تقارير وإضاءات

بريطانيا بحاجة لتحقيق عن سموم الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين

بريطانيا بحاجة لتحقيق عن سموم الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين

إعداد بيتر أوربون

ثمة خلل خطير جداً يعاني منه حزب المحافظين ورئيسة الحزب تيريزا ماي غير قادرة على معالجته.

يوم الثلاثاء أوقف حزب المحافظين أربعة عشر من أعضاء الحزب بزعم أنهم بثوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات معادية للمسلمين. لا ينبغي أن يفاجئ ذلك أحداً.

بل في هذا دليل إضافي صادم على أن لدى حزب المحافظين مشكلة عميقة جداً مع الإسلاموفوبيا، مشكلة ما فتئ الحزب ينكر لسنوات وجودها، لكن دعونا نجري تجربة ذهنية.

تجربة ذهنية

دعونا نتخيل أن زعيما في حزب المحافظين انتهك قواعد الامتياز البرلماني واتهم زورا وبهتانا من داخل قاعة مجلس العموم حاخاماً بريئاً بدعم الإرهاب.

دعونا نتخيل أن أعضاء البرلمان من حزب المحافظين قد تعودوا على كتابة تغريدات مسيئة لليهود ومعادية للسامية، وأنهم يفعلون ذلك في مأمن من المحاسبة والمساءلة. ودعونا نتخيل أن مسؤول التخطيط الاستراتيجي داخل الحزب نصح بعدم تركيز الاهتمام على أصوات “الأوغاد اليهود”.

دعونا نتخيل أن حزب المحافظين خاض حملة التنافس على منصب عمدة لندن انطلاقاً من إثارة العداوة ضد اليهود. ودعونا نتخيل أن كثيراً من أصوات المحافظين كانت معادية للسامية لدرجة السمية وأن واحداً من أشهر السياسيين في حزب المحافظين –بوريس جونسون– قد سخر علانية بيهود معينين بسبب ما يرتدونه من زي.

وبعد ذلك تتم تبرئته من كل إثم بعد تحقيق داخلي يجريه الحزب، وأن جميع الناخبين اليهود، فيما عدا قلة قليلة منهم، قد أداروا ظهورهم للمحافظين.

وأخيراً دعونا نتخيل أن حزب المحافظين كان في حالة من الإنكار التام لوقوع أي إساءات أو مخالفات.

وأن كبار الشخصيات في الحزب أصرت على أن معاداة السامية ليست مشكلة داخل حزب المحافظين، بل وتمادى بعضهم للإصرار إنها ما كان لها أن توجد لأن اليهود يشكلون في واقع الأمر تهديداً لعموم المجتمع البريطاني.

لكان المحترمون من الناس قالوا إن حزب المحافظين همجي ومريض، وأنه توجد مشكلة عميقة وسوداوية ليس فقط داخل حزب المحافظين وإنما أيضاً داخل السياسة البريطانية ككل.

من رحمة الله أن هذا غير وارد حينما يتعلق الأمر بمعاداة السامية.

العداوة للإسلام

ولكن لو استبدلنا كلمة مسلم بكلمة يهودي لبات جليا أن خللا خطيرا جدا بات يعاني منه حزب المحافظين المعاصر.

في الأسبوع الماضي أجرت منظمة “الأمل لا الكراهية” استطلاعاً للرأي كشف عن أن 49 بالمائة من ناخبي المحافظين يعتقدون بأن الإسلام لا ينسجم مع نمط الحياة البريطانية.

زاك غولدسميث، عضو البرلمان عن ريتشموند بارك، لم يعتذر أبداً عما بدر منه أثناء حملته الانتخابية لمنصب عمدة لندن، والذي أعتز بأنني أنا من فضحه عبر موقع ميدل إيستآي قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام.

ولم يتلق بوب بلاكمان، عضو البرلمان عن هاروإيست، أي عقوبة بعد أن عمل شير لبوستات معادية للمسلمين في مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للزعيم السابق لرابطة الدفاع الإنجليزية تومي روبنسون. ونفس الشيء ينطبق على نادين دوريس عضو آخر في حزب المحافظين، والتي كانت هي الأخرى قد أقرت روبنسون فيما يقول ولم يصدر بحقها أي إجراء من حزب المحافظين.

واليوم فقط علمنا أن بيتر لام، وهو عضو مجلس بلدي عن حزب المحافظين كان قد تم توقيفه داخل حزب المحافظين بعد نشره سلسلة من التغريدات المعادية للمسلمين، قرر خوض الانتخابات لعضوية المجلس البلدي عن حزب المحافظين في الانتخابات المحلية التي ستجري في شهر مايو / أيار.

من باب الإنصاف نقول إن بيتر لام كان قد أعرب عن عميق أسفه لما بدر منه من عبارات واستقال من الحزب، ولكن سماح حزب المحافظين له بالعودة من جديد يعبر ببلاغة عن عمق العداوة المؤسسية للإسلام داخل الحزب.

لم يصوت من المسلمين لحزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة سوى 11 بالمائة منهم.

دور وسائل الإعلام

لا عجب إذن أن تطالب سيدة وارسي، السياسية المسلمة الأعلى منصباً داخل الحزب، بتحقيق مستقل شامل في تفشي الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين.

وفي مقابلة مع محطة البي بي سي أجرتها معها يوم الثلاثاء، قالت وارسي إن الإسلاموفوبيا أصبحت “مؤسساتية” داخل حزب المحافظين.

وكم هو محزن أن يتم تجاهلها وإقصاؤها. وتحت ضغط من ناقديهم، يسارع نواب البرلمان من حزب المحافظين إلى الإشارة إلى وجود ساجد جاويد، المسلم، في منصب وزير الداخلية.

إلا أن ذلك عذر أقبح من ذنب، فلطالما دافع المعادون للسامية عبر التاريخ عن مواقفهم من خلال القول إن بعض أعز أصدقائهم كانوا من اليهود. فحقيقة أن إد ميليباند كان زعيماً لحزب العمال من 2010 إلى 2015 لا تشكل على الإطلاق دليلاً على عدم وجود مشكلة معاداة للسامية داخل حزب العمال.

كيف يستمر حزب المحافظين في التصرف بهذا الشكل؟ يتوجب علي أن أوجه إصبعاً إلى المهنة التي أحترفها وعلي أن أصرح بأن وسائل الإعلام البريطانية تلعب دوراً في هذا الشأن.

ما فتئت صحفنا تشن حملة ضد معاداة السامية، وهي محقة في ذلك، فمعاداة السامية شيء كريه وينبغي أن تواجه حيثما وجدت. ولكن باستثناء صحيفة الغارديان لا نكاد نجد في وسائل الإعلام الرئيسية أي حديث عن الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين.

المرعب في الأمر أن البعض ينفي وجودها تماماً. وفي المقابل هناك من يرغب في المزيد منها. ولكم ما كتبه رود ليدل في مجلة سبيكتاتور الموالية لحزب المحافظين: “رأيي الشخصي هو أنه لا يوجد تقريباً ما يكفي من الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين.” ومضى يقول: “كلمة فوبيا تعني أن تلك الوساوس والشكوك غير عقلانية، والواقع أنها عقلانية تماماً.”

تحقيق شامل

تخيل ماذا سيكون رد الفعل لو أن ليدل كتب يقول “لا يوجد تقريباً ما يكفي من معاداة السامية داخل حزب المحافظين.” لكان جلب على نفسه سخطاً في طول البلاد وعرضها. من المؤكد أن ليدل لو قام بترويج مثل هذه القذارة ضد اليهود ما كان ليجد عملاً في أي من وسائل الإعلام الرئيسية، وما من شك في أن هذا أقل ما يستحقه.

ما نحن بصدده هنا هو ازدواجية قبيحة جداً في المعايير، إنها ازدواجية معايير يرفض حزب المحافظين معالجتها.

من الواضح أن زعيمة حزب المحافظين تيريزا ماي غير قادرة على معالجة هذه المشكلة، ولهذا السبب فإن بريطانيا بحاجة ماسة الآن إلى تحقيق مستقل شامل في سموم الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى