كتب وبحوث

تطبيق الاشتراكيَّة في دار الإسلام: أسبابه وتداعياته المؤسفة 3 من 10

تطبيق الاشتراكيَّة في دار الإسلام: أسبابه وتداعياته المؤسفة 3 من 10

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

بداية الحركة النَّاصريَّة

بدأ تطبيق المنهج النَّاصري في الاشتراكيَّة في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952م، والإطاحة بالنّظام المَلَكي الإقطاعي، وقد سارَع عبد النَّاصر بتأسيس (هيئة التَّحرير) في يناير 1953م، وكانت عبارة عن هيئة سياسيَّة اتَّخذت لها شعار “الاتّحاد والنّظام والعمل”، وكانت مبادئها: القضاء على الاستعمار في مصر والسُّودان، التي لم تكن قد انفصلت عن مصر حينها؛ وتوفير حياة كريمة للشَّعب؛ وتأسيس مجتمع جديد على الايمان بالله والإخلاص للوطن وتعزيز الثّقة بالنَّفس وتوعية النَّاس. جاءت بعد ذلك مرحلة الاتّحاد القومي، الذي أُسّس في نوفمبر 1957م، لخدمة مبادئ الثَّورة وأهدافها. تحوَّل الاتّحاد القومي إلى الاتّحاد الاشتراكي العربي في مايو 1962م. ويظهر في الصُّورة التَّالية مقر الاتّحاد الاشتراكي العربي، أو بمعنى أوضح مقر الحزب الوطني الدّيموقراطي الذي أقيم على أنقاضه في يوليو 1978م، في وسط القاهرة، حيث يوجد المتحف المصري، والجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة، ومجلسي الشَّعب والشُّورى، ومجلس الوزراء، والسَّفارتان الأمريكيَّة والبريطانيَّة على بُعد أمتار قليلة. وظلَّت سياسات الحزب الحاكم تُصاغ فيه حتَّى أُحرق في 28 يناير 2011م، اليوم المعروف بـ “جمعة الغضب”، رابع أيَّام ثورة 25 يناير التي أطاحت برأس النّظام في 11 فبراير 2011م.

مقر الحزب الوطني الدّيموقراطي المنحل-الاتحاد الاشتراكي العربي سابقًا

وكما تقول الدُّكتورة بثينة التَّكريتي، تركَّزت أهداف تلك المرحلة على “السَّعي الحثيث لبناء مجتمع جديد، واقتصاد جديد قائم على التَّصنيع” و “القضاء على التَّخلُّف والتَّبعيَّة” و “فرْض سيطرة الشَّعب على المصالح والاحتكارات الأجنبيَّة في وتأميمها” (ص179). ينقلنا الحديث عن التَّأميم إلى أمر هام، هو القوانين الاشتراكيَّة التي أصدرتها مصر النَّاصريَّة في يوليو 1961م، قبيل تدشين الاتّحاد الاشتراكي، وبمقتضاها أصبحت جميع البنوك وشركات التَّأمين و194 شركة صناعيَّة وتجاريَّة كبرى ملكًا للدَّولة. كان ذلك بعد إصدار قانون الإصلاح الزّراعي في 9 سبتمبر 1952م، الذي اقتضى تحديد ملكيَّة أصحاب الأراضي الزّراعيَّة لما لا يزيد على 200 فدَّان، لتتوالى تعديلات القانون حتَّى حُدّدت الملكيَّة بـ 50 فدَّانًا فقط، على أن توزَّع الأراضي المصادَرة على فقراء الفلَّاحين. وتعتبر التَّكريتي أنَّ الاشتراكيَّة النَّاصريَّة تتميَّز عن الاشتراكيَّة الماركسيَّة واللينينيَّة، من حيث بعدها عن “ديكتاتوريَّة البروليتاريا، والمادَّة التَّاريخيَّة، وإلغاء الملكيَّة الفرديَّة، والموقف من الدّين”؛ حيث تجد النَّاصريَّة “مزيجًا من الاشتراكيَّة الوطنيَّة (المصريَّة الفلَّاحيَّة) واشتراكيَّة تيتو، ومفاهيم نهرو وسوكارنو، خصوصًا فيما يتَّصل بتأميم المؤسّسات والمشاريع الاحتكاريَّة الإمبرياليَّة” (ص191).

تأثير الصّراع مع الصُّهيونيَّة على الحركة النَّاصريَّة

تعتقد الدُّكتورة بثينة التَّكريتي أنَّ الصّراع مع إسرائيل والحركة الصُّهيونيَّة كان له أثره في تشكيل الفكر النَّاصري، خاصَّةً مع رفْض عبد النَّاصر الوجود الصُّهيوني في العالم العربي، ومعارضته التَّفاوض مع إسرائيل، التي وصفها بـ “الجسم الغريب المُعادي وسط الوطن العربي” (ص247). يتجلَّى تأثير الصّراع مع الصُّهيونيَّة في إصرار عبد النَّاصر على الوحدة القوميَّة العربيَّة، وقد اعتبر أنَّ وجود إسرائيل حال دون اكتمال الوحدة العربيَّة، الذي ما كان له أن يحدث في ظلّ وجود أنظمة رأسماليَّة مستغلَّة في العالم العربي. كان لاعتناق عبد النَّاصر الفكر الاشتراكي دوره في تأجيج الصّدام بينه وبين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، رغم ما يُشاع عن تأييد الولايات المتَّحدة لثورة يوليو؛ لدرجة أنَّ المفكّر الإسلامي محمَّد جلال كشك قد وصف ثورة 23 يوليو بالأمريكيَّة، في عنوان أحد كتبه، هو ثورة يوليو الأمريكيَّة: علاقة عبد النَّاصر بالمخابرات الأمريكيَّة (1988م). على أيّ حال، نجح عبد النَّاصر في حصْد الدَّعم من العملاقين الاشتراكيين، الصّين والاتّحاد السُّوفييتي، وبخاصَّة في التَّزوُّد بالسّلاح.

قاوم عبد النَّاصر، كما تنقل الباحثة، فكرة الحرب مع إسرائيل، لكنَّه حرِص على وحدة الصَّف العربي في مواجهة استفزاز تحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن عام 1964م، بعقده مؤتمر القمَّة العربيَّة الثَّاني في مصر، في مدينة الإسكندريَّة، متمسّكًا بمنهجه الفكري في الصّراع مع الكيان المغتصب، والقائم على “ضبط النَّفس، وعدم الانجرار إلى الحرب دون الاستعداد التَّام لها، والمزيد من التَّسلُّح بالأسلحة الحديثة واستيعابها، والمزيد من توحيد الصَّف العربي” (ص256). غير أنَّه رغم ذلك، وكما ترى الباحثة، استطاعت القوى الاستعماريَّة طعْن زعيم العروبة في ظهره، بالتَّنسيق مع “الأنظمة الرَّجعيَّة”، والمقصود بها غير الاشتراكيَّة، أي دول الخليج وباقي الأنظمة وراثيَّة الحُكم في العالم العربي، و “تجميد التزامات هذه الأنظمة تجاه مؤسَّسات مؤتمر القمَّة العربي” (ص260). أدَّى ذلك إلى طيّ صفحة المؤتمرات القوميَّة، وكذلك إلى تصعيد الأحداث التي آلت إلى “توريطه”، أي عبد النَّاصر، في “حرب كارثيَّة” (ص260). استنكر عبد النَّاصر بـ “الرجعيَّة العربيَّة” في خطاب جماهيري بتاريخ 23 ديسمبر 1966م، أدان فيه “دسائسها وتواطؤاتها الخيانيَّة”، متخَّذًا قراره بتأجيل القمَّة العربيَّة إلى إشعار آخر (ص261). ومع تصاعُد الأحداث على الجبهة السُّوريَّة، وشنّ إسرائيل غاراتها على حدودها مع سوريا والأردن، أصبح من الضَّروري اتّخاذ موقف رادع ضدَّ التَّهديدات الإسرائيليَّة، ممَّا استدعى التَّنسيق العربي المشترك.

ويتلخَّص رأي الباحثة في تعامُل عبد النَّاصر مع “انتكاسة” يونيو كما يلي (ص321):

لقد استطاع عبد النَّاصر، فكرًا وقيادةً وثورةً ودولةً، أن يواصل تحدّي الامبرياليَّة والصُّهيونيَّة والرَّجعيَّة. والحقُّ أنُّه استطاع، بمقاومته القياديَّة التَّاريخيَّة، أن يكون ‘‘تعبيرًا عن القوميَّة العربيَّة’’ في فترة الخمسينيَّات-السّتّينيَّات من القرن العشرين. وينبغي التَّذكير بمقولته الَّتي أثبتها هيكل ‘‘إنَّني مجرَّد تعبير عن القوميَّة العربيَّة في مرحلة من المراحل’’. وكانت مرحلته قائدًا ورمزًا للثَّورة العربيَّة. وكان عبد النَّاصر في محنته، وفي فترة استئنافه القيادة يؤكّد، مدعومًا بالحقائق والوقائع التَّاريخيَّة، وليس بالإرادة الذَّاتيَّة وحدها، أنَّ الأمَّة العربيَّة تمتلك مقوّمات التَّحرير، وأنَّها ‘‘سوف تتعلَّم من كلّ ساعة من ساعات الأزمة أكثر وأعمق ممَّا تتعلَّمه من سنة من سنوات الرَّخاء…ذلك لا غنى عنه، ولا بديل عنه؛ لأنَّه طريق الأمَّة العربيَّة الوحيد إلى الحياة وإلى شرف الحياة’’. وقد استطاع عبد النَّاصر، في النّهاية، وضْع برنامج واقعي معتمَد لمجابهة العدوان.

وكانت أولى خطوات “البرنامج الواقعي” لمعالجة الأزمة هي كشف الحقائق، والتي كان على رأسها التَّناقض بين مبادئ الثَّورة وأدوات تطبيق تلك المبادئ؛ فقد اكتشف عبد النَّاصر أنَّه أراد تطبيق الاشتراكيَّة من خلال أشخاص لا يؤمنون بها، وهذا ما فتح المجال أمام مراكز القوى لكي تعبث بمقدَّرات الأمَّة.

تعريف شامل للنَّاصريَّة

تختتم الدُّكتورة بثينة التَّكريتي بحثها بتعريف شامل للنَّاصريَّة، بأنَّها عبارة عن “تيَّار قومي عروبي” أفضى إليه الكفاح الوطني في وجه الاستعمار والتَّدخُّل الأجنبي في شؤون العالم العربي، وأراد نفض التُّراب عن الأمَّة العربيَّة ونقلها إلى مصافّ الدُّول المتقدّمة، بعد تخلُّفها عن الرَّكب، برغم تاريخها العريق وطاقاتها البشريَّة الهائلة (ص363). تنبّه الباحثة إلى أنَّ من بين الأفكار التي حرَّكت في عبد النَّاصر الميل الثَّوري والرَّغبة في تحطيم قيود الأمَّة ما أخذه عن “آراء الأفغاني والكواكبي ومحمَّد عبده” من المفكّرين الشّرقيين، والثَّلاثة من دُعاة التَّنوير والتَّحديث، من المبتعثين إلى الجامعات الأجنبيَّة أو من أصحاب الفكر القومي المناهض للخلافة الإسلاميَّة في ذلك الحين (ص363). ومن المعروف عن هؤلاء المفكّرين، وغيرهم من روَّاد النَّهضة العربيَّة، ميلهم إلى إعادة تعريف مفاهيم الإسلام بما يساير الإيقاع الحديث، ومنهم مَن أراد إحياء فكر المعتزلة، بل وطالب فصل الشَّريعة عن نظام الحُكم. تأثَّر عبد النَّاصر كذلك بفكر كُتَّاب غربيين، على رأسهم فولتير وجون جان روسو، وتجدر الإشارة إلى تردُّد أقاويل عن انتماء الاثنين للماسونيَّة العالميَّة، وعن أنَّ أفكارهما كان تستهدف استبدال الوحي الإلهي بمفاهيم، مثل الدّيموقراطيَّة والعلمانيَّة، في تمهيد إلى تحويل العالم إلى دولة موحَّدة الفكر المنافي لمنهج الله تعالى. وترى الباحثة أنَّ قرارات عبد النَّاصر الثَّورية، وعلى رأسها قرار تأميم قناة السُّويس، أجَّجت الصّراع الدَّاخلي مصريًّا وعربيًّا، ليسفر عن “تحالُف الأضدّاد لوأد التَّجربة” (ص364).

اقترن التَّحوُّل الاشتراكي في مصر بضرورة تحوُّل كافَّة دول المنطقة إلى الاشتراكيَّة، وكان ذلك من أسباب تآمر الرَّجعيين على الرَّئيس عبد النَّاصر، الذي أراد تصدير الثَّورة، انطلاقًا من إيمانه بأنَّه “انتصار أيّ حركة ثوريَّة، وأيّ شعب ثائر في العالم، يعني انتصارًا لمصر، كما للعرب وقضيَّتهم عمومًا” (ص368). كانت الحركة النَّاصريَّة بمثابة مطرقة لنبذ الظُّلم والتّصدّي للإمبرياليَّة؛ ولا عجبَ إذًا في اعتبار أن هذا النَّهج في محاربة الاستبداد تهمةً توجّهها “مكائن الدَّعاية الغربيَّة، والرَّجعيَّة العربيَّة” (ص369).

شهادة مؤرّخ مصري معاصر عن الحُقبة النَّاصريَّة

يعتبر الدُّكتور حمادة حسني، أستاذ التَّاريخ في جامعة قناة السُّويس المصريَّة، نفسه من القلائل الذين تخصَّصوا في تأريخ المشهد المصري في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952م، وحتَّى وفاة الرَّئيس الأسبق جمال عبد النَّاصر في 28 سبتمبر 1970م؛ فقد أجرى حسني رسالته للماجستير عن التَّنظيمات السّياسيَّة لثورة يوليو (1953 -1961)، ورسالة الدكتوراه بعنوان: «الاتحاد الاشتراكي العربي» (1962 -1976)، من جامعة عين شمس، ليخلص إلى رأي يدين الحقبة ويعتبر أنَّ سلبيَّاتها فاقت أيَّ إيجابيَّات. وعن تجربته في تأريخ تلك المرحلة، صرَّح حسني لموقع الوطن بتاريخ 3 يونيو 2017م، “أثناء إعدادي لرسالتَيَّ «الماجستير والدكتوراه»، التقيت مع أغلب الضباط الأحرار، وسمعت منهم شهادات حية عن تلك الفترة وأحداثها، وهو ما حدث أيضاً مع الكثير من الشخصيات السياسية من التيارات كافة وقتئذٍ، لإيماننا بأن التاريخ هو العنصر الأساسي لتكوين الوجدان القومي للفرد والشعب، ومن واجب كل مؤرخ يعرف الحقيقة أن يصحح التاريخ لمن لا يعرفونه، أو يزوّرونه، لأن هذا التصحيح لا ينصب فقط على الماضي، بل ينصب على الحاضر والمستقبل، وفى كل ذلك يتسلح المؤرخ بأدوات ومنهج علمي صارم”.

سبق وأن أدلى حسني، صاحب كتابي عبد الناصر والتَّنظيم الطَّليعي السّري 1963-1971 (2008م) وجمال عبد الناصر ومأساة كمشيش (2011م)، بتصريحات ناريَّة في حقّ الزَّعيم الرَّاحل، نشَرها موقع صحيفة اليوم السَّابع بتاريخ 16 سبتمبر 2008م، كما يلي:

د. حمادة حسنى يكتب: ناصر.. الوجه الآخر (2)

عبد الناصر هو السبب الأساسي في حدوث الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، فحكمه تميز بغياب مقومات الدولة المدنية وعلى رأسها احترام القانون واحترام حقوق الإنسان، فالاعتقالات العشوائية كانت تقوم على الشبهة وتقارير أعضاء التنظيم الطليعي 00 وكذلك المحاكمات الصورية وتحويل نصف المجتمع جاسوساً على النصف الآخر، الأمر الذي أشاع الخوف في قلوب الشعب ومثقفيه، هذا بالإضافة إلى عمليات التعذيب الجماعية التي تعرض لها سجناء الرأي والتي لم تعرفها معسكرات النازي.

عبد الناصر مسئول عن كل ما جرى من انتهاك حقوق الإنسان والزج بعلماء مصر ومفكريها في السجون، وتسليط زبانيته عليهم، وهي مسئولية يتحملها أمام الله والتاريخ، فالنظم الديكتاتورية ليست نظما وطنية بأي حال من الأحوال. وفى كل عصور الانحطاط التي مرت بها البشرية شهد الإنسان ألواناً من التعذيب والاضطهاد لأسباب دينية أو سياسية أو اجتماعية أو فكرية، ولكنه لم يشهد أبداً تعذيباً بدون سبب إلا لشهوة التعذيب إلا في عصر عبد الناصر، وكل ذلك وصمة عار.

يصبُّ حسني لعناته على التَّنظيم الطَّليعي، وهو تنظيم سرّيّ أُسّس في ستّينات القرن الماضي، لما كانت له من تجاوزات في حقّ المواطنين، وبخاصَّة في دفْع فئة من المواطنين لكي تقدّم تقارير استخباراتيَّة عن المحيطين، ممَّا جعل “نصف المجتمع جاسوسًا على النّصف الآخر”، على حدّ تعبيره. يضيف المؤرّخ أنَّ انتهاكات الحقبة النَّاصريَّة لحقوق الإنسان لا يمكن مقارنتها بأيّ حقبة أخرى، لا سيّما إذا ما أُخذ ما ناله المعارضون، وبخاصَّة من جماعة الإخوان المسلمين، من تعذيب في المعتقلات. ويلقي المؤرّخ المعاصر اللوم على عبد النَّاصر في تسهيل “الهيمنة الأمريكيَّة والصُّهيونيَّة على المنطقة”، بل وفي التَّمهيد لهزيمة الحرب الأيَّام الستَّة (حرب يونيو 1967م) من خلال تأجيج الصّراع في اليمن في أواخر عام 1962م، الذي راح ضحيَّته ” 200 ألف يمنى و5000 جندي مصري”، لتكون نتيجة سياسية تصدير الثَّورة إلى البلدان العربيَّة المحيطة “احتلال إسرائيل النصف الآخر من فلسطين ومعه غزة والجولان وجنوب لبنان وسيناء، ومات عشرون ألف جندي مصري”.

فلم يقتصر الأمر على هذه المظالم، والتي هي في تقديرنا سبب الهيمنة التي يتحدث عنها المؤلف، فحكم عبد الناصر بالجملة كان كارثة على مصر وعلى جميع القضايا القومية التي تناولها، فقد تناول قضية وحدة وادى النيل وانتهت بانفصال السودان عن مصر، والملك فاروق حافظ تماماً على وحدة مصر والسودان، بل إن النحاس باشا كان يعلن في وجه الإنجليز “تقطع يدى ولا تفصل مصر عن السودان”، وتناول عبد الناصر قضية الوحدة المصرية السورية فانتهت بانفصال سوريا عن مصر، وتدخل في اليمن فسجن الثوار اليمنيين في السجن الحربى بالقاهرة وتسبب في قتل 200 ألف يمنى و5000 جندي مصري، وتناول قضية تأميم شركة قناة السويس فانتهت باحتلال إسرائيل سيناء وخروجها منها بثمن باهظ، هو فتح خليج العقبة للملاحة الإسرائيلية.

تناول القضية الفلسطينية عندما كانت إسرائيل تحتل نصف فلسطين فانتهت باحتلال إسرائيل النصف الآخر من فلسطين ومعه غزة والجولان وجنوب لبنان وسيناء، ومات عشرون ألف جندي مصري، ولولا حرب أكتوبر ومبادرة السلام التي قام بها الرئيس السادات لكانت سيناء محتلة حتى اليوم، ولكن بفضل جهاز الدعاية الناصري تحولت كل هذه الهزائم إلى انتصارات، وقد كانت هذه الانتصارات الموهومة هي التي يرتكز عليها المؤلف، وباقي فلول اليسار، حتى بعد أن عرف الشعب المصري والعربي حقيقتها وأصبح يدفع ثمنها غالياً.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى