علماء من عصرنا

العلامة سيد سابق الذي يسر علوم الفقه للجماهير المسلمة

العلامة سيد سابق الذي يسر علوم الفقه للجماهير المسلمة

بقلم د. محمد الجوادي

مقدمة

بعيدا عن التحزب والتحزب المضاد وبعيدا عن السياسة والكياسة معا وانطلاقا من منهج تاريخ العلم وفلسفته فإننا نستطيع أن نقول إن الشيخ سيد سابق (1915 ـ 2000) كان أول نموذج لعلماء الشريعة الإسلامية الذين اتصل عملهم بالمجتمع عن طريق الصحافة، فقد مكنته سلسلة كتاباته الفقهية من الوصول إلى جمهور عريض من القراء لم يقف عند حدود الجماعة التي مارس فيها نشاطه المنهجي والممنهج في تعريف أعضائها بالفقه والإفتاء وإنما جعله هذا التواصل بمثابة مرجع للقراء الذين يبحثون عن إجابات مباشرة على أسئلتهم الفقهية بعيداً عما يتم تناقله بالتلقين والتعلم (المدرسي) من صور أداء العبادات على الوجه الأمثل على سبيل المثال، ومن ثم فقد جعله هذا التواصل أيضا بمثابة مرجع للقراء الذين يبحثون عن إجابات مباشرة على أسئلتهم الفقهية بعيداً عن المذهبية، وما قد نسميه مذهبية المذهبية نقصد بها تلك الطريقة المعهودة في العلم والمتمثلة في النقل الأمين عن كتاب من كتب المذاهب يتعلق به ويرتبط به من درس عليه أو درس فيه من العلماء، كما هو معروف مثلا عند فقهاء الحنفية المعاصرين من النقل عن ابن عابدين، وهو أسلوب مطروق ومأمون يجعل العالم يعتبر الكتاب الذي ارتبط به في منزلة المرجع الوحيد للإفتاء في كل ما يعرض عليه، لكن الشيخ سيد سابق جاء في عصر ازدهار توظيف المطبعة لخدمة الدعوة الإسلامية، وهو ما تم من خلال التنامي في توظيف الصحافة في المقام الأول قبل عصر الكتاب الجديد، وهكذا فقد كانت كتابات الشيخ سيد سابق المبكرة في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية بمثابة الباب الذي فتح اتصال الجمهور بعلمه وبأسلوبه المباشر المبسط المعتمد على كتب الفقه المرتبطة بالحديث.

 

نحن نعلم أن الدراسة الأزهرية اختارت منذ زمن بعيد تقرير دراسة ذكية تعمد إلى تدريس مقررات الحديث النبوي من خلال التبويب الذي تأخذ به كتب الفقه، أي أن تبدأ بالطهارة ثم الصلاة، وهكذا.. وفي الحقيقة فإن الشيخ سيد سابق لم يخرج عن هذا الترتيب الكلاسيكي فيما كان قد بدأ يقدمه من الفقه، بل إنه بدأ بالفعل يفقه الطهارة، وأخذ يعرض الأحكام الفقهية بطريقة الانتقاء الذكي مما كان قد تم انتقاؤه من قبل، أي أنه لم يستحدث شيئا جديداً إلا طريقة العرض، وقد تأثر في أسلوبه (سواء في ذلك إن كان قد درى بهذا أو لم يدر وسواء في ذلك إن كان قد أشار أو لم يشر ) بما كان الشيخ محمد مصطفى المراغي ومن قبله الشيخ محمد عبده قد فعلاه في الأخذ في الفتوى والتشريع من أكثر من مذهب، ومن ثم فقد جاءت كتابات الشيخ سيد سابق أولا (وكتبه ثانيا ) غير مرتبطة بمذهب واحد وإن لم تكن مستحدثة لمذهب جديد.

 

وليس من شك في أن هذا الأسلوب الذي انتهجه الشيخ سيد سابق لا يرضى النزعة الفلسفية ولا المذهبية بل إن بعض من يريدون تحكيم المنطق أو الفلسفة في مثل هذا الأسلوب لا يمانعون في وصفه بالتلفيق اعتماداً على أنه لا يلتزم بمنطق واحد في جميع المسائل التي يعرضها، ومع أننا الآن وبحكم الوعي الإيماني نفهم في يسر أن الفقه أعلى وأغلى من أن يخضع للفلسفة فإن المتأثرين بالمنهج الفلسفي لا يستسيغون مثل هذا المنطق الايماني وهو منطق علمي حتى إن لم يعرف بعض دارسي الفلاسفة هذا.

 

ومع هذا كله أو وبهذا كله فإن الأستاذ سيد سابق لقيّ من قبول المسلمين (ولا نقول القراء فحسب) قدراً كان كافيا جداً لا لاستمرار أسلوبه فحسب بل ولانتعاش هذا الأسلوب وإقبال الناس عليه، وقد تطورت مقارباته للفقه التي اتخذت عنوان “فقه السنة” تطوراً ذكيا مكنها من أن تستوعب الفقه كله على مدى سنوات قصيرة انتهى الشيخ سيد سابق فيها من كتابه ذي الأجزاء الأربعة عشر الصغيرة التي أمكن بعد هذا تجميعها في مجلدات كبيرة، وقد جاهر الشيخ نفسه بأنه اعتمد على الكتب التي كانت مقررة في الأزهر بالفعل وأشهرها الكتابان المعروفان “سبل السلام” الذي هو شرح بلوغ المرام”، و”نيل الأوطار “الذي هو شرح “منتقى الأخيار” وكذلك أخذ الشيخ سيد سابق عن المغني لابن قدامة، وعن زاد المعاد لابن القيم.

وهكذا فإن نجاح الشيخ سيد سابق تمثل في ثلاثة محاور عملية أولها أنه وإن لم ينكر الاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، فقد خرج بما دونه من أحكام الفقه على حدود المذهبية، وثانيها أنه نجح في تقديم الفقه للجماهير بعيدًا عن المصطلحات الفقهية العلمية، وعن التعليلات الأصولية، وثالثها أنه نجح في مزج الأحكام بالحكمة فقد كان حريصا بذكاء على ذكر الحكمة من التكليف، اقتداء بالقرآن في تعليل الأحكام. وقد كانت النتيجة الطبيعية لاتباع هذا الأسلوب في مقاربة قضايا الفقه أن بدا الشيخ سيد سابق أميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، وهو الطريق الذي خطا فيه الشيخ القرضاوي خطوات تالية من الترخيص فيما يقبل الترخيص. وكان من مظاهر التسهيل الذي اتبعه في منهجه الذي ارتضاه في كتابة الفقه البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لا بد منه، فيذكر الأقوال في المسألة، ويختار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحيانًا يترك الأمر دون أن يرجح رأيًا، حيث لم يتضح له الراجح، أو تكافأت عنده الأقوال والأدلة، فيرى من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ يتحمل مسؤولية اختياره، أو يسأل عالمًا آخر، وهذا ما لا يسع العالم غيره.

إيمانه بضرورة الايمان للحياة

ينبغي لنا أن ننبه إلى أن الشيخ سيد سابق لم يكن في فقهه أكاديميا صرفا مرتبط بعلم الفقه من حيث هو علم فحسب لكنه كان على الدوام واعيا لضرورة الإيمان: “إن قيام الحياة المادية، دون أن يكون لها سند من روح، مدمر لنفسية الإنسان، وفى تدمير نفسيته تدمير للحياة المادية والحياة الروحية معًا كتاب “إسلامنا

نشأته

اسمه بالكامل السيد سابق محمد التهامي، وقد ولد في قرية اسطنها بمركز الباجور محافظة المنوفية في 2 يناير 1915 وتلقى تعيما دينيا تقليديا بدأ في الكتاب وواصله حتى حصل على الشهادة العالية ثم الشهادة العالمية من كلية الشريعة ١٩٤٧.

بدايته في الجمعية الشرعية

انضم الشيخ سيد سابق في بداية حياته إلى الجمعية الشرعية على يد مؤسسها الشيخ محمود خطاب وتزامل مع خليفته الشيخ عبد اللطيف مشتهري رحمه الله، فتشرَّب محبة السنة وكان لذكائه أثرٌ في نضجه المبكِّر وتفوُّقه على أقرانه، حتى برع في دراسة الفقه واستيعاب مسائله، وما إن لمس فيه شيخه تفوقًا حتى كلَّفه بإعداد دروس مبسطة في الفقه وتدريسها لأقرانه، وكان للشيخ محمود خطاب السبكي أثرٌ عظيم في شخصيته وطريقة تفكيره، ومن ذلك ما يحكيه في بداية حرب فلسطين يقول: وقد كنا في ريعان شبابنا أخذني الحماس أمام الشيخ السبكي في أحد دروسه فقلت له: ما زلتَ تحدثنا عن الأخلاق والآداب! أين الجهاد! قال: فأمرني الشيخ بالجلوس، فردَّدت: حتى متى نجلس؟ قال: يا بني إذا كنت لا تصبر على التأدُّب أمام العالِم فكيف تصبر على الجهاد في سبيل الله؟ قال: فهزتني الكلمة جدًّا، وظل أثرها في حياتي حتى يومنا هذا.

حرب فلسطين

عرف الشيخ سيد سابق مجاهدًا عسكريًّا في حرب فلسطين عام 1948، وقد تصدَّرت صورته مجلة “الإخوان المسلمين” وهو يتدرَّب على السلاح في معسكر التدريب المعدّ للمجاهدين.

اتهامه في قضية مقتل النقراشي

بدأ تداول اسم الشيخ سيد سابق على نطاق واسع في الصحافة مع محاكمات عبد المجيد حسن قاتل النقراشي وتردد في الصحف القول بأن الشيخ سيد سابق هو من أفتى بقتل النقراشي باشا، ومع هذا فإن المحكمة برأته، وأخلت سبيله، لكن الروايات الشائعة في الجهات المناوئة للإخوان تردف البراءة بالقول بأن القاضي نبهه شفاهة إلى أنه متورط. وكانت الصحف تلقب الشيخ في ذلك الوقت بـمفتي الدماء وعلى كل الأحوال فإن الشيخ سيد سابق سرعان ما اعتقل في 1949، ونقل إلى معتقل الطور في جنوب سيناء، وفي المعتقل مارس الشيخ سيد سابق الإمامة والتدريس فكان يعقد حلقات في الفقه بعد صلاة الفجر وقراءة الأدعية المأثورة مؤسسا مدرسة حقيقية ممن استوعبوا فكره وطريقته في مقاربة المسائل الفقهية.

نشاطه في عهد عبد الناصر

من غير المشهور أن الشيخ سيد سابق لم يكن من الذين ظلوا تحت قيادة المرشد الثاني للإخوان الأستاذ حسن الهضيبي، وإنما كان من الذين ابتعدوا عن النشاط الفاعل لكيان جماعة الإخوان المسلمين، وهكذا تجنب اعتقالات 1954، وسرعان ما اصبح من أهم موظفي وزارة الأوقاف طيلة الخمسينيات شأنه في هذا شأن الأستاذ الشيخ محمد الغزالي وأصبح هذان الرجلان مع من يسبقهما في السن والدعوة وهو الأستاذ البهي الخولي بمثابة أركان العمل العلمي والفقهي في وزارة الأوقاف كلها في عهد وزيرها الشيخ الباقوري، وقد مكن لهما الشيخ الباقوري بطريقة ذكية حتى أن الشيخ سيد سابق كان مديراً للمساجد ثم مديراً للثقافة ثم مديراً للدعوة ثم مديراً للتدريب، وفي إحدى المرات خلفه الشيخ محمد الغزالي فكان مديراً للمساجد. وبعد إقالة الشيخ الباقوري المفاجئة في فبراير ١٩٥٩ بقي الشيخان في الوزارة في مواقعهما المتقدمة لكن عصر الدكتور محمد البهي في الوزارة (سبتمبر 1962 ـ مارس 1964) كان بمثابة عصر تحرش غير مبرر بهما، ومن ثم فقد آثرا الانتقال إلى الأزهر الشريف، وقد عرض الدكتور البهي وجهة نظره في مذكراته التي تدارسناها في كتابنا العيش في العاصفة فأشار إلى موقفه منهما من زاوية بيروقراطية ضيقة كالعهد بوجهات نظره الكارثية ( وان بدت منضبطة ) وهي أنه وجد الوزارة تشتري نسخا كثيرة من كتبهما!

عصر السادات

تجاوز الشيخ سيد سابق محنة الإخوان في 1965 ثم شهد عصر السادات فنال من اللمعان والتألق ما هو أهل له، لكنه لم يشأ خوض حقل الدعوة الإسلامية الواسع بل لم يشأ أن يتجاوز موهبته المتأكدة في فقه السنة إلى اقتحام مجالات علمية أخرى أو ميادين فكرية أخرى مما كان متاحاً أمامه لاقتحامه، ومرحبا به فيها وإنما آثر العمل الأكاديمي في جامعة أم القرى مجاوراً لبيت الله الحرام حيث رأس قسم القضاء ثم قسم الدراسات العليا، وفي الأزهر كان الشيخ سيد سابق قد تولى في مرحلة مبكرة تدريس الحديث لطلاب كلية أصول الدين.

مكانة الشيخ في علم الفقه

أصبح الشيخ سيد سابق منذ مرحلة مبكرة محل ثقة العلماء الكبار، من أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ الباقوري والشيخ عبد الجليل عيسى والشيخ محمد أبو زهرة وكان قوله فصلا بين المختلفين في المسائل الشرعية. وتخرج على يديه كثير من الشخصيات العلمية، التي أصبحت ذات صيت وسمعة كبيرة، ومن هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور أحمد العسال والدكتور عبد الستار فتح الله وآخرون من علماء مكة أمثال الدكتور صالح بن حميد .

من تقديم الامام الشهيد حسن البنا لأول أجزاء فقه السنة

“……. من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى نشر الدعوة الإسلامية، وبث الأحكام الدينية، وبخاصة ما يتصل منها بهذه النواحي الفقهية، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم في عباداتهم وأعمالهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”. وإن من ألطف الأساليب وأنفعها، وأقربها إلى القلوب والعقول في دراسة الفقه الإسلامي وبخاصة في أحكام العبادات، وفي الدراسات العامة التي تقدم لجمهور الأمة البعد به عن المصطلحات الفنية، والتفريعات الكثيرة الفرضية، ووصله ما أمكن ذلك بمآخذ الأدلة من الكتاب والسنة في سهولة ويسر، والتنبيه على الحكم والفوائد ما أتيحت لذلك الفرصة، حتى يشعر المتفقهون بأنهم موصولون بالله ورسوله، مستفيدون في الآخرة والأولى، وفي ذلك أكبر حافز لهم على الاستزادة من المعرفة، والإقبال على العلم. وقد وفق الله الأخ الفاضل الأستاذ الشيخ السيد سابق، إلى سلوك هذه السبيل، فوضع هذه الرسالة السهلة المأخذ، الجمة الفائدة، أوضح فيها الأحكام الفقهية بهذا الأسلوب الجميل. فاستحق بذلك مثوبة الله إن شاء الله، وإعجاب الغيورين على هذا الدين، فجزاه الله عن دينه وأمته ودعوته خير الجزاء، ونفع به، وأجرى على يديه الخير لنفسه وللناس”

الحقيقة حول رأي الشيخ الألباني في كتاب فقه السنة

من الشائع الآن الذي يحرص كثيرون على ترويجه وتكراره أن المحدث المعروف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو أبرز من انتقدوا كتاب فقه السنة وبخاصة أنه ألف في ذلك كتابًا أسماه (تمام المنة بالتعليق على فقه السنة) يتضمن ما رآه من الانتقادات والتعقيبات على الكتاب، لكن الحقيقة هي أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أثنى على الكتاب ثناء بالغا قبل أن يثبت ملاحظاته لكن هذا الثناء لا يذكر الآن في خضم الحملة على الشيخ سيد سابق وهي حملة قصيرة النظر وان بدت عالية الهمة.

ثناء الشيخ الألباني في مقدمة تمام المنة عن كتاب فقه السنة

“…….. فإن كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق من أحسن الكتب التي وقفت عليها مما ألف في موضوعه، في حسن تبويب، وسلاسة أسلوب، مع البعد عن العبارات المعقدة التي قلما يخلو منها كتاب من كتب الفقه، الأمر الذي رغب الشباب المسلم في الإقبال عليه والتفقه في دين الله به، وفتح أمامهم آفاق البحث في السنة المطهرة، وحفزهم على استخراج ما فيها من الكنوز والعلوم التي لا يستغني عنها مسلم أراد الله به خيرا كما قال ” صلى الله عليه وآله ”: ” من يرد الله به خيرأ يفقهه في الدين ”، متفق عليه، وهو مخرج في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة. ” ولقد كان صدور هذا الكتاب، فيما أرى، ضرورة من ضرورات العصر الحاضر [ الذي] تبين فيه لكثير من المسلمين أن لا نجاة مما هم فيه من الانحراف والاختلاف والانهيار وتغلب الكفار والفساق عليهم إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ” صلى الله عليه وآله ”، يأخذون منها فقط ومن القران أمور دينهم ومسائل فقههم، فكان لهذا لا بد لعامتهم من مصدر قريب التناول، يمكن الاعتماد عليه، والرجوع إليه حين يقتضيهم الأمر، ويغنيهم عن المراجعات الكثيرة في الموسوعات العديدة من أجل مسائل قليلة أو كثيرة. فكان أن ألهم الله تعالى الأستاذ السيد سابق فأخرج لهم هذا الكتاب ” فقه السنة ” فقرب لهم الطريق وأنار لهم السبيل جزاه الله خيرا. . من أجل ذلك كنت ولا أزال أحض على اقتنائه والاستفادة مما فيه من السنة والحق، ومنذ صدور الجزء الأول منه من الحجم الصغير القديم، كل راغب في السنة وناصر للحق، حتى انتشرت نسخه بين صفوف إخواننا السلفيين وغيرهم في دمشق وغيرها من البلاد السورية وغيرها …”

تلخيص الشيخ القرضاوي لنقد الشيخ الألباني وأنه يتمثل في أمرين:

الأول: فيما يتعلق بالحديث الذي يستدل به (فقه السنة) وهو ضعيف في نظر الشيخ، وربما يكون هناك خلل في عزوه إلى من عزاه إليه، أو نحو ذلك، وعذر الشيخ سيد أنه ينقل هذه الأحاديث عن كتب السابقين، ولم يبذل جهدًا في تحقيقها وتمحيصها، عملاً بالقاعدة التي تقول: كل علم يؤخذ مسلم من أهله. والثاني: خلاف في المشرب الفقهي بين الشيخ ناصر والشيخ سيد، فالشيخ ناصر أَمْيل إلى اتباع ظاهر النص، والشيخ سيد أقرب إلى اتباع مقصد النص. والشيخ ناصر لا يبالي بمخالفة جمهور الأئمة المتقدمين، كما في تحريمه الذهب على النساء، والشيخ سيد يحترم غالبًا رأي الجمهور. وقد ظهر هذا في التعليق الطويل الذي علق به الشيخ ناصر على (زكاة عروض التجارة) في فقه السنة، فهو لم يصح عنده الحديث في زكاتها، ولم يأخذ بقول من قال من الصحابة بزكاتها، ولا بقول جمهور التابعين والأئمة الذي هو كالإجماع على وجوب زكاة التجارة، ولم يأخذ بمقاصد الشريعة التي يستحيل أن توجب الزكاة على الزارع الذي تثمر أرضه خمسة أوساق، وربما كان مستأجرًا لهذه الأرض، ولا يوجب على التاجر الذي يملك الملايين شيئًا، إلا أن (تنضّ) أي تُسيّل بلغة عصرنا، ويحول عليها الحول. وقد رددنا على الشيخ ناصر قوله بالأدلة الناصعة في كتابنا (المرجعية العليا للقرآن والسنة).

شهادات الشيخ القرضاوي للشيخ سابق ومنهجه في فقه السنة

” عرفت فضيلة الشيخ سيد سابق أول ما عرفته قارئًا لبعض مقالاته الفقهية في مجلة الإخوان الأسبوعية، ثم للجزء الأول من كتابه في فقه الطهارة، ثم سمعنا أنه قدم للمحاكمة في قضية مقتل النقراشي باشا، حيث زعموا في ذلك الوقت أنه هو الذي أفتى الشاب القاتل عبد المجيد حسن بجواز قتله، عقوبة على حل الإخوان، وكانت الصحف تلقب الشيخ في ذلك الوقت بـ (مفتي الدماء). والحمد لله، قد برأته المحكمة، وخلت سبيله، ولكنه اعتقل مع من اعتقل من الإخوان في سنة 1949م واقتيد إلى معتقل الطور” . ” وقد عرفت الشيخ وجهًا لوجه في المعتقل، وفي عنبر رقم (2) الذي كان إمامه الشيخ الغزالي، رحمه الله، وكان الشيخ سيد يعقد حلقات في الفقه بعد صلاة الفجر وقراءة الأدعية المأثورات، كما كان الشيخ الغزالي يعقد حلقات أخرى في الدعوة إلى الله” . ” ثم عرفته بعد أن خرجنا من المعتقل في ساحة الدعوة إلى الله، وكثيرًا ما زرته في بيته حيث كان يسكن في حارة ضيقة في سوق السلاح، ثم مَنَّ الله عليه فسكن في شقة بجاردن ستي، أظنها كانت ملكًا لبعض اليهود الذين خرجوا من مصر، وذهبوا إلى دولة الكيان الصهيوني.

 

” وقد عملت معه حين كان مديرًا لإدارة الثقافة في وزارة الأوقاف، وكان الشيخ الغزالي مديرًا للمساجد، وكان الشيخ البهي الخولي مراقبًا للشؤون الدينية، وذلك في عهد وزير الأوقاف المعروف الشيخ أحمد حسن الباقوري. وذلك في عهد الثورة” . ” كان الشيخ سيد سابق رجلاً مشرق الوجه، مبتسم الثغر، فكه المجلس، حاضر النكتة، ومما يحكى عنه أنهم حين قبضوا عليه في قضية مقتل النقراشي، وسألوه عن محمد مالك الذي ضخمت الصحافة دوره، واعتبروه أكبر إرهابي، وقد اختفى ولم يعثروا عليه فلما سألوا الشيخ: هل تعرف شيئًا عن مالك؟ قال: كيف لا أعرفه وهو إمام من أئمة المسلمين، وهو إمام دار الهجرة رضي الله عنه؟! قالوا: يا خبيث، نحن لا نسألك عن الإمام مالك، بل عن مالك الإرهابي: قال: أنا رجل فقه أعرف الفقهاء ولا أعرف الإرهابيين. “كان الشيخ الغزالي ونحن في المعتقل، إذا سئل عن مسألة فقهية يحيلها إلى الشيخ سيد سابق، فقد كان هو المعتمد لدى الإخوان في الفقه، ومع هذا كتب الشيخ سيد في العقيدة (العقائد الإسلامية)، وفي الدعوة (إسلامنا) وغيره من الكتب.

 

“ربما انتقد (فقه السنة) بعض المذهبيين المتشددين في اتباع المذاهب، والذين اعتبروا الكتاب داعية إلى ما سموه (اللامذهبية)، وهي، كما قالوا، قنطرة إلى (اللادينية) وأنا اعتقد أن مؤلف الكتاب، وإن لم يلتزم مذهبًا بعينه، لا يُعَدُّ من دعاة (اللامذهبية) لأنه لم يذم المذاهب، ولم ينكر عليها. كما أعتقد أن مثل هذا النوع من التأليف ضرورة للمسلم الجديد، الذي يدخل في الإسلام الواسع دون التزام بمدرسة أو مذهب، وكذلك المسلم العصري الذي لا يريد أن يربط نفسه بمذهب معين في كل المسائل، بل يأخذ بما صح دليله، ووضح سبيله. “كما انتقد الكتاب بعض العلماء الذين يرون أن الشيخ، وقد تحرر من المذاهب- لم يعطِ فقه المقارنة والموازنة حقها، في مناقشة الأدلة النقلية والعقلية، والموازنة العلمية بينها، واختيار الأرجح بعد ذلك على بينة وبصيرة. والجواب عن ذلك: أن الشيخ لم يكتب كتابه للعلماء، بل لجمهور المتعلمين، الذين يحتاجون إلى التسهيل والتيسير، سواء في الشكل أم المضمون، وتوخي طريقة التسهيل والتبسيط، وكل ميسر لما خلق له.

شهادة الأستاذ مصطفى مشهور:

“إن الشيخ سيد سابق له مكانته بين الإخوان المسلمين، ومؤلفاته أثّرت في الإخوان وأثْرتهم وأفادتهم وخاصةً مؤلفه (فقه السنة) الذي كان ولا يزال من المصادر التي يرجع إليها الإخوان، وله أثر طيّب في تربية وتكوين ثقافة الإخوان الفقهية؛ حيث إن الإمام الشهيد حسن البنا قد اعتمد هذا الكتاب واعتبره مرجعًا من مراجع السنة..

تكريمه

في 1993 نال الشيخ سيد سابق جائزة الملك فيصل في الدراسات الإسلامية فرع الفقه، وقد سبقه إلى هذه الجائزة من علماء الدين واللغة من المصريين الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة (1983) ومحمد رشاد سالم (1985) ومحمد قطب 1988، وفاز معه في العام نفسه الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد صالح العثيمين. ومن الجدير بالذكر أن من المصريين الذين نالوها قبله في الفرع الآخر أي في فرع خدمة الإسلام، الشيخ حسنين مخلوف ١٩٨٣ والشيخ محمد الغزالي في 1989.

آثاره (بالترتيب الأبجدي)

–     إسلامنا

–     إلى الإسلام

–     الربا والبديل

–     العقائد الإسلامية

–     تقاليد وعادات يجب أن تزول في الأفراح والمناسبات

–     تقاليد وعادات يجب أن تزول في المآتم

–     خصائص الشريعة الإسلامية

–     دعوة الإسلام

–     رسالة في الحج

–     رسالة في الصيام

–     مصادر الشريعة الإسلامية

–     مصادر القوة في الإسلام

وفاته:

توفي الشيخ سيد سابق في 27 فبراير 2000 ودفن بقريته اسطنها المنوفية وقد أمّ الشيخ محمد السيد طنطاوي شيخ الأزهر المصلين على جثمانه في صلاة الجنازة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى