كتب وبحوث

جديد الدراسات الشرعية في جائحة كورونا (1)

جديد الدراسات الشرعية في جائحة كورونا (1)

عرض إدريس أبيدمي أحمد

تتوالى الدراسات والأبحاث العلمية والفقهية التي رصدت نازلة الوقت جائحة فيروس كورونا وآثارها المختلفة على حياة الفرد المسلم والمجتمع، وتناولت الموضوع من جانب التأصيل والتطبيق بالبحث والمناقشة، وإن كانت هذه الدراسات لا تقارن بمثيلاتها في العلوم الإنسانية لأنها لا تعدو في المجمل أوراقا بحثية نشرت في مجلات أو مواقع بحثية، أما البحث المتخصص عن طريق الأطروحات والرسائل الجامعية، في الدراسات الشرعية، فإنه يلاحظ بعض الضعف الظاهر ولعل السبب يرجع إلى كون موضوع فيروس كورونا نازلة جديدة وطبيعة الفيروس متحورة والبحث الأكاديمي الرصين يحتاج إعداده إلى الوقت. والقصد من هذا المقال مراجعة بعض الكتابات المتخصصة التي عالجت نازلة فيروس كوفيد 19، من الناحية الفقهية الشرعية، وناقشت الفتاوى التي صدرت بالتوافق مع ظهور الجائحة، والكشف عن الجهود التي بذلت في معالجة موضوع كورونا من المنظور الفقهي، وذلك تحت سلسلة جديد الدرسات الشرعية في جائحة كورونا.

الاجتهاد في تعطيل الجمع والجماعات في المساجد تناول الدكتور محمد الحراق[1] سؤال أصول اجتهاد العلماء المعاصرين في إيقاف الجمع والجماعات في المساجد في بدايات وباء كورونا وبيان المسالك التي اعتمدت في هذا القرار[2]، والتبين عن صحة القرار وضعف الآراء المعارضة لا سيما مع وجود الخلل الذي اعترى التكييف الفقهي في قياس المساجد على المرافق العمومية الأخرى، وهي تعد إحدى مثارات غلط المخالفين لحكم تعليق الصلاة في المساجد.

وحسب نظرة الباحث فإن المسالك التي بني عليها الفتوى بشكل عام متينة وقواعدها أصيلة تراعى في الغالب في فقه الواقع والنوازل.

المسلك الأول هو فقه الأعذار الشرعية، وهو الذي أشار إليه الشاطبي يمقولته: “ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على موضع الحاجة فيه”. وهذا المسلك الفقهي راجع إلى اعتبار الرخصة والاستدلال بها إذا توفرت فيها شروطها، وحسب الباحث فإن قضية الإغلاق بسبب كورونا تتحقق فيها عناصر الرخصة ، وهي وجود العذر المانع من صلاة الجماعة للضرر المتوقع من العدوى، والخوف من التضرر بسبب الاختلاط، وهذه الرخصة الحاكمة بالمنع بناء على هذا العذر ليست من الأحكام الأصلية التي تدوم، كما أن هذا الحكم وجد له مستند شرعي في قضايا جزئية نحو: إباحة التخلف عن صلاة الجماعة لأعذار المرض والمطر، وهي أقل ضررا، وجواز اعتزال آكل الثوم عن المسجد لما في ذلك من إيذاء المصلين، وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

المسلك الثاني: فقه اعتبار المآلات، حيث لا يجوز للفقيه أن يصدر الحكم في المسألة دون التحقق من النتائج التي تترتب على الحكم في الواقع، فأي وسيلة أو حكم يحصل من ورائه مفسدة بغلبة الظن فإنه يجب منعه والتوقف عن هذه الوسائل. واعتبار المآل وفق هذا البيان يدخل في إطار تحقيق المناط، وبناء على ذلك فإن نازلة إغلاق المساجد بسبب عدوى كورونا يستدل لها بهذه القاعدة لأن الأطباء وخبراء الفيروسات تواترت المعلومات عنهم “أن الخطر الحقيقي للفيروس في سهولة وسرعة انتشاره، حيث إن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراض المرض ، ولا يعلم أنه مصاب وهو بذلك ينقل العدوى في كل مكان ينتقل إليه”. لذلك ركزت الهيئات على الإيصاء بضرورة تجنب التجمعات والتكتلات البشرية.

المسلك الثالث: فقه سد الذرائع، فالمعلوم أن من سد الذرائع اعتبر المقاصد، وكلما سقط المقصد سقط اعتبار الوسيلة، والجماعة أمر ندب إليه الشارع وجعله وسيلة لتحقيق غايات كبرى، منها تحقيق حفظ التماسك الاجتماعي ووحدته، والطمأنينة والرحمة التي يحققها الأفراد، وهذه الغايات لا تتحقق  في ظل وجود الوباء سريع الانتشار، فإن إقامة الجماعة في هذه الحالة وسيلة تناقض المقاصد التي شرعت من أجلها فكان القرار إسقاط الجماعة في المساجد، لأن من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة كما قال الشاطبي.

المسلك الرابع: فقه الترجيح المقاصدي، وهذا بين أن إجراء إيقاف الجمع والجماعات في المساجد في ظل فيروس كورونا مؤسس على كلية عظيمة في الإسلام وهي حفظ النفس لأنها تنطوي تحت مقاصد شرعية كبرى. ومصلحة النفس تزاحمت مع مصلحة حفظ الدين، وهنا تساوت المصالح في الحكم والرتبة فيقدم حفظ النفس لأن مصلحته أعظم نوعا، ولأن ما يفضي إلى حفظ مقصود النفس أولى وأرجح، فإن مقصود الدين حق الله تعالى ومقصود غيره حق الآدمي ، وحق الآدمي مرجح على حقوق الله تعالى لأنه بني على الشح والمضايقة، وحقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة. وعلى نحو ذلك من نطق بالكفر مكرها فإنه يعفى عنه، وكذا خفف الشارع عن المسافر بإسقاط الركعتين وأداء الصوم، وعن المريض بترك الصلاة قائما وترك أداء الصوم وغير ذلك.

مسائل أخرى في فقه العبادات

وعلى ذات النسق أجرت الباحثة هدى حسن صديق عبد السلام من جامعة المنيا دراسة شرعية مستفضية جديدة في أحكام الجوائح في الفقه الإسلامي، وأخذت جائحة كورونا نموذج الدراسة[3]، وخصصت ضمن مطالب المبحث الأول بالسؤال عن كيف تعاملت الشريعة الإسلامية مع مثل هذا الوباء العالمي، وأما المبحث الثاني فقد رصدت فيه الأحكام الفقهية التي برزت الفتاوى فيها في وسط الجائحة ومن تلك المسائل: تغيير صيغة الآذان، إغلاق المساجد وتعليق الصلاة فيها، وكيفية الزكاة والصوم والحج في زمن الأوبئة، ثم تغسيل وكفن ودفن من يموت بهذا الفيروس.

أثبتت الدكتورة هدى خلال المبحث الأول أن الشريعة الإسلامية خلال نصوصها الفقهية أقرت جميع الاحترزات الوقائية التي قررته المنظمات والهيئات الصحية للحد من انتشار جائحة كورونا من حيث ضرورة العزل الصحي والحجر الصحي، والاهتمام بالنظافة ومراعاة التباعد الاجتماعي بين الناس والحث على التداوي. وتناول تفاصيل كل هذه المسائل في أمهات الكتب الفقهية وأجه تناسب أحكامها مع القرارات الصادرة من منظمة الصحة العالمية.

وفي محاولة تأصيل المسائل الفقهية المتعرض لها في المبحث الثاني ظهر لنا الاعتماد الواضح على القياس الأصولي، وذلك فيما يأتي:

1- تغيير صيغة الأذان: فإنه أبدل (حي على الصلاة) أثناء الأذان للصلوات المفروضة في أوج انتشار فيروس كورونا بقوله: (ألا صلوا في رحالكم) لضرورة الجائحة.

2 –  إغلاق المساجد وتعطيل العمل بها، معتبرا بتقديم المصلحة العامة وحفظ النفس البشرية من التعرض لمخاطر الهلاك المترتب على انتشار الوباء في المسجد.

3- تعجيل أداء الزكاة قبل حلول الموعد بسبب التعثر الواضح في اقتصاد العالم، وازدادت حاجة الناس لقلة المعاش وإغلاق المصانع والشركات، وتعطلت كثير من المصالح فأجيز إخراج زكاة المال لعام أو عامين.

4- جواز إخراج الزكاة للمساهمة في تدعيم المستشفيات بالأجهزة الطبية وأدوات الحماية والوقاية من الأمراض المعدية، واعتبار الصرف لهذه الجهات داخلا تحت مصرف (وفي سبيل الله).. وغير ذلك من المسائل المختلفة التي رصدتها هذه الدراسة.

ومما يلاحظ على هذه الدراسة أنها ركزت على الفتاوى الرسمية التي صدرت  من دار الإفتاء المصرية حصريا، ودعمتها بالأدلة وأقوال الفقهاء من أمهات الكتب الفقهية، غير أنها لم تعالج جانب التأصيل وإثبات قوة الأدلة التي استندت إليها الفتاوى، وهو جانب لا يقل أهمية في التحليل الفقهي.

 

________________________________________________________________________

[1]  عضو المجلس العلمي المحلي بالعرائش وأستاذ زائر بالكلية متعددة التخصصات بالعرائش.

[2]  الحراق، محمد، نوازل فقهية فى زمن كورونا: إيقاف الجماعات والجمع فى المساجد نموذجاً، مجلة الفقه والقانون الدولي، العدد الرابع والتسعون، غشت (أغسطس)، 2020م، صفحات (48 – 60).

[3]  عبد السلام، هدى حسن صديق أحكام الجوائح في الفقه الإسلامي: جائحة كورونا نموذجا، مجلة كلية الشريعة والقانون بأسيوط، جامعة الأزهر، العدد (33)/ الإصدار الأول يناير 2021، صفحة (811 – 946).

المصدر: إسلام أونلاين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى