الوقف ولا يلزم المسلمون به حالاً أو مالاً، بل يجب السعي في نقضه، ومن تنازل عن القدس والمسجد الأقصى كمن يتنازل عن مكة والمسجد الحرام أو المدينة والمسجد النبوي، وقد ربط الله بين المسجدين في سورة الإسراء، وربط بين المساجد الثلاثة في شد الرحال إليها في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى“. 
إن أي اتفاق بين أي حاكم وبين العدو اليهودي هو نوع من التصرف على المسلمين، وتصرف الحاكم على المسلمين معلل بالمصلحة، فإذا خلا الاتفاق عن المصلحة كان باطلاً. والاتفاق الذي يتضمن تنازلاً عن القدس أو جزء منها أو عن جزء من المسجد الأقصى للدولة اليهودية الغاصبة مفسدة كبرى لا يدانيها إلا مفسدة تسليم بين الله الحرام أو مسجد النبي الكريم عليه السلام لعدو من الكفار. بل إن في مثل هذا الاتفاق- إن حصل- إسقاطًا للمصلحة العليا للمسلمين، وإسقاطًا لعزتهم وهيبتهم، وقد نهى الله تعالى عن سلم الهوان فقال: {فلا تهنوا أو تدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} وقال سبحانه: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} والنهي يقتضي التحريم
من القواعد المقرة عند العلماء أن كل اتفاق يحل حرامًا أو يحرم حلالاً أو يمنع حقًا محرم وباطل قطعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: “الشرط جائز بين المسلمين إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً”، والاتفاق مع اليهود الذي يتضمن تنازلاً عن القدس أو عن جزء منها أو يعطي لليهود حقًا في بناء الهيكل على جزء من المسجد الأقصى فيه إقرار للكفر يفضي لصاحبه إلى الردة، وقد حرم الله علينا أن نجلس في مكان يكفر فيه بآيات الله فكيف أن نجعل الكنيس بدل المسجد أو مع المسجد قال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا}، ويحل حرامًا، لأنه إقرار للغاصب بشرعية غصبه وإقرار للمعتدي بشرعية عدوانه ومكافأة له على ذلك وفيه تحريم لحق المسلمين عليهم لأنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق لمصلحة المهجرين من اليهود، وما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلا لإزالة ظاهرة الظلم والعدوان من الأرض، قال تعالى: {فما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لنا من لدنك نصيرًا}، وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وأي تعاون على الإثم والعدوان أكبر من اتفاق مع عدو غاصب يتنازل القادة بموجبه عن أقدس بقاع فلسطين القدس والأقصى، ويبارك عدوانهم، أي ظلم أكبر من إقرار الظلم ومنحه صفة المشروعية، والله قد قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وقال: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}، والله قد نهانا أن نركن إلى الذين ظلموا فقال سبحانه: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، فكيف يجوز بعد كل هذا عقد اتفاق يقر فيه الظالم على ظلمه ويكافأ الغاصب بشرعية الاغتصاب بالتنازل عن القدس والأقصى المبارك، وكيف يجوز اتفاق يمنع صاحب الحق من حقه والانتصاف من ظالمه، إنه لا ريب اتفاق يعد كبيرة من الكبائر ومن عظائم الأمور، ويحرم على كل مسلم أن يلتزم به أو يفي بآثاره، بل يجب السعي في نقضه بكل ما أمكن
وإذا اتضح ما قلنا من أنه يحرم التنازل عن القدس كلها أو عن جزء منها كما يحرم إعطاء اليهود جزءًا من ساحة المسجد الأقصى لليهود الغاصبين، فإن من يخالف شرع الله ومصلحة المسلمين، فيتنازل عن القدس أو جزء أو يسمح ليهود ببناء هيكل على جزء من ساحة المسجد الأقصى، وأن يكون وليًا لأعداء الله اليهود، وقد نهانا القرآن عن كل ذلك فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكمفالقدس والمسجد الأقصى وسائر فلسطين، أمانة في أعناق المسلمين، وأداء الأمانة بحفظها من أعدائها وإرجاعها إلى حوزة الإسلام، كما نهانا الله أن نوالي أعداءه بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}، وقال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، ومن أكبر الموالاة أن يقر لليهود الغاصبين بغصبهم للقدس وتحويلهم الأقصى إلى الهيكل
كما يجب على المسلمين كافة أفراد أو جماعات ودولاً الجهاد لاستنقاذ المقدسات من الغاصبين اليهود، وأن يعدوا لذلك ما استطاعوا من قوة لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم … } ويحرم تعطيل هذه الفريضة أو منع القائمين بها ما دامت علة الجهاد قائمة وهي احتلال القدس والأقصى وسائر فلسطين
إن مسئولية المسلمين تجاه القدس والأقصى وتجاه فلسطين، وكل جزء مغتصب من ارض الإسلام تضامنية أو تكافلية، ولا تسقط هذه المسئولية إلا بالقيام بواجب الجهاد العيني، لأن خطابات الشارع متجهة إليهم أصالة وإلى حكامهم نيابة عنهم، فإذا قصر النائب فإن الخطاب يظل متجهًا إلى الأصيل حتى يزول العدوان ويرجع صاحب الحق إلى حقه
والأمة مخاطبة بحمل حكامها على تنفيذ الواجب الشرعي، فإذا اعتدلوا وإما اعتزلوا، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

السبت 11 جمادى الآخرة 1421هـ الموافق 9/9/2000م

لجنة علماء الشريعة الإسلامية

في حزب جبهة العمل الإسلامي

(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى