كتاباتكتابات مختارة

الفقر إلى الله في زمن الفتنة

الفقر إلى الله في زمن الفتنة

بقلم د. أبو نوفل حسن يشو

انطلاقا من قوله تعالى: قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ{ [فاطر: 15- 18].

تمهيد:

كتب الملحد جوليان هكسلي كتابًا سماه (Man stands alone) أي (الإنسان يقوم وحده)؛ وعليه فلا يحتاج إلى الإله الذي يلجأ إليه المحرومون. وكان هذا الملحد مروجًا لفكرة الصدفة.. وانبرى كريسي موريسون بتأليف كتاب (Man Does Not stand alone) أي (الإنسان لا يقوم وحده) أكد فيه بالأدلة العقلية في مختلف العلوم على أن الإنسان فقير إلى ربه محتاج إليه ولا شيء في عالمنا يقوم على الصدفة؛ فترجم الكتاب إلى العربية بعنون (العلم يدعو للإيمان).

في زمن الأوبئة والفتن ما ظهر منها وما بطن، كم تكثر الإشاعات، ويكثر الهلع والخوف؛ لأن الإنسان بطبعه ضعيف إلى أبعد الحدود قال تعالى: }وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا{ [النساء: 28]، وهنا يختفي الملحدون والزنادقة والذين لا دين لهم ولا إيمان بالله وباليوم الآخر؛ فيقعون في حيص بيص، ويرتجفون من المصير المحتوم الذي ينتظرهم، وهنا تتحرك الفطرة السليمة لدى كل إنسان؛ وتنطق من أعماقها بالأزمة الروحية، والحاجة الماسة إلى الله مولانا جل جلاله، وليس غريبًا -بل جاء على أصله- أن تكثر الدروس والمواعظ التي تربط الإنسان بربه، وترسخ فيه القيم السامية، وتحرك البحيرات الجامدة، وتسقي ما جدب من مساحات كبيرة في عالمه المجهول، وباطنه المغمور، والحديث المستفيض عن الدعوات والأذكار والصيام والصدقات والمبرات والتعاون والتربية والتزكية والتوبة والأوبة إلى الله تعالى؛ وقد شاهدت بالصوت والصورة من كان يمتلك أموالا طائلة ولما ماتت أسرته نتيجة الإصابة بهذه الجائحة؛ ألقى بنفسه من الطابق الثلاثين أو أكثر، واسترعاني كلامه مؤدّاه أن المسلمين أفضل حالا؛ لأن لهم –على الأقل- ربا يدعونه ويأنسون بمناجاته، ورأيت رجالا ونساء وأطفالا وشبابا يبكون دموعا ودماء؛ نظرا للاكتئاب الذي ألمّ بهم، وخشية أن تضيع منهم الدنيا ولا سيما الأغنياء منهم وذوي المناصب والمراتب.

ولما ضرب الحجر المنزلي على الناس؛ وقد أغلت المساجد والجُمع والصلوات، فاتخذ المسلمون بيوتهم معابد ومساجد ومحاضن تربوية ونوادي للحوار والمناقشة، والتأليف وقلّت الشهوات ودور الخمر والخنا والقمار وازداد منسوب الروحانية والافتقار إلى الله كلما علَت نسبة المصابين هنا وهناك؛ من هنا انبريْتُ للحديث عن الفقر إلى الله تعالى في زمن الفتنة!

الصورة بإجمال:

يخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه؛ لأن طبيعة الإنسان تتراوح بين ضعف وضعف فقال: }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ{ [الروم: 54].

فالله في آية (أنتم الفقراء) يخاطب جميع الناس على اختلاف مشاربهم وأجناسهم وأعمارهم، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه!

فالإنسان فقير إلى ربه، وينبغي أن يكون مفتقرا إليه وحده لا شريك له بلا انقطاع حتى يلقاه راضيا مرضيا، لا مفتقرا إلى أحد من مخلوقاته الضعيفة، ولا إلى الدنيا الفانية وبهرجها فتستعبده شهواتها، ولا مفتقرا إلى المال، أو إلى النساء، أو إلى السلطان، أو إلى الجاه والشهرة!

ولما كان الله الغني غنى مطلقا، فمن نازعه فيها قصم ظهره، وتلك أمثلتهم في القرآن والتاريخ كفرعون وهامان وقارون والنمرود وغيرهم؛ ما يلزم أن يكون العبد في كامل عبوديته لله تعالى؛ مندمجا في توحيد ألوهيته بالطاعة والافتقار، وتوحيد الربوبية بالتسليم والرضا.

قال ابن القيم: “والمقصود أنه سبحانه أَخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأَنها فقيرةٌ إِليه عزَّ وجلَّ، كما أَخبر عن ذاته المقدَّسة وحقيقته أَنه غنيٌّ حميد، فالفقر المطلق من كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذواتهم وحقائقهم من حيث هي، والغنى المطلق من كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي، فيستحيل أن يكون العبد إِلا فقيرًا، ويستحيل أَن يكون الربُّ سبحانه إِلا غنيًّا، كما أَنه يستحيل أَن يكون العبد إلا عبدًا والربُّ إِلا ربًّا”[1].

مواقع الفقر في القرآن الكريم:

المعلوم أن ال(الفقر) وقع في القرآن الكريم في المواضع الآتية:

  1. قوله تعالى: }لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ [البقرة: 273]. يعني: المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله، وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و}لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ{ يعني: سفرا للتسبب في طلب المعاش[2]. كان فقراء المهاجرين نحو أربعمائة. لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر. وكانوا قد حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله. فكانوا وقفا على كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أهل الصفة؛ وهذا أحد الأقوال في إحصارهم في سبيل الله. وقيل: هو حبسهم أنفسهم في طاعة الله. وقيل: حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله. وقيل: لما عادوا أعداء الله وجاهدوهم في الله تعالى أحصروا عن الضرب في الأرض لطلب المعاش. فلا يستطيعون ضربا في الأرض. والصحيح: أنهم -لفقرهم وعجزهم وضعفهم- لا يستطيعون ضربا في الأرض، ولكمال عفتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء[3]. وهذا الصنف خاص بفئة من فقراء المسلمين! يقابلهم أصحاب الجدة، ومن ليس محصرا في سبيل الله، ومن لا يكتم فقره تعففا.
  2. وفي قوله تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{ [التوبة: 60]. والفقراء هنا مصرف من مصارف الزكاة الثمانية التي تولى الله تعالى حصرها، ولم يتركها لأهواء الناس؛ وجعل في مقدمتهم الفقراء والمساكين، وقد توسع العلماء في الفرق بينهما، ولكن الجامع هو الحاجة. وهذا الصنف متعلق بالفقراء عامهم وخاصه. وهذه الطائفة يقابلهم الأغنياء أهل الجدة، ويدخل فيهم المتعفف وغيره، والمحصر في سبيل الله وغيره خلافا للطائفة الأولى.
  3. في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ{ [فاطر: 15- 18]. وهذا الصنف هو عام في البشرية قاطبة ليس خاصا بالمسلمين أو المهاجرين؛ ولا بالفقراء بل الأغنياء كذلك؛ لذا قال سبحانه: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ{ كل الناس مؤمنين وغير مؤمنين، حكاما ومحكومين، فقراء وأغنياء، معسرين وميسورين؛ وهذا الصنف لا مقابل لهم، بل الله وحده الغني الحميد، وكل ما سواه فقير إليه؛ وعيه؛ فقد أعطى معنى آخر للفقر هنا؛ وهو بيت القصيد في هذه الدراسة!

لا فقر في مورد النص:

يمكن القول: “لا فقر في مورد النص” ذلكم الفقر المغشوش المتكلف الذي يهرف فيه الفقير بما لا يعرف، ويخلط الخزعبلات بتعاليم الشريعة، وكثير من الإسرائيليات والموضوعات وما يتصل بالخرافة والشعوذة والأسطورة والحكايات الفارغة والادعاء بترك الشريعة؛ ونبذ وساطتها بين الفقير وربه وغيرها من الترّهات!

لا يتم الفقر إلى الله –إذًا- إلا بالانضباط بأمره والالتزام بشرعه، فقرٌ يغشى الحرام، وينتهك الحرمات مغشوش مهزوز ليس من الفقر إلى الله في شيء مهما أضفيت عليه من مسوح التقشف والزهد. قال ابن تيمية: “من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان: أن لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولاَ وجْده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم”[4].

وهذا معناه: أن لا يتقدم الفقراء إلى الله بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون لهم الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا ولا يجدوا في أنفسهم حرجا مطلقا؛ مهتديًا بالنصوص الآتية:

  • قال سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ) [الحجرات: 1- 2].
  • قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
  • وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36].
  • وقال تعالى: (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [البقرة: 285].
  • وقوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) [النور: 51- 52].
  • والالتزام بأمر الله ونهيه عندهم من باب تعظيم الله جلَّ وعلا، وتعظيم حرماته؛ قال الله عز وجل: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّه) [الحج: 30]، وقال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج: 32]. لأن أي إخلال بهذا التعظيم وأي مخالفة لأصل شرعي يتنافى مع الفقر إلى الله إذ الفقراء يرجون لله وقارا؛ قال الله سبحانه وتعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].
  • وما أجمل قول الإمام الثوري: “إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل”[5].

الفقر إلى الله في تحقيق العبودية المطلقة له:

إن العبادة مؤسسة على أصلين في المعجم العربي:

أولهما: الذلة والانكسار والخوف من مولانا جل في علاه؛ لذا نقول طريق معبدة أي مذللة.

وثانيهما: المحبة والرجاء؛ لذا جعلت العبادة ضمن مراتب المحبة كما أوردها ابن القيم في روضة المحبين.

والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة[6].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “كلما ازداد القلب حبًّا لله ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية ازداد له حبًّا وحرية عما سواه، والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين: من جهة العبادة، وهي العلة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلية، فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يُسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه”[7].

وقال ابن القيم: “إنَّ مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلاً للّه وانقياداً وطاعة، ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل، فهو ذليل لقهره، ذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه وإنعامه عليه”[8].

قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [العنكبوت: 25].

فهم كما قال الله تعالى: (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) [هود: 109]. فكثير من الناس يبيع ما فطره الله عليه من التوحيد لأجل وثن مصلحته، وإله شهوته، ولو امتلك اليقين لأدرك أسرار الافتقار إلى الله فدان له وعبد نفسه له.

ولله در الحكيم القائل:

مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُحْمَدْ فِي عَوَاقِبِهِ ** وَيَكْفِهِ شَرَّ مَنْ عَزُّوا وَمَنْ هَانُوا

مَنِ اسْتَجَارَ بِغَيْرِ اللَّهِ فِي فَزَعٍ ** فَإِنَّ نَاصِرَهُ عَجْزٌ وَخِذْلانُ

فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا ** فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ

قُتل الإنسان ما أكفره!

قال تعالى: (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) [عبس: 17- 23].

ما أضعف هذا الإنسان، وما أحمقه عندما يجحد نعم الله عليه ولا يعترف بفقره إليه؛ ما أكفره وأجحده لنعمة الله وما أشد معاندته للحق بعدما تبين، من أي شيء خلقه؟ وهو من أضعف الأشياء، خلقه سبحانه من ماء مهين، ربما يتقزز منه من وقع عليه، ثم قدر خلقه، وسواه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة. ثم يسر له الأسباب الدينية والدنيوية، وهداه السبيل، وامتحنه بالأمر والنهي، هل يسمع ويطيع؟ أم يعصي ويكفر؟  ثم أقبره وأكرمه بالدفن، ولم يجعله هملا بلا عناية في هذا الكون، بل أضفى عليه جوانب التكريم حيا وميتا، لم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها مترامية الأطراف على وجه الأرض، ثم إن الله جل جلاله إن شاء بعثه بعد موته للجزاء، وهو أمر قدري لا مفر منه، فالله هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف، لم يشاركه فيه مشارك البتة، وهو -مع هذا- لا يقوم بما أمره الله، ولم يقض ما فرضه عليه، بل لا يزال مقصرا تحت الطلب. وهذه فرصة لك أن تؤوب إلى ربك أوبة صادقة، وتتوب إليه توبة نصوحا؛ حتى تصطلح مع الخالق المتصرف في دنياك وآخرتك، ما أفقرك إليه! فرفع أكف الضراعة وقل يا الله إني مقصر في جنبك وأنا الفقير إليك وأنت الغني الحميد!

أين الذين استكبروا؟

أين قارون؟

إن قارون لما طلب منه أن يحسن إلى الناس والفقراء كما أحسن الله إليه: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78]. وازداد تعجرفا وكبرياء واستغناء عن الله؛ فكان مصيره أن خسف الله به وبداره وأمواله الأرض! (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ) [القصص: 79- 80].

أين فرعون؟

لقد طغى فرعون وبلغ أوج الطغيان أن نازع الله في ربوبيته فأرسل إليه موسى يذكره؛ ولكنه ازداد غرورا واستغناء فأغرقه الله وجعله عبرة لمن يعتبر (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ) [النازعات: 17- 25].

أين النمرود؟

النمرود طاغية أحسّ في نفسه بالاستغناء عن خالقه، ونازع الله في ربوبيته؛ فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، فسلط الله عليه بعوضة اخترقت صماخ أذنه وأخذت تزعجه حتى مات، والجزاء من جنس العمل؛  قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258].

لذة الفقر إلى الله:

إن الذين يعبدون أهواءهم ويتخذونها آلهة من دون الله محرومون شاءوا أم كرهوا؛ قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية :23]. لأن المتعة الحقيقية هي التي فاتت هؤلاء، أما ما حققوه من شهوات فهي آنية زائلة!

قال ابن القيم: “أعظم الناس خذلانًا من تعلق بغير الله، فإنَّ ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه؛ أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير اللَّه كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت”[9].

إن هؤلاء محرومون من لذة معرفة الله ولذة الفقر إليه والارتماء في حماه، والالتزام بدينه وشريعته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بل إن الفقراء إلى الله هم من يعبدون ربهم وإلههم بحق، ويجعلون أهواءهم ولذاتهم فيه، ويستمتعون بكل تعاليمه قال ابن القيم: “فأوامر المحبوب قرة العيون، وسرور القلوب، ونعيم الأرواح، ولذات النفوس، وبها كمال النعيم، فقرُّة عين المحب في الصلاة والحج، وفرح قلبه وسروره ونعيمه في ذلك، وفي الصيام والذكر والتلاوة، وأما الصدقة فعجب من العجب، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصبر على أعداء الله سبحانه؛ فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف، ولا يدركه مَنْ ليس له نصيب منه، وكل من كان به أقوم كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم”[10].

النوم مع الندم أفضل من القيام مع العجب:

قال مطرف بن عبد الله الشخّير: “لَأَنْ أبِيتُ نائمًا وأُصبح نادمًا؛ أحبّ إليَّ من أن أبيت قائمًا فأصبح معجبًا”[11].

وقال ابن القيم: “إنك إن تبتْ نائمًا وتصبح نادمًا؛ خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبًا، فإن المعجب لا يصعد له عمل. وإنك إن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل. وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبّحين المدلين. ولعلَّ الله سقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر”[12].

الفقر إلى المال ومتاع الدنيا زائل:

إن الافتقار إلى الله ينبغي أن يكون مستمرا بلا فتور، وأما الفقر إلى المال؛ فهو تشبث بالفناء؛ عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ وادِيًا مِن ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يَكونَ له وادِيانِ، ولَنْ يَمْلَأَ فاهُ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ. وقالَ لنا أبو الوَلِيدِ: حَدَّثَنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن ثابِتٍ، عن أنَسٍ، عن أُبَيٍّ، قالَ: كُنَّا نَرَى هذا مِنَ القُرْآنِ، حتَّى نَزَلَتْ: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) [التكاثر: 1]”[13].

وقال صلى الله عليه وسلم: “تعِس عبدُ الدِّينارِ وتعِس عبدُ الدِّرهمِ وتعِس عبدُ الخَميصةِ إن أُعطِي رضي وإن مُنِع سخِط تعِس وانتكَس وإذا شِيك فلا انتَقَش طُوبَى لعبدٍ أخذ بعنانِ فرسِه في سبيلِ اللهِ أشعثَ رأسُه مُغبَّرةٍ قدماه إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ وإن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ إن شفَع لم يُشفَّعْ وإن استأذَن لم يُؤْذَنْ له”[14].

قال صلى الله عليه وسلم: “يا عَمرُو، إنِّي أُريدُ أن أَبعثَك على جَيشٍ فيُغنِمَك اللهُ، وأَرغَبَ لك رغبةً منَ المالِ صالحةً، قُلتُ: إنِّي لم أُسلِمْ رغبةً في المالِ، إنَّما أَسلَمْتُ رغبةً في الإسلامِ، فَأكونَ معَ رَسولِ اللهِ، فَقال: يا عمرُو،‍ نِعْمَ المالُ الصَّالحُ للمَرءِ الصَّالحِ”[15].

قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد: 20].

يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته:

عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا،

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ،

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ،

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ،

يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ،

يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِي،

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا،

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا،

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ،

يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ”[16].

ولا يخفى ما للحديث القدسي من إيحاءات دالة على فقر الإنسان إلى ربه، وينبغي أن يوقن بأنه من جملة الفقراء إلى الله تعالى، وأن الله هو الغني الحميد!

معنى الفقر إلى الله وإيحاءاته:

من أجل أن يكون الإنسان مفتقرا إلى الله وحده لا شريك له، متسما بصفات الفقير إلى عفو ربه؛ لا بد أن يكون غافلا بقلبه عن قدر الدنيا وزينتها ووسائل إغرائها، غير ملتفت إليها البتة، وأن يكون حاضر القلب متوجها إلى الله جل جلاله. وان من إيحاءات الفقر إلى ربنا[17]:

  • الفقر إلى الله هو تحقيق العبودية؛ والافتقار إلى الله تعالى في كل حالة.
  • فالافتقار إلى الله تعالى أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه عز وجل متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].
  • قال يحيى بن معاذ: “النسك هو: العناية بالسرائر، وإخراج ما سوى الله عز وجل من القلب”[18].
  • أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر.
  • الفقير من فَنِيَ بحبه عن حب ما سواه، وبأمره عن هواه، وبحسن اختياره له عن اختياره لنفسه.
  • الفقير خاضِعٌ متواضع، سليم القلب، سلسُ القياد للحق، سريع القلب إلى ذكر الله.
  • حقيقة الفقر إلى الله أن لا يستغني بشيء دون الله.
  • من جالسه قرَّت عينه به، ومن رآه ذكَّرته رؤيته بالله سبحانه.
  • حمل كلَّه ومؤْنته عن الناس، واحتمل أذاهم، وكف أذاه عنهم، وبذل لهم نصيحته، وسبَّل لهم عِرضَه ونفسه، لا لمعاوضة ولا لذلة وعجز.
  • ملازمة السنة في جميع الأفعال، وطلب القوت من وجه حلال.
  • أننا إذا أقبلنا عليه أقبل علينا، ومهما كان إقبالنا فلن يكون شيئًا في جوار إقبال رب العالمين علينا.
  • واعلم وفاقا للعارفين بالله إذا كانت المناجاة من القلب، لم تتعب الجوارح.
  • حين تتبخر شخصيتك ولا ترفعها على الخلق، ولا تراها شيئا، بله أن تشاهدها خير الناس!
  • حين تسير على طريق الشوق لا تظنن أنك الأقرب إلى الله فكلما تعمقت في بحر الإخلاص والمناجاة تكشف ضعفك وتهون عليك النفس التي بين جنبيك!
  • والفقر الحيوي إلى الله هو بمقدار معرفتك بربك وجلاله وغناه المطلق، ومعرفتك بنفسك وعجزك المطبق!
  • واعلم أن أكمل الخلق أكملهم عبودية لله، وأعظمهم شهودًا لفقره وحاجته.
  • ولسان الفقير إلى مولاه يلهج: اللهم أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.
  • الفقير من شعاره: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك!
  • نقول ما قاله سيدنا موسى: }رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{ [القصص: 24].
  • أننا عند الشدة والمحن؛ نتوسل إلى الله بصالح أعمالنا ليرفع عنا البلاء والوباء؛ “اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه”.
  • لا يدخل فيما لا يعنيه، ولا يبخل بما لا ينقصه.
  • لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب، ولا يرى له على أحد حقا، ولا يرى له على أحد فضلا.
  • مُقبلٌ على شأنه، مكرم لإخوانه، بَخِيلٌ بزمانه، حافظ للسانه، مسافر في ليله ونهاره، ويقظته ومنامه.
  • الاستكفاء بالكافي، وطرح النفس السقيمة بين يدي المُعَافي.

أهمية الافتقار إلى الله وخصائصه:

  • إن من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله تعالى، فهو: “حقيقة العبودية ولبُّها”[19].
  • وهي مطمح الأنبياء في رسالاتهم الجليلة؛ قال تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24].
  • بالافتقار إليه سبحانه لا نرى حركة لذرة في الكون بله المجرة إلا بأمر من الله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يـس: 82].
  • فإنَّ العبد المؤمِن الَّذي يعرف مولاه حقًّا وصدقًا لا يفتقِر إلَّا إلى الله، ولا يتحصَّن إلا به؛ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64] فإنَّ معيَّة الله وتأْييده ونصرته ستلاحقه ويعرفها في محنته وشدته وكذلك كان نبيُّنا -عليْه الصَّلاة والسَّلام-؛ ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]. قال أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدمَيْه لأبصرنا، فقال -عليْه الصَّلاة والسَّلام، وهو الواثق بربه-: “يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما، لا تحزَنْ إنَّ الله معنا”[20].
  • من افتقر إلى الله سبحانه وتعالى فقد اقترب منه، ومن اقترب أغناه الله تعالى، فهو يستغني بالله: بحبه عن حب من سواه، وبالخوف منه عن خوف من سواه، وبالرغبة فيما عنده عن الرغبة فيمن سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، فيستغني بالله سبحانه وتعالى عن كل من دونه.
  • لأن الافتقار إلى الله يجعلنا متمسكين برحمته التي يملكها ولا يملكه غيره وقد وسعت كل شيء؛ علمًا أن أعمالنا مهما اجتهدنا فيها فلن تدخلنا الجنة إلا أن يتغمدنا الله برحمته؛ فلم الافتقار إلى غيره؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يُدخِلُ أحدًا منكم عَمَلُهُ الجنَّةَ. قيلَ: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا، إلَّا أنْ يتغَمَّدَني اللهُ برَحمةٍ منه وفَضلٍ. ووضَعَ يَدَهُ على رَأسِهِ”[21].
  • بالافتقار إليه نستحضر معيته تعالى في كل وقت، ونستحضر تدبيره سبحانه للكون في كل وقت، وذلك من شدة الافتقار إليه والاقتراب منه.
  • حين نفتقر إلى الله ونراه الغني الغنى المطلق؛ نشهد كل شيء فقيرا لا يملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 56].

ما السر في عموم الخطاب؟

خطاب الله الغني الحميد موجهٌ للخلق قاطبة بأنهم هم الفقراء إليه؛ وهو خطاب عام ليس مقتصرا على فئة دون فئة، ولا طائفة دون طائفة، ولا يستهدف المؤمنين دون الملحدين، ولا الصالحين دون المفسدين الفاسقين، بل هو خطاب ينتظم كافة البشر، ويتجه ليشمل جميع بني آدم، أغنياء وفقراء، حكاما ومحكومين، على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم، وألوانهم وأصنافهم، وأفكارهم ودياناتهم وأيديولوجياتهم، وكل أولئك منضو تحت قوله: (يا أيها الناس).

وكذا (أنتم الفقراء) هو الفقر المطلق المحتوي على شتى الأصناف والأنواع والمفردات؛ وهو:

 الفقر في الوجود فالله هو الواهب للوجود،

والفقر في الصحة فالله المانح للعافية والمعافاة!

والفقر في العقل والفكر فالله هو الذي خلق وأودع في الإنسان القدرة على التفكير فلو شاء أن يعطلها لفعل!

والفقر في الجمال والمظهر؛ وهو الرازق الخالق المصور؛ فالله جميل يحب الجمال!

الفقر في المال والرزق؛ فقد يعيش المرء وضعا مزريا!

الفقر في الطعام والشراب والكساء.

الفقر في كل شيء يمكن أن يخطر على بالك يندرج تحت مسمى (أنتم الفقراء إلى الله).

فلو أن الله عطل في جسد الإنسان جهاز المناعة ماذا بوسع العبد الضعيف أن يصنع ويكون الفيروس الذي لا يرى بالعين قاتلا فاتكا بالجسد!

ماذا بوسع الإنسان لو أن الله لم يطلق سراح السماء بالأمطار، وقد زرع الإنسان آلاف الهكتارات تجدب الأرض ولا تنبت!؟

إذا أمسك الله ينابيع الرزق لبني آدم لا حظوظ له أمام التكسب والارتزاق!

هل يلزم من الفقر إلى الله قلة اليد؟

لا يلزم ذلك مطلقا؛ فمن أعطاه الله وشكر المنعم، وأدى حقوقه، وراعى الفقراء والمساكين وذوي الحاجة والفاقة والعوز؛ وناجى ربه، وكان حاضر القلب، نال نصيبه من الفقر إلى الله؛ فقد يكون فقيرا في غناه، وكأن الأموال ليست له، فهو مستخلف فيها يرد الأمانة إلى أصحابها؛ قال سبحانه: }وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ{ [الحديد: 7]. ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: “اليدُ العُلْيا خيرٌ منَ اليدِ السُّفْلَى، واليدُ العُلْيا هِيَ المنفِقَةُ، واليدُ السُّفْلَى هِيَ السائِلَةُ”[22].

 وتأمل ما رواه أبو هريرة قال: جاءَ الفُقَراءُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأمْوالِ بالدَّرَجاتِ العُلا، والنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كما نَصُومُ، ولَهُمْ فَضْلٌ مِن أمْوالٍ يَحُجُّونَ بها، ويَعْتَمِرُونَ، ويُجاهِدُونَ، ويَتَصَدَّقُونَ، قالَ: ألا أُحَدِّثُكُمْ إنْ أخَذْتُمْ أدْرَكْتُمْ مَن سَبَقَكُمْ ولَمْ يُدْرِكْكُمْ أحَدٌ بَعْدَكُمْ، وكُنْتُمْ خَيْرَ مَن أنتُمْ بيْنَ ظَهْرانَيْهِ إلَّا مَن عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فاخْتَلَفْنا بيْنَنا، فقالَ بَعْضُنا: نُسَبِّحُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، ونَحْمَدُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، ونُكَبِّرُ أرْبَعًا وثَلاثِينَ، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فقالَ: تَقُولُ: سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، واللَّهُ أكْبَرُ، حتَّى يَكونَ منهنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاثًا وثَلاثِينَ[23].

هل يلزم من الفقر ترك الدنيا؟

لا يلزم أبدًا ونحن نستمد السلوك إلى الله من قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ عن أَنَسَ بْن مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قال: “جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ: كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي”[24].

ولابن القيم كلام نفيس قال: “جملة نعت الفقير حقا أنه المتخلي عن الدنيا تظرُّفا، والمتجافي عنها تعفُّفا. لا يستغني بها تكثّرا ولا يستكثر منها تملُّكا. وإن كان مالكا لها بهذا الشرط لم تضرَّهُ، بل هو فقيرٌ غناه في فقره، وغنى فقره في غناه. ومن نعته أن يكون فقيرا من حاله، وهو خروجه عن الحال تبرِّيا، وترك الالتفات إليه تسلِّيا، وترك مساكنة الأحوال، والرجوع عن موافقتها. فلا يستغني بها اعتمادا عليها، ولا يفتقر إليها مساكنة لها”.

الفقر لا يعني الرهبانية:

إن الفقر إلى الله فيه نوع من التوازن ورد الأمور إلى نصابها، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ وغير ذلك مهما ألبس من ورع وزهد وانقطاع رهبانية وابتداع؛ قال سبحانه: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27].

عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: “آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فقَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ، ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ”[25].

الفقر لا يعني تعذيب النفس وتحمل المشقة:

عن أنس بن مالك قال: “مرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ برجلٍ يُهادى بينَ ابنينِ له فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشيَ فقال إن اللهَ عزَّ وجلَّ لغنيٌّ عن تعذيبِ هذا نفسَه وأمره أن يركبَ”[26].

إن دين الله العظيم جاء بحفظ الكليات الخمس وعلى رأسها كلية النفس وكلية العقل وكلية النسل؛ بما يحفظ وجودها، وما يحميها بالقصاص والحدود والتعازير!

أنبياء الله كانوا أغنياء في فقرهم وفقراء في غناهم:

فقد كان رسل الله وأنبياؤه في ذروته مع جدتهم، وملكهم، على غرار:

النبي إبراهيم:

كان سيدنا إبراهيم أبا الضيفان، وكانت له الأموال والمواشي، وكان غاية في الإكرام، فقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 24- 27]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “كان أوَّلَ من أضاف الضيفَ إبراهيمُ”[27]‌.

النبي داود:

وقد اشتغل سيدنا داود بالحدادة ورعي الغنم إلى أن قتل جالوت؛ وكان أحد جنود طالوت الذي آتاه الله الملك؛ وقد تقلد منصب الملك على جدارة واستحقاق؛ قال سبحانه: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ [البقرة: 251]. أي: منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم.

النبي سليمان:

وكذلك كان سليمان غنيًّا قويما ملكا؛ إذ ورث الملك والنبوة عن سيدنا داود عليهما السلام؛ فقال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل: 16].

خاتم النبيين سيد الثقلين:

وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم، كان كما قال الله تعالى: }وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ{ [الضحى: 8]؛ وقيل كان فقيرا فأغناه بخديجة؛ وهي من مناقبها الحسنة، وشمائلها العظيمة.

من علامات الفقر إلى الله وآثاره:

  • الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه[28].
  • “خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء، وشهود نعم الله، وجناياته هو؛ فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح”[29].
  • أن يدور مع الشرع حيث دار ولا يتلكأ عنه البتة؛ قال الحسن رضي الله عنه: “ما ضربتُ ببصري، ولا نطقتُ بلساني، ولا بطشتُ بيدي، ولا نهضتُ على قدمي، حتى أنظر أعلى طاعة أو على معصية؟ فإن كانت طاعة تقدمتُ، وإن كانت معصية تأخرتُ”[30].
  • ألا يستنكف عن الفقر إلى الله والتذلل له بالعبودية؛ (لَن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) [النساء: 172- 173].
  • إذا عرضت له غفلة –وهي عادية في الإنسان- تذكر؛ وآب إلى ربه بإصرار؛ يقول الله تعالى في وصف المؤمنين: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [السجدة: 15].
  • “يتخلى بفقره أن يتألَّه غير مولاه الحق، وأن يُضيع أنفاسه في غير مرضاته، وأن يُفرق همومه في غير محابه، وأن يُؤْثر عليه في حال من الأحوال، فيوجب له هذا الخلق وهذه المعاملة صفاء العبودية، وعمارة السر بينه وبين الله، وخلوص الود، فيصبح ويمسي ولا هّم له غير ربه، فقد قطع همُّه بربه عنه جميع الهموم، وعطلت إرادته جميع الإرادات، ونسخت محبته له من قلبه كل محبة لسواه”[31].
  • قال العارفون بالله: “إن الفقير لا تسبق همته خطوته” أنه ابن حاله ووقته؛ فهمته مقصورة على وقته لا تتعداه، ولا تستهلكه فيما سواه.
  • من كان مجتهدا في العادة تخرق له العادة.
  • ومن اجتهد في الافتقار إلى ربه يرى ما لم يره غيره.
  • الفقراء صبروا على المرارة فانقلبت في حقهم حلاوة.
  • الفقراء إلى الله من قطعوا ألسنتهم عن الشكوى إلى الخلق!
  • من افتقرَ إلى اللهِ تعالى اغتنى، والغِنى نوعان: غِنىً بالله وغِنىً عن غيرِ الله.
  • أن يكون سليم القلب؛ فلا يكون حقودا حسودا معجبا متكبرا.
  • دوام التبَصْبُصِ والاعتذار، بلسان صدق الافتقار، مع غاية الانكسار.
  • تخليص الأسرار من رؤية الأعمال، وترك الاعتماد على حسن الحال.
  • أن لا ينصرف العبد عن مولاه بخَلْقِه ولا بمُلْكه.
  • ما دام حب الدنيا في قلوبنا لا نرى شيئًا من أحوال الصالحين، ما دمنا مُكَدِّيين (متسولين) من الخلق، مشركين بهم، لا تنفتح عينا قلوبنا!
  • سكاكين القدر تقطع لحومهم ولا يُمالون ولا يتألمون؛ وذلك لرؤيتهم المؤلم ودهشتهم به.
  • يواصلون الحق عز وجل بالطاعة، والخلقَ بحسن العشرة، والأهل بالصلة؛ هم في نعيمهم دنيا وأخرى؛ في الدنيا نعيم القرب، وفي الآخرة نعيم الجنة ورؤية الله عز وجل.
  • أحدُ الخُلفاء العباسيين كانَ يَحُجُ البيت، فالتقى بعالِمٍ جليل في الحرمِ المكيّ، قالَ لهُ: سلني حاجَتَك، قال لهُ: واللهِ إني لأستحيي أن أسألَ غيرَ الله في بيتِ الله، فلمّا التقى بِهِ خارِجَ الحرَم، قالَ: سلني حاجَتَك، قالَ: واللهِ ما سألتها من يملِكُها، أفأسألُها من لا يملِكُها؟ فقالَ: سلني حاجَتَك، قالَ لهُ: أُريد أن أنجوَ من النار، فقالَ لهُ: هذهِ ليست بيدي، فقالَ لهُ: ليست لي حاجةٌ عِندَك.

أركان الفقر إلى الله:

إن أركان الفقر أربعة:

  1. علم يسوسه، فلا يظنن أحد أن الافتقار تواكل وخمول، فالعلم نور وبصيرة على الطريق الصحيح، فالعارفون بالله لا يحيدون عن شرع الله قيد أنملة، بل هم منضبطون بأحكامه، وسلوكهم إلى الله باستبصارها على الطريق، وهم نسخة واقعية لمثل نتصورها في عالم المثل.
  2. وورع يحجزه، وبئس المرء إذا لم تحكمه أخلاق الورع والزهد؛ لأن الفقر إلى الله في حاجة إلى التنزه عن المشتبهات، والمكروهات، ومواضع التهم، و”من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه”[32]، “من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه”[33].
  3.  ويقين يحمله، فالسائرون على طريق الله بالفقر إليه، هم لم يبلغوا هذه المنزلة إلا بيقين امتلك قلوبهم ولبابهم وأفئدتهم، فهم مقتنعون بمقاصد الفقر إلى الله، والغاية المرجوة منه، وتهون عليهم كل المسالك الوعرة الشائكة، و”من عرف ما قصد هان عليه ما وجد”.
  4.  وذكر يؤنسه؛ والفقراء إلى الله من المفردين السباقين إلى الجنان، الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، بل إن قلوبهم حية، وألسنتهم رطبة تلهج بذكر الله، كما قال الحبيب: “مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ”[34].

لماذا نحن الفقراء إلى الله؟

(أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ)

  •  أي: أنكم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وجميع الخطوات التي تخطونها والخطرات التي تخطر ببالكم، وهو الغني عنكم بالذات!
  • فقراء إلى الله؛ لأنا ضعفاء في أصل خلقتنا، خلقنا من ماء مهين؛ عاجزون فكيف نتكبر على غيرنا ونحن الذين خرجنا من مجرى البول مرتين؛ قال سبحانه: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ) [الطارق: 5- 10].
  • وفقراء إلى ربنا؛ لأنا لا ندري كيف أتينا إلى هذه الدنيا: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. فهو جل جلاله من تكفل بأرزاقنا داخل الأرحام وخارجها؛ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6].
  • فقراء إلى الله؛ لأننا لا نأمن على أنفسنا الفتنة ما ظهر منها وما بطن؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء”[35]. ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم مصرف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك”[36].
  • فقراء إلى الله لأننا المحتاجون إليه في بقائنا وكل أحوالنا؛ وذلك في كل شؤوننا الدنيوية والأخروية.
  • فقراء إلى الله؛ لأن الفقر لنا وصف ذاتي لازم أبدا، كما أن الغنى أبدا وصف لله ذاتي!
  • فقراء إلى الله؛ فإنه لا يهدي إلى أحسن الأعمال وأفضل الأخلاق ولا يصرف عنا السوء إلا هو؛ قال سبحانه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِه) [يونس: 107].
  • فقراء إليه؛ لأنه وحده الذي يمتلك قلوبنا؛ ويفتح علينا ببركات من السماء والأرض؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96].
  • فقراء إلى الله في كل لحظة؛ لا نستغني عنه طرفة عين، فلو تركنا لهلكنا؛ لأننا ريشة في مهب رياح القدر لا نملك أنفسنا ولا نقدر بأنفسنا على الاستمرار بغير عناية ربنا!
  • فقراء إلى الله؛ لأن الإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؛ فأكرمه الله تعالى بنعمة الإيجاد؛ أن خلقه من عدم، وصار له وجود في هذا الكون، ولولاه سبحانه ما كان للإنسان وجود يذكر.
  • فقراء إلى الله؛ لأنه هو سبحانه الذي خلق في الإنسان القوة والقدرة على الحركة والعمل والفعل؛ فلو أنه سبحانه سلبها من الإنسان؛ لانكشف ضعف هذا الإنسان وفقره وعجزه!
  • فقراء إلى إمداد الله الذي لا ينقطع، فلو توقف وحرمنا، أحسسنا بالفقر المدقع إلى ربنا العلي القدير المنعم وأنه أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأن النعمة الواحدة لا يحصرها عد ولا حساب!
  • فقراء إلى الله في الحفظ والإبعاد؛ بصرف الله الآفات والمصائب عنا، ويكشف الهموم والغموم، ويفرج الكروب؛ فلا إله إلا هو سبحانه إنا كنا من الظالمين؛ فإنا لا نقدر وحدنا مهما اجتهدنا على صدها ومقاومتها، ولنا رب جل في علاه يرحمنا ويسوق ألطافه إلينا في الوقت المناسب؛ لأن أقداره تجري بحكمة!
  • فقراء إلى الله في تزكية أنفسنا، وتربية من حولنا؛ فاللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
  • فقراء إلى الله؛ لأنا نحبه ونكبره ونعظمه؛ فهو الذي خلقنا وأمدنا بنعمه، ووافانا بإحسانه، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
  • فقراء إلى الله ولا سيما في الفتن وأيام المحن والإحن و”من ظن انفكاك لطفه عن قدره؛ فذلك لقصور في نظره” كما قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله!
  • فقراء إلى الله وإن قمنا ببعض الواجب في الشكر والحمد والعبادة؛ لكنا نسأله الاستمرار والثبات، ولا أسوأ من الحرمان بعد العطاء، والنقمة بعد النعمة، والكفر بعد الشكر، والسيئة بعد الحسنة!
  • فقراء إلى الله إن قصرنا بين يديه، فإن تقصيرنا لن يردنا للوراء ويزيد انغماسنا في القصور والتمادي عليه، فإنا متمسكون برحمته، وكلما أحسسنا بالتقصير أحسسنا بالفقر إليه وإلى رحمته؛ لأنا نتعمد على رحمة الله قبل كل شيء؛ إذ “من علامات الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل”[37].
  • لأنه المثبت من الركون إلى حلاوة الدنيا وجاذبية النفس الأمارة بالسوء؛ قال سبحانه: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) [الإسراء:74].

الفقر إلى الله ينسب الفضل إليه:

من باب الافتقار إلى الله ننسب ما بنا من نعمة إلى الله، وما بنا من طاعة فمن الله، ومن توفيقه، وهدايته؛ فالمنة إذًا لله جميعا؛ فله الفضل والمنة، وليس من الافتقار إليه أن ننسبها إلى كدنا وجهدنا وعملنا؛ قال الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) [الأنعام: 125]. وقال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان) [الحجرات: 17]. وفي الحديث القدسي: “قال الله تعالى: يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم”[38]. ولما ينسب المرء المنة إليه قاطعا الوصل مع الله يخرم فقره؛ إذ ورد النهي في قوله تعالى: (وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) [المدثر: 6].

 (وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي: المتصف بالصفات الآتية:

  •  الله هو المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بنا وبغيرنا فمنه، فله الحمد والشكر بكل حال.
  • هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله، ويقدره ويشرعه.
  • الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق.
  • الله هو الغني الذي يقضي حاجاتنا وما أكثرها، ولا يقضيها غيره!
  • الله هو الغني؛ لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال.
  • الله هو الغني عن خلقه المحمود في إحسانه إليهم.
  • إن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه؛ لأنها حسنى، وأوصافه؛ لكونها عليا، وأفعاله؛ لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه.
  • لأن الله غني عن عبادتنا إياه وعن خدمتنا، وعن غير ذلك من الأشياء؛ منا ومن غيرنا، ولكننا نحن الفقراء إليه، نحن المحتاجون لعبادته ورحمته التي وسعت كل شيء.
  • قال تعالى: }كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى{ [العلق: 6- 7]. ولم يقل: إن استغنى، بل جعل الطغيان ناشئًا عن رؤية غنى نفسه، والأصل أن الغني الله وأننا الفقراء إليه.

الله غني عن العباد ونحن الفقراء إليه:

إن الغنى المطلق لله سبحانه وتعالى، وهو غير محتاج إلى عبيده؛ قال سبحانه: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) [الحـج: 37]. وقال سبحانه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10].

اعلم أنَّ اللّه عز وجل غني عن عبادة العباد؛ إذ إن الأصل أنه سبحانه ليس في حاجة إلى عبادتنا وطاعاتنا، بل نحن الذين في حاجة ماسة إلى عبادته وطاعته وهو من الافتقار إلى الله؛ قال الله عز وجل: (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]، وقال تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7]، وقال تعالى: (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40]، وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم:  8]. وفي الحديث القدسي: “قال الله تعالى: يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر”[39].

لمَ عُرّفَ الفقراء؟

قال الزمخشري: فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم؛ لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله: }وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا{، وقال: }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ{ ولو نكر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء[40].

لماذا ألحق الحميد بالغني؟

فإن قلت: قد قوبل الفقراء ب (الغني) فما فائدة (الحميد)؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم، وليس كل غني نافعا بغناه إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد – ذكر (الحميد) ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه. وتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل، ويجوز تخفيف الأولى وحدها وتخفيفهما وتحقيقهما جميعا. والله هو الغني الحميد تكون (هو) زائدة، فلا يكون لها موضع من الإعراب، وتكون مبتدأة فيكون موضعها رفعا[41].

قال الآلوسى: قوله (الحميد) أي: المنعم على جميع الموجودات، المستحق بإنعامه للحمد، وأصله المحمود، وأريد به ذلك عن طريق الكناية، ليناسب ذكره بعد فقرهم، إذ الغنى لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادًا منعمًا، ومثله مستحق للحمد، وهذا كالتكميل لما قبله[42].

وابن عاشور يقول: وإتباع صفة (الغني) بـ (الحميد) تكميل؛ فهو احتراس لدفع توهمهم أنه لما كان غنيًا عن استجابتهم وعبادتهم فهم معذورون في أن لا يعبدوه، فنبه على أنه موصوف بالحمد لمن عبده واستجاب لدعوته كما أتبع الآية الآخرى }إن تكفروا فإن اللَّه غني عنكم{ [الزمر: 7] بقوله: }وإن تشكروا يرضه لكم{ [الزمر: 7]. ومن المحسنات وقوع (الحميد) في مقابلة قوله: (إلى الله) كما وقع (الغني) في مقابلة قوله: (الفقراء)؛ لأنه لما قيد فقرهم بالكون إلى الله قيدّ غنى الله تعالى بوصف (الحميد)؛ لإفادة أن غناه تعالى مقترن بجوده فهو يحمد من يتوجه إليه[43].

فقر سيدنا أيوب:

وهذا نبي الله أيوب عليه السلام قال تعالى عنه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83]. ولما أحس سيدنا أيوب بشدة الكرب عليه؛ أفصح عن لب فقره إلى مولاه؛ وبكلمات عظيمة لم يتخلف الجواب هنيهة!

فقر سيدنا يونس:

وهذا نبي الله يونس عليه السلام قال الله تعالى عنه: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]. كان في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر. ولما أفصح عن فقره وفت الشدة بكلمات عظيمة فيها توحيد وتنزيه واعتراف؛ صارت نافعة في تفريج الكروب، وكشف الهموم!

فقر سيدنا يوسف:

اختار سيدنا يوسف طريق الله على غيره؛ فهو لب الفقر إلى الله؛ قال سبحانه: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة يوسف: 33]. وأن العفّة التي ارتقى إليها، لم ينسبها لنفسه، بل كانت من فضل الله؛ فهو الصارف لكيد النساء عنه!

التحديات في زمن الفتنة:

إن الفقراء إلى الله يدركون أن الفتنة من الابتلاء، وأنها تحدي لا بد أن يجتازوه بنجاح ورضا وصمود، وتسليم لما قدر الله وقضى، وأن راحة البال ليست ضربة لازب، لذا قرر الله فقال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: 2].

وأن المكر والمكيدة المحبوكة لهم أتباع الحق المبين متنوعة وخطيرة؛ حتى إن دقيق وصف الله تعالى أن مكرهم قد تزل الجبال من محالها بسببه؛ ولكن الصمود شعار الفقراء إلى الله قال سبحانه: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46].

ومع ذلك لا ينساهم الله ويثبتهم وينتصر لقضاياهم العادلة ما داموا مستوفين شروط الفقر إلى الله قال سبحانه: ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾ [إبراهيم: 47].

إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد:

قوله تعالى: }إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{

قوله تعالى: }إن يشأ يذهبكم{ فيه حذف؛ المعنى إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم؛ أي يفنيكم. ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والإبادة، وأن مشيئته غير قاصرة عن ذلك.

}وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{ أي أطوع منكم وأزكى؛ يطيعونه ويأتمرون لأمره وينتهون عمَّا نهاهم عنه.

 }وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{ أي ممتنع عسير متعذر، بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره، أن يذهبكم ويأتي بآخرين على غير صفتكم، ولا يكلفه شيئًا إلا أن يصدر أمرًا يوجهه فيتحقق توًّا، أو إرادة ينفذها ربنا حالا من غير تمانع؛ قال سبحانه: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس: 82].

وإذا كان هذا حالك أيها الإنسان الضعيف فحطم قيود العبودية لغير الله، واكسر جدار كبريائك، وتفرغ لمولاك وسيدك وتمرغ في وحل الفقر بين يديه معترفا بتقصيرك، ومقرا بجبروت الله. وينبغي أن تجعلَ ولاءَكَ لمولاك لمن بيدهِ زمامُك.

 ومنه قوله تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{ [إبراهيم: 19].

وقال : }وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{ [محمد: 38] ، وقال: }يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{ [المائدة: 54] وقال: }إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا{ [النساء: 133].

وسائل من أجل رسوخ الفقر إلى الله:

إن ثمة جملة من الوسائل من أجل ترسيخ الفقر إلى الله على جدارة واستحقاقا؛ ألمعنا إليها في طيات هذا البحث في معنى الفقر إلى الله وعلاماته بين يدي تفسير الآية وتدبرها وتأمل مقاصدها وأسرارها؛ وهذه بعض من تلكم الوسائل:

  1. إدراك عظمة الخالق وجبروته ومشاهدة بره وإحسانه: فكلما كان العبد أعلم باللـه تعالى وصفاته العليا وأسمائه الحسنى؛ كان أعظم افتقارًا إليه وتذللًا بين يديه؛ وليس جزافا أن يأمرنا الله بالتوسل بأسمائه الحسنى؛ فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]. إذًا، يجب مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها؛ فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالة وافتقر إليه وحقق شروط الافتقار إلى الله سبحانه. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53]. ولا يخفى أن أعظم هذه النعم: نعمة الهداية لهذا الدين، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
  2. قراءةُ القرآن بالتدبر والتفهّم لمعانيه وما أُريدَ به، كتدبّر الكتابِ الذي يحفظه العبدُ ويشرحه؛ ليتفهَّم مُرادَ صاحبه منه. قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]. وقال عبد الله بن مسعود: “لا تنثروه كنثر الدقل، ولا تهذوه كهذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة”[44].
  3. الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، والصلاة والقيام والدعاء وقراءة القرآن، والابتهال، والتفكر، ولذة المناجاة، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة؛ قال تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 17- 18]، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟”[45]. لأن الخلوات معقل الإخلاص، ومحضن الصدق مع الله، فقد هيأ الله نبيه لتلقي الرسالة في غار حراء يتعبد ويتحنث ولا يراه إلا مولاه حتى أنزل عليه الوحي وقام يدعو إلى الله فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين! وقد ألمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلوة في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم “رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”[46].
  4. إدراك مدى ضعفنا وعجزنا وحاجتنا إلى الله؛ وقد خلقنا ضعفاء عاجزين لا نقوم بوحدنا بل بعناية الله تعالى وتسخيره، ومن عرف نفسه لزم قدره، وزاد افتقاره لمولاه؛ وهذا يزيد في تضرعنا إلى الله وأن نجأر بالدعاء والمناجاة والابتهال وننكسر فقرا وافتقارا. وموازاة لذلك يجب مشاهدة برِّه سبحانه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى الافتقار إليه لا محالة، والدينونة له وتعبيد الخلق له.
  5. التوبة والاستغفار؛ فهما المدخل إلى الافتقار إلى الله خصوصا أولئك الذين يبحثون عن الافتقار وقد غرقوا في المعاصي والسيئات؛ قال سبحانه: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) [غافر: 55]. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يا أيها الناس! توبوا إلى اللَّه؛ فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة”[47]. وقال عليه الصلاة والسلام: “والله! إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة”[48]. وقال: “إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة”[49]. ولاحظ مدى الافتقار في سيد الاستغفار: “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”[50].
  6. مداومة ذكر الله في الصباح والمساء؛ أي: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة والفقر إلى الله على قدر نصيبه من هذا الذكر؛ لأن الذكر حياة القلوب، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) [الرعد: 28]. وقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بقوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون) [الزمر: 9]. وقوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190-191]. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: “ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟! أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا”[51]. قال ابن القيم: “إن في القلب خلة وفاقة لا يسدَّها شيء ألبته إلا ذكر الله عز وجل، فإذا صار الذكر شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة، واللسان تبع له، فهذا هو الذكر الذي يسدّ الخلة ويغني الفاقة، فيكون صاحبه غنيًا بلا مال، عزيزًا بلا عشيرة، مهيبًا بلا سلطان. فإذا كان غافلًا عن ذكر الله عز وجل؛ فهو بضد ذلك، فقير مع كثرة جدته، ذليل مع سلطانه، حقير مع كثرة عشيرته”[52]. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. عن أبي هريرة -رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم”[53].
  7. الدعاء والإلحاح على الله؛ عن أبي بكرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت”[54]. فإنَّ الله قريبٌ منه؛ هو القائل: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]. وقال سبحانه في الحديث القدسي: “قال اللهُ: عبدي عند ظنِّه بي وأنا معه إذا دعاني، وإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم وأطيبَ”[55]. ومن مقاصد الدعاء: إما أن يجيبه إلى سؤاله، وإما أن يدفع عنه من الشر مثلما سأله، وإما أن يدّخرها له في الآخرة.
  8. العناية بالقلب وعدم إهماله، وامتطاؤه في السير إلى الله وإلى الدار الآخرة؛ قال بعض الصالحين: “مفاوز الدنيا تُقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب”[56]. قال صلى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه -وذكر منهم- رجل قلبه معلَّق في المساجد”[57]. قال الحافظ ابن حجر معلقا على الحديث أن فيه: “إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنه”[58]. وأن المرء على الرغم من انفصاله عن جدران بيت الله، لكن القلب يظل معلقا به متعلقا بربه؛ قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور: 36- 37]. وهذا كله مقصوده: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
  9. خشية اللّه في السرَّ والعلن؛ ذلك لأن الخوف من الله تعالى من أجلّ صفات الفقراء إلى الله، قال عز وجل: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2]. وقال عز وجل: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحج: 34- 35]. وقال سبحانه: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46]، وقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى) [النازعات: 40- 41]. وقال تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم: 14].
  10. إيثار محابه تعالى على محابنا عند غلبة الهوى، وهو المحكّ الذي نعرف به فقرنا إلى الله ومصداقيته من عدمها؛ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”[59]. وروي أن سيدنا عمر الفاروق قال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك”، فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”[60].
  11. العناية بمقاصد الصلاة؛ لأنها جسر بين العبد وربه؛ ومن أراد أن يكلم ربه، ويناجيه، ويطلبه حاجاته؛ فليعتن بصلواته؛ همة وشموخا وتذللا، وأسرارا؛ بأركانها وشروطها، بسننها ومستحباتها، في وقتها، عن عائشة رضي الله عنها: “أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهنة أهله -تعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة”[61]. ومن كانت هذه هي حاله رأيته متيقظ القلب، دائم المناجاة لربه في صلواته وخلواته، يستجير استجارة المفتقر الذليل المنكسر على أعتابه؛ قال الله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون) [الزمر: 9]. وقال سبحانه وتعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعًا) [السجدة: 16]. وقال: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَامًا) [الفرقان: 64]، قال الحسن البصري: “تجري دموعهم على خدودهم فَرَقًا من ربهم”[62]. وتأمل معي قول الحق جلَّ وعلا: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 107- 109]. ويتصل بهذا التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة الفقر إلى مولاه؛ قال الحبيب: “إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”[63].
  12. الوجل من عدم قبول العمل؛ وهذا طريق الفقر إلى الله؛ إذ على الرغم من شدة إقبال العبد على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ فإنه مشفق غاية الإشفاق على نفسه من عدم القبول؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: “لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات”[64].
  13. مجالسة الفقراء إلى الله الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحتْ مصلحة الكلام، وعلمتَ أنَّ فيه مزيدًا لحالك ومنفعةً لغيرك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”[65]. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: “لولا ثلاث ما أحببت العيش في الدنيا: الغزو في سبيل الله، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر”[66].
  14. مباعدةُ كلِّ سببٍ يحولُ بينَ القلب وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ أو بين العبد والافتقار إلى مولاه؛ واعلم أن إظهار استغناءك وتهورك به، وإضمار فقرك ونسف شروطه: كفر بالخالق؛ وهو غني عن عبادتك؛ (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].  وقال: (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12].

الدعاء الناصري: (يا رب يا رب وقفنا فقرا ** بين يديك ضعفاء حقرا)

وأختم بالدعاء الناصري مع التنويه على أن هذا الدعاء الذي كان يتلى في المساجد، والمجالس، والزوايا، والمدارس، حاول الاستعمار أن يمنعه ونشر جواسيسه للقبض على كل من حمل هذا الدعاء،

يـــا مَـــنْ إلَـــى رَحْـمَـتِـهِ الْـمَـفَرُّ ** وَمَــــنْ إلَــيْــهِ يَـلْـجَـأُ الْـمُـضَّـطَرُ

وَيَـــا قَــرِيـبَ الْـعَـفْوِ يَــا مَــوْلاَهُ ** وَيَـــا مُـجِـيـبَ كُـــلِّ مَـــن دَعَــاهُ

بِــكَ اسْـتَـغَثْنَا يَــا مُـغِيثَ الـضُّعَفَا ** فَـحَـسْـبُنَا يَـــا رَبِّ أَنـــتَ وَكَـفَـى

فَـــلاَ أَجَـــلَّ مِــن جَـلِـيلِ قُـدْرَتِـكْ ** وَلاَ أَعَـــزَّ مِــنْ عَـزِيـزِ سَـطْـوَتِكْ

لِـقَـهْـرِ مُـلْـكِـكَ الْـمُـلُوكُ تَـخْـضَعُ ** تَـخْفِضُ رَغْـمًا مَـن تَشَاءُ وَتَرْفَعُ

وَالأَمْــــــرُ كُـــلُّـــهُ إلَـــيْـــكَ رَدُّهُ ** وَبِـــيَــدَيْــكَ حَـــلُّـــهُ وَعَـــقْـــدُهُ

وَقَــــدْ بَـسَـطْـنَـا أَمْــرَنَــا لَــدَيْـكَ ** وَقَــــدْ شَــكَـوْنَـا ضَـعْـفَـنَا إلَــيْـكَ

فَـارْحَـمْنَا يَــا مَـن لاَ يَـزَالُ عَـالِمًا ** بِـضَـعْـفِـنَـا وَلاَ يَـــــزَالُ رَاحِــمًــا

وَانْـظُرْ إلَـى مَـا مَسْنَا بَيْنَ الْوَرَى ** فَـحَـالُـنَا مِــن بَـيْـنِهِمْ كَـمَـا تَــرَى

وَنَـحْـنُ يَــا مَــن مُـلْـكُهُ لاَ يُـسْلَبُ ** لُــذْنَـا بِـجَـاهِـكَ الَّـــذِي لاَ يُـغْـلَـبُ

إلَـيْـكَ يَــا غَــوْثَ الـذَّلِـيلِ نَـسْـتَنِدْ ** عَـلَيْكَ يَـا كَـهْفَ الـضَّعِيفِ نَـعْتَمِدْ

مِــنـكَ الْـعِـنَايَةُ الْـتِـي لاَ نَـرْتَـجِي ** حِـمَـايَةً مِــنْ غَـيْـرِ بَـابِـهَا تَـجِـي

أَنـــتَ الَّـــذِي تَـهْـدِي إذَا ضَـلَـلْنَا ** أَنــــتَ الَّــــذِي تَـعْـفُـو إذَا زَلَـلْـنَـا

يَـا وَاسِـعَ الإحْـسَانِ يَـا مَنْ خَيْرُهُ ** عَـــمَّ الْــوَرَى وَلاَ يُـنَـادَى غَـيْـرُهُ

وَسِــعْـتَ كُــلَّ مَــا خَـلَـقْتَ عِـلْـمًا ** وَرَأْفَــــــةً وَرَحْـــمَـــةً وَحِــلْــمًـا

وَقَـــــدْ مَــدَدْنَــا رَبَّــنَــا الأَكُــفَّــا ** وَمِــنــكَ رَبَّــنَـا رَجَــوْنَـا الـلُّـطْـفَا

فَــأَبْــدِلِ الــلَّـهُـمَّ حَـــالَ الْـعُـسْـرِ ** بِـالْـيُسْرِ وَامْـدُدْنَـا بِـرِيـحِ الـنَّصْرِ

وَاَجْـعَـلْ لَـنَـا عَـلَى الْـبُغَاةِ الْـغَلَبَهْ ** وَاقْصُرْ أَذَى الشَّرِّ عَلَى مَنْ طَلَبَهْ

وَاَنْـصُـرْ حِـمَـانَا يَـا قَـوِيُّ نـصْرا ** وَاقْـهَـرْ عِـدَانَـا يَــا عَـزِيـزُ قَـهْرا

وَاعْـكِسْ مُـرَادَهُمْ وَخَيِّبْ سَعْيَهُمْ ** وَاهْـزِمْ جُـمُوعَهُمْ وَأَفْـسِدْ رَأْيَهُمْ

وَعَــجِّـل الـلَّـهُـمَّ فِـيـهِـمْ نِـقْـمَـتَكْ ** فَــإنَّـهُـمْ لاَ يُــعْـجِـزُونَ قُــدْرَتَــكْ

وَكُــــنْ لَــنَــا وَلاَ تَــكُــنْ عَـلَـيْـنَـا ** وَلاَ تَــكِــلْــنَـا طَـــرْفَـــةً إلَــيْــنَــا

يَـــا رَبِّ يَـــا رَبِّ بِـــكَ الـتَّـوَسُـلُ ** لِــمَــا لَــدَيْــكَ وَبِــــكَ الــتَّـوَصُّـلُ

يَــــا رَبِّ أَنــــتَ رُكْـنُـنَـا الـرَّفِـيـعُ ** يَـــا رَبِّ أَنـــتَ حِـصْـنُـنَا الْـمَـنِيعُ

يَــــا رَبِّ يَــــا رَبِّ أَنِـلْـنَـا الأَمْــنَـا ** إذَا ارْتَـــحَــلْــنَــا وَإذَا أَقَـــمْـــنَــا

وَاَجْـعَـلْ بِـصَـادٍ وَبِـقَـافٍ وَبِـنُونْ ** أَلْـفَـي حِـجَابٍ مِـن وَرَائِـنَا تَـكُونْ

بِــــــجَـــــاهِ لاَ إلَـــــــــــهَ إلاّ اللهُ ** وَجَـــاهِ خَــيْـرِ الْـخَـلْقِ يَــا رَبّــاهُ

وَجَـــاهِ مَـــا بِـــهِ دَعَــاكَ الأَنـبِـيَا ** وَجَـــاهِ مَـــا بِــهِ دَعَــاكَ الأَوْلِـيَـا

وَجَـــاهِ كُــلِّ مَــن رَفَـعْـتَ قَــدْرَهُ ** مِـمَّـن سَـتَـرْتَ أَوْ أَشَـعْـتَ ذِكْـرَهُ

وَجَـــاهِ آيَـــاتِ الْـكِـتَـابِ الْـمُـحْكَمِ ** وَجَــاهِ الاسْــمِ الأَعْـظَـمِ الْـمُـعَظَّمِ

رَبِّ دَعَــوْنَـاكَ دُعَــاءَ مَــن دَعَــا ** رَبًّــا كَـرِيـمًا لاَ يَــرُدُّ مَــن سَـعَـى

فَـاقْـبَلْ دُعَـاءَنَـا بِـمَحْضِ الـفَضْلِ ** قُـبُـولَ مَــنْ أَلْـقَى حِـسَابَ الْـعَدْلِ

وَامْــنُــنْ عَـلَـيْـنَـا مِــنَّـةَ الْـكَـرِيـمِ ** وَاعْـطِـفْ عَـلَـيْنَا عِـطْـفَةَ الْـحَـلِيمِ

وَانـشُـرْ عَـلَيْنَا يَـا رَحِـيمُ رَحْـمَتَكْ ** وَابْـسُـطْ عَـلَـيْنَا يَــا كَـرِيمُ نِـعْمَتَكْ

وَخِـــرْ لَـنَـا فِــى سَـائِـرِ الأَقْــوَالِ ** وَاخْـتَـرْ لَـنَـا فِـي سَـائِرِ الأَحْـوَالِ

وَاجْـمَعْ لَـنَا مَـا بَـيْنَ عِـلْمٍ وَعَـمَلْ ** وَاصْـرِفْ إلـى دَارِ الْبَقَا مِنَّا الأَمَلْ

وَانْـهَجْ بِـنَا يَـا رَبِّ نَـهْجَ الـسُّعَدَا ** وَاخْـتِـمْ لَـنَا يَـا رَبِّ خَـتْمَ الـشُّهَدَا

وَأَصْــلِـح الـلَّـهُـمَّ حَـــالَ الأَهْـــلِ ** وَيَــسِّـرْ الـلَّـهُـمَّ جَــمْـعَ الـشَّـمْـلِ

وَاقْــضِ لَـنَـا أَغْـرَاضَنَا الْـمُخْتَلِفَهْ ** فِــيـكَ وَعَـرِّفْـنَـا تَــمَـامَ الْـمَـعْرِفَهْ

يَــا رَبِّ وَانـصُرْ دِيـنَنَا الْـمُحَمَّدِي ** وَاجْـعَـلْ خِـتَـامَ عِــزِّهِ كَـمَـا بـدِي

وَاعْفُ وَعَافِ وَاكْفِ وَاغْفِرْ ذَنْبَنَا ** وَذَنْـــبَ كُـــلِّ مُـسْـلِـمٍ يَـــا رَبَّــنَـا

وَصَـــلِّ يَـــا رَبِّ عَـلَـى الْـمُـخْتَارِ ** صَـــلاَتَــكَ الْــكَـامِـلَـةَ الْــمِــقْـدَارِ

صَــلاَتَــكَ الَّــتِــي تَــفِـي بِــقَـدْرِهِ ** كَــمَــا يَــلِـيـقُ بِــارْتِـفَـاعِ ذِكْـــرِهِ

ثُـــمَّ عَــلَـى الآلِ الْـكِـرَامِ وَعَـلَـى ** أَتْـبَـاعِـهِ الْــغُـرِّ وَمَــن لَـهُـمْ تَــلاَ

وَالْــحَـمْـدُ لــلــهِ الَّـــذِي بِـحَـمْـدِهِ ** يَـبْـلُـغُ ذُو الْـقَـصْدِ تَـمَـامَ قَـصْـدِهِ

وفي الختام أدعو الله تعالى فأقول:

“اللهم لك الحمد أنت قيَّم السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد لكَ مُلْك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، ولك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك”[67].

أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضريع، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.

اللهم اجعلنا عليك متوكلين، وإليك آيبين تائبين، اللهم اغفر لنا تقصيرنا، وإسرافنا في أمرنا يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن يحققون الفقر إليك يا قويُّ يا متين.

وكتبه: د. أبو نوفل حسن يشو –لطف الله به وبكم-

قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة/ جامعة قطر

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الدوحة


[1] طريق الهجرتين: 9.

[2] انظر تفسير ابن كثير.

[3] مدارج السالكين: 2/ 410.

[4] مجموع الفتاوى: 13/ 28.

[5] الجامع لأخلاق الراوي: 1/ 142.

[6] انظر رسالة العبودية لابن تيمية.

[7] مجموع الفتاوى: 10/ 193- 194.

[8] مفتاح دار السعادة: 1/ 500.

[9] مدارج السالكين: 1/ 458.

[10] طريق الهجرتين: 70.

[11] الزهد، لعبد الله بن المبارك: 151.

[12] مدارج السالكين: 1/ 177.

[13] أخرجه البخاري برقم (6439) واللفظ له، ومسلم برقم (1048).

[14] أخرجه البخاري برقم (2887)، والطبراني في المعجم الأوسط برقم (2595).

[15] أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (299)، والحاكم برقم (2130)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم (1248).

[16] أخرجه مسلم برقم (2577).

[17] بعض العبارات مستفادة من المدارج لابن القيم، والرسالة القشيرية، ورسالة المسترشدين، وإحياء علوم الدين، والإحسان، وباستقرائي للنصوص صغت أغلبها، وتصرفت في كلام أرباب السلوك بما يناسب!

[18] ذم الهوى، لابن الجوزي: 69.

[19] مدارج السالكين: 2/ 439.

[20] أخرجه البخاري برقم (4663)، ومسلم برقم (2381)، والترمذي برقم (3096)، والمروزي في مسند أبي بكر برقم (71).

[21] أخرجه البخاري برقم (6463)، ومسلم برقم (2816)، وابن ماجه برقم (4201)، وأحمد برقم (10614).

[22] أخرجه البخاري برقم (5355)، ومسلم برقم (1042).

[23] أخرجه البخاري برقم (843)، ومسلم برقم (595).

[24] أخرجه البخاري برقم (5063).

[25] أخرجه البخاري برقم (1968).

[26] أخرجه البخاري برقم (1865)، ومسلم برقم (1642)، وأبو داود برقم (3301)، والترمذي برقم (1537)، والنسائي برقم (3853)، وأحمد برقم (12889)، والطحاوي في شرح معاني الآثار برقم (4803).

[27] أخرجه الطبراني في كتابه الأوائل: 10، والبيهقي في شعب الإيمان مرفوعًا: 6/ 395، برقم (8641)، وذكره الماوردي في أعلام النبوة ص (33)، والعجلوني في كشف الخفاء: 1/ 267، وقال: رواه مالك عن سعيد بن المسيب مرسلًا، والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

[28] مدارج السالكين: 2/ 440.

[29] الروح: 232.

[30] جامع العلوم والحكم: 1/ 155.

[31] طريق الهجرتين: 18.

[32] أخرجه الترمذي برقم (2317)، وابن ماجه برقم (3976).

[33] صححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2075).

[34] أخرجه البخاري برقم (6407) واللفظ له، ومسلم برقم (779).

[35] أخرجه مسلم، في كتاب القدر برقم (2654).

[36] أخرجه مسلم، في كتاب القدر برقم (2654).

[37] من حكم ابن عطاء الله السكندري.

[38] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، برقم (2577).

[39] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، برقم (2577).

[40] انظر الجامع لأحكام القرآن للرقطبي.

[41] انظر الجامع لأحكام القرآن للرقطبي.

[42] انظر روح المعاني عند تفسير الآية.

[43] انظر التحرير والتنوير لابن عاشور عند تفسير الآية.

[44] انظر مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 256، برقم (8733).

[45] أخرجه البخاري برقم (١١٤٥)، ومسلم برقم (٧٥٨).

[46] ونصه: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” أخرجه البخاري برقم (1423) ومسلم برقم (1031).

[47] أخرجه مسلم في كتاب الذكر، برقم (2702).

[48] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6307).

[49] أخرجه مسلم في كتاب الذكر، برقم (2702).

[50] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، برقم (6306).

[51] أخرجه ابن السنّي في عمل اليوم والليلة، رقم (46)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (227).

[52] الوابل الصيب: 139.

[53] أخرجه البخاري برقم (٧٤٠٥)، ومسلم برقم (٢٦٧٥) واللفظ له.

[54] أخرجه أحمد، برقم (20429)، وأبو داود في كتاب الأدب، برقم (5090)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم (4246)، والأرناؤوط في تحقيقه للمسند.

[55] أخرجه البخاري برقم (7405)، ومسلم برقم (2675)، والترمذي برقم (3603)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (7730)، وابن ماجه برقم (3822)، وأحمد برقم (9351)، وابن خزيمة في التوحيد: 1/ 16.

[56] انظر شذرات الذهب: 2/ 326.

[57] أخرجه: البخاري في كتاب الأذان، برقم (660)، ومسلم في كتاب الزكاة، برقم (1031).

[58] فتح الباري: 2/ 145.

[59] أخرجه البخاري برقم (15)، ومسلم برقم (44).

[60] أخرجه البخاري برقم (6632).

[61] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، برقم (676).

[62] الخشوع في الصلاة، لابن رجب: 31.

[63] أخرجه البخاري برقم (6502).

[64] أخرجه أحمد، برقم (25263) و(25705)، والترمذي في تفسير القرآن برقم (3175)، وابن ماجه في الزهد، برقم (4198)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (162).

[65] أخرجه مسلم برقم (2628).

[66] انظر مختصر قيام الليل للمروزي: ٦٢.

[67] أخرجه البخاري في كتاب التهجد برقم (1120)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (769).

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى