كتب وبحوث

الحراك الشيعي في السعودية.. تسييس المذهب ومذهبة السياسة

اسم الكتاب: الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة.

اسم المؤلف: بدر الإبراهيم ، محمد الصادق.

عدد الصفحات: 319 صفحة.

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

 

نبذة عن الكتاب – بقلم أحمد بن عبد المحسن العساف

بين يدي كتاب الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة، تأليف بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، وقد صدرت طبعته الأولى عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر عام (2013م)، وعدد صفحاته (319) صفحة، ويتكون من ثمانية فصول، ثم قائمة المراجع، وقد خلا من المقدمة والخاتمة؛ ويمكن أن يأخذ الفصل الأول وصف المقدمة الكاشفة؛ تماماً كما يصح على الفصل الثامن أن يكون خاتمة بالتوصيات. ويذكرني هذا البحث بكتاب د.عبد العزيز الخضر: “السعودية: سيرة دولة ومجتمع” الذي سرد فيه قصة المكونات الفكرية في المملكة-حسب وجهة نظره- بعدد كبير من الصفحات.

يتمتع المؤلفان بنفس هاديء جداً في البحث والكتابة، ويمتازان بلطف في التعبير عن دولة إيران، وعن علماء المذهب ومشايخه، ومؤسساته الدينية؛ وإن اختلفوا معهم كلياً أو جزئياً، وليت أن ليبرالي أهل السنة يقبسون هذه المزية من زملائهم المنتمين للطائفة الشيعية. ولمز الكاتبان السلفية “الوهابية” بأوصاف حادة؛ لكنها غير خارجة عن حدود الأدب، ويقوم الكتاب على فكرة أن الدولة السعودية اتخذت “الوهابية” مذهباً لها؛ مما جعلها تقف في حال خصام مع المكونات الأخرى التي لم تجد مناصاً من الالتصاق بهويتها الطائفية؛ وتسييس مذهبها رداً على مذهبة السياسة.

وإن جهد المؤلفين محاولة جريئة نأمل أن يتبعها محاولات أخرى من داخل المجتمع الشيعي، فأهل الشأن أولى من يكتب فيه إذا تجردوا للحق، ولست أعلم عن رأي المجتمع الشيعي بالكتاب؛ وربما رصد المؤلفان شيئاً من ذلك داخل أوساطهم. وبعض روايات الأحداث عن أقطاب المدارس الشيعية متضاربة؛ وهذا أمر طبيعي فكل أحد يروي وجهة نظره أو طريقة فهمه أو مبلغ علمه.

وينعى الكتاب على من يتعاملون مع الشيعة كجسد واحد وكتلة صماء موالية لإيران، ويفصل في الاختلافات بين المدارس الشيعية ومدى قربها من إيران أو ابتعادها عنها، وقد ألمح المؤلفان إلى ضرورة مراعاة الأقلية لمحيطهم الأكثر، وأن دعوات الانفصال لا تحمل حلاً حقيقياً؛ بل تعيد إنتاج ذات الأمر الذي هربوا منه.

عنوان الفصل الأول الطائفة والدولة: تفعيل المذهب في السياسة، وحرص المؤلفان على الابتعاد قدر المستطاع عن ثنائية الدفاع والهجوم، منتقلين إلى التوصيف للواقع من خلال سبر علاقة الشيعة مع الحكومة، ومع بقية مكونات المجتمع، ومع شيعة إيران والعالم، فضلاً عن العلاقات البينية. وتحدث المؤلفان عن هوية الدولة المتمثلة بالسلفية الوهابية معتبرين أنها هوية طاردة لا جامعة، وناعين على الحكومة تمسكها بهذه الهوية التي لا تمثل-برأيهم- تاريخاً مشتركاً، ولا مصلحة مشتركة؛ بل ساهمت في شطر المجتمع وانقسامه؛ مما حفز الشيعة على تسييس مذهبهم في مقابلة مذهبة الحكومة لسياستها-كما يقولون-.

والحقيقة أن هوية الفئة المسيطرة على الحكم تطغى غالباً؛ كما نرى في الهوية الجعفرية في إيران والعراق، فضلاً عن أن الشيعة في اليمن ولبنان-مثلاً- لم يندمجوا في الهوية الوطنية للبلدين! وفي البحرين يطالبون بحقوقهم كأكثرية! والمؤلفان ينطلقان في بحثهما الماتع من نظريات في علم الاجتماع السياسي لكارستن فيلاند تدور حول الهوية التي تجمع ولا تفرق؛ لكنها غير مطبقة في واقعنا من الشيعة قبل غيرهم؛ بل حتى في دول العالم المتقدم تطغى هويات وتقسيمات وإن كانت غير معلنة. وأكد الباحثان أن الهوية الشيعية لم تسيس إلا بعد استيراد ولاية الفقيه بنسختها الشيرازية؛ التي حاول قادتها لاحقاً الدخول في مشروع وطني دون التخلي عن البعد المذهبي؛ فخسروا في الجهتين-مع الحكومة ومع الأتباع- كما أثبته المؤلفان.

ويطالب الباحثان بجمع البلد في هوية واحدة؛ وهذا مطلب مثالي يعلمان استحالته؛ فلا الشيعة سيتنازلون عن مذهبهم، ولا الأكثرية سيرضون بتحكم الأقلية فيهم، وإذا كانت المشكلة معهم مع الحنابلة ومع السلفية الوهابية – كما يتكرر ذلك في الكتاب- فهل ارتضى شيعة اليمن والعراق مذهب أبي حنيفة أو الشافعي؟ وهل قنعوا بالزيدية أو الأشاعرة حين تذمروا من الوهابية؟ وهل ارتضى شيعة عراق صدام بالبعث هوية وطنية جامعة؟ فالواقع والتاريخ يشهدان على أن انبثاق مسألة “الهوية” أشد ما يكون إذا تولى الشيعة مقاليد الحكم في بلد سواء كانوا فيه أقلية أو أكثرية؛ فعراق البعث كانت بلاء على الجميع؛ لكن عراق الطائفة بلاء على أهل السنة فقط!

وسرد الفصل الثاني تاريخ الشيعة من العهد العثماني إلى العهد السعودي، فالمدارس الفقهية الشيعية في المنطقة الشرقية تنقسم إلى مدرستين هما:

  • المدرسة الأصولية: التي جعلت للعقل مساحة أوسع في الاجتهاد، وهي التي أنجبت العمل السياسي الشيعي من خلال نظرية ولاية الفقيه، وإلى هذه المدرسة تنتسب جميع التيارات الشيعية السياسية.
  • المدرسة الإخبارية التي اهتمت كثيراً بالآثار المروية لدى الشيعة، ولم تلتفت للسياسة نظراً لغيبة الإمام.

ونسب المؤلفان للشيخ كاظم اليزدي (1274-1337) ابتكار مصطلح “المرجع”؛ الذي يوجب على المكلف إتباع مرجع واحد فقط في علاقة “بابوية”.

ويجزم الباحثان أن أصول شيعة السعودية عربية خالصة خلافاً لباقي شيعة الخليج، ويركز هذا الكتاب على الشيعة الإثنى عشرية في منطقتي القطيف والأحساء؛ مع وجود تقاطعات وهموم مشتركة مع شيعة المدينة وإسماعيلية نجران، علماً أن الحراك السياسي يتركز في القطيف؛ المكونة من مدن وقرى وجزيرة، وإليها تعود “العوامية” أكثر مناطق الشيعة ثورية هذه الأيام.

وينقسم المجتمع الشيعي إلى ثلاث طبقات: التجار، والحرفيين، والغواصين، وغالب علماء الشيعة كانوا من طبقة التجار الإقطاعيين؛ فهم وحدهم القادرون على إرسال أولادهم لطلب العلم في الحوزات، وفي عودة الراحل إلى النجف أو قم عالماً وإماماً إضفاء لمزيد مكانة ووجاهة تحظى بها العائلة ذات المركز المالي غالباً؛ وذلك لما للعلماء من منزلة لدى الشيعة لايكاد يضاهيهم فيها أحد كما قال المؤلفان وصدقا، وبالتالي أصبحت الطبقة الإقطاعية مسيطرة على دين الناس ودنياهم، وفي الخمسينات والستينات برزت كتل وطنية وقومية ويسارية، وشارك فيها الشيعة من غير الإقطاعيين بفعالية.

ولموقع الشيعة أهمية جيوسياسية لوجود النفط وجوار إيران، ويرى الباحثان أن شركة أرامكو التي تأسست عام(1933م) أحدثت أثراً داخل الوسط الشيعي جعلهم يكتفون بها عن الاختلاط مع باقي مكونات المجتمع في أنحاء المملكة، وحرمهم السبق إلى وظائف حكومية، مما زاد من عزلتهم، وأدى لانكماش العمل الزراعي في مناطق الشيعة.

ومما يحمد للمؤلفين أنهما حين ذكرا تهميش التنمية في مناطق الشيعة أشارا إلى كونها مشكلة عامة تضررت منها بعض مناطق نجد-المتهمة باطلاً-بالاستحواذ على ثروة البلاد. ومما ذكراه من التهميش إقصاء الشيعة عن المناصب العليا في أرامكو وفي الحكومة، وهذا التهميش يشترك فيه قطاعات عديدة من الشعب كالبادية والمتدينين وساكني الأطراف، كما امتعض المؤلفان من فتاوى التكفير؛ وكأن الشيعة لا يكفرون مخالفيهم وهم أغلبية أمة الإسلام! ولفتا النظر إلى خلاف الشيعة مع المذهب الحنبلي بنسخته الوهابية، والسؤال الذي أطرحه: ماذا عن خلاف الشيعة مع شافعية اليمن؟ ومع أحناف العراق؟ ومع مالكية البحرين؟ وهل الشيعة متفقون مع غير الحنابلة؟

وكان عنوان الفصل الثالث الشيرازيون في الساحة: بين الدعوة والثورة، حيث نشأ تيار “الإسلام السياسي الشيعي” رداً على التيارات القومية واليسارية التي لا قبل للتيار التقليدي أتباع مدرسة النجف بمجابهتها، فكان لا مناص من “استيراد” التيار الشيرازي الذي ينسب للشيخ محمد الحسيني ابن المرجع مهدي الشيرازي، المولود عام(1928م)، وتعود أصوله لإيران، وكان يسكن في كربلاء، ثم هرب للكويت التي آواه تجارها الشيعة وخدموا فكره، ونشروا كتبه وفتحوا له مدرسة الرسول الأعظم؛ ليستقطب من خلالها شباب شيعة المنطقة.

وقد اقتبس بعض منظري التيار الشيرازي شيئاً من فكر جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، ومن هذا التيار انبثقت فكرة ولاية الفقيه؛ وخوض المرجع غمار السياسة؛ وهي الفكرة التي اتفق عليها إماما الشيعة: الخميني والشيرازي. ومن تحت عباءة الشيرازي ولدت حركة الطلائع الرساليين التي مارست العمل الحركي مستفيدة من تراث أعلام كسيد قطب والمودودي. وقد قسَّم الشيرازي هذه الحركة إلى قسمين، الأول: قسم دعوي وتربوي بقيادة أخويه حسن وصادق، والآخر: حركي ثوري بقيادة ابني أخته محمد تقي المدرِّسي وأخوه هادي- وعن هذا القسم كتب الأديب الشيعي عادل اللباد مذكراته بعنوان الانقلاب، وسبق لي الكتابة عنها-.

ودخل الفكر الشيرازي إلى القطيف بواسطة الشيخ محمد السيف والد د.توفيق وفوزي ومحمود الذين درسوا في النجف، ثم كونوا مع الشيخ حسن الصفار والشيخ محمد الصائغ نواة حركة الطلائع الرساليين في السعودية، وقد لقي هؤلاء الشباب ترحيباً خاصاً من الشيرازي، وتلقوا علومه وإلهاماته في مدرسة الرسول الأعظم في الكويت، وقرأوا كتباً في الدين والكفاح، وبعضهم شارك في عمليات قتالية بلبنان، إذ التدريب علمي ونفسي وعسكري، ومارس الصفار دوراً دعوياً نشيطاً في عُمان مما أزعج شيعتها التقليديين، والشيخ الصفار لا يحل في مكان إلا ويكوّن فيه مكتبة جامعة؛ ثم يوقفها لمن بعده؛ وهذا ديدنه في عدة أماكن، فالقراءة تورث الوعي.

وعندما عاد الصفار للقطيف، بدأ يلقي الخطب السياسية التي لم تعهدها منابر القطيف فانجذب إليه شباب الشيعة؛ مع أن الخوئي-وهو المرجع الأعلى في النجف- قد طعن في الصفار وعدَّه مريباً! وذكر المؤلفان روايتين عن إشعال أحداث محرم1400(نوفمبر1979م)، الأولى: أنها بسبب قرار اتخذه المجلس القيادي لحركة الطلائع الرساليين في الكويت، والثانية: تنفي ذلك وتذكر أن لقاء حدث في الحج عام(1399)، وشارك فيه الصفار وتوفيق السيف مع خامنئي ورفسنجاني، ولقاء آخر مع محمد المدرسي ومرتضى القزويني-الخطيب العراقي في ليالي محرم بالقطيف- وكان الحديث في اللقائين عاماً وغير خاص بما جرى بعد ذلك، والله العالم بخفايا الأمور.

وقد روى المؤلفان قصة أحداث محرم من وجهة نظر الطائفة، واعتبرا الحدث نقطة تحول مفصلية في تاريخ الشيعة السعوديين، فخلالها خرج الصفار إلى البحرين متوجهاً لإيران؛ ومنها أعلن تأسيس “منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية” التي جعلت رمزها سيفاً معلقاً على الكعبة-حماها الله من الرجس-، وأُشهر هذا الإعلان خلال شهر واحد فقط من لقاء الصفار (البريء) بخامنئي ورفسنجاني في مكة حيث الأحاديث العابرة كما قال!! وكانت هذه المنظمة تمثل فرع شيرازيي السعودية مع أخواتها الفروع الأخرى في البحرين والعراق وعمان، وليس للحركة فرع في الكويت نظراً لقوة العلاقة بين الشيرازي وآل الصباح! وقد ختم هذا الفصل بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في البحرين عام(1981م)التي قام بها(73)شيرازياً منهم(19)سعودياً، وحظيت بدعم السفير الإيراني في البحرين، وهو الذي أختير سفيراً في البحرين بناء على تزكية حركة الطلائع الرساليين الشيرازية!

وأما الفصل الرابع فعنوانه المواجهة المفتوحة: صراع على عدة جبهات، وفيه نقل الباحثان إعجاب الشيرازيين بثورة إيران؛ حتى أن الشيخ الصفار ألف كتابين في الولاء للثورة الإسلامية في إيران، وبعد أن نكلت ثورة الخميني بآية الله محمد كاظم شريعتمداري، أعاد الشيرازي النظر في ولاية الفقيه، وبدأ يبشر بنموذج “شورى الفقهاء” بعد أن كان متشدداً في رفضه، وأدى هذا الخلاف لفتور في علاقة الحركة بحاضنتها إيران؛ لكن الأمور لم تتدهور بسبب توازنات القوى داخل حكومة الملالي.

ثم استعرض المؤلفان الخلافات داخل الطائفة حتى بلغت ألا يصلي أتباع الخوئي خلف مقلدي الشيرازي والعكس، وصار الانتماء من الأسئلة الشائعة قبيل الزواج، وزاد من أوار الشقاق أن رموز الشيرازيين كانوا من عائلات غير إقطاعية؛ ومن مستوى اجتماعي أقل من الرموز التقليدية، وبعضهم يُنبز بمهنة أبيه-وهي مهن شريفة-، كما كان للشيرازيين خلاف حاد مع الشيوعيين، وأحكام قاسية تصل لحرق سيارة مَنْ يشتبه في تعاونه مع المباحث.

وعرج الباحثان على نشوء تيار خط الإمام الخميني، الذي كان يمثل نهجاً دعوياً وسياسياً تابعاً للخميني؛ ويتكون من بعض علماء القطيف والأحساء الذين درسوا في النجف وقم بين عامي (1971-1980م)-منهم المشايخ حسين الراضي وهاشم الشخص وعبدالكريم الحبيل وسعيد البحار وحسن النمر-، وأما الجناح العسكري لهذا التيار فأطلق عليه “حزب الله الحجاز”؛ وأنشأه الحرس الثوري للقيام بعمليات انتقامية بعد شغب حج عام 1407(1987م)، ويرى الباحثان أن الرابط بين الجناحين أيديولوجي وليس رابطاً تنظيمياً.

وقد دخل “خط الإمام” في دائرة الصراع على المجتمع مع الخوئيين والشيرازيين، وكل فريق يدعي الحق له في المرجعية، علما أن تياري الخوئي وخط الإمام يشتركان في الطبقة الاجتماعية، وبعد وفاة الخوئي أعلن الغالبية مرجعية السيستاني باستثناء بعض شيوخ تيار الخوئي الذين أعلنوا مرجعية الروحاني المعادي للخميني مما أشعل الخلافات مع تيار خط الإمام. وأما علاقة تيار خط الإمام مع الشيرازيين فلم تكن حسنة بسبب الخلاف بين الخميني والشيرازي، وإن كانا يشتركان في الدعوة لدخول المرجعية في العمل السياسي من خلال فكرتي “ولاية الفقيه” أو “شورى الفقهاء”، وتتصارع هذه التيارات على المواكب الحسينية بوضوح لا تخطؤه العين.

ونقل المؤلفان قصيدة للأديب جعفر المبارك- من تيار خط الإمام- يذوب فيها هياماً بالخميني وخامنئي، وقد لاحظت أن المؤلفين لا يصليان على النبي-صلى الله عليه وسلم- في كل مرة يذكرانه، بينما يصليان على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين-رضي الله عنهم وأرضاهم وأعلى منازلهم- كلما مرت اسماؤهم!

ويمكن النظر إلى حزب الله الحجاز عبر مرحلتين، الأولى: كانت تجميعاً للعناصر المنشقة عن حركة الطلائع الرساليين، والثانية: تقوم على استقطاب شباب صغار السن. ويقف على رأس الحزب أمينه العام أحمد المغسل (أبو عمران)، وهو قطيفي ولد عام (1967م)، وفر من السعودية وتدرب في إيران وجنوب لبنان، وهو بارع في الإدارة، ماهر في الاختفاء، ماكر في التعامل حتى مع حزب الله اللبناني! وكانت حجة الحزب في التغرير بشبابه هي الاستعداد لمعركة مؤجلة، أو حماية الطائفة من هجوم وهابي محتمل، وأطرفها الاستعداد لنصرة المهدي صاحب الزمان، ويرى المؤلفان أن تفجير الخبر هو آخر عملية نسبت للحزب، وبموضوعية موفقة أكدا على صعوبة فك شفرة الصندوق الأسود لهذا الحزب وكشف أسراره بالتالي؛ لأنه ملف أمني بامتياز.

وحمل الفصل الخامس عنواناً معبراً عن المراجعة والمصالحة: تفكك المعارضة الشيعية، فقد أدت المراجعة النقدية لمسار منظمة الثورة إلى بروز حقائق منها ضعف أو انعدام نفوذ السعوديين في القيادة، فهم في حركة الطلائع كالبقرة الحلوب؛ يدفعون الثمن ولا يقودون، ويظلون دائماً في المقعد الخلفي، وتزامن بروز الاعتراضات داخل المنظمة مع صدور عفو ملكي عن السجناء السياسيين عام(1987م)، وهو مارحبت به المنظمة وأمرت خلاياها في الداخل بالتهدئة، ثم رفضت طلب الحرس الثوري تكوين خلايا مسلحة، وخالفت نهج حزب الله الحجاز، وبدا أن المنظمة تودع مع نهاية الثمانينات النهج الثوري متحولة بالكامل نحو المنهج الإصلاحي في التسعينات.

ويرى المؤلفان أن هناك ثلاثة عوامل أساسية أسهمت في هذا التحول، وهي: تفكك حركة الطلائع بعد نهاية حرب إيران-العراق عام (1988م)، ونهاية الحرب الباردة، واحتلال الكويت عام (1990م)؛ حيث رفض الصفار التعاون مع حكومة صدام ضد بلاده، وكان لهذا الموقف وقعه الجميل على الحكومة التي أثنت عليه على لسان أمير الشرقية آنذاك؛ ليبدأ بعدها الغزل بين الحكومة والمعارضة التي غيرت اسمها مطلع عام (1991م) إلى الحركة الإصلاحية؛ وانفصلت عن حركة الطلائع الرساليين، وانتخبت د.توفيق السيف أميناً لها خلفاً للصفار الذي كان يؤخذ عليه الفردية، واستخدام التنظيم لنشر كتبه.

ولأهمية العمل الدولي افتتحت الحركة مقرين لها في لندن وواشنطن لاستثمارهما في العمل الحقوقي والإعلامي، وظلت دمشق موقعاً للدراسة الدينية، وحي السيدة زينب مكاناً للأمور التنظيمية. ومن خلال مكتب لندن أصدرت مجلة الجزيرة العربية ذات الطابع الليبرالي، ورأس تحريرها د.حمزة الحسن-له كتاب حافل عن الشيعة في السعودية-، وشغل د.فؤاد إبراهيم منصب مدير التحرير، وركزت المجلة على أربعة محاور هي: الإصلاح السياسي، والدعاية ضد النظام، وحقوق الإنسان، ومهاجمة رموز الحكم السعودي.

ومن اللافت أن المجلة أبرزت بكثافة نشاط الصحوة الإسلامية في السعودية، ووصف د.توفيق السيف مذكرة النصيحة بأنها أشمل بيان شعبي عن الصورة المطلوبة للنظام السياسي، وقد تلقت المجلة رسائل كثيرة من جمهورها الغاضب من دعمها للسلفيين ” التكفيريين”. وفي واشنطن أنشأ الطلاب الشيرازيون المبتعثون-على حساب الحكومة غالباً- “اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في الخليج والجزيرة العربية” برئاسة جعفر الشايب، وقد بنت اللجنة علاقات متينة مع منظمات حقوقية، ومع أعضاء لجنة حقوق الإنسان في الكونجرس.

وتحدث المؤلفان عن تطورات المصالحة التي بدأت من خلال السفير السعودي في دمشق أحمد الكحيمي، حيث رتب هانئ الحسن مستشار ياسر عرفات لقاء بين الكحيمي وقياديي المعارضة الشيرازية، كما جاء وفد من وجهاء القطيف لمقابلة توفيق السيف في أغسطس (1986م) حاملين معهم عرضاً من أمير الشرقية آنذاك بالعفو العام مقابل إيقاف نشاط المعارضة في الخارج، وقد رُفض العرض لتجاهله مطالب الشيعة.

ثم انعقد لقاء آخر مع محمد باذيب-مبعوث تركي الفيصل رئيس الاستخبارات آنذاك-، وفي سبتمبر (1990م) عُقد لقاء في السفارة السعودية بواشنطن بين السفير بندر بن سلطان وقياديي المعارضة الشيرازية وعلى رأسهم جعفر الشايب، ويبدو أن اللقاء الأهم هو الذي جرى في لندن بين قياديي الحركة الإصلاحية والشيخ عبد العزيز التويجري المقرب جداً من الملك عبد الله الذي كان حينذاك ولياً للعهد.

وبعد هذه اللقاءات بدأ رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط آنذاك عثمان العمير بالتفاوض مع حمزة الحسن ممثل الحركة خلال صيف عام (1993م). ويرى المؤلفان أن الدولة اندفعت للتفاوض بتأثير ثلاثة أسباب هي: تنامي حضور المعارضة الإعلامي في الخارج، وتحول الحركة الإصلاحية إلى منبر دولي للمعارضة السلفية مما أقض مضجع السلطة من احتمالية تعاون المسارين-أشار المؤلفان إلى اتصالات شيعية-سنية بوساطة الغنوشي ود.الترابي ود.عزام التميمي-، والثالث هو المشكلات الاقتصادية الناجمة عن حرب تحرير الكويت، وربما يكون من الأسباب رغبة الحكومة في التفرغ للصحوة الإسلامية؛ بالإضافة إلى مراعاة التقارب مع إيران بعد احتلال الكويت.

ازدادت سخونة المفاوضات بين العمير والحسن، وكان الأخير على اتصال دائم بالصفار، وانتهت بإيقاف صدور مجلة الجزيرة العربية، وإطلاق سراح معتقلين شيعة، والعفو عن المعارضة مع السماح لهم بالعودة إلى البلاد، ويرى فؤاد إبراهيم أن توفيق السيف كان متحمساً للعودة بأي ثمن وغير مهتم بتفاصيل المفاوضات، وهو الأمر الذي ينفيه السيف معللاً قراره بالعودة إلى الشورى؛ ونصيحة الغنوشي في المعارضة من الداخل لأنها أجدى وإن كانت أقل حرية.

وكانت المطالب خلال المفاوضات تنقسم إلى محورين: دينية ومعيشية، وكلتاهما خاصتان بالطائفة، وغابت المطالب السياسية العامة وما يخص حقوق الإنسان، وهو ما اعتبره المؤلفان فشلاً في أول اختبار حقيقي للحركة (الإصلاحية)، وأشارا إلى اختلاف روايتي الصقور والحمائم بخصوص تفاصيل المفاوضات؛ مع اتفاقهما في تمحورها حول الطائفة وغياب الرؤية الوطنية العامة.

وفي سبتمبر (1993م) طار وفد من الحركة إلى جدة يتكون من مجموعة لندن-توفيق السيف وصادق الجبران-، ومجموعة واشنطن-جعفر الشايب وعيسى المزعل-، وقابلوا الملك فهد بحضور ابنه محمد أمير الشرقية آنذاك، ووصف السيف اللقاء بأنه ودي وإيجابي، وظل الوفد شهراً في البلاد؛ التقى خلاله مع الأمير نايف وزير الداخلية، ومع وزيري العدل والشؤون الإسلامية، وبعد عودة الوفد كتب توفيق السيف مقالاً في صحيفة الرياض يمتدح الملك فيه مما أثار استهجان رموز الحركة، ويعد هذا الصلح بداية انقسام حاد في صفوف الشيرازيين السعوديين، وهو ما ظهر للعلن بعد وفاة الشيرازي عام (2001م).

وفي غوطة دمشق حلت الحركة نفسها، واتفق الأعضاء على بقاء بعضهم خارج البلاد في لندن لانتظار تنفيذ الاتفاق. وبعد اجتماع عاصف في منزل توفيق السيف بسيهات عام (1994م) لمراجعة تنفيذ شروط الاتفاق، أبدى حمزة الحسن وفؤاد إبراهيم الاستياء من جمود التنفيذ، ولين مواقف الصفار والسيف، وقررا ترك البلد، والعودة إلى لندن لاستئناف نشاط المعارضة. وانتهى هذا الفصل بواقعة تفجير الخبر عام (1996م)، وغياب تسعة معتقلين على ذمة هذا الحادث خلف الأسوار إلى أن أعادت مظاهرات (2011م) الأضواء لقضيتهم تحت عنوان: المعتقلون المنسيون، وقد تفاعل شباب الشيعة مع الربيع العربي بالمظاهرات التي زاد التدخل السعودي في البحرين من عنايتهم بإحيائها؛ لمشاغلة الأمن محلياً عما يجري في البحرين.

وعنوان الفصل السادس شهر العسل: الحوار شعار المرحلة، وفيه يجزم المؤلفان أن الملف الشيعي مرتبط لدى الحكومة بتطور العلاقة مع إيران على وجه الخصوص، كما لخصا عدداً من رسائل المواطنين الشيعة إلى كبار الأمراء التي تطالب بعدم معاقبة الكل بسبب أخطاء قلة منهم، وحملت هذه الرسائل عناوين معبرة مثل: “الواقع والمأمول”، “نداء استغاثة”، وظلت هذه الرسائل هي الوسيلة المتاحة إلى أن حدث”حريق القديح” عام(1999م)، وما تلاه من انفتاح واسع على الشيعة من قبل الملك عبد الله –كان حينها ولياً للعهد-.

ووسط مظاهر التهدئة عادت المظاهرات للقطيف فجأة تفاعلاً مع أحداث فلسطين وزيارة شارون للمسجد الأقصى عام (2000م)، وقد بدأت المظاهرات بتجمعات يسيرة ثم تزايدت حدتها وارتفع غليانها، وبلغ التوتر أقصاه مع اعتقال النساء والأطفال؛ حتى اندفع الذين يملكون الأسلحة-هذا الوصف يُشعر بقلة عدد الذين يمتلكون الأسلحة!- لحصار مركز الشرطة مهددين باقتحامه، وبعد تدخل بعض الوجهاء أفرج عن النساء في ذات المساء، وكفى الله البلد شراً مستطيرا.

ثم تكلم المؤلفان عن انفصال الشيرازيين إلى ثلاثة أقسام بعد وفاة الشيرازي واتخاذ السيستاني مرجعاً من قبل فوزي السيف وحسن الصفار؛ الذي علل لمنتقديه على اختياره أن المرجعية مرتبطة بالأعلم، وأن ارتباطه بمدرسة الشيرازي ارتباط فكري وروحي، ولم يقتنع المعارضون بحجته في هذا الانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى إليمين، وعلل البعض هذا الانتقال بأنه ليس بحثاً عن الأعلم بقدر ماكان بحثاً عن مرجعية لا تتدخل في السياسة وتمنح غطاء دينياً للصفار وتياره.

وبهذا الاختيار ولد تيار جديد رموزه مع الصفار د.توفيق السيف، وأ.محمد المحفوظ، وأ.جعفر الشايب، ود.صادق الجبران، وظل هذا القسم في جميع تحولاته مذهبياً ناعم الطائفية، مستثمراً تسييس المذهب وتوظيفه في الفضاء العام، وأما القسم الثاني فانصرف للعلم مقلداً صادق الشيرازي، وبقيت المجموعة الحركية الراديكالية على مفاهيم حركة الطلائع الرساليين؛ مقلدة محمد تقي المدرسي، ومن رموزها الشيخان نمر النمر، ومحمد حسن الحبيب.

ثم تحدث المؤلفان عن الحوار الوطني ومشاركة الصفار فيه كممثل للطائفة مما أحنق البعض عليه، فضلاً عن مشاركته مع رموز مجموعته في توقيع عريضة “رؤية لحاضر الوطن ومستقبله”؛ وهي مشتركة مع أطراف سنية ويسارية وليبرالية، وعريضة “شركاء في الوطن”؛ وهي أول عريضة تتوافق على توقيعها مختلف التيارات الشيعية؛ ومن ضمنها تيار خط الإمام الذي وقع عنه عبدالكريم الحبيل في إشارة واضحة إلى حجم التغيير الذي طرأ على هذا التيار المرتبط بإيران وحزب الله سياسياً وفكرياً، ويرى المؤلفان أن تيار الصفار تميز بفتح القنوات مع الحكومة والنخب السنية والتيارات الشيعية.

وقد أشعلت الانتخابات البلدية الصراع داخل الطائفة وبلغ الاستقطاب حداً عالياً، وأصبح للشيعة قوائم ذات دلالات طائفية؛ فقائمة “الشمعة” المزكاة من الصفار والتي اتخذت هذا الاسم تيمناً برمز الائتلاف العراقي الموحد، وقائمة “الغدير” التي باركها عبد الكريم الحبيل، وقائمة شبه ليبرالية اسمها “التنمية والتطوير”، وهذه القوائم في القطيف خلافاً لقوائم الأحساء التي توحدت فيها فصائل الشيعة لمواجهة السنة؛ وقد نجحوا في اكتساح خمسة مقاعد من أصل ستة؛ حيث أظهرت الطائفية تأثيرها مفسدة كل كلام جميل أنيق عن الوطنية! وأما القطيف فانتصرت فيها قائمة الصفار الأكثر تنظيماً والتي أفادت من خبراء بحرينيين، وقد أبانت هذه الانتخابات أن التيارات الشيعية تتصارع فيما بينها؛ لكنها تتحد بسرعة، وتتسامى على خصوماتها حين تنافس المخالفين.

ويعبر عنوان الفصل السابع الاصطدام بالحائط: إعادة إنتاج الأزمة عن خيبة أمل المؤلفين بانفجار الهوية الشيعية بعد غزو العراق، واستيلاء الشيعة على سدة الزعامة في هذا البلد، وكثرة المناظرات الفضائية، وزيادة عدد القنوات المذهبية، ويزعم المؤلفان أن الموقف السعودي المذهبي مما جرى في العراق زاد من انفجار الهوية الشيعية محلياً، وليت شعري أي دعم ظاهر قدمته حكومات الخليج لسنة العراق؟ ثم ألم تدعم هذه الحكومات المرشح إياد علاوي وهو شيعي؟ وما بدأ التحول في المواقف الخليجية الرسمية من العراق إلا بعد ما ظهر من ترتيبات إيرانية-أمريكية، إضافة إلى تصريحات المالكي وأركان نظامه العدائية ضد بلدان الخليج، فالمواقف الحكومية الخليجية سياسية بحتة، وما الطائفية إلا شعار عند الحاجة فقط؛ وليس عقيدة كما لدى المالكي وحزبه، وأما غضب الأكثرية السنية فيعود لتوحش شيعة العراق في معاملة أهل السنة هناك؛ وهو مالم يخطر على بال المؤلفين ذكره!

ثم أشار المؤلفان إلى موقف د.حمزة الحسن المناهض تماماً لمشروع الصفار، حيث بدأ حملة من الخارج تستهدف شطب التفكير في المواطنة كخيار للشيعة! بينما واصل الصفار وتياره الحوار مع الحكومة ومع رموز سنية وفكرية، والمداولات هي ذاتها والحلول المقترحة قد لا تختلف عما سبقها، والعجيب إصرار الشيعة في مباحثاتهم على تفريغ البلد من هويته مع أنهم أقلية قد تشعر ببعض النقص الذي يشاركهم فيهم غيرهم، والأعجب أن الشيعة المرتبطين بمرجعيات علمية خارجية ينتقدون المؤسسات الشرعية مع أنهم لم ولن يعترفوا بمرجعيتها العلمية أو القضائية مهما تنازلت لهم!

وانتقد المؤلفان بجرأة خطاب الانفصال الذي نظر له د.حمزة الحسن، وجهر به الشيخ نمر النمر في خطبة نارية من العوامية عن أحداث البقيع، ويرى الحسن أن للانفصال مصدران محلي ودولي، ويبني الحسن خطابه على افتراضات خاطئة كما يقول المؤلفان من جنس سيطرة “النجديين” على البلد، وهو يعتبرهم الخصم للطائفة، وقد أحسن المؤلفان في دحض رأيه، وألمحا إلى أن الحسن لا يخفى عليه ما يؤخذ على رأيه المتعجل؛ بيد أنه يستهدف تمييز جماعته وتحديد الخصم، مع أنه لا يملك تصوراً عن صورة الانفصال التي ينشدها، وجزما بأن تأثير أفكار الحسن محدودة جداً داخل الطائفة حالياً، ولا يتبنى الكثيرون خياره بصورة جدية.

واختتم الكتاب فصوله بالفصل الثامن الذي حمل عنواناً أشبه بالتوصية: نحو اندماج وطني: من الطائفية إلى المواطنة، وأعاد المؤلفان الحديث عن علاقة الشيعة بإيران، وأن المكون الشيعي مختلف في نظرته لإيران، سواء انطلق هذا المكون من نظرة دينية أو لا دينية، وقسما العلاقة بين إيران والتنظيمات الشيعية إلى ثلاثة مراحل بين عامي (1979-2011م): الأولى: احتضنت فيها الثورة الإيرانية التنظيمات المعارضة، والثانية: تخصصت العناية الإيرانية بالتيار الثوري عبر دعم حزب الله الحجاز، والثالثة: ضمور الدور الإيراني تماماً حتى لم يعد لإيران مشروع سياسي مع شيعة السعودية.

وهذا الانصراف الإيراني عن شيعة السعودية يعود لأربعة أسباب برأي المؤلفين:

  1. أن الشيعة أقلية وسط أكثرية سنية ساحقة.
  2. أن إيران تحبذ التحرك في الدول ذات الطبيعة الهشة، والسعودية تتمتع بسلطة مركزية قوية-زادها الله تماسكاً ورشاداً-.
  3. ليست السعودية أولوية حالية عند إيران، فضلاً عن أنها لا تملك فيها أوراقاً قوية تمكنها من قلب الطاولة.
  4. عدم رغبة إيران بتحمل عبء الشيعة في الخليج ليتفرغوا لأماكن أخرى.

وتختلف نظرة التيارات الشيعية للموقف الإيراني ما بين مرحب وغاضب، ومع ذلك يؤكد المؤلفان على تعاطف شيعة السعودية مع إيران لأسباب مذهبية، ورداً على الهجوم الإعلامي الخليجي الموجه ضد إيران، وتفاعلاً مع الموقف الإيراني المعلن من أمريكا وإسرائيل.

وحول الشيعة والإندماج الوطني أقر المؤلفان بما كرراه من أن الشيعة ليسوا مضطهدين بشكل واضح ومباشر، وأن المشكلات التي يذكرها الشيعة لا تخصهم وحدهم، وهو ما فشل الحراك الشيعي في استيعابه، ثم يطالبان بتخلي الدولة عن هويتها المذهبية ودمج مكونات البلد في هوية واحدة، وكم تمنيت أن أصدق أن الشيعة سيرضون بذلك؛ فهم الذين قاوموا الهوية البعثية للعراق؛ وسكتوا عن الهوية الطائفية للمالكي، ولم يطالبوا بالرجوع إلى هوية البلد الرسمية المعلنة وهي الكتاب والسنة.

والحقيقة أن المؤلفين حاولا الكتابة بموضوعية، وقد بدا احترامهما الشديد للطائفة الشيعية بكل تياراتها؛ وكانت لغتهما خالية من العبارات المتشنجة، واجتهدا في تلطيف المواقف الشيعية وتفسيرها دون إساءة للطائفة، وحتى إيران نالها شيء من هذا الأمر في محاولة إبعادها عن الواقع الشيعي المحلي أو أكثره، ولست ألومهما فحمية الإنسان لأهله وطائفته غالبة في كثير من الأحيان، وتبقى كل المعلومات الواردة في الكتاب-كشأن أي معلومة- مرتهنة بمدى صحتها، واكتمالها، ووضوحها، وصواب تحليلها.

المصدر: مركز البيان للبحوث والدراسات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى