كتاباتكتابات مختارة

المكث في الدار بين الاعتبار والاستثمار

المكث في الدار بين الاعتبار والاستثمار

بقلم الشيخ بشير بن حسن

على غرار توجه أكثر الدول إلى فرض الحجر الصحي على سكانها  ، بل وحظر كل أنواع الاجتماعات  ، بسبب تفشي وباء كورونا الذي قلب العالم بأسره رأسا على عقب ،و  في إطار محاصرة هذا الفيروس والتقليل من عدواه  عافانا الله واياكم  ، يتعين ههنا أن أتوجه بمجموعة من النصائح لي اولا ولكل من يهمه الأمر  ، ويرى في نفسه الحاجة إلى النصح ،  الى كيفية التعامل مع هذا الوضع الخطير ، و ضرورة الاعتبار من القرار في البيوت،  واستثمار هذا الوضع اللاّمألوف  ، و تحويل السلبي إلى الإيجابي مهما أمكن ذلك  ، وفي ديننا الحنيف بحمد الله كل أنواع الحلول لكل المشاكل التي تعترض الانسان ، فهو دين الشمول والكمال ، كما قال الكبير المتعال ، جل شأنه ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ( على أحد التفسيرين ) .

1 – أولا اعتبروا بالقرار في البيوت بعظمة قدرة الله عز وجل، وانه في أي لحظة يمكن أن تتغير حياتنا، فننتقل من الحرية والسعة إلى الانحباس والضيق، فهذا الانحباس داخل الدور يذكر بالخروج من الدنيا إلى الانحباس في ظلمة اللحود والقبور!! فرحماك ربنا رحماك

2 – اعتبروا  بهذا  القرار في البيوت و الشعور بشيء من الضيق  ، خاصة إذا طالت مدته ، بإخوان  لكم في الاسلام  ، قد حبسوا  و اعتقلوا  بغير حق  ، منهم علماء مصلحون  ،ودعاة مخلصون  ، ورجال صادقون  ، كما في مصر و السعودية وغيرها من بلاد المسلمين  ،  ناهيكم عن المعتقلين  عند الكيان الصهيوني  منذ سنوات طويلة واذا كنتم يا عباد الله في بيوتكم  ، وبين عوائلكم  وأسركم  ، عندكم طعامكم الذي تشتهون  ، وشرابكم الذي تتلذذون  ، و فُرُشُكم  التي تستندون  ، و هواتفكم  و شاشاتكم  التي تجعلكم  موصولين بالعالم الخارجي ، فكيف بهؤلاء الآلاف من المسجونين ؟؟ ممن لم تتوفر لهم ابسط الحقوق والمرافق الإنسانية؟؟؟ فهلاّ فكرنا فيهم، وأحسسنا بمعاناتهم؟؟؟

3 – وبعد الاعتبار نمضي الى ضرورة الاستثمار للقرار في الدار ،  فِعلا إنه ظرف غير معتاد ينبغي حسن تسييره واستغلاله  على عدة مستويات  : منها  أنها فرصة لتجديد التقارب الأسري  ، في ظل التفكك الذي نعاني منه  ، بسبب ظروف الحياة  التي مزقتنا   ، فبالأمس  ، كان الأبناء في المدارس طيلة اليوم  ، وكنا لا نراهم إلا  وقتا وجيزا   ،بل منا من لا يراهم  الا اخر الاسبوع  ، لأنه ينصرف إلى عمله وهم نيام  ، ويعود من عمله وهم كذلك  !!

ناهيكم عن الأسر التي يعمل فيها الزوجان جميعا!!

فهذه فرصة من ذهب لتقوية الرابطة الأسرية التي ضعفت أو تمزقت.

ومن ثمّ ، فإن  إغلاق المقاهي من أنفع القرارات لا أقول تصديا  لوباء كورونا فقط  ، بل هي فرصة أن يجالس  كثير من الأزواج  زوجاتهم  ، اللاتي  كنّ يعانين  الوحدة داخل البيوت إلا  بالتواصل الفيسبوكي  !! بسبب القلق والملل والفراغ!! فهذه فرصة لتقوية المودة بين الأزواج، والحذر الحذر من تحويلها إلى فترة للخلافات والصراعات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه!!

ولذا النصيحة المبذولة لي ولكم إخواني وأخواتي، تحلوا بالصبر ما استطعتم، وتذكروا أن من شيَم الكرام خلق التغافل!! أي إسقاط اللحظ والمتابعة والمحاسبة على كل كلمة تقال، واذكروا قول ربكم عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن من ازواجكم واولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)، قابلوا الخطأ (الأمر للرجال والنساء)، بالعفو والصفح والمغفرة!!

كذلك الشأن في التعامل مع الأبناء.

4 – استثمروا هذا القرار في البيوت، الازدياد من طاعة الله، فهو وقت فراغ ، فلا يجوز أن نغبن فيه ، أي أن لا نستثمره  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) رواه البخاري.

والغبن هو عدم استغلال النعمة!

لا تنسوا أن تصلوا الصلوات الخمس جماعة مع زوجاتكم وأبنائكم، وأذنوا في بيوتكم إن كنتم تسكنون بلدا لا يرفع فيها الأذان كما في أوروبا، أما إذا كنتم في بلاد المسلمين فلا حاجة لذلك بما أن الأذان يرفع في المساجد وإن علقت صلاة الجماعة والجمعة فيها.

انكبوا على المصاحف، وليكن لنا ورد من كتاب الله تعالى، بقراءة جزء على الأقل يوميا (حزبان).

وهي أيضا فرصة للقراءة فيما ينفع، فالقراءة هي دواء الملل والقلق و “الستراس ” الذي يعاني منه الكثيرون.

5 – احذروا من الإسراف  في الأكل والشرب  ، فالمطعومات  قد نصل إلى فترة ستقل  وتعز  فيها  ، فلا مجال الآن  لإلقاء نعمة الله في النفايات  .

6 – احذروا  السمنة المتوقعة !!   ، بسبب كثرة الأكل  وقلة الحركة  فإن  السمنة مذمومة  من حيث الأصل في الاسلام  ،اذا كانت نتيجة الإهمال  و الإكثار  من الأكل  ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم  ثم يأتي قوم من بعدهم يشهدون  ولا يستشهدون  و ينذرون ولا يوفون  ويكثر  فيهم السِّمن ) رواه البخاري ومسلم  .

7 – أنصح نفسي وإياكم  بالحركات الرياضية في البيت أو في الحدائق  أو البرية  ،بعيدا عن الناس ، محافظة على قوة الأبدان،  فإن  العقل السليم في الجسم السليم ، وكم من الأمراض والأسقام التي هي نتيجة قلة الحركة وتراكم  الدهون في الأبدان  !!.

(والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف) كما جاء في الحديث الصحيح.

8 – تضامنوا وتراحموا، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، فالعالم باسره الآن  في حاجة أن يتراحم  الناس في ما بينهم  ، وأن يظهر الحس الإنساني  الراقي ، بالمعاونة  والتآزر ، فلا للاحتكار  ، ولا للغبن  ، ولا للفوضى  ، ولا للأنانية  وحب الذات.

وفي الأخير أكثروا من دعاء الله تعالى والتضرع له بأن يكشف الله عنا ما نحن فيه، و وعوا قول ربكم (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).

(ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين).

(وما أريد أن اخالفكم لما أنهاكم عنه وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى