كتب وبحوث

الجذور الاستعمارية لإبعاد الإسلاميين عن الشأن العام.. تونس نموذجاً (1 – 6)

الجذور الاستعمارية لإبعاد الإسلاميين عن الشأن العام.. تونس نموذجاً (1 – 6)

إعداد عبد الباقي خليفة

حرصت فرنسا الاستعمارية منذ عام 1881م على إبعاد الإسلاميين عن دوائر القرار، والإسلام عن الشأن العام، وجعلت ثقافتها هي المعيار الوحيد لتولي المناصب بتونس، ولغتها هي اللغة الوحيدة للإدارة، وبالتالي استثنت حملة الثقافة العربية الإسلامية من مواقع التأثير بمؤسسات الدولة.

بيد أن الإسلاميين ظلوا قادة الرأي العام في الثلاثة أرباع الأولى من فترة الاحتلال الفرنسي المباشر لتونس (1881 – 1956م) أو أكثر بقليل، ويتمثل ذلك في رد الفعل الشعبي على اعتقال الشيخ عبدالعزيز الثعالبي زعيم الحزب الحر الدستوري التونسي، ومؤتمر التنصير في ثلاثينيات القرن الماضي، وقضية التجنيس، وغيرها.

لذلك عمدت فرنسا إلى شق حزب الثعالبي “الحزب الحر الدستوري التونسي” كأول حزب وطني يتأسس بالبلاد في مارس 1920م، الذي كان من أبرز رموزه إلى جانب الشيخ الثعالبي صالح فرحات، ومحيي الدين القليبي، وأحمد توفيق المدني، وأحمد الصافي، وأحمد السقا، وعلي كاهية، وحمودة المنستيري، والحبيب زويتن.

وكان من مطالب الحزب: إرساء نظام دستوري، والفصل بين السلطات الثلاث (البرلمانية والحكومية والقضائية) وضمان الحرية والمساواة (كان التونسي يعامل معاملة العبد في وطنه وله قانون خاص لا يتساوى فيه مع الأجانب الآخرين فضلاً عن المحتلين) وإجبارية التعليم.

رد المحتل

ورد المحتل الفرنسي على تلك المطالب بشق صفوف الحزب عن طريق بعض عملائها في 1921م (الحزب الإصلاحي) ثم الحزب الحر الدستوري المستقل (1922م)، وقد فشل الحزبان في ضرب قوة الحزب الحر الدستوري التونسي، مما دفع الاحتلال الفرنسي إلى نفي الشيخ الثعالبي، عبر المضايقة، وفي غيابه تمكنت فرنسا من إعداد بديل للثعالبي يتخلى عن المرجعية الإسلامية، ويتبنى مرجعية فرنكفونية يعتبرها أنصارها اليوم “مثل العربية والإسلام”.

غير أن ذلك لم يمنع حزب الثعالبي من التصدي لمشروع الاحتلال الفرنسي وسلخ تونس عن هويتها العربية الإسلامية وإحلال اللغة والثقافة الفرنسية محلها لتأبيد الاحتلال والتمهيد للمرجعية الفرنكفونية باسم الحداثة والقيم الكونية.

وقد مثل المؤتمر التنصيري الدولي المعروف بالأفخاريستي عام 1930م والاحتفال بـ مرور50 عاماً على الاحتلال الفرنسي لتونس في عام 1931م بعض المحاولات الإستراتيجية للتمكين للفرنكفونية في تونس على حساب مرجعيتها العربية الإسلامية.

وبعد تصدي مشايخ تونس ومن ورائهم الشعب التونسي، حاولت فرنسا إغراء التونسيين بالجنسية الفرنسية في تثبيت المرجعية الغربية لتونس وإبعادها عن الإسلام والمسلمين، فأصدر العلماء فتوى تحرّم دفن المتجنسين بالجنسية الفرنسية آنذاك في مقابر المسلمين واعتبروهم مرتدين، وكان ذلك عام 1933م.

كان الإسلام حاضراً بقوة في مواجهة الاحتلال الاستيطاني الثقافي الفرنسي لتونس، ولم تنس فرنسا ذلك أبداً حتى اليوم، وما يجري من محاولات إبعاد الإسلاميين عن السياسة، والفصل بين الإسلام والدولة ثم تطور إلى استهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وتنكيل بالمسلمين في فرنسا أمنياً وإعلامياً وسياسياً له جذور تعود إلى حقبة الاحتلال وقبلها الحروب الصليبية وحملاتها المتكررة على العالم الإسلامي ومنها تونس.

رفض الإسلاميين

لم يتأخر الرد الفرنسي على مشايخ الزيتونة والحزب الذي يقوده الشيخ عبدالعزيز الثعالبي، وكان ردها حاسماً تلك المرة بتفجير الحزب من الداخل بعد أن سبق لها غرس عملائها داخله، ففي 2 مارس 1934م انشق الحبيب بورقيبة الفرنكفوني عن الحزب، ولم يمض على انتمائه الظاهري له سوى بضع سنوات وقام بتأسيس حزب يحمل نفس الاسم، مضيفاً إليه كلمة الجديد، وذلك أثناء وجود الثعالبي في المنفى الذي لم يكن اختيارياً حيث دفع إليه دفعاً.

وعندما عاد الثعالبي إلى تونس في عام 1937م وجد الأمور قد تغيّرت لكنه واصل النضال حتى توفي في عام 1944م رحمه الله تعالى.

في عام 1946م طالب حزب الثعالبي بالاستقلال التام عن فرنسا، وكانت الظروف مواتية لذلك بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ودعوة الرئيس الأمريكي ولسون إلى تحرير الشعوب ومنحها حقها في تقرير المصير وتنامي حركات التحرر في العالم.

في هذه الظروف وبعد محاولاتي عامي 1920 و1921م الفاشلتين استطاعت فرنسا التمكين للفرنكفونيين على حساب الإسلاميين، وإبعاد الإسلاميين عن الشأن العام والعمل السياسي، ولم يبق لها من عقبة سوى الزعيم النقابي فرحات حشاد المعروف بتدينه وقربه الشديد من الشيخ الطاهر بن عاشور.

تزوير التاريخ

اغتالت فرنسا الزعيم النقابي فرحات حشاد، في 4 ديسمبر 1952م، بعد 3 سنوات من ترؤسه الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أسسه مع آخرين عام 1946م؛ أي نفس المدة التي مكث فيها الشيخ الطاهر بن عاشور رئيساً للاتحاد.

وقد حذفت صورة الشيخ الطاهر بن عاشور من قائمة الأمناء العامين الذين تداولوا على رئاسته لنفس الهدف الاستعماري وهو إبعاد الإسلام عن الشأن العام وإبعاد الإسلاميين عن السياسة بالقانون، ولو بتزوير التاريخ، حتى في محرك البحث ويكيبيديا، نجد أن حشاداً أسس الاتحاد في عام 1946م، وترأس الاتحاد في 1949م، ولا أثر لمن تولى الرئاسة في الفترة ما بين عامي 1946 و1949م!

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى