كتب وبحوث

المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لأمن إسرائيل 3 من 8

المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لأمن إسرائيل 3 من 8

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

موقع العراق في الصّراع الصُّوري بين إيران وأمريكا

يثير السَّيّد أحمد مسألة هامَّة بشأن أبعاد الصّراع الزَّائف بين دولة الملالي، قائد معسكر الممانعة، والشَّيطان الأكبر، وهي دور العراق في ذلك الصّراع، الَّذي لم يتجاوز يومًا حدود التَّهديدات المتبادَلة. سبقت الإشارة إلى أنَّ إيران كانت أكبر مشجّعي أمريكا على غزو العراق عام 2003م، وأصبحت أكبر المستفيدين من إسقاط نظام صدَّام حسين، بأن صار النُّفوذ الشّيعي هو الأوسع مع اختيار أحد المواطنين الشّيعة لرئاسة الحكومة. يرصد المفكّر السّياسي حرْص المسؤولين العراقيين على التَّصريح بين الحين والآخر، منذ اغتيال سليماني، بأنَّ العراق لن يسمح باستخدام أراضيه قاعدةً لاستهداف دول الجوار. ليس بجديد القول بإنَّ السُّلطات الحاكمة لا تملك اتّخاذ قرار، بغير رضا الاحتلال الأمريكي ومباركته، لكنَّ ذلك لم يثنِ كبار مسؤولي العراق عن التَّصريح بأنَّ أراضيه لم تكون ساحة اقتتال بين أمريكا وإيران. ويتساءل السَّيّد أحمد عن سبب تلك الحميَّة الَّتي أخذت مسؤولي العراق للتَّصريح بذلك، وقد استُخدمت أراضي العراق من قبل “قاعدةً للعدوان على سوريا وعلى اليمن وعلى السَّعوديَّة” (صـ163). لا يمكن تسفير تلك التَّصريحات إلَّا بأنَّها مجرَّد فرقعات إعلاميَّة تثير إعجاب المغيَّبين من أبناء الأمَّة، وتحفظ للعراق ما بقي من كرامة بعد ما تجرَّعه من ذُل وقهْر على يد التَّحالف الصُّهيوني-الصَّفوي.

قد لا يكون التَّصريح الرَّسمي من كبار مسؤولي العراق تضليلًا أو كذبًا، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أنَّ العراق لن يكون قاعدة لضرب إيران؛ فالعراق، في حالة اندلاع حرب، سيكون ساحة للاقتتال، وليس لشنّ الهجوم. يوضح السَّيّد أحمد أنَّ العراق والشَّام كانا في الأزمنة القديمة ساحة اقتتال الفُرس والرُّوم، ويعيد التَّاريخ نفسه اليوم فيما يجري بين دولة الملالي، قائدة الجناح الصَّفوي للمؤامرة على الإسلام، وشرطي العالم، قائد الجناح الصُّهيوني للمؤامرة ذاتها. غير أنَّ هناك فرقًا بين التَّاريخين، وهو أنَّ “الفُرس والرُّومان كانا يتصارعان، بينما الفُرس والأمريكان يتعانقان” (صـ165). من الجدير بالتَّذكير أنَّ السُّلطات العراقيَّة، شيعيَّة المذهب، عارضت قرار الرَّئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما (يناير 2009-يناير 2017م) سحْب القوَّات الأمريكيَّة من العراق، الَّذي أعلنه بعد شهر من تولّيه السُّلطة رسميًّا. أمَّا عن سبب إعلان أوباما عن ضرورة الانسحاب من العراق، فكان الخسائر الفادحة الَّتي مُنيت بها قوَّاته على يد المقاومة الإسلاميَّة السُّنّيَّة. وعن تواطؤ شيعة العراق مع الاحتلال الأمريكي، على حساب أهل السُّنَّة، وبل وضدَّ مصلحة البلاد، يقول المفكّر الكبير (صـ166):

السُّلطة الشّيعيَّة والشّيعة في العراق يدينون بالولاء لإيران تمام الولاء وتمام السَّمع والطَّاعة لإيران، ومنهم الإيرانيون الَّذين تجنَّسوا في الأسبوع الأوَّل من سقوط بغداد تحت جحافل الأمريكان. وفي الوقت ذاته يتمسَّكون بالاحتلال الأمريكي للعراق، ولا يريدون خروج الجيش الأمريكي من العراق…لأنَّ الجيش الأمريكي هو الَّذي يحميهم ويحمي وجودهم في السُّلطة.

وتتفاخر إيران بأنَّها عاونت أمريكا في احتلال أفغانستان والعراق، كما تباهت أمريكا بإطاحتها بنظام صدَّام حسين، المعروف بعدائه للشّيعة، ليتسلَّم هؤلاء السُّلطة ويفسحوا المجال لإيران لتستبيح أموال أهل السُّنَّة من العراقيين وأعراضهم. يُضاف إلى ذلك أنَّ الميليشيات الشّيعيَّة العراقيَّة قاتلت إلى جانب القوَّات الأمريكيَّة والإيرانيَّة في العراق وسوريا بحماية أمريكيَّة كاملة. ولعلَّ أكثر ما يبرهن على “التَّآخي الأمريكي الإيراني” مطالبة طبقة الحُكَّام في العراق، وجلُّ أعضائها من الشّيعة، القوَّات الأمريكيَّة بالبقاء، لمَّا ادَّعى أوباما وضْع جدول زمني لانسحاب بلاده من العراق. ويقف المفكّر السُّوري عن مفارقة تثير الدَّهشة، وهي أنَّ مجلس الشُّيوخ الأمريكي أصدر في 13 فبراير 2020م، تزامنًا مع الاحتفال بما يُعرف بعيد الحُب، قانونًا يحدُّ من صلاحيَّات الرَّئيس الأمريكي بشأن شنّ حرب على إيران.

وما يثير دهشة السَّيّد أحمد هو ذلك الحرص الَّذي أبدته الهيئة التَّشريعيَّة العليا في أمريكا تجاه إيران، والامتناع عن محاربتها بزعم رغبة أمريكا في تحاشي ويلات حرب تستلزم نقْل الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى بلد بعيد، ومن ثمَّ تعرّض حياة هؤلاء إلى الخطر. إذا كان ذلك هو السَّبب الحقيقي للامتناع عن تسديد ضربة لإيران، “فلماذا ما زالت أمريكا تحارب في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي أفغانستان”، كما يتساءل المفكّر (صـ172). لا يمكن أبدًا الاقتناع بأنَّ أمريكا تمتنع عن محاربة إيران؛ لحرصها على أرواح المدنيين؛ فضحاياها في شتَّى دول الشَّرق الأوسط غالبيَّتهم العظمى من المدنيين. ومن المفارقات الَّتي يرصدها السَّيّد أحمد أنَّ المجلس الشُّيوخ الأمريكي أصدر قانونًا مشابهًا يمنع الرَّئيس الأسبق، أوباما، من شنّ حرب على نظام الأسد في سوريا بعد استخدام السَّلاح الكيماوي في دحْر المقاومة الشَّعبيَّة في أغسطس 2013م. في حين لم ينتبه مجلس الشُّيوخ حينها إلى خوض جيش بلاده حربًا في اليمن ضدَّ ميليشيات إسلاميَّة متطرّفة. يُفهم من ذلك أنَّ المحظور لدى الإدارة الأمريكيَّة هو محاربة إيران ونظام الأسد، بينما ليس من المحظور تقتيل الشَّعب السُّوري، لا سيّما حركات المقاومة الإسلاميَّة. وفيما يلي إيجاز لرأي المفكّر الكبير في سياسة الكيل بمكيالين الَّتي تتَّبعها أمريكا في المنطقة (صـ175-176):

هذه هي الإنسانيَّة الأمريكيَّة وحبُّ السَّلام والمحبَّة الَّتي تجلَّت في عيد الحبّ بالقانون الَّذي يمنع الرَّئيس الأمريكي من الاعتداء فقط على إيران يعرّي السّياسة الأمريكيَّة ويزيد فضْحها. صحيحٌ أنَّ شعوب العالم أكثرها ترى هذا الافتضاح وتدركه، ولكنَّ السُّؤال الَّذي فرَض ذاته: ألا يرى الأمريكيون كم هم عراة أمام العالم؟ ألا يرون مدى تناقضاتهم الَّتي تزيد في كره العالم لهم، حقدهم عليهم؟

الأسباب التَّاريخيَّة لتآخي أمريكا وإيران ضدَّ المسلمين

يتناول السَّيّد أحمد أسباب التَّقارب بين إيران الصَّفويَّة والغرب الصَّليبي منذ قرون لمحاربة أهل السُّنَّة، لا سيّما الدَّولة العثمانيَّة الَّتي حملت لواء الخلافة الإسلاميَّة منذ عام 1512م، وحتَّى عام 1924م، مستهلًّا ذلك القسم من كتابه القيّم بالإشارة إلى رأي للمفكّر الإسلامي المصري الرَّاحل، الدُّكتور محمَّد عمارة، ينقله عن مستشرق بلجيكي، يقول “لولا الإيرانيون الشّيعة الصَّفويون لكنَّا نقرأ القرآن في بلجيكا”. ورد ذلك الرّأي في مقال نُشر في جريدة رأي اليوم في 24 نوفمبر 2014م، تحت عنوان “فضْل إيران على أوروبَّا”، تطرَّق فيه عمارة إلى دور الشّيعة الرَّوافض في تسهيل الاحتلال الصَّليبي للشَّام أواخر القرن الحادي عشر للميلاد، حينما عاون الفاطميون والبويهيون والقرامطة أوروبا بعد سيطرتهم على الخلافة العبَّاسيَّة في فترة ضعفها. يذكّر عمارة باستنفار تلك المؤامرة الخسيسة للمقاومة السُّنّيَّة، بزعامة الدَّولة الزنكيَّة النُّوريَّة في الشَّام، ثم الدَّولة الأيوبيَّة ودولة المماليك البحريَّة في الشَّام ومصر، ليبدأ الكفاح ضدَّ الاحتلال الصَّليبي من خلال “إحياء المذهب السُّنّيّ، الَّذي أدَّى إحياؤه إلى إيجاد لُحمة الانتماء بين الأمَّة والدَّولة مرَّة أخرى”، نقلًا عن السَّيّد أحمد (صـ193). ويرجع إلى صلاح الدّين الأيوبي، القائد العسكري والزَّعيم السّياسي الكبير، فضلٌ كبير في تنقية العقيدة الإسلاميَّة من المُحدثات الشّيعيَّة الباطنيَّة، الَّتي أدخلها الفاطميون خلال حُكمهم لمصر. وبرغم المكانة الرَّفيعة لذلك البطل المجيد، تجد واحدًا ممَّن يُعرفون بروَّاد الفكر التَّنويري يسبُّ صلاح الدّين ويشكّك في نزاهته.

يبدو أنَّ سبب هجوم بعض التَّنويريين على صلاح الدّين الأيوبي هو حملته الحاسمة لقطع دابر الفاطميين وهدْم دولتهم الباطنيَّة المستندة إلى عقيدة الشّيعة الإسماعيليَّة، بعد رحيل عمّه الأسد المجاهد، أسد الدّين شيركوه. يُذكر أنَّ حملة صلاح الدّين تلك تزامنت مع حملة السَّلاجقة الأتراك لإنهاء النُّفوذ الشّيعي لدولة البويهيين في المشرق الإسلامي. لم يهدأ الرَّوافض حتَّى بعد أن دُحر الصَّليبيون وأُجلوا عن ديار الإسلام؛ فتعاونوا مع المغول الوثنيين في الإغارة من جديد على العالم الإسلامي، لدرجة أنَّ الوزير الشّيعي ابن العلقمي انضمَّ إلى جيش هولاكو في غزو بغداد، عاصمة الدَّولة العبَّاسيَّة، وارتكاب مجزرة راح ضحيَّتها ما يقرب من مليوني مسلم في أربعين يومًا. وبعد هزيمة المغول وجيشهم في موقعة عين جالوت في الشَّام، وخيبة أمل الرَّافض في سحْق الأغلبيَّة السُّنّيَّة من المسلمين، بدأ الغلاة من المحسوبين على الإسلام زورًا حملتهم لتقويض الدَّولة العثمانيَّة الفتيَّة حينها، بالتَّعاون مع القوى الاستعماريَّة الغربيَّة، وعلى رأسها الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة الَّتي كانت تخشى مصير الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة الَّتي أسقطها العثمانيون.

ولعلَّ أشهر طعنة سدَّدها الشّيعة للدَّولة العثمانيَّة هي هجوم الإمبراطوريَّة الصَّفويَّة على الحدود الشَّرقيَّة لدولة الخلافة أثناء حصار السُّلطان سليمان القانوني لأسوار فيينا عام 1532م. اضطرَّ القانوني إلى سحْب جيشه والعودة إلى سلطنته للتَّصدّي للغزو الصَّفوي. تكرَّر الغدر الصَّفوي خلال حملة السُّلطان محمَّد الرَّابع لحصار فيينا من جديد عام 1683م، بأن تعاوَن الإمبراطور الفارسي نادر شاه مع البرتغاليين في احتلال بغداد، وكانت تحت السّيادة العثمانيَّة؛ فانسحب الجيش العثماني من جديد لنفس السَّبب. لم يتوقَّف تعاوُن الصَّفويين مع أعداء الإسلام على البرتغاليين، بل امتدَّ إلى الإنجليز، الَّذين تولَّوا مهمَّة تطوير المدافع الفارسيَّة لتحسين قدراتها القتاليَّة في مواجهة الجيش العثماني. وكما يعلّق عمارة، “أنقذ هذا الحلف الصَّليبي الصَّفوي أوروبَّا من الفتوحات العثمانيَّة”، ولولا الشّيعة لوصل الإسلام إلى قلب أوروبَّا.

يعود المفكّر السُّوري الكبير ليؤكّد على أنَّ الحرب الكلاميَّة بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى ما هي إلَّا مسرحيَّة متقنة لإقناع العامَّة بأنَّ إيران هي القوَّة الإسلاميَّة الوحيدة الصَّامدة في وجْه المشروع الصُّهيوني. أمَّا عن سبب التَّحذير من البرنامج النَّووي الإيراني فهي يرجع إلى خوف إسرائيل من اندلاع ثورة على نظام الملالي تُقلعه من الحُكم، وتأتي بنظام آخر يعادي دولة الاحتلال الصُّهيوني حقًا، ويفعّل ذلك المشروع ضدَّها عن حقّ. لم تتوتَّر علاقة إسرائيل بإيران بعد الثَّورة الخمينيَّة؛ بل زادت أضعافًا، حيث أمدَّ الكيان الصُّهيوني الكيان الصَّفوي بالعتاد خلال حرب الأخير مع العراق، الممتدَّة 8 سنوات. الأخطر من ذلك ما نقَله موقع عربي 21 بتاريخ 23 مايو 2015م، أي قبل مقتل سليماني بأكثر من 4 أعوام ونصف، في مقال عنوانه ” ‘‘هآرتس’’ تكشف خفايا التَّعاون الأمريكي مع قاسم سليماني”، عن صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة، وهو أنَّ علاقة سليمان بأمريكا بدأت منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001م، موضحةً أنَّ “ممثلين عن سليماني عقدوا اجتماعًا مع مسؤولين أمريكيين في سويسرا سلموهم خلاله خرائط تظهر الأهداف التي يتوجب على الولايات المتَّحدة ضربها خلال عملها في أفغانستان”. ويعلّق السَّيّد أحمد من جانبه بقوله “نضيف من جانبنا أنَّها (أي إيران) قدَّم خرائط أكثر لدى احتلال العراق” (صـ202).

أصل التَّواطؤ الخفي بين اليهود والشّيعة: التَّقارب العَقَدي

يسجّل المفكّر السّياسي السُّوري إعجابه بمقال للكاتب أحمد رسول، تعرَّض فيه لأهمّ مظاهر التَّماهي بين اليهود والشّيعة، برغم ما يُشاع في الإعلام عن وجود عداء أصيل ونيَّة متبادلة لإعلان الحرب وتدمير الطَّرف الآخر. يبدأ رسول بالتَّذكير بأنَّ إسرائيل لم تمهل الرَّئيس العراقي الأسبق، صدَّام حسين، حتَّى ينتهي تشييد مفاعل تمُّوز النَّووي؛ لتدمّره صواريخها في 7 يونيو 1981م، بعد عام من اغتيالها للعالم النَّووي المصري القائم على المشروع، وهو الدُّكتور يحيى المشدّ. في حين تهدّد كلٌّ من أمريكا وإسرائيل دولة الملالي منذ عقود بتدمير مفاعل بوشهر النَّووي، ولم تفعلا إلى اليوم. يتطرَّق الكاتب إلى حقيقة وجود تعاوُن اقتصادي متبادل بين الكيانين الصَّفوي والصُّهيوني، برغم المقاطعة المدَّعاة، مشيرًا إلى استثمار عشرات الشَّركات الإسرائيليَّة في إيران، وبخاصَّة في مجال الطَّاقة. يتجاوز عدد الكُنُس اليهوديَّة في إيران 200 كنيس، بينما لا يجد أهل السُّنَّة مسجدًا للصَّلاة في العاصمة الإيرانيَّة. ويوجد آلاف اليهود من أصل إيراني في أمريكا يتولَّون مهمَّة التَّنسيق بين بلدهم الأصلي وأمريكا، وبخاصَّة بشأن العقوبات المتعلّقة بالمشروع النَّووي. لن ننسى أنَّ إسرائيل فيها عدد كبير من اليهود الإيرانيين، يشكّل هؤلاء ثلثي الجيش، ومن بينهم حاخامات وقادة كبار في جيش الاحتلال وسياسيون، ولعلَّ من أشهرهم موشيه كتساف، الرَّئيس الإسرائيلي الأسبق (أغسطس 2000-يوليو 2007م)، وشاؤول موفاز، وزير الدّفاع الإسرائيلي الأسبق (نوفمبر 2002-مايو 2006م). ويزور اليهود إيران للتَّبرُّك بضريح يُنسب إلى بنيامين، ابن النَّبي يعقوب وشقيق النَّبي يوسف، وكذلك بضريحي الملكة إستير، صاحبة الفضل في إعادة بني إسرائيل من السَّبي البابلي ولها سِفر باسمها في العهد القديم، وعمّها موردخاي.

يشير السَّيّد أحمد إلى دراسة أخرى يعقد فيها أحمد رسول مقارنة بين عقائد اليهود والشّيعة، مشيرًا إلى مجموعة من التَّشابهات والعقائد المشتركة، من بينها: تحريم اليهود والشّيعة أكْل الأرانب والطُّحال؛ عدم إعداد لحود عند دفْن الموتى؛ اعتقاد الطَّرفين أنَّهم وسطاء بين العباد وربّهم وبأيديهم مفاتيح الجنَّة؛ الإيمان ببعض الكتاب والكُفر ببعضه؛ تحريف اليهود للكتاب المنزَّل على رُسُلهم وخلْطه بالأباطيل، وكذلك فعل الشّيعة بالقرآن الكريم؛ اتّخاذ الشّيعة 12 إمامًا على عدد أسباط بني إسرائيل؛ اتّهام اليهود مريم العذراء في عرضها، كمثل الشّيعة مع عائشة أمّ المؤمنين؛ اتّخاذ اليهود أحبارهم أربابًا من دون الله، وكذا فعل الشّيعة مع الملالي؛ حصْر الحُكم عند اليهود في آل داود، واقتصار الإمامة عند الشّيعة على سلالة الحسين بن عليّ؛ تعدُّد كُتُب أسفار العهد القديم عند اليهود، وكذا تعدُّد المصاحف عند الشّيعة (مصحف فاطمة، والجفر الأبيض، والجفر الأحمر)؛ ارتداء الرّبانيين اليهود عباءات سوداء، وكذلك ارتداء معمَّمي الشّيعة السَّواد؛ اتّخاذ اليهود من قبور أنبيائهم مساجد، وكذلك تحويل الشّيعة قبور الأئمَّة والصَّالحين إلى مزارات ومساجد؛ استحلال اليهود لأموال الأمميين، أو الأغيار، أي غير اليهود، وكذلك يفعل الشّيعة مع أهل السُّنَّة؛ انتظار اليهود لمخلّصهم لإبادة الأمم الأخرى، وكذلك ينتظر الشّيعة إمامهم الثَّاني عشر القابع في سردابه منذ أكثر من 1200 عامًا، والفرقتان تنتظران مخلّصًا واحدًا، هو الدَّجال، مصداقًا لقول الصَّادق المصدوق (ﷺ) “يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ”، كما ورد في صحيح مُسلم (2944) عن أنس بن مالك.

ويوضح الدُّكتور عزَّت السَّيّد أحمد في مقال تحت عنوان “إعلامي إسرائيلي: إيران تعادي العرب لا إسرائيل”، أنَّ الأزمات الَّتي شهدتها الأمَّة الإسلاميَّة بعد تأسيس دولة الملالي عام 1979م أضعاف ما شهدته الأمَّة في الأزمنة السَّابقة، متسائلًا عن تفسير ذلك، ولا يجد تفسيرًا سوى تكثيف التَّواطؤ بين إيران وأمريكا وإسرائيل لتدمير الإسلام وأهله. وفي اعترافات مفكّري إسرائيل ورموزها السّياسيَّة والإعلاميَّة ما يثبت وجود علاقات غير علنيَّة بين إيران وإسرائيل، وإن زُعم خلاف ذلك. ويذكر السَّيّد أحمد من ذلك ما أقرَّ به السّياسي الإسرائيلي-الفرنسي ألكسندر أدلر، الَّذي ينقل عنه تصريحه بأنَّ إيران لم تؤسّس برنامجًا نوويًّا من أجل تدمير إسرائيل، إنَّما لتهديد جيرانهما العرب، معتبرًا أنَّ إيران البلد الوحيد الَّذي لا يجد فيه اليهود معارضة. ويصل الأمر بالسّياسي الإسرائيلي إلى حدّ اعتبار أهل السُّنَّة من المسلمين، متمثّلين في جماعة الإخوان المسلمين، العدوَّ الحقيقي لإسرائيل، بينما يمثّل شيعة إيران، ومعهم كافَّة الأقليَّات الدّينيَّة في المنطقة، الحليف الحقيقي لدولة الاحتلال الصُّهيوني. الأسوأ من ذلك أنَّ أدلر يجد في نظام الأسد الحماية المثلى للأقليَّات غير المسلمة، مدَّعيًا أنَّ في حال سقوطه ستحدث مجازر ضدَّ العلويين والمسيحيين في سوريا. يوضح السَّيّد أحمد أنَّ ذلك الحوار نُشر في 30 أغسطس 2012م، أي قبل ظهور تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشَّام (داعش) وجبهة النُّصرة، مستنتجًا أن يكون تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمون في الإعلام تبريرًا استمرار نظام الأسد العلوي لحماية الأقليَّات.

2.تاريخ المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لإسرائيل

في كتابها القيّم المشروع الأسود بين إسرائيل وإيران (2016م)، تتعرَّض الباحثة المصريَّة سارة شريف إلى العلاقات السّرّيَّة الَّتي تربط الدَّولة العبريَّة والدَّولة الفارسيَّة، اللتين تخترقان المنطقة العربيَّة وتدَّعيان العداء، برغم ما هو ثابت عن تقاربهما في المصالح واشتراكهما في العديد من العقائد الدّينيَّة. تبدأ الباحثة كتابها بالإشارة إلى ما تملأ به إيران صحفها وتبثُّه عبر قنواتها، عن نيَّتها محو إسرائيل من الوجود، صمودها في مواجهة تزايُد نفوذ إسرائيل في المنطقة، متزعّمة وهمًا معسكر المقاومة. في حين تثبت الوقائع كذب ذلك الادّعاء؛ “وخلف الخطاب العدائي المتبادَل بين إيران وإسرائيل يوجد تاريخ مثمر من العلاقات المشبوهة” (صـ13). بين ‘‘النَّازيين الجُدُد’’ و ‘‘الشَّيطان الأكبر’’ تفاهمات وتوافقات تقود “المشروع الأسود” الَّذي تهدّد به إيران إسرائيل في العلن، بينما لا تستهدف به إلَّا العرب والمسلمين من السُّنَّة، ألا وهو المشروع النَّووي. قد يعتقد البعض أنَّ عداء العرب تجاه إسرائيل يفوق عداءهم تجاه إيران، المفترَض أنَّها على الإسلام، وإن اختلفت مذهبيًّا عن مذهب أهل السُّنَّة الَّذي يتَّبعه غالبيَّة العرب. غير أنَّ مشاعر العرب تجاه الكيانين الغاصبين واحدة، بل وقد يكون العداء تجاه إيران أشدَّ لدى الواعين بزيفها شعاراتها، وإن كان الشُّعور الشَّائع تجاهها اليوم هو البغض بسبب جرائمها في العراق ثمَّ سوريا. وتعبّر الباحثة عمَّا يشير إليه المفكّر السُّوري، عزَّت السَّيّد أحمد، في كتابه (2020م)، عن أنَّ الكوارث الَّتي ألمَّت بالأمَّة بعد تأسيس دولة الملالي عام 1979م تفوق ما تعرَّضت له في العقود السَّابقة.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى