كتب وبحوث

الشروط في العقود دراسة حديثية فقهية

اسم الدراسة: الشروط في العقود دراسة حديثية فقهية.

إعداد د. بندر بن نافع العبدلي.

ملخص البحث:

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فقد ظهر لي من خلال هذا البحث وما اشتملت عليه الأحاديث النتائج الآتية:

1- أن ما يطلبه الشرع من غير شرط فإنه لا يؤثر ذكره وعدمه.

2- ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.

3- ثبوت خيار الشرط.

4- ثبوت خيار الغبن.

5- جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في البيع.

6- جواز اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة.

7- إثبات السلم.

8- جواز اشتراط المشتري ثمرة النخل عند شرائها بعد التأبير.

9- جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل.

10- جواز تعليق الهبة على شرط مستقبل.

11- وجوب الوفاء بالشروط المشترطة في النكاح.

12- المراد بالشرطين المنهي عنهما مسألة العينة على القول الراجح.

13- جواز بيع العبد المكاتب بشرط العتق.

14- أن الشرط في عقد الرهن كالشرط في البيع.

15- أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عيّن.

16- أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل طلاق ضرتها.

17- تحريم نكاح الشغار وأنه باطل.

18- تحريم نكاح التحليل.

————————-

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن أفضل ما يمضي الإنسان فيه وقته هو تدبر كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففيهما الهدى والنور.

أما القرآن فقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57=58].

وأما السنة فإنها مبيِّنة للقرآن ومعبِّرة عنه ودالة عليه، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وفهم السنة يعين على فهم القرآن، وعلى قدر إيمان العبد وإقباله وحسن قصده يعطى ما لم يعط غيره.

ومما ورد في السنة وهو محل العناية والاهتمام الأحاديث الواردة في الشروط في العقود، فعلى بعضها مدار صحة المعاملة أو عدم صحتها، وصحة النكاح أو فساده، رأيت أن أجمع الأحاديث الواردة في الشروط مع دراستها واستنباط الأحكام الفقهية منها: فجاء هذا البحث بتمهيد وفصلين، وفي كل فصل عدة مباحث، وفي كل مبحث عدة مطالب.

فالتمهيد فيه تعريف بمفردات البحث.

الفصل الأول: الشروط الجائزة في العقود. وفيه مباحث:

المبحث الأول: اشتراط الخيار في المبيع. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: إثبات خيار المجلس.

المطلب الثالث: ما المراد بالتفرق في الحديث.

المطلب الرابع: إثبات خيار الشرط.

المطلب الخامس: إثبات خيار الغبن.

المبحث الثاني: اشتراط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في المبيع. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في المبيع.

المطلب الثالث: اشتراط أن تكون المنفعة معلومة.

المبحث الثالث: اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة.

المطلب الثالث: أجل السلم لا بد أن يكون معلوماً.

المبحث الرابع: إذا اشترط المشتري ثمرة النخل وقد بيعت بعد التأبير وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: أن من باع نخلاً قد أبرت فإن ثمرته تكون لبائعه.

المطلب الثالث: اختلاف العلماء في الصفة المعتد بها في التأبير.

المطلب الرابع: حكم ثمرة النخل إذا اشترطهما المشتري.

المبحث الخامس: تعليق الإمارة على شرط. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل.

المبحث السادس: الشروط المشترطة على الزواج في النكاح. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: وجوب وفاء الزوج بما اشترط عليه في العقد.

المطلب الثالث: أقسام الشروط في النكاح.

المطلب الرابع: فائدة الشرط.

الفصل الثاني: الشروط المنهي عنها في العقد. وفيه مباحث:

المبحث الأول: الجمع بين شرطين في عقد. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: خلاف العلماء في المراد بالشرطين المنهي عنهما.

المطلب الثالث: أنه لا يجوز الجمع بين السلف والبيع.

المبحث الثاني: اشتراط الولاء للمعتق. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: جواز بيع العبد المكاتب بشرط المعتق.

المطلب الثالث: أن اشتراط البائع على المشتري إن أعتق الرقيق فالولاء له شرط باطل.

المطلب الرابع: معنى قوله “اشترطي لهم الولاء”.

المبحث الثالث: اشتراط الرهن في المبيع. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: أن المرتهن لا يستحق الرهن إذا عجز الراهن عن أداء الدين.

المطلب الثالث: إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك.

المبحث الرابع: اشتراط الثنيا في المبيع. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عُيِّن.

المبحث الخامس: إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: نهي المرأة أن تسعى عند زوجها في طلاق أختها.

المطلب الثالث: ما الحكم فيما إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها.

المبحث السادس: إذا زوج الرجل وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: معنى الشِّغار.

المطلب الثالث: المراد بالشغار الوارد في الحديث.

المطلب الرابع: النهي في الحديث للتحريم عند أكثر العلماء.

المبحث السابع: إذا تزوجها بشرط أنه متى حلَّلها للأول طلقها. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.

المطلب الثاني: صور نكاح التحليل.

المطلب الثالث: ما الذي يترتب على نكاح التحليل.

ثم الخاتمة.

وختاماً أشكر الله سبحانه على إتمام هذا البحث وأسأله أن ينفع به، وأشكر جامعة القصيم ممثلة بعمادة البحث العلمي على دعمهم لي في إعداد هذا البحث، جعل الله ذلك في موازين حسناتهم وأثابهم.

التمهيد:

الشروط جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، قال ابن فارس: “الشين والراء والطاء أصلٌ يدلُّ على عَلَمٍ وعلامة، وما قارب ذلك من عَلَم. من ذلك الشِّرَط العَلامة”(1).

وفي الاصطلاح: هو أمر عارض مستقبل معدوم على خطر الوجود، يتوقف عليه وجود الالتزام أو إنهاؤه(2).

والعقود: جمع عقد، وهو في اللغة: الربط والشد والضمان والعهد.

قال الفيروز أبادي: عَقَدَ الحَبْلَ والبَيْعَ والعَهْدَ يَعْقِدُهُ: شدَّهُ(3).

وقال الفيومي: “(عَقَدْتُ) البيع ونحوه و(عَقَدْتُ) اليمين و(عَقَّدْتُهَا) بالتشديد توكيد و(عَاقَدْتُهُ) على كذا و(عَقَدْتُه) عليه بمعنى عاهدته و(مَعْقِدُ) الشيء مثل مَجْلِس موضع (عَقْدِهِ) و(عُقْدَةُ) النكاح وغيره إحكامه وإبرامه و(العِقْدُ) بالكسر القلادة والجمع (عُقُودٌ)(4).

وفي الاصطلاح: كل تصرف يصدر عن شخص فيلزمه منفرداً أو مع آخر بشيء على وجه يترتب عليه تحقق مصلحة شرعية(5).

وعلى ذلك فيسمّى البيع والنّكاح وسائر عقود المعاوضات عقوداً؛ لأن كلّ واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء به(6).

الفصل الأول: الشروط الجائزة في العقود:

وفيه مباحث:

المبحث الأول: اشتراط الخيار في المبيع. وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

1-    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخيِّر أحدهما صاحبه، فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع”. متفق عليه(7).

2-    وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما” متفق عليه(8).

3-    وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يقيله”(9).

4-    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذُكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخدع في البيوع، فقال: “إذا بايعت فقل: لا خلابة” متفق عليه(10).

المطلب الثاني: إثبات خيار المجلس:

دل حديث ابن عمر في قوله: “ما لم يتفرقا وكانا جميعاً”، وكذا حديث حكيم وعبد الله بن عمرو بن العاص على إثبات خيار المجلس، وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف والأئمة، وبه قالت الظاهرية وابن حبيب وابن عبد البر من المالكية(11).

قال ابن عمر: “كانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا”(12).

القول الثاني: أنه لا يثبت للمتبايعين خيار المجلس، بل يلزم العقد بالإيجاب والقبول، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والليث(13).

واستدلوا:

1-    قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].

وجه الدلالة من الآية: أن العقد يكون لازماً فإذا شرط الخيار فيه لم يقع لازماً، وهو خلاف ما تقتضيه الآية الكريمة(14).

2-    قوله صلى الله عليه وسلم: “من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه” متفق عليه(15).

وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق البيع إذا استوفاه ولم يشترط قبل التفرق أو بعده.

3-    قياس البيع على النكاح والخلع والعتق، فكما أن عقد النكاح لا يثبت فيه المجلس، فكذلك البيع إذا تم فلا خيار لهما ولا يمكن لأحدهما أن يفسخ(16).

وأجابوا عن حديث ابن عمر بأجوبة منها:

أ – أنه حديث خالفه راويه، فمن رواته الإمام مالك وقد خالفه.

ب – أنه خبر واحد فيما تعم به البلوى.

ج – أنه يخالف القياس الجلي والأصول المقطوع بها.

د – أنه معارض لإجماع أهل المدينة وعملهم؛ لأن عمل المدينة كالمتواتر، فهو من قبيل الإجماعيات.

هـ – أنه محمول على التفرق بالأقوال لا بالأبدان(17).

وهذه الأجوبة كلها ضعيفة ويجاب عنها بما يلي:

أما الأول فيقال: إنه لا يلزم تقليد الراوي بمخالفته لما رواه، فإن العبرة بما روى لا بما رأى، ثم إن الحديث قد روي من طرق متعددة فإن تعذر الاستدلال به من جهة رواية مالك لم يتعذر من جهة أخرى.

وأما الثاني: فمردود أيضاً؛ لأن المعتمد في الرواية على عدالة الراوي وجزمه بالرواية، وقد وجد ذلك، وعدم نقل غيره لا يصلح معارضاً.

وأما الثالث: فممنوع لورود النص به، وكل قياس عارض النص فهو فاسد الاعتبار.

وأما الرابع فيقال: بمنع كون هذه المسألة من إجماع أهل المدينة، فابن عمر وهو رأس المفتين في المدينة في وقته، وكان يروي إثبات خيار المجلس.

وأما الخامس: فإنه خلاف الظاهر، فإن السابق إلى الفهم التفرق عن المكان، ويدل له حديث عمرو بن شعيب وفيه: “ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله”.

فهذا صريح في أن المراد به تفرق الأبدان.

قال الترمذي رحمه الله: “ومعنى هذا أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله، ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى حيث قال: “ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله”(18). اهـ.

وكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم فقد روى مسلم في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله مشى هنية ثم رجع إليه(19).

فالصحيح ما دلت عليه أحاديث الباب من إثبات خيار المجلس.

ولذا قال ابن عبد البر: “قد أكثر المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج لمذهبهما في ردِّ هذا الحديث بما يطول ذكره، وأكثر تشغيب لا يحصل منه على شيء لازم لا مدفع له”(20).

بقي أن يقال: إنه يرجع في التفرق إلى عادة الناس وعرفهم، ويعتبر حال المكان الذي هما فيه مجتمعان، فإن كانا في بيت فإن التفرق إنما يقع بخروج أحدهما منه، ولو كان في دار واسعة فانتقل أحدهما عن مجلسه إلى بيت أو سطح أو نحو ذلك فإنه قد فارق صاحبه، وإن كانا في سوق فهو بأن يولِّي عن صاحبه ويخطو خطوات…”(21).

المطلب الثالث: ما المراد بالتفريق في الحديث:

الحكمة من إثبات خيار المجلس لسد باب الندم على الإنسان؛ لأن الإنسان قبل أن يشتري الشيء تتعلق به نفسه ثم إذا اشتراه ورأى أنه قد دخل ملكه ربما تزول رغبته فيه فجعل له الشارع مهلة ليست بالطويلة بل ما داما مجتمعين في المجلس بحيث لا يضر البائع أو المشتري.

المطلب الرابع: إثبات خيار الشرط:

دل حديث ابن عمر في قصة من يخدع في البيوع على إثبات خيار الشرط، وهو أن يشترط أحد المتعاقدين أو كلاهما لنفسه حق الفسخ مدة معلومة.

ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الخيار لهذا الصاحبي بهذا الشرط، أنه متى غبن وخدع فإن له أن يرجع في البيع ويفسخ العقد.

وربما يدل له حديث ابن عمر رضي الله عنهما الوارد في خيار المجلس، وفيه: “… أو يُخَيِّرُ أحَدُهُما الآخَرَ… إلخ”، يؤخذ منه أنه إذا كان يندب إسقاط ما ثبت جاز أن يُثبت ما لم يثبت(22).

وهو قول الجمهور، وحكام بعض العلماء إجماعاً.

قال النووي رحمه الله: “وهو جائز بالإجماع”(23).

واختلفوا في بعض تفاصيله.

المطلب الخامس: إثبات خيار الغبن:

استدل بحديث ابن عمر في قصة من يخدع في البيوع أيضاً على إثبات خيار الغبن، وأن العاقد المغبون له حق الخيار حتى يستطيع رفع الغبن الواقع عليه، وهذا قول الحنابلة وبعض المالكية، لكن قيده الحنابلة بأن يكون الغبن فاحشاً يخرج عن العادة، والمرجع في تحديده إلى عرف التجار لأن لهم خبرة في أمور المعاملات.

وقيده المالكية بأن يكون ثلث القيمة(24).

القول الثاني: أن خيار الغبن لا يثبت لكل مغبون، لعموم أدلة البيع ونفوذه إلا من كان مثل هذا الرجل في ضعف عقله بشرط أن يقول هذه المقالة، وهذا قول الجمهور(25).

ورجحه النووي حيث قال: لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الخيار، وإنما قال له: قل: لا خلابة أي: لا خديعة، ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار”(26).

قال الشوكاني: “وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون، وإن كان صحيح العقل ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن، ولم يقل هذه المقالة”(27).

المبحث الثاني: اشتراط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في المبيع:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

5- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له فأعيا، فأراد أن يسيِّبه قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه فسار سيراً لم يسر مثله، قال: بعنيه بُوقية، قلت: لا، ثم قال: بعنيه، فبعته بوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري، فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك” متفق عليه(28).

المطلب الثاني: جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً:

دل الحديث على جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في المبيع.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر جابراً على منفعة الجمل، وهو مذهب الحنابلة،ومذهب بعض السلف، واختيار الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم(29).

قال البخاري رحمه الله: “باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز”(30).

القول الثاني: أن الشرط باطل ولا يصح العقد. وهو قول الجمهور أبي حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، إلا أن مالكاً أجاز المسافة القريبة لحمل الدابة كثلاثة أيام(31).

واستدلوا بدليلين:

1 – حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع وشرط.

2 – حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا. وهي أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه.

وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة منها:

أ – أن قضية عين موقوفة يتطرق إليها الاحتمالات، ومتى وجد الاحتمال في الدليل بطل به الاستدلال.

ب – أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة البيع، وإنما أراد أن ينفع جابراً رضي الله عنه بإعطائه الثمن هبة بدليل قوله: “أتراني ماكستك لآخذ جملك”.

ج – اختلاف الرواة في ألفاظ الحديث واضطراب الروايات يمنع من الاحتجاج به، فقد ورد في بعض ألفاظه: “بعته واشترطت حملانه”، وفي لفظ “أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاره ظهره إلى المدينة”، وهذا يدل على عدم الاشتراط(32).

والراجح القول الأول لقوة دليله.

أما أدلة القول الثاني: فحديث النهي عن الثنيا ليس فيه دليل، لأنه إذا علم القدر المستثنى صح البيع لعدم الجهالة. وسيأتي الكلام عليه.

وأما حديث “نهى عن بيع وشرط”، فهو حديث منكر أنكره الإمام أحمد، وقال: “لا نعرفه مروياً في مسند”(33).

وقال ابن القيم: “لا يعلم له إسناد صحيح مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس، ولانعقاد الإجماع على خلافه”(34).

وأما إجابتهم عن حديث جابر رضي الله عنه فهي مردودة كما يلي:

قولهم: إن المقصود الهبة خلاف الظاهر، فإن ألفاظ الحديث صريحة بوقوع البيع كقوله: “بعته منك بأوقية”، وقوله: “قد أخذته”.

ثم إن ظاهر الحديث يفيد أن اشتراط مثل ذلك معلوم لديهم جوازه، لأن جابراً هو الذي ابتدأ شرط ظهر الجمل، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على شرطه، ولو كان باطلاً لم يقره.

وأما اختلاف الرواة في ألفاظه وأن ذلك يمنع الاحتجاج به، فهذا صحيح بشرط التكافؤ أو التقارب، أما إذا كانت إحدى الروايات أرجح فينبغي العمل بها(35).

وأما تفريق الإمام مالك بين المسافة القريبة والبعيدة فلا دليل عليه، وظاهر الحديث يدل على التسوية بينهما.

المطلب الثالث: اشتراط أن تكون المنفعة معلومة:

فيه دليل على اشتراط أن تكون المنفعة معلومة، ومع ذلك فقد قال شيخ الإسلام: “وإذا شرط البائع نفع المبيع لغير مدة معلومة فمقتضى كلام أصحابنا جوازه، فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش”(36).

المبحث الثالث: اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

6- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: “من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم” متفق عليه(37).

7- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردان قطريان، وكان إذا جلس فيهما ثقلا عليه، وقدم لفلان اليهودي بزُّ من الشام، فقلت: لو أرسلت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد محمد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو يذهب بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة” أخرجه أحمد(38).

المطلب الثاني: جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة:

دل حديث ابن عباس على جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة. وهو قول جمهور العلماء، وقد نقل إجماعاً(39).

ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [البقرة:282].

المطلب الثالث: أجل المسلم لا بد أن يكون معلوماً:

دل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً على أن أجل السلم لا بد أن يكون معلوماً، فلا يصح إلى الجذاذ والحصاد ونحوهما.

وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر والحنابلة(40).

واستدلوا:

1 – بما رواه عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كره الأندر، والعصير، والعطاء أن يسلف إليه، ولكن يسمِّي شهراً(41).

2 – أن تأجيله إلى الحصاد والجذاذ أمر مجهول لا ينضبط إذ الحصاد والجذاذ يبعد ويقرب.

القول الثاني: جواز التأجيل إلى الحصاد والجذاذ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها صاحب الفائق، وشيخ الإسلام ابن تيمية(42).

واستدلوا:

1 – حديث عائشة وفيه: “إلى الميسرة”. وهي غير معلومة.

2 – أن ابن عمر رضي الله عنه كان يشتري ويبيع إلى العطاء.

3 – أن الحصاد والجذاذ يدرك بالعرف والعادة واختلافه يسير فلا يؤثر(43).

وهذا القول هو الصحيح.

المبحث الرابع: إذا اشترط المشتري ثمرة النخل وقد بيعت بعد التأبير:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

8- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع”(44).

المطلب الثاني: أن من باع نخلاً قد أبرت فإن ثمرته تكون لبائعه:

دل الحديث على أن من باع نخلاً قد أُبِّر فإن ثمرته تكون لبائعه، ولا تدخل في البيع.

ويفهم منه أن الثمرة التي لم تؤبر تدخل البيع وتكون للمشتري، وهذا من باب التخصيص بالصفة.

وهو قول جمهور العلماء: مالك والشافعي وأحمد(45).

المطلب الثالث: اختلاف العلماء في الصفة المعتد بها في التأبير:

فمنهم من قال: إن الصفة المعتد بها هي تشقق الطلع ووقت الإبار وإن لم يلقح.

وهو قول عند المالكية، والشافعي، والمشهور عند الحنابلة(46).

وحجتهم: أن العبرة بظهور الثمرة، فلا فرق بين أن تظهر بعلاج أو بغير علاج، وهي تتشقق وتكسب اللقاح بالرياح اللواقح.

وقيل: إن الصفة المعتد بها هي فعل التأبير لا مجرد التشقق.

وهو قول عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.

وحجتهم ظاهر الحديث وفيه “قد أُبِّرت”، والتأبير هو التلقيح، ولا يكون إلا بفعل آدمي(47).

وهذا القول هو الصحيح؛ لأن هذا الوصف نص عليه الحديث فهو معتبر، ولأن التأبير فيه كلفة ومشقة إن قام به الفلاح بنفسه، وفيه نفقة إن استأجر من يؤبره، ففيه عمل مما يؤدي إلى تعلق نفس البائع بهذه الثمرة(48).

المطلب الرابع: حكم ثمرة النخيل إذا اشترطهما المشتري:

دل الحديث على أن المشتري إذا اشترط الثمرة مع الأصل أن له ذلك لقوله: “إلا أن يشترط المبتاع”، ولأن هذا استثناء تبع الأصل، سواء كانت الثمرة مؤبرة أم لا، كما أن البائع له أن يشترط الثمرة ولو قبل التأبير، لأن هذا استثناء لبعض ما وقع عليه العقد، وهو شيء معلوم فصحَّ، كما لو استثنى نخلة بعينها من المزرعة المبيعة، وهذا وإن كان فيه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، لكنه رخص فيه؛ لأنه تابع للأصل وليس مستقلاً(49).

المبحث الخامس: تعليق الإمارة على شرط:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

9- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قتل زيد فجعفل، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.

قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية”(50).

المطلب الثاني: جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل:

دل الحديث على جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل، والإمارة عقد ولاية، وقد قاس الجمهور على هذا العقد غيره من عقود الولايات، كالوكالة والمضاربة والوصاية، وإن كان الحديث وارداً في ولاية عامة، فإن هذه الولاية أخطر وأدق من الولاية الخاصة، فإن أثر الثانية لا يتعدى شخصين، أما الأولى وهي الولاية العامة فإن أثرها يعم الدولة، وإذا جاز تعليق ما كان هذا شأنه فإنه يجوز بطريق الأولى تعليق ما كان أثره أقل خطورة(51).

قال الشوكاني رحمه الله: “ولا أعرف الآن دليلاً يدل على المنع من تعليق الولاية بالشرط، فلعل خلاف من خالف في ذلك مستند إلى قاعدة فقهية كما يقع ذلك في كثير من المسائل”(52).

قلت: لا عبرة بالقاعدة الفقهية إذا كانت معارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن القواعد الفقهية تتقرر وفق ما ورد في الكتاب والسنة. والله أعلم.

المبحث السادس: الشروط المشترطة على الزواج في النكاح:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

10- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحق الشروط أن يوفَّى به ما استحللتم به الفروج” متفق عليه(53).

المطلب الثاني: وجوب وفاء الزوج بما اشترط عليه في العقد:

دل الحديث على أنه يجب على الزوج الوفاء بما اشترط عليه في العقد، ومعنى الحديث: إن أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لأن أمره أحوط وبابه أضيق(54).

المطلب الثالث: أقسام الشروط في النكاح:

قال الخطابي رحمه الله: “الشروط في النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقاً، وهو المهر والنفقة وحسن العِشرة، وقد شرط الله تعالى هذه الأمور لهن على الأزواج في قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقاً كسؤال المرأة طلاق أختها – وسيأتي -، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله” اهـ(55).

قلت: قسم الحنابلة رحمهم الله الشروط الصحيحة في النكاح إلى قسمين:

الأول: ما هو من مقتضى العقد وإن لم يذكر في صلبه؛ لأن مشروعية العقد من أجله وذكره في العقد لا يؤثر، كما أن إهماله لا يقسطه، وذلك مثل اشتراط تسليم المرأة لزوجها وتمكينه من الاستمتاع بها، وكاشتراط النفقة والسكن على الزوج. فهذه من مضمون العقد.

الثاني: شرط منفعة، وهو ما يشترطه أحد الزوجين في عقد النكاح مما له فيه منفعة، كاشتراط المرأة أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها(56).

وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلاف.

والصحيح أنه يجب الوفاء بهذه الشروط، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والوفاء بالعقد يتضمن الوفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه.

ولعموم حديث عقبة رضي الله عنه هذا. ولأن الأصل الصحة والإباحة.

ولما روي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها داراً ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: إذاً يطلِّقننا، فقال عمر: “مقاطع الحقوق عند الشروط”(57).

قال الترمذي رحمه الله: “والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب قال: إذا تزوج رجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: شرط الله قبل شرطها، كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها، وذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول سفيان الثوري، وبعض أهل الكوفة”(58).

المطلب الرابع: فائدة الشرط:

فائدة الشرط أنه إذا خالف الزوج فللزوجة الفسخ لأنه لدفع ضرر، ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى من قول أو تمكين(59).

الفصل الثاني: الشروط المنهي عنها في العقود:

وفيه مباحث:

المبحث الأول: الجمع بين شرطين في عقد:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

11- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم تضمن، ولا بيع ما ليس عندك”(60).

12- وعن عتَّاب بن أسيد رضي الله عنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عن سلف وبيع، وعن شرط وبيع، وعن بيع ما ليس عندك(61).

المطلب الثاني: الجمع بين شرطين في عقد:

اختلف أهل العلم في المراد بالشرطين المنهي عنهما في الحديث على أقوال:

القول الأول: أن المراد بالشرطين الحلول والأجل، أو الأجلان. بأن يقول: أبيعك هذه السلعة بعشرة نقداً أو بعشرين إلى شهر، أو يقول: بعشرة إلى شهر، أو بعشرين إلى شهرين.

وهذا قول الحنفية والمالكية(62).

القول الثاني: أن الحديث على ظاهره، وذلك بأن يشترط المشتري على البائع شرطين، كأن يشتري الحطب ويشترط على البائع حمله إلى منزله وتكسيره، أو يشتري الثوب ويشترط تفصيله وخياطته.

وهذا مذهب الإمام أحمد وإسحاق(63).

ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال: “الشرط الواحد لا بأس به، إنما نهي عن الشرطين”(64).

ووجه النهي: أن اشتراط شرطين يفضي إلى النزاع، بخلاف اشتراط شرط واحد فإن الحاجة تدعو إليه، وليس سبباً للنزاع.

القول الثالث: أن المراد بالشرطين: أن يقول البائع: خذ هذه السلعة بعشرة نقداً وآخذها منك بعشرين نسيئة، وهي مسألة العينة. وهذا قول ابن القيم رحمه الله وقد أطال في تقريره، واستدل له بأمرين:

الأول: أن الشرط يطلق على العقد نفسه، لأنهما تشارطا على الوفاء به.

الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا” رواه أبو داود(65).

وهذه الصورة لا تنطبق إلا على بيع العينة، فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الثمنين – أي أقلهما – فإن أخذه أخذ أوكسهما، وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا…”.

قال ابن القيم رحمه الله: “وإذا تبين ضعف هذه الأقوال فالأولى تفسير كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض، فنفسر كلامه بكلامه فنقول: هذا نظير نهيه صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة، وعن بيعتين في بيعة”.

ورد الأقوال الأخرى بأنها بعيدة عن مقصود الحديث غير مرادة منه(66).

وبناء عليه فالصحيح أنه يجوز للإنسان أن يبيع بشرط وبشرطين وبثلاثة وغيرها، لأن النهي عن الشرطين في الحديث إنما ينطبق على مسألة العينة فقط.

المطلب الثالث: أنه لا يجوز الجمع بين السلف والبيع:

في الحديث دليل على أنه لا يجوز الجمع بين سلف وبيع والمراد بالسلف: القرض(67)، كأن يقول: أبيعك هذه السيارة على أن تقرضني كذا، وقد فسره الإمام مالك بهذا المعنى(68)، أو أقرضك كذا على أن تبيعني سيارتك، فهذا لا يجوز.

وقد حكى ابن عبد البر، وابن هبيرة، وابن رشد اتفاق العلماء على ذلك(69).

وقال ابن قدامة: “لا أعلم فيه خلافاً”(70).

ووجه المنع أن البيع صار وسيلة للقرض، فيكون قرضاً جرّ منفعة، لأنه لم يقرضه إلا من أجل هذا البيع، والقرض يجب أن يكون إرفاقاً محضاً، لا يقصد به حاجة الأخرى.

المبحث الثاني: اشتراط الولاء للمعتق:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

13- عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فأخبرت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق”، ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله أثنى عليه، ثم قال: “أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله! ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق” متفق عليه(71).

المطلب الثاني: جواز بيع العبد المكاتب بشرط العتق:

دل الحديث على جواز بيع العبد المكاتب بشرط العتق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر اشتراط العتق، وإنما أنكر اشتراط الولاء، لأن بريرة كانت مكاتبة، وباعها أهلها على عائشة بثمن منقود لتعتقها، وقد بوَّب البخاري في كتاب “العتق” باب بيع المكاتب إذا رضي(72).

وإذا بيع المكاتب أدى نجوم الكتابة إلى مشتريه، فإن أدى إليه عتق، وولاؤه له، وإن عجز عاد قِنّاً له.

ومما يدل لذلك أيضاً أن الشارع متشوف للعتق ويرغب فيه ويحث عليه في نصوص كثيرة.

المطلب الثالث: أن اشتراط البائع على المشتري إن أعتق الرقيق فالولاء له شرط باطل:

دل الحديث على أن اشتراط البائع على المشتري إن أعتق الرقيق فالولاء له شرط باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطله بقوله: “ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله”.

وهو شرط مخالف للشرع، لأن العتق عصوبة كعصوبة النسب، ولهذا لو أن هذا الرقيق الذي أعتقه المشتري مات وليس له معصب من جهة النسب فإنه يرثه بالسبب.

وهذا الشرط من الشروط الفاسدة غير المفسدة للعقد.

قال ابن القيم رحمه الله: “الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل، وما لم يخالف حكمه فهو لازم”(73).

المطلب الرابع: معنى قوله “اشترطي لهم الولاء”:

اختلف العلماء في قوله: “اشترطي لهم الولاء” حيث دل بظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أذن في البيع على شرط فاسد، فكيف يأذن لهم في وقوع البيع بناءً على شرط سيتم إبطاله؟

فقيل: إن هذه اللفظة غير محفوظة، لأنه تفرد بها مالك، عن هشام، عن عروة، بدليل أنه وقع سقوطها في كثير من الروايات – كما تقدم في التخريج –(74).

وهذا القول ضعيف، لثبوت هذه اللفظة وثقة رواتها ومتابعة الإمام مالكاً على روايتها.

وقيل: إنهم قد علموا فساد الشرط، لأن المحاورة قد طالبت في مسألة بريرة، فعلموا أن اشتراطهم الولاء لا يصلح إلا لمن أعتق، لكنهم أصروا على اشتراطه وأقدموا عليه، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم يشترطونه، وكأنه قال: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، لأن وجوده كعدمه، ثم أعلن فساده وعدم نفوذه، وبيَّن ذلك للأمة بياناً عاماً، وهو إلغاء كل شرط خالف حكم الله وشرعه(75).

المبحث الثالث: اشتراط الرهن في المبيع:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه”(76).

المطلب الثاني: أن المرتهن لا يستحق الرهن إذا عجز الراهن عن أداء الدين:

دل الحديث على أن المرتهن لا يستحق الرهن إذا عجز الراهن عن أداء الدين، لأن الرهن ملك للراهن لا يزول ملكه عنه، وإنما هو وثيقة بيد المرتهن يتوثق ممن عليه الدين، فإذا حلّ الدين وجب على الراهن أداؤه وأخذ رهنه، فإن لم يتيسر ذلك أو امتنع باع الحاكم الرهن لتعينه طريقاً لأداء الواجب، وقضى دينه من ثمنه، لأنه حق تعين عليه، فقام الحاكم مقامه فيه، ويرد الباقي على صاحب الرهن(77).

المطلب الثالث: إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا وكذا فالرهن لك:

اختلاف العلماء رحمهم الله فيما إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك. على قولين:

القول الأول: أن الشرط باطل والعقد صحيح.

وهذا مذهب الجمهور، وروي عن بعض السلف(78).

واستدلوا بهذا الحديث، وقد دل على أن الرهن صحيح قوله: “له غنمه وعليه غرمه”. والشرط باطل قوله: “لا يغلق الرهن من صاحبه”.

وبذلك فسره الإمام أحمد(79).

القول الثاني: أن الشرط صحيح معتبر وأنه بمجرد حلول الأجل تصبح العين المرهونة ملكاً للمرتهن. وهو رواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

واستدلوا:

بأن الأصل في المعاملات الحل.

وبأن هذا الشرط لا ينافي مقتضى الرهن.

وقد عمل بذلك الإمام أحمد رحمه الله، فقد وضع رهناً عند صاحب دكان وقال له: إن جئتك بحقك وإلا فهي لك.

وأجابوا عن الحديث:

بأنه معلول بالإرسال.

أو يحمل على ما إذا لم يشترط، أما إذا اشترط فإنه لا بأس به(80).

وهذا القول هو الصحيح، ولا ضرر فيه على الرهن.

المبحث الرابع: اشتراط الثنيا في المبيع:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

15- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثنيا إلا أن تعلم”(81).

المطلب الثاني: أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عُين:

الحديث دل على أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عيِّن، ولهذا صور كثيرة ذكرها أهل العلم.

فلا يجوز: أبيعك عبيدي إلا عبداً وهو غير معين، ولا أبيعك هذا القطيع من الغنم إلا عشراً، وهي غير معينة.

فإذا عينها بوصف أو إشارة ونحو ذلك جاز، لأن عدم التعيين نوع من الغرر لجهالة المستثنى، واستثناء المجهول يجعل المبيع مجهولاً، وهذا يفضي إلى النزاع والاختلاف(82).

المبحث الخامس: إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

16- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها”.

وفي لفظ: “لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها، ولتنكح، فإن لها ما قدر لها”(83).

المطلب الثاني: نهي المرأة أن تسعى عند زوجها في طلاق أختها:

دل الحديث على نهي المرأة أن تسعى عند زوجها في طلاق أختها:

وفسره النووي بأن تسأل المرأة الأجنبية رجلاً أن يطلق زوجته ويتزوجها مكانها، بحيث يكون لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بإكفاء ما في الصحفة مجازاً(84).

وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال: “في هذا الخبر من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، فإنما لها ما سبق به القدر عليها، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئاً مما جرى به القدر لها ولا يزيدها”(85).

قال ابن حجر: “وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ “لا تسأل المرأة طلاق أختها”، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الأجنبية، ويؤيده قوله فيها “ولتنكح” أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق التي قبلها”(86).

المطلب الثالث: ما الحكم فيما إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها:

اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا شرطت المرأة طلاق ضرتها على قولين:

القول الأول: أنه شرط باطل، وهو قول جمهور العلماء، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في هذا الحديث، والنهي يقتضي الفساد.

وقد بوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث بقوله: باب الشروط التي لا تحل في النكاح(87).

ولما فيه من الظلم والعدوان، لأن حق الزوجة سابق.

القول الثاني: أنه شرط صحيح، وهو رواية عن الإمام أحمد، وبه قال أبو الخطاب.

لأنه شرط لا ينافي العقد، ولأن لها فيه فائدة، إذ إن خلو المرأة من ضرة من أكبر أغراضها(88)، والصحيح قول الجمهور.

المبحث السادس: إذا زوج الرجل وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

17- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشِّغار، والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق”(89).

18- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشِّغار، زاد ابن نمير – والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي –”(90).

المطلب الثاني: معنى الشِّغار:

الشِّغار بالكسر الخلو من العوض، ومنه قولهم: شغر المكان إذا خلا، وقيل: هو البعد كأنه بعد عن طريق الحق، وقيل: مأخوذ من شغر الكلب رجله إذا رفعه ليبول، سمي شغاراً لقبحه تشبيهاً له بقبح الكلب حين يرفع رجله ليبول(91).

المطلب الثالث: المقصود بالشِّغار الوارد في الحديث:

اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالشغار على أقوال:

القول الأول: أن يزوج الرجل الرجل ابنته أو أخته ونحوهما على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ونحوهما ولا مهر بينهما.

فلا بد فيه من أمرين: وجود الشرط، وعدم المهر.

وهذا مذهب الحنابلة والحنفية(92).

القول الثاني: أنه متى وجد الشرط فهو شغار ولو ذكر المهر.

وهذا مذهب المالكية والظاهرية، واختيار الخرقي من أصحاب الإمام أحمد(93).

واستدلوا:

1 – بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا شغار في الإسلام” رواه مسلم(94).

2 – حديث أبي هريرة عند مسلم، فهو مطلق وفيه زيادة يجب الأخذ بها.

3 – وبأن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقاً، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال معاوية: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود(95).

قال ابن حزم: “فهذا معاوية بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف يفسخ هذا النكاح، وإن ذكر فيه الصداق، ويقول: إنه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتفع الإشكال جملة”(96).

وهذا القول هو الصحيح؛ سداً للباب.

المطلب الرابع: النهي في الحديث للتحريم عن أكثر العلماء:

حمل أكثر العلماء هذا النهي على التحريم، وحكاه بعضهم إجماعاً.

قال ابن عبد البر: “أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز واختلفوا في صحته”.

ومثله قال النووي، والقرطبي، وابن دقيق العيد(97).

واختلفوا إذا وقع هل يبطل النكاح على قولين:

القول الأول: أن النكاح باطل، وهو قول جمهور العلماء، لما تقدم من أدلة النهي عن نكاح الشغار.

القول الثاني: أن النكاح صحيح، ويجب لكل واحدة منهما مهر المثل، وهو قول أبي حنيفة، وطائفة من السلف كعطاء، والزهري، والثوري، لأن النكاح مؤبد أُدخل فيه شرط فاسد حيث شرط فيه أن بضع كل واحدة منهما مهر للأخرى، والبضع لا يصلح مهراً فبطل الشرط، لأنه شرط فاسد اقترن به، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة.

والصحيح قول الجمهور.

المبحث السابع: إذا تزوجها بشرط أنه متى حللها للأول طلقها:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:

19- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحِل والمحل له” رواه أحمد(98).

20- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلّل له” رواه أحمد والترمذي والنسائي(99).

21- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلِّل، لعن الله المحلَّ والمحلّل له” رواه ابن ماجه(100).

22- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلِّل له” رواه ابن ماجه(101).

المطلب الثاني: صور نكاح التحلل:

نكاح التحليل له صور عند أهل العلم:

الصورة الأولى: أن يشترط عليه في صلب العقد أن يطلقها بعد الدخول بها. فجمهور أهل العلم، وعامة السلف، وأبي يوسف من الحنفية على أنه محرم والشرط فاسد والنكاح باطل.

وأدلتهم أحاديث الباب.

الصورة الثانية: أن ينوي الزوج بقلبه أن يتزوجها لكي يحلها لزوجها بدون شرط.

فالمذهب عند الحنابلة، ومذهب المالكية أن العقد باطل ولا تحل للأول لما تقدم من الأدلة.

ولحديث عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات” متفق عليه(102).

وجه الدلالة منه: أنه قصد التحليل ونواه فلم يصح.

وذهب أبو حنيفة، والشافعي إلى أن العقد صحيح، لكنه يكره عند الشافعية، لأن كل شيء إذا صرح به بطل فإنه يكره إذا نواه.

الصورة الثالثة: أن يتواطأ الزوج والزوجة أو وليها على ذلك قبل العقد، ولا يذكر لفظاً في صلب العقد، لكنه منوي ومعلوم.

فالحكم في هذه الصورة حكم الصورة السابقة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إن اتفقا عليه قبل العقد، ولم يرجع عن نيته بطل النكاح.. وقال الصحابة والتابعون وأئمة الفتوى لا فرق عندهم بين الشرط المتقدم والعرف”.

الصورة الرابعة: أن تكون نية التحليل من الزوجة أو الولي فالجمهور على أن العقد صحيح، لأن الزوجة وكذا وليها لا يملكان رفع العقد فوجود نيتهما كعدمها.

وقالوا: من لا فرقة بيده لا أثر لنيته.

وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي: إذا نوى أحد الثلاثة فسد النكاح.

وعللا ذلك بأن الولي أو الزوجة قد يتسببا في التضييق على الزوج حتى يطلق.

والصحيح قول الجمهور، لأن الأثر لمن بيده الطلاق(103).

المطلب الثالث: ما الذي يترتب على نكاح المحلل:

يترتب على نكاح التحليل: الإثم، وبطلان النكاح، وعدم حل المرأة لزوجها الأول.

في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلّقني فأبتَّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزّبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، وأبو بكر جالسٌ عنده، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فقال: يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم”(104).

فدل الحديث على أنه لا بد في النكاح الذي يحصل به التحليل أن يكون صحيحاً، وأن يكون نكاح رغبة، وأن يحصل فيه جماع(105).

الخاتمة:

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه.

وبعد:

فقد ظهر لي من خلال هذا البحث وما اشتملت عليه الأحاديث النتائج الآتية:

1- أن ما يطلبه الشرع من غير شرط فإنه لا يؤثر ذكره وعدمه.

2- ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.

3- ثبوت خيار الشرط.

4- ثبوت خيار الغبن.

5- جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في البيع.

6- جواز اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة.

7- إثبات السلم.

8- جواز اشتراط المشتري ثمرة النخل عند شرائها بعد التأبير.

9- جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل.

10- جواز تعليق الهبة على شرط مستقبل.

11- وجوب الوفاء بالشروط المشترطة في النكاح.

12- المراد بالشرطين المنهي عنهما مسألة العينة على القول الراجح.

13- جواز بيع العبد المكاتب بشرط العتق.

14- أن الشرط في عقد الرهن كالشرط في البيع.

15- أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عيّن.

16- أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل طلاق ضرتها.

17- تحريم نكاح الشغار وأنه باطل.

18- تحريم نكاح التحليل.

—————————————-

(1)    معجم مقاييس اللغة، ص(555)، وانظر المصباح المنير، للفيومي، ص(118).

(2)    نظرية الشرط، ص(9).

(3)    القاموس المحيط، ص(383).

(4)    المصباح المنير، ص(160).

(5)    نظرية الشرط، ص(37).

(6)    الموسوعة الفقهية (30/198).

(7)    صحيح البخاري (212)، ومسلم (1531/44)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، والمثبت لفظ مسلم من طريق الليث بن سعد، عن نافع، زاد في طريق أيوب السختياني، عن نافع “أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر”.

وزاد في طريق يحيى بن سعيد: “وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه”. لفظ البخاري.

(8)    صحيح البخاري (2097)، (2082)، (2108)، (2110)، (2114)، ومسلم (1532/47).

(9)    أخرجه أحمد (6721)، وأو داود (3456)، والترمذي (1247)، والنسائي (7/251-252)، من طريق محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، فذكره.

وفي إسناده ضعف، لكنه يتقوى بشواهده.

محمد بن عجلان وثقه ابن عيينة، وأحمد، وابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والعجلي والنسائي.

وضعفه بعضهم من قبل حفظه، ذكره الترمذي، والحاكم، وابن رجب.

قال الترمذي: “وقد تكلَّم بعض أهل الحديث في قوم من أجلة أهل العلم، وضعِّفوا من قبل حفظهم…” وذكر منهم محمد بن عجلان.

والراجح أنه صدوق كما قال ابن حجر، إلا في حديثه عن المقبري، فالظاهر أن ما ينفرد به عن سعيد، عن أبي هريرة، فإنه يتوقف فيه ما لم يكن من رواية الليث عنه كما قال الدارقطني.

انظر: تهذيب الكمال (26/101-108)، العلل الصغير، للترمذي (6/236)، التقريب ص(877).

وأما عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، فهذه السلسلة في أعلى مراتب الحسن، قال البخاري: “رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهوية وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، فمن الناس بعدهم”. تهذيب التهذيب (8/48).

(10)    صحيح البخاري (2117)، ومسلم (1533/48) من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكره.

وعند مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر: “فكان إذا بايع يقول: لا خيابة”.

زاد أحمد (5405) من طريق سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار: “وكان في لسانه رُتَّه”.

(11)    الأم (3/4)، المغني (6/10)، المجموع (9/181)، شرح القدير (6/276)، التمهيد مع الاستذكار (17/198-199)، المحلى (8/351).

(12)    أخرجه البخاري (2116).

(13)    الموطأ (2/671)، المدونة (4/188)، بدائع الصنائع (5/231)، طرح التثريب (6/149).

(14)    بداية المجتهد (2/209).

(15)    صحيح البخاري (2126)، ومسلم (1525) من حديث عبد الله بن عمر.

(16)    انظر: التمهيد مع الاستذكار (17/198-199).

(17)    حاشية الدسوقي (3/91).

(18)    سنن الترمذي (2/529).

(19)    صحيح مسلم (3/1164).

وانظر: إحكام الأحكام مع العدة (4/5-25)، فتح الباري (4/329) فقد أطالا في ذكر الأجوبة عن أدلة المخالفين.

(20)    التمهيد مع الاستذكار (17/198).

(21)    انظر معالم السنن، للخطابي (5/95).

(22)    مذكرة الفقه، للشيخ ابن عثيمين (2/291).

(23)    المجموع (8/225).

(24)    مواهب الجليل (4/472)، المغني (6/36).

(25)    تفسير القرطبي (5/152)، المجموع (9/287)، الموسوعة الفقهية (31/138-142).

(26)    شرج صحيح مسلم (10/177).

(27)    نيل الأوطار (6/271).

(28)    صحيح البخاري (2385)، (2718)، (5079)، (5245)، (5247)، (2861)، (3089)، 2309) من طرق متعددة عن جابر رضي الله عنه واللفظ لمسلم، ومسلم (715/109).

(29)    الإنصاف مع الشرح الكبير (11/214)، الاختيارات ص(183)، تهذيب مختصر السنن (5/146)، فتح الباري (5/314).

(30)    صحيح البخاري مع فتح الباري (5/314).

(31)    المبسوط، للسرخسي (13/18)، بدائع الصنائع (5/156)، بداية المجتهد (2/161)، المهذب (3/52)، المبدع في شرح المقنع (4/54).

(32)    بداية المجتهد (2/161).

(33)    المبدع في شرح المقنع (4/54).

(34)    تهذيب مختصر السنن (5/146).

(35)    إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد (3/172-173).

(36)    حاشية العنقري (2/60)، وحديث سفينة: أخرجه أحمد (21927)، والطيالسي (1707)، وأبو داود (3932)، والنسائي في الكبرى (4976، 4977)، وابن ماجه (2526) من طريق سعيد بن جمهان، عن سفينة رضي الله عنه وإسناده صحيح.

(37)    صحيح البخاري (2239)، (2240)، (2253)، ومسلم (1604)، من طريق عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره. واللفظ لمسلم.

وعند البخاري من طريق إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح بلفظ: “العام والعامين – أو قال: عامين أو ثلاثة – شك إسماعيل”.

(38)    في المسند برقم (25141) من طريق شعبة بن الحجاج.

والترمذي (1213)، والنسائي (7/294)، والحاكم (2/23-24) من طريق يزيد بن زريع، كلاهما بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن عائشة رضي الله عنها.

وإسناده صحيح. قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”.

(39)    المغني (6/404)، حاشية الدسوقي (3/205).

(40)    بدائع الصنائع (5/213)، وبداية المجتهد (2/203-204)، المغني (6/403).

(41)    المصنف (14066)، وإسناده صحيح، والأندر: يعني البيدر الذي يدرس فيه الطعام.

(42)    حاشية الخرشي (6/77)، مجموع الفتاوى (29/52)، الإنصاف (5/99-100).

(43)    المغني (6/403).

(44)    أخرجه البخاري (2204)، (2206)، (2716)، ومسلم (1543/77، 79)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

والبخاري (2379)، ومسلم (1543/80)، من طريق الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، وزاد فيه: “ومن ابتاع عبداً وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع”.

وقد اختلف سالم ونافع في رفع قوله: “ومن باع عبداً له مال..” ووقفه، كما تقدم في التخريج.

(45)    الشرح الكبير، للدردير مع حاشية الدسوقي (3/176)، روضة الطالبين (3/549)، المغني (6/133).

(46)    بداية المجتهد (2/189)، الشرح الكبير مع الإنصاف (12/156)، الإنصاف (5/60).

(47)    المصادر السابقة.

(48)    الشرح الممتع (9/17).

(49)    انظر: سبل السلام (3/40)، ومنحة العلام (6/245).

(50)    أخرجه البخاري (4261) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، عن عبد الله بن سعيد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(51)    نظرية الشرط في الفقه الإسلامي ص(144).

(52)    نيل الأوطار (10/200).

(53)    صحيح البخاري (2721)، (5151)، ومسلم (1418)، من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه فذكره.

(54)    الفتح (9/217).

(55)    أعلام الحديث (3/1979)، وانظر: الفتح (9/217-218).

(56)    المغني (9/483)، المقنع مع الشرح الكبير (20/390).

(57)    أخرجه ابن أبي شيبة (4/199)، وعلقه البخاري في الصحيح (9/217)، وإسناده صحيح.

(58)    جامع الترمذي (2/421).

(59)    الروض المربع مع الحاشية (6/316).

(60)    أخرجه أحمد (6671)، والطيالسي (2371)، وأبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائي (7/295)، وابن ماجه (2188)، من طريق أيوب السختياني، وأحمد (6628) من طريق الضحاك بن عثمان، وفي (6918) من طريق محمد بن عجلان، والنسائي (7/295)، والدارمي (2563) من طريق حسين المعلم، والدارقطني (3/74-75) من طريق عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو.

وفي رواية أيوب عند أحمد (6671) وأبي داود، والترمذي، والنسائي (7/295): عن عمرو بن شعيب، حدثني أبي، عن أبيه، حتى ذكر عبد الله بن عمرو. وانظر: تحفة الأشراف (6/304، 305)، وأطراف المسند (4/27، 28).

وأخرجه ابن حزم في المحلى (8/418)، والطبراني في الأوسط – كما في التلخيص (3/12) – من طريق محمد بن سليمان الذهلي، عن عبد الوارث بن سعيد، عن أبي حنيفة، عن عمرو بن شعيب به في قصة طويلة، وفيه: “نهى عن بيع وشرط”.

والحديث إسناده حسن، سلسلة عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في أعلى مراتب الحسن، كما تقدم.

قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”.

وقال الحاكم: “هذا الحديث على شرط جملة من أئمة المسلمين”.

وقال ابن عدي في الكامل (5/1767): “سمعت أبا يعلى يقول: قال أبو عبد الرحمن الآذرْمي – بمد الألف وفتحها – يقال: ليس يصح من حديث عمرو بن شعيب إلا هذا، أو هذا أصحها”.

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (5/144): “هذا الحديث أصل من أصول المعاملات، وهو نص في تحريم الحيل الربوية”.

وأما اللفظ الآخر، فهو منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره، وذكروا أنه لا يعرف وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه، قاله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (29/138).

واستغربه النووي، كما في التخليص (3/12)، وابن حجر في بلوغ المرام ص(204).

(61)    أورده ابن حجر في المطالب العالية (7/294) ح(1398)، والبوصيري في الإتحاف (3/293) ح(2760) من طريق عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن عطاء، عن عتاب بن أسيد، فذكره.

زاد البوصيري في آخره: “وشفَّ ما لم يضمن”.

وأخرجه ابن ماجه (2189) عن عثمان بن أبي شيبة به بلفظ: “نهاه عن شف ما لم يضمن”.

والشف – بكسر الشين وفتحها – هو الربح والزيادة. النهاية (2/486).

وأخرجه الطبراني في الكبير (17/162) من طريق موسى بن عبيدة الربذي، عن أخيه عبد الله بن عتاب، فذكره.

والحديث إسناده ضعيف، فيه علتان:

الأولى: ضعف ليث بن أبي سليم، كما في التقريب ص(817).

الثانية: الانقطاع بين عطاء وعتاب بن أسيد، قال ابن حجر: “هذا منقطع بين عطاء وعتاب مع ضعف ليث بن أبي سليم”. المطالب العالية (7/294).

ومثله قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/170).

وأما طريقه الآخر:

ففيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو شعيف، كما في التقريب ص(983)، بل قال الإمام أحمد: “لا تحل الرواية عندي عنه”. بحر الدم ص(420).

(62)    المبسوط (13/28)، المدونة (4/151).

(63)    تهذيب السنن (5/144).

(64)    المغني (6/321).

(65)    برقم (3460) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن زكريا، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وقد تفرد بهذه اللفظة يحيى بن زكريا، وخالفه أكثر الحفاظ مثل عبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، وعبد الوهاب بن عطاء وآخرون، كلهم رووا الحديث بلفظ “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة” أخرجه الترمذي (1231)، والنسائي (7/295) وهو المحفوظ.

انظر: معالم السنن (5/97-98)، عون المعبود (9/334).

(66)    تهذيب السنن (5/144-159).

(67)    شرح السنة، للبغوي (8/145).

(68)    الموطأ (2/657).

(69)    التمهيد (24/385)، الإفصاح (1/360)، بداية المجتهد (3/312).

(70)    المغني (6/334).

(71)    صحيح البخاري (2561)، ومسلم (1504/6)، وأحمد (24522)، وأبو داود (3929)، والترمذي (2124)، والنسائي (7/305)، والبيهقي (10/299-300 و338) من طريق الليث بن سعد، والبخاري (2155)، والنسائي في الكبرى (6371) من طريق شعيب بن أبي حمزة، وأحمد (24053) والنسائي في الكبرى (6370) من طريق معمر بن راشد، ومسلم (1504/7)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (233) من طريق يونس بن يزيد، وأحمد (25504) من طريق سفيان بن حسين، خمستهم عن الزهري، ومالك في الموطأ (2/780)، ومن طريقه البخاري (2168)، (2729)، والبخاري (2563)، ومسلم (1504/8) من طريق أبي أسامة، وابن أبي شيبة (7/136)، ومسلم (1504/9)، وأحمد (25786)، وابن ماجه (2521)، والبيهقي (5/336) من طريق وكيع بن الجراح، وأحمد (25367)، ومسلم (1504/9)، وأبو داود (2233)، والترمذي (1154)، والنسائي (6/164-165)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/82)، والبيهقي (7/132 و221) من طريق جرير بن عبد الحميد، ومسلم (1504/9) من طريق عبد الله بن نمير، وأبو داود (3930) من طريق وهيب بن خالد، ستتهم – مالك وأبو أسامة ووكيع وجرير وابن نمير ووهيب – عن هشام بن عروة، ومسلم (1504/13)، والنسائي (6/165)، والبيهقي (7/221) من طريق يزيد بن رومان، ثلاثتهم – الزهري، وهشام بن عروة، ويزيد بن رومان – عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها.

ورواية شعيب عن الزهري مختصرة.

ورواية يزيد بن رومان مختصرة على قوله: عن عائشة قالت: كان زوج بريرة عبداً.

وأخرجه الشافعي في السنن (598)، والحميدي (241)، والبخاري (456) و(2735)، والبيهقي (10/337) من طريق سفيان بن عيينة، وأحمد (25031)، والنسائي في الكبرى (6374)، والبيهقي (10/337) من طريق جعفر بن عون، والشافعي (599)، ومن طريقه البيهقي (10/337) عن عبد الوهاب الثقفي. ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

واختلف عليه فيه:

فرواه من تقدم عنه، عن عمرة، عن عائشة.

ورواه مالك، عنه، عن عمرة أن بريرة جاءت عائشة رضي الله عنها.. وقال مالك: قال يحيى بن سعيد: فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء…”.

أخرجه مالك في الموطأ (2/781) ومن طريقه: الشافعي في السنن (597)، والبخاري (2564)، والنسائي في الكبرى (6375)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/42-43)، وابن حبان (4326)، والبيهقي (10/336-337).

قال الشافعي: لم تقل عن عائشة، وذلك مرسل.

وأخرجه البخاري (2565)، (2726) من طريق أيمن المكي قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت: دخلت عليَّ بريرة وهي مكاتبة…

وفيه: “اشتريها فأعتقيها، وليشترطوا ما شاؤوا، قالت: فاشتريتها فأعتقتها، واشترط أهلها ولاءها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط”.

وأخرجه البخاري (2536)، (6758)، ومسلم (1504/9)، وأحمد (25366)، وأبو داود (2233)، والترمذي (1154)، والنسائي (6/164-165)، وابن ماجه (2074)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/82)، وابن حبان (4272)، والبيهقي (7/132، 221، 223)، (10/338) من طريق إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة.

وفي بعض طرقه عن إبراهيم: “وكان زوجها حراً.

وهو مدرج من قول الأسود، بيَّن ذلك البخاري في صحيحه (12/41) فقال: “قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبداً أصح”.

قال ابن حجر في الفتح (9/411): “قوله: وكان زوج بريرة حراً، مدرج من قول الأسود، أدرج في أول الخبر وهو نادر، فإن الأكثر أن يكون في آخره، ودونه أن يقع في وسطه، وعلى تقدير أن يكون موصلاً فترجح رواية من قال: كان عبداً بالكثرة” اهـ.

وللبخاري (6760) من طريق منصور، عن إبراهيم به مختصراً بلفظ: “الولاء لمن أعطى الورِق وولي النعمة”.

(72)    فت الباري (5/194).

(73)    إعلام الموقعين (3/107).

(74)    معالم السنن، للخطابي (5/391)، فتح الباري (5/190-191).

(75)    الفتح (5/191).

(76)    أخرجه الدارقطني (3/32)، والحاكم (2/51)، والبيهقي (6/39) من طريق عبد الله بن عمران العابدي، وابن حبان (5934) من طريق إسحاق بن الطباع، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، والدارقطني (3/33)، والحاكم (2/51-52)، والبيهقي (6/39) من طريق ابن أبي ذئب، والشافعي في مسنده ص(148) عن يحيى بن أبي أنيسة، وابن ماجه (2441) من طريق إسحاق بن راشط، والحاكم (2/51) من طريق مالك بن أنس، والدارقطني (3/33)، والحاكم (2/51-52) من طريق كدير أبي يحيى، عن معمر، ستتهم عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره.

وقد اختلف فيه على الزهري:

فرواه من تقدم مرفوعاً.

ورواه مالك في الموطأ (2/728)، ومن طريقه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/100)، وأبو داود في المراسيل ص(134)، وعبد الرزاق (15033)، ومن طريقه الدارقطني (3/33)، والبيهقي (6/40) من طريق معمر بن راشد.

كلاهما – مالك ومعمر – عن الزهري، عن ابن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً بلفظ: “لا يغلق الرهن”.

ورجحه الدارقطني في العلل (9/168) فقال – لما ذكر المرسل -: “وهو الصواب عن مالك، وكذلك روي عن ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد وهو الصواب”.

ورجحه أيضاً أبو داود والبزار وابن القطان. انظر: التلخيص (3/42).

قلت: وهو الصواب. على أن لفظ المرسل منه “لا يغلق الرهن” فقط، وما بعده من قول سعيد بن المسيب فقد قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (40/11) – بعد إخراج الحديث -: “قال يونس بن يزيد، قال ابن شهاب: وكان ابن المسيب يقول: “الرهن لصاحبه غنمه، وعليه غرمه”.

وأما الموصول فطرقه كلها معلولة:

فرواية زياد بن سعد المحفوظ فيها الإرسال. قال البيهقي (6/40): “وقد رواه غيره – أي غير عبد الله بن عمران – عن سفيان عن زياد مرسلاً وهو المحفوظ”.

وأما رواية ابن أبي ذئب فقد اختلف عليه فيه، والمحفوظ في روايته الإرسال أيضاً، فقد رواه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عند الشافعي في مسنده ص(148)، وكذا رواه وهيب وعبد الله بن نمير وأحمد بن يونس كما في العلل، للدارقطني (9/167) عنه مرسلاً، وهو الصواب.

وأما رواية مالك فالصواب فيها الإرسال كما تقدم.

وأما رواية يحيى بن أبي أنيسة، ففي إسنادها راو مجهول، قال الشافعي “أخبرنا الثقة”، وهو في الغالب يطلق هذا الوصف على إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف     بالاتفاق.

وأما رواية إسحاق بن راشد فإسنادها ضعيف جداً، فيه محمد بن حميد الرازي، قال البخاري: “فيه نظر”، وكذَّبه أبو حاتم، وقال يعقوب بن شيبة: “كثير المناكير. الميزان (3/530).

وأما رواية معمر فقد اختلف عليه فيه، والمحفوظ فيها الإرسال، قاله الدارقطني.

بقي أن يقال: الدارقطني قال في سننه (3/32) عن الطريق الموصول: “وهذا إسناد حسن متصل”.

فيقال: قوله هنا معارض بقوله في العلل، وقوله في العلل هو المقدم لأن فيه بيان علل الأحاديث والطرق والأسانيد.

(77)    نهاية المحتاج (4/274)، كشاف القناع (3/342).

(78)    المغني (6/507)، نيل الأوطار (6/330-331).

(79)    المغني (6/507).

(80)    الإنصاف مع الشرح الكبير (11/249-250)، وبدائع الفوائد (4/95).

(81)    أخرجه مسلم ص(1175) (85)، وأحمد (14921)، والبيهقي (5/304)، من طريق حماد بن زيد، ومسلم ص(1175) ص(85)، وأحمد (14358)، وأبو داود (3404)، والنسائي (7/296) من طريق إسماعيل بن علية، وأحمد (14841) من طريق حماد بن سلمة، ثلاثتهم عن أيوب السختياني، عن أبي الزبير.

لكن قال حماد بن زيد: عن أيوب، عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء، عن جابر.

وقال إسماعيل بن علية وحماد بن سلمة: عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر فذكره.

ولم يذكر مسلم قوله: “إلا أن تعلم”.

وأخرجه أبو داود (3405)، والنسائي (7/296)، من طريق سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه فذكره، وفيه “وعن الثنيا إلا أن تعلم”، وفي هذا الطريق علة وهي عدم سماع يونس بن عبيد من عطاء.

قال الترمذي في العلل الكبير (1/519): “سألت محمداً – يعني: البخاري – عن هذا الحديث، فلم يعرفه من حديث سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، وقال: لا يعرف ليونس بن عبيد سماعاً من عطاء بن أبي رباح”.

(82)    المبدع (4/30)، المقنع مع الشرح الكبير (11/113).

(83)    أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1413/51)، من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره، واللفظ للبخاري.

والشاهد منه: “ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها”.

وأما اللفظ الآخر: فأخرجه البخاري.

(84)    شرح صحيح مسلم (9/192-193).

(85)    التمهيد (14/391).

(86)    فتح الباري (9/220).

(87)    فتح الباري (9/219).

(88)    حاشية ابن عابدين (3/24)، جواهر الإكليل (3/512)، وروضة الطالبين (7/264)، المغني (9/486)، الإنصاف مع الشرح الكبير (20/395).

(89)    أخرجه البخاري (5112)، (6960)، ومسلم (1415/57)، من طرق عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكره.

وهذا التفسير اختلف فيه:

قال الشافعي رحمه الله: “لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن ابن عمر، أو نافع، أو عن مالك” المعرفة (5/338).

قال ابن حجر: “قال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقد بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون… ووقع عند المصنف من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع، ولفظه: قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع: ما الشغار؟ فذكره، فلعل مالكاً أيضاً نقله عن نافع” اهـ.. الفتح (9/162).

قلت: وهو الصواب.

(90)    أخرجه مسلم (1416)، والنسائي (6/112) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

(91)    لسان العرب (7/144)، المصباح المنير ص(120).

(92)    كشاف القناع (5/93)، بدائع الصنائع (2/278).

(93)    شرح الخرشي وحاشيته (3/267)، المحلى (9/516)، كشاف القناع (5/93).

(94)    برقم (1415/60).

(95)    برقم (2074).

(96)    المحلى (9/516).

(97)    التمهيد (11/83)، شرح صحيح مسلم (9/201)، المفهم (4/110)، إحكام الأحكام (4/34).

(98)    أخرجه أحمد (8287).

وأخرجه البزار (1442)، والبيهقي (7/208) من طريق معلى بن منصور، عن عبد الله بن جعفر المخرمي، عن عثمان بن محمد، عن المقبري، عن أبي هريرة، فذكره.

قال البزار: “لا نعلمه عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد”.

وقال الترمذي في العلل الكبير (1/437): “سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن..”.

(99)    أخرجه أحمد (4283)، (4284)، والترمذي (1120)، والنسائي (6/149)، والدارمي (2258)، وابن أبي شيبة (17083)، وأبو يعلى (5329)، والبيهقي (7/208) من طريق أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل بن شرحبيل، وأحمد (4308)، وأبو يعلى (5032)، والبغوي (2293) من طريق عبد الكريم الجزري، عن أبي وائل.

وعبد الرزاق (10793) من طريق عبد الله بن مرة، عن الحارث الأعور.

ثلاثتهم – هزيل، وأبو وائل، والحارث – عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -.

والحديث بطريقه الأول: إسناده صحيح، قال الترمذي: حسن صحيح.

وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري، كما في التلخيص (3/170).

وطريقه الثاني: في إسناده أبو واصل وهو مجهول، كما في تعجيل المنفعة ص(527).

وطريقه الثالث: فيه الحارث الأعور وهو ضعيف، وقد رماه الشعبي بالكذب في رأيه. التقريب ص(211).

(100)    سنن ابن ماجه (1936)، والطبراني (17/825)، والدارقطني (3/251)، والحاكم (2/198)، والبيهقي (7/208) من طريق الليث بن سعد، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، فذكره.

وإسناده ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: مشرح بن هاعان، قال ابن حبان في المجروحين (3/28): يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير لا يتابع عليها.

الثانية: الانقطاع؛ فإن الليث بن سعد لم يسمع من مشرح.

قال أبو زرعة: “ذكرت هذا الحديث ليحيى بن عبد الله بن بكير، وأخبرته برواية عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح، فأنكر ذلك إنكاراً شديداً وقال: لم يسمع الليث من مشرح شيئاً، ولا روى عنه شيئاً”اهـ.. العلل، لابن أبي حاتم (2/94) رقم (1232).

(101)    أخخرجه ابن ماجه (1934) من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره.

وإسناده ضعيف.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/108): هذا إسناد ضعيف لضعف زمعة بن صالح الجندي.

وفي الباب عن علي وجابر، وهما معلولان كما قال الترمذي في سننه (2/413).

(102)    أخرجه البخاري (1)، وفي مواضع أخر، ومسلم (1907).

(103)    بدائع الصنائع (2/280)، حاشية الدسوقي (2/258)، الأم (5/79)، تحفة المحتاج (7/312)، بيان الدليل على إبطال التحليل لشيخ الإسلام ابن تيمية ص(493)، الإنصاف مع الشرح الكبير (20/411)، كشاف القناع (5/102)، الروض المربع (8/387)، الموسوعة الفقهية (41/344).

(104)    أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433).

(105)    انظر: شرح صحيح مسلم (10/3).

المصدر: موقع المسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى