كتب وبحوث

ثورة التوابين قراءة تأريخية تحليلية عن ثورة جماعة التوابين 1من 4

ثورة التوابين قراءة تأريخية تحليلية عن ثورة جماعة التوابين 1من 4

إعداد د. هاني السباعي (مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن)

تقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.

جماعة التوابين (61 هــ – 65 هــ) هي حركة قامت بعد منتصف القرن الأول الهجري بقليل وكان قادتها ومعظم أعضائها من العباد والزهاد وأهل الصلاح والتقوى الذين كانوا يشايعون آل البيت، ونود أن ننبه قبل أن نشرع في هذه الدراسة أن نشير إلى أنه لا يكاد يخلو كتاب من كتب التاريخ الإسلامي إلا ويذكر أنهم جماعة من الشيعة سموا أنفسهم بالتوابين لشعورهم بالندم والتقصير في نصرة آل البيت كما سنذكر إن شاء الله. لكن ننبه على أن المقصود بالشيعة في هذه الفترة؛ هم الذين كانوا يناصرون ويشايعون علي بن أبي طالب وآل البيت رضي الله عنهم حيث لم يكن قد ظهر مصطلح التشيع والشيعة بالمعنى الانحرافي الموجود حاليا؛ فأمير هذه الجماعة صحابي اسمه سليمان بن صُرَد رضي الله عنه، وكان من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآل بيته. فالتوابون ليس لهم صلة بشيعة هذا الزمان، لقد تطور لفظ ((الشيعة)) من معنى لغوي عام إلى معنى انحرافي عقدي خاص، وذلك على مدار فترات زمنية لاحقة على مقتل قادة ومعظم جيش التوابين وانتهاء حركتهم في عين الواردة 65 هــ.

وستكون دراستنا لهذه الجماعة من خلال إلقاء الضوء على النقاط التالية:
أولاً: متى وكيف ظهرت جماعة التوابين.

ثانياً: أبرز دعاتهم.
ثالثاً: منهج وأهداف هذه الحركة.
رابعاً: قتالهم لجند الشام.

خامساً: أسباب الفشل.

سادساً: أقوال أهل العلم فيهم.
سابعاً: صفوة القول.

أولاً: متى وكيف ظهرت جماعة التوابين

لقد ثبت تاريخياً أن الحسين رضي الله عنه تسلم من أهل الكوفة مائة وخمسين كتاباً من جماعات قد بايعته وحضته على الخروج على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. ولكن قدر الله نفذ حيث خذل الشيعة الحسين رضي الله عنه. ويذكر لنا ابن جرير الطبري كيف ومتى قاموا، يقول: “لما قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، ورجع ابن زياد من معسكره بالنُخَيلَة، ودخل الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيراً، بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته، ومقتله إلى جنبهم ولم ينصروه، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله أو القتل فيه”[1]

هكذا نجد أن حركة التوابين ظهرت بعد منتصف القرن الأول الهجري بقليل، وبمعنى أدق (من 61 هــ إلى 65 هــ) وكانت بداية تكوين هذه الجماعة مدينة الكوفة، ثم انضم إليهم خلق كثير من البصرة وخرسان والمدائن. وسميت بهذا الاسم (التوابين) لشعورهم بالندم والتهاون في نصرة الحسين بن علي رضي الله عنه بعد أن أرسلوا إليه كتباً يطالبونه بالخروج ووعدوه النصرة، ولما خرج الحسين رضي الله عنه في كربلاء 61 هــ خذلوه ولم يخرجوا للقتال، فقتل الحسين رضي الله عنه. لذلك قالوا لأنفسهم: لن يقبل الله توبتكم إلا بقتل قَتلة الحسين، وتنصيب خليفة من آل البيت، ومن ثم لن يتحقق هدفهم إلا بتكوين جماعة وتعيين أمير لهم حتى تكون لهم شوكة وقدرة على قتال عدوهم.

الأطوار التي مرت بها جماعة التوابين

الطور الأول – الدعوة السرية:

وبدأت هذه المرحلة عقب مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء 61 هــ. وكان قادة التوابين يتنقلون من بيت إلى بيت، وفي تكتم شديد يحرضون الناس على الانضمام إليهم للثأر بدم الحسين رضي الله عنه. وكانت هذه المرحلة للإعداد وأخذ العهود والمواثيق.


الطور الثاني – الجهر بالدعوة والخروج للقتال:

وتبدأ هذه المرحلة من منتصف عام 64 هــ إلى أن خرجوا لقتال جند الشام في ربيع الآخر 65 هــ.

ثانياً: أبرز دعاة جماعة التوابين

يقول الطبري عن اجتماعهم الأول: “ففزعوا (يقصد التوابين) بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة إلى سليمان بن صُرَد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسيّب بن نجبة الفزاري، وكان من أصحاب علي (بن أبي طالب) وخيارهم، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال، وإلى رفاعة بن شداد البجلي. ثم إن هؤلاء الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد، وكانوا من خيار أصحاب علي، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم”[2]

وكان القادة الخمسة سادة وأشراف أهل الكوفة، وكانت أعمارهم تتراوح ما بين الستين والسبعين عاماً، وكان عمر أميرهم سليمان بن صُرَد رضي الله عنه يومئذ 93 عاماً.

ثالثاً: منهج التوابين

يتضح منهج التوابين وهدفهم من خلال بعض خطبهم ورسائلهم، نختار منها رسالة أميرهم سليمان بن صُرَد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان: “بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن صُرَد إِلى سعد بن حذيفة ومن قِبلَه من المؤمنين. سلام عليكم، أمَّا بعد؛ فإن الدنيا دارٌ قد أدبر منها ما كان معروفاً، وأقبل منها ما كان منكراً، وأصبحت قد تشنّأتْ إِلى ذوي الألباب، وأزمع بالترحال منها عباد الله الأخيار، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله. إنّ أولياءَ من إخوانكم، وشيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دُعي فأجاب، ودعا فلم يُجب، وأراد الرجعة فحُبس، وسأل الأمان فمنع، وترك الناس فلم يتركوه، وعادوا عليه فقتلوه، ثم سلبوه وجردوه ظلماً وعدواناً غراً باللَّه وجهلا، وبعين الله ما يعملون، وإلى الله ما يرجعون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

فلما نظر إخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أنْ قد خطئوا بخذلان الزكي الطيب، وإسلامه وترك مواساته، والنصر له خطأً كبيراً ليس لهم منه مخرج ولا توبة، دون قتل قاتليه، أو قتلهم، حتى تفنى على ذلك أرواحهم، فقد جدّ إخوانكم فجدوا، وأعدوا واستعدوا، وقد ضربنا لإخواننا أجلا يوافوننا إليه، وموطناً يلقوننا فيه، فأما الأجل فغرة شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وأما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنُخَيلَة. أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا، وإلا وقد رأينا أن ندعوكم إِلى هذا الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون، ويظهرون لنا أنهم يتوبون، وإنكم جُدراء بتطلاب الفضل، والتماس الأجر، والتوبة إِلى ربكم من الذنب، ولو كان في ذلك حزّ الرقاب، وقتل الأولاد، واستيفاء الأموال، وهلاك العشائر، ما ضرَّ أهل عذراء الذين قاتلوا ألا يكونوا اليوم أحياء عند ربهم يرزقون، شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين، فأثابهم ثواب الصابرين (..) وما ضرّ إخوانكم المقتَّلين صبراً، الـمُصلَّبين ظلماً، والممثَّل بهم، المعتدى عليهم، أَلا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد خُير لهم فلقوا ربهم، ووفاهم الله إِن شاء الله أجرهم، فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضراء وحين البأس، وتوبوا الى الله عن قريب، فو الله انكم لأحرياء ألا يكون أحد من إخوانكم صبر على شيء من البلاء، إرادة ثوابه إلا صبرتم التماس الأجر فيه على مثله، ولا يطلب رضاء الله، طالبٌ بشيء من الأشياء ولو أنه القتل إلا طلبتم رضا الله به. إن التقوى أفضل الزاد في الدنيا، وما سوى ذلك يبور ويفنى، فلتعزف عنها أنفسُكم ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم، وجهاد عدو الله وعدوكم، وعدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين، أحيانا الله وأحياكم حياة طيبة، وأجارنا وإياكم من النار، وجعل منايانا قتلاً في سبيله على يديْ أبغض خلقه إليه وأشدهم عداوة له؛ إنه القدير على ما يشاء، والصانع لأوليائه في الأشياء. والسلام عليكم”[3].

وفي خطبته إلى جموع التوابين يقول ابن صُرَد: “إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا، ونمنّيهم النصر، ونحثّهم على القدوم، فلما قدموا ونَيْنا وعجزنا، وادّهنا، وتربصنا، وانتظرنا ما يكون حتى قُتل فينا ولَدُ نبيّنا وسلالتُه وعُصارتُه وبَضعةٌ من لحمه ودمه، إذ جعل يستصرخ فلا يُصرَخ، ويسأل النّصف فلا يُعطاه، اتخذه الفاسقون غرضاً للنبل، ودرّية للرماح حتى أقصدوه، وعدَوْا عليه فسلبوه. ألاّ انهضوا فقد سخط ربُّكم، ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا مَن قتله، أو تُبيروا. ألا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرؤ قطّ إلا ذلّ”[4]

نستخلص من كلام ابن صُرَد رضي الله عنه النقاط التالية:

1- نلاحظ أنه لم يكن لدى التوابين أي منهج أو حتى برنامج بالمعنى الدقيق لهذين التعبيرين بالمعنى الاصطلاحي الحديث. فهي جماعة شعرت بالتقصير والندم وترغب في التوبة الخالصة، ولن يكون ذلك إلا بقتل قتلة آل البيت أو القتل في ذلك.

2- نلاحظ أن كلام أمير التوابين يعتمد على جلد الذات التي فرطت في نصرة نجدة الحسين رضي الله عنه، وأن الباعث على تكوين هذه الجماعة هو الثأر لدم الحسين رضي الهه عنه، بل هو سبب قيامهم وخروجهم على السلطة الحاكمة، كما أن هناك هدفا آخر لخروجهم هو إعادة الإعتبار لآل البيت وأحقيتهم بالخلافة دون غيرهم.

3- لم يكن في خطة التوابين تكتيكات عسكرية أو مناورات أو مناوشات بالمفهوم العسكري، ولا حتى مفهوم الكر والفر، فخروجهم من أجل أن يقتلوا قتلة الحسين رضي الله عنه، أو يقتلوا حتى يتوب الله عليهم ويرضى عنهم. أما في حالة النصر فإنهم يريدون تنصيب خليفة من آل البيت والذي يؤكد ذلك اطلاعنا على رسائل أخرى ذكرها الإخباريون عنهم.

4- اعترافهم بمكاتبة الحسين رضي الله عنه وحضه على القدوم لهم ليبايعوه وينصروه. واقرارهم بخذلان آل البيت.

5- تحديد زمن الخروج بغرة ربيع الآخر 65 هـــ. وتعيين المكان بالنُخَيلَة. وقد تم تغيير هذا المكان فيما بعد إلى ((عين الوردة)) بعد نصيحة والي قرقيسيا لهم لأهمية هذا الموقع من الناحية العسكرية.


[1]  تاريخ الطبري 5/522 – دار المعارف – القاهرة

[2]  تاريخ الطبري 5/552

[3]  تاريخ الطبري 5/555

[4]  تاريخ الطبري 5/554

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى