كتب وبحوث

المعتَقد الدِّيني وتشكيل السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: جيمي كارتر نموذجًا 6 من 7

المعتَقد الدِّيني وتشكيل السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: جيمي كارتر نموذجًا 6 من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

تناولت ديبا كومار في كتابها Islamophobia and the Politics of Empire-الإسلاموفوبيا وسياسات الإمبراطوريَّة (2012) علاقة صورة المسلم الإرهابي بمجموعة من الممارسات الدَّاعمة لهيمنة الحضارات السائدة في صراع القوَّة بين الشرق والغرب. يشكِّل الإسلاموفوبيا أيديولوجيَّة تقبَّلها الفكر العام فيما يُعرف بـ “الحرب على الإرهاب”، وأصبحت تتحكَّم في طبيعة النظرة الغربيَّة للمسلمين. تقوم هذه الأيديولوجيَّة على مجموعة من الأفكار السلبيَّة السائدة عن المسلمين، تصمهم بالعنف وكراهية المرأة وفقدان الرُّشد. وترى كومار أنَّ الولايات المتَّحدة، التي خرجت من الحرب العالميَّة الثانية إحدى أهم القوَّتين المهيمنتين في العالم، استفادت كثيرًا من نشر الفكر السلبي تجاه البلدان التي تقع تحت سيطرتها؛ للحفاظ على موقعها الريادي، ودحر أيِّ قوَّة صاعدة تهدِّد موقعها. وتفترض كومار في مقالها ” Constructing the Terrorist Threat: Islamophobia, The Media & The War on Terror-صناعة التهديد الإرهابي: الإسلاموفوبيا، والإعلام، والحرب على الإرهاب” (2017)، أنَّ “التهديد الإرهابي” صُنع بالقصد لخدمة “أهداف وغايات شتَّى” (ص63).
يتمثَّل تنظيم الدولة الإسلاميَّة في العراق والشام (داعش) حاليًا العدو الأمثل للغرب، وأصبحت إصابته لأهداف غربيَّة تمنح التدخُّل الغربي في العالم الإسلامي المشروعيَّة، مع ما تثير اعتداءات التنظيم من مخاوف، خاصَّة مع الدور الذي يلعبه الإعلام في إبراز هجمات التنظيم، برغم وقوع معظم تلك الهجمات في العالم الإسلامي، وأنَّ ضحاياها من المسلمين. تضيف كومار ملاحظة في غاية الأهميَّة، وهي أنَّ مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تصنِّف الأسباب الأساسيَّة المؤدية إلى الموت في أمريكا، ويأتي السرطان والأمراض التنفُّسيَّة والزهايمر والانتحار على رأسها؛ ومع ذلك، تُنفق تريليونات الدولارات على الحرب على الإرهاب. وتقول كومار “لو كان الهدف هو الحفاظ على أمن الأمريكيِّين، لوجِّهت هذه الأموال تأسيس نظام مجَّاني للرعاية الصحيَّة وخلق فرص عمل” (ص64).
الوجه الآخر لجهود كارتر لنشر “السَّلام”
في مقال عنوانه “مبادرة كارتر: أسلوب جديد للتَّنصير”، نشرته مجلَّة البيان في عددها 48، في فبراير من عام 1992 ميلاديًّا، تناول د. حسن علي أحمد جهود الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، وزوجته من أجل السلام، معتبرًا إيَّاها ستارًا يخفي هدفًا آخر، وهو التَّنصير، وفي ذلك يقول “التَّنصير، أو ما يُسمَّى تدليسًا التبشير”، كان دافع الرئيس الأسبق، الذي لم يخفِ سعيه لنشر كلمة الربِّ، لتأسيس مركزه “الذي لاقت أعماله نجاحًا ودعمًا كبيرًا من جمعيَّات التَّنصير العالميَّة” (ص25). يتعرَّض كاتب المقال لم سبق تناوُله في المقال السابق، عن تغيُّر أساليب التَّنصير في العصر الحديث، بتغيير نمط المبشِّرين، من خلال توظيف دارسين وباحثين ومثقَّفين في هذه العمليَّة، التي كانت في السابق حكرًا على رجال اللاهوت المسيحي.
يشير حسن علي أحمد إلى تسليط كارتر اهتمامه على قارة أفريقيا، وبخاصَّة السودان، حيث منح دعمه لجورج قرنق، زعيم الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان، وأحد أهم المدافعين عن تقسيمه إلى دولتين. وأثمرت جهود قرنق عن انفصال جنوب السودان في دولة مسيحيَّة مستقلَّة، موالية لإسرائيل، وقد حدث ذلك عام 2011، بعد وفاة قرنق بـ 6 سنوات. وبحجَّة الإشراف على الانتخابات، تغلغل كارتر في أفريقيا، مستغلًّا إغراء المال للمساعدة في حل مشكلات القارة الفقيرة في الثروات، على حد وصفه، في تجاوُز أزماتها، مع وعود رنَّانة بإسقاط بعض الديون وتقليص نسبة الفائدة. يثير حسن على أحمد في مقاله نقطة هامَّة، وهي تعاطُف كارتر الصريح مع غير المسلمين في النزاعات العرقيَّة التي يكون المسلمون طرفًا فيها. يضرب الكاتب المثل في ذلك بالأزمة الطاحنة في ليبيريا، التي راح ضحيَّتها آلاف المسلمين، ما بين قتيل وشريد، واتَّخذ فيها كارتر موقفًا مساندًا للجبهة الوطنيَّة الليبيريَّة، وزعيمها المسيحي المتعصِّب، تشارلز تايلور، الذي صار لاحقًا رئيسًا للجمهوريَّة (1997-2003).
ويتنقد كاتب المقال تعاطُف كارتر الظَّاهري مع القارة الفقيرة، المحرومة من الكثير من الموارد اللازمة لنهضتها، معبِّرًا عن افتضاح حيلة استغلال حاجة شعوب البلدان النامية إلى المساعدات الإنسانيَّة في إدخالهم إلى حظيرة يسوع المسيح، ومتعجِّبًا من تعبير كارتر عن هذه المشاعر تجاه أفريقيا بعد ترك منصبه، بينما كان بإمكانه فعل الكثير لمَّا كان في السلطة؛ وفي ذلك يقول “في فترة حُكمه لم يزد مجموع المساعدات للقارة-جنوب الصحراء-على 250 مليونًا من الدولارات، كانت تضيع في أحسن أحوالها-وكارتر يعلم ذلك-بين قلَّة الذين يسيطرون على مقاليد الأمور هناك” (ص29).
نشرت مجلَّة البيان ذاتها، في عددها 101، الصادر في يونيو 1996 ميلاديًّا، مقالًا للباحث محمَّد الأحمري عنوانه “كارتر…من الرئاسة إلى التَّنصير”، وفيه يعلِّق الباحث على تأسيس جيمي كارتر مركزًا لخدمة المجتمع بعد تركه منصبه، أسوةً بالعديد من الرؤساء الأمريكيِّين من سابقيه، مع تميُّز مركز كارتر بطابع ديني يُعزى إلى نشأته الدينيَّة وعمله في التبشير. لا ينكر الباحث الجهود التي بذلها مركز كارتر في شتَّى بقاع الأرض لخدمة قضايا إنسانيَّة، من تقديم خدمات الإغاثة والدعم الصحي لآلاف المنكوبين، ولكنَّه يبلور حقيقة استغلال الرئيس الأمريكي الأسبق هذه المساعدات في تشجيع متلقِّيها على اعتناق المسيحيَّة.
يشير الأحمري إلى ما أطلق عليه مركز كارتر “مشروع القرن”، وهو “مشروع دعم زراعي وديني لمئة وعشرة آلاف عائلة إثيوبيَّة”، الذي يجسِّد افتراض كارتر بأنَّ “تطوير أفريقيا يجب أن يتمَّ روحيًّا وماديًّا” (ص106). ويضيف الباحث أنَّ مشروع إثيوبيا ضمن عشرات المشاريع في قارة أفريقيا، تقع في كينيا ورواندا وبوروندي وغينيا وغانا وزيمبابوي، وغيرها من بلدان العالم. يفخر كارتر بلقاءاته مع الفلاحين، ممَّن يقبلون دخول المسيحيَّة؛ فيقدِّم لهم هو الدعم الروحي، ويبني لهم الكنائس ويوزِّع عليهم الأناجيل. يدير مركز كارتر خططًا تنمويَّة في أفريقيا من خلال إقناع الإدارة الأمريكيَّة والبنك الدولي وكبرى المؤسسات الماليَّة، بتقديم المساعدات الماليَّة إلى البلدان الناميَّة من خلال مركزه التَّنصيري، وتتولى الكنائس التي يبنيها إدارة مشروعات التنمية (ص107).

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى