كتاباتكتابات مختارة

(ثم أوحينا إليكَ أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)

بقلم أ. أسامة شحادة

أركان الإيمان في الإسلام ستةٌ، منها الإيمان بالرسل والأنبياء كافة لقوله تعالى: “إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا* ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلّم الله موسى تكليما* رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما” (النساء: ١٦٣- ١٦٥).

وكما تنص الآية الأخيرة فإن غاية إرسال الله عز وحل للرسل والأنبياء هي هداية البشرية للدين الحق في الدنيا والسبيل الموصلة للجنة في الآخرة، وبما يسقط احتجاجهم بعدم المعرفة عندما يحاسبهم الله عز وجل خالقُهم ومالكُهم.

وقد صرح القرآن الكريم بشكل جلي بأن دين جميع الأنبياء هو الإسلام فقال جل وعلا: “إن الدين عند الله الإسلام” (آل عمران: ١٩)، وبذلك صرح جميع الرسل والأنبياء، فقال نوح عليه الصلاة والسلام: “وأُمرت أن أكونَ من المسلمين” (يونس: 72)، وقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: “أسلمتُ لرب العالمين” (البقرة: 131)، ووصّى به إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام أبناءهما: “فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون” (البقرة: 13٢)، وموسى عليه الصلاة والسلام يقول لقومه: “يا قومِ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” (يونس: ٨٤)، والحواريون أنصار عيسى عليه الصلاة والسلام يقولون له: آمنا بالله واشْهد بأنا مسلمون” (آل عمران: 52).

ولما كان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام مكانة عظيمة عند الله عز وجل حيث بلغ مرتبة كونه الخليل “واتخذ الله إبراهيم خليلا” (النساء: ١٢٥)، والمقصود بكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن أي أنه كامل المحبة لله عز وجل وأنه مختص بالرحمن جل جلاله، ومنزلة خليل الرحمن يشترك فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال:  سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموتَ بخمس وهو يقول: “إني أَبْرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، وإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنتُ متخذاً من أُمَّتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلا” رواه مسلم، ولذلك من الأخطاء الشائعة تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بحبيب الرحمن والصواب أنه خليل الرحمن، لأن الخلة مرتبة أعلى بكثير من المحبة.

وإبراهيم عليه الصلاة والسلام جعله الله عز وجل إماما للبشرية “إني جاعلك للناس إماما” (البقرة: ١٢٤) ولهذا هو أبو كل الأنبياء الذين جاؤوا بعده، فهم إما من نسل ابنه اسحاق والد يعقوب/ إسرائيل الذي جاءت كل أنبياء بني إسرائيل من نسله، أو من ابنه إسماعيل الذي من ذريته كان خاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

من هنا فإن كل الأديان السماوية تنتسب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لكن الله عز وجل بيّن في القرآن الكريم بيانا تاما كاملا أن دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الإسلام، وأمر باتباعه فقال تعالى: “ثم أوحينا إليكَ أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين” (النحل: ١٢٣)، فدين إبراهيم “الحنيفية” وهي الإسلام، ونفى الله عنه الشرك، ثم لما زعم اليهود والنصارى المتأخرون في الزمان عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه منهم نفى الله عز وجل ذلك بكل صراحة ووضوح فقال جلّ مِن قائل: “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين” (آل عمران: ٦٧).

والقرآن الكريم -وبوصفه كلام الله عز وجل والرسالة الخاتمة لكل ما سبقها من الرسالات- أمَر باتّباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحنيفية، وهي الإسلام، ونفى عنه الشرك واليهودية والنصرانية، وقد تكرر هذا النفي والمعنى في آيات أخرى منها قوله جل شأنه: “وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قُل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين” (البقرة: ١٣٥).

وكيف يكون إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يهوديا أو نصرانيا وهو قبل اليهودية والنصرانية من الناحية الزمنية “يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون” (آل عمران: 65)، ودين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودعوته تخالف ما عليه اليهود والنصارى فالله عز وجل يقول: “وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولُعِنوا بما قالوا” (المائدة: ٦٤)، وقوله تعالى: “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة” (المائدة: ٧٣).

ويصف القرآن الكريم أعظم أعمال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودعوته ومهمته بقوله تعالى: “وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود* وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” (الحج: 26-27)، وحج البيت في مكة مما ينفرد به الإسلام لليوم مما يثبت العلاقة الحقيقية والممتدة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويؤكد هذه العلاقة الوثيقة قوله تعالى أيضاً: “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وأفعلوا الخير لعلكم تفلحون* وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيد عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير” (الحج: 77-78)، ويفصل الله عز وجل في القضية بقوله تعالى: “إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين” (آل عمران: 68).

ومن هنا؛ فإن أي دعوى اليوم أو في الماضي أو في المستقبل تسبغ على إبراهيم عليه الصلاة والسلام صبغة سوى صبغة الإسلام والحنيفية هي دعوى باطلة بل تصل لحد معارضة صريح القرآن العظيم وتنسب خليل الرحمن للشرك والكفر والعصيان، والعياذ بالله، وهذا بابُ شر عظيم يُخرج المسلم عن دينه لأنه يطعن بالوحي الرباني وينقض إيمانه بركنٍ من أركان الإيمان بجعله أبا الأنبياء مشركا ضالا!

وفي الختام فتحريف دين إبراهيم عليه السلام وملّته مؤامرة قديمة ومتكررة يمكن الاطلاع على تاريخها وخطورتها في كتاب العلامة بكر أبو زيد “الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان”.

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى