كتابات مختارة

الحسنات الماحية «2-2»

بقلم د. ياسر عبد التواب

تكلمنا في مقالنا السابق عن الحسنات الماحية، أي التي يمحو الله تعالى بها ذنوب العبد  وإن عظمت ولذا فمن المفيد للعبد أن يتعرفها وأن يتلمسها فالإنسان خطاء بطبعه ولذا فمعرفته لداه يجعله يتلمس دواؤه، وقلنا أن السلامة لا تعدلها شيء وتبقى دوما حسنات الأبرار سيئات المقربين!

ونقول أن الأصل في كل عمل صالح -بما في ذلك الحسنات الماحية- أن يستجمع شروط قبول العمل من النية الصالحة المخلصة لله رب العالمين فلا بتصور من حسنة أن تكون ماحية بينما لم يرد صاحبها وجه الله فهذه لعمري سيئة ولا يتصور من حسنة أن تكون ماحية أيضا إن خالف صاحبها الشرع فوقع في بدعة فو الله لا تمح ذنوب عبد ببدعة أبدا مهما خلصت نيته، وذكرنا في المقالة السابقة نوعين من الحسنات الماحية:

الأول: إما حسنات متعلقة ببدء الإنسان لصفحة جديدة مع الله تعالى كالدخول في الإسلام والتوبة والهجرة.

والثاني: حسنات متعلقة باستغراق العبد وقته واستفراغه جهده في عبادة مخلصة نص الدليل على ثوابها كالصلاة والصيام.

وذكرنا أن الحسنات الماحية بسبب العبادات إنما تمحو الصغائر في أغلب أحوالها ولا تمحى الكبائر إلا بالتوبة.

ونستكمل الحديث فنقول النوع الثالث من الحسنات الماحية هي:

 * حسنات مقبولة فعلها أصحابها في أوقات الشدائد إما أن تكون تلك الشدة واقعة على أنفسهم أو على غيرهم فكان جزاؤهم عليها من ربهم تعالى الكريم الجواد أن قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

إنها تلك الحسنات التي تكون في مواقف فاصلة تنقذ الناس من الكفر كالجهاد مثلا وكفى ببارقة السيوف كفارة فإن السيف محاء الخطايا ومن ذلك أن تعين مجاهدا على جهاده أو ترفع الظلم عن خلق الله  بكلمة حق تقال عن إحجام الناس أو تقال لمن لا يجرؤ الناس على الكلام عنده ككلمة حق عند سلطان جائر.

ومن هؤلاء المجاهدين من أهل بدر الذين جاهدوا بالرغم من قلة عددهم وعددهم، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: [وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر اطلاعه، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم].

ومنهم عثمان ذو النورين الذي أنفق في ساعة العسرة [فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ] رواه الترمذي.

وقد تكون الحسنة الماحية يسيرة لكنها جاءت في وقت مسيس الحاجة إليها مع إخلاص التام لله  فينفذ بها العبد إرادة الله تعالى بإيصال الرحمة لخلقه كمثل المرأة التي سقت كلبا يلعق الثرى من عطش كاد يفتك به فغفر لله تعالى لها أو الذي نحا غصنا ذا شوك عن طريق الناس فأدخله الله تعالى الجنة.

 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ] وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِي الصِّحَاحِ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَالْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ]

ولكن يجب أن ندرك هنا أن ليس كل حسنة ماحية ولا كل سيئة -كالكبائر مثلا-  تمحى بأي حسنة بل يجب أن تتناسب الحسنة التي تمحو مع السيئة التي ارتكبت فهناك من السيئات ما لا يكفره إلا الحج وهناك ما لا يكفره إلا الجهاد أو إقامة الحد  وعموما فالتوبة تمحو كل ذنب مهما عظم.

المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى