تقارير وإضاءات

التليفزيون التركي يبدأ عهدًا جديدًا بأول مسابقة للقرآن الكريم

“سنكون في ضيافة القرآن في هذا الشهر الكريم، في مسابقة فريدة من نوعها هذه المرة، في كل مساء من هذا الشهر، سنستمع إلى قراءات مختلفة للقرآن الكريم على القناة الأولى للتليفزيون التركي”.

كان هذا التصريح على لسان إبراهيم إيرين مساعد المدير العام لمجموعة قنوات تي أر تي التركية، في تصريحه عن مسابقة قراءة القرآن الكريم، التي تُقام لأول مرة على التليفزيون التركي، والتي وصفها بأنها السبيل للكشف عن أجمل الأصوات القارئة للقرآن في الجمهورية التركية.

منذ عام 2000، كانت البرامج الاجتماعية الأكثر متابعة ومشاهدة بين الجمهور التركي هي برامج الزواج، فتُعرض بشكل يومي، ولعدد ساعات مطوّلة، ولاقت رواجًا إعلاميًا وجماهيريًا، جعل الصحف التركية الرسمية تخصص لها مكانًا على مواقعها الإلكترونية، من أجل متابعة تطورات تلك البرامج ومستجداتها.

لم تكن برامج الزواج وحدها الأكثر شهرة، فكان بجانبها في ذلك المضمار، برامج الموضة والأزياء وبرامج استعراض المواهب بنسختها التركية ومسابقات الغناء المليئة بالكواليس التي تثير المشاهد التركي للمتابعة، إلا أن كل ما سبق لم يكن ممتعًا لفئات المجتمع التركي كافة.

تركيا تمنع برامج الزواج على التليفزيون

تلك البرامج تُمثل نوعًا جديدًا اعتبره كثير من الأتراك دخيلًا على ثقافتهم، والتي يختلف المجتمع التركي على تحديد هوية واضحة المعالم لها، إلا أنها ما زالت موضعًا للنقد كونها تقليدًا أعمى للغرب بغير احترافية ولا أصولية في العرض والطرح، ولا تعود بالنفع إلا على مقدميها والمشاركين فيها بحصولهم على أجور مرتفعة مقارنة بالبرامج الإعلامية الأخرى، أو بحصولهم على الشهرة مُقابل متابعة أعداد كبيرة من الجمهور.

في أواخر شهر أبريل/نيسان من هذا العام تم منع العديد من برامج الزواج والمواعدة من الظهور على التليفزيون، بدعوى أنها ذات تأثير سلبي مباشر على أُسس وعادات العائلة التركية، فقد وصل ما يقرب من 100 ألف شكوى لمنظمي البث بحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش، حيث ضم الأخير صوته إلى تلك الدعاوى قائلًا: “تلك البرامج تؤثر سلبًا على ثقافتنا وديننا وعادات وقيم مجتمعنا”.

ما بين مؤيد ومعارض بخصوص رقابة الحكومة التركية على المحتوى الثقافي والاجتماعي المعروض، ومنعه وحجبه بسبب عدم توافقه مع العادات والقيم التركية، وما بين تأييد لدور الحكومة في المحافظة على المجتمع التركي ثقافيًا أيضًا، كان هناك نوعًا فريدًا من تلك البرامج ظهر على الساحة في خضم هذا الشد والجذب.

مسابقة لقراءة القرآن لأول مرة
كان شهر رمضان مختلفًا هذه المرة على قناة “تي أر تي” الأولى التركية، فقد استضافت ولأول مرة مسابقة لقراءة القرآن الكريم، بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية، والتي قامت بمساعدة القناة على تنظيم الحدث واختيار أعضاء لجنة التحكيم، كما يدير البرنامج مصطفى جهاد كيلتش، وهو مدير في وزارة الشؤون الدينية أيضًا.

في الليلة الأولى من افتتاح المسابقة، لاقى البرنامج الجديد إعجابًا من الجماهير التركية التي تحتفل بالشهر الكريم، بل وتحدث العديد من المغردين عن المسابقة تحت هاشتاج بعنوان #KuranZiyafeti والذي يعني “عيد القرآن” إشارة لشهر رمضان المبارك.

أعضاء لجنة التحكيم

رشحت وزارة الشؤون الدينية عدة أسماء من الممكن أن تكون ضمن لجنة التحكيم للقائمين على البرنامج، تم اختيار لجنة التحكيم بعناية لتواكب غرض المسابقة، فكان من بينهم خليل نجيب أوغلو أحد المنشدين الأتراك لتدقيق أصوات المقرئين في المسابقة، كما كان أيضًا عثمان إيين الذي يعمل في وزارة الشؤون الدينية ومقدم البرنامج السابق “أنا أتعلم القرآن”.

بالإضافة إلى المُعلم محمد علي ساري، الذي عمل كمؤذن سابق ودارس للموسيقى القرآنية، كما أنه كان من أول طلاب مدارس “إمام خطيب” الدينية منذ بداية ظهورها في الخمسينيات من القرن الماضي.

يكون أغلب المتسابقين من الدارسين أو العاملين في مدارس “إمام خطيب”، وهي نوع من المدارس التحضيرية التي يتضمنها نظام التعليم التركي، الذي يضم مدارس علمية تحضيرية لمجالات دراسة الموسيقى أو الفنون أو الصيدلة، هناك أيضًا مدارس تحضيرية خاصة بالأئمة والدعاة والمؤذنين ومقرئي القرآن، وهي مدارس تُسمي بـ”إمام خطيب”.

تكون تلك المدارس فرصة لمن أراد أن يُتم أبناؤه تعليمهم في ظروف تراعي وتحافظ على القيم الدينية، بل وتُعلمه إياها كمنهج تعليمي مواز لمنهج تعليمه كطالب تحضيري أو إعدادي في المدارس الحكومية العادية.

لا يمكن أن يكون أي شخص داعية أو مقرءًا للقرآن أو مؤذنًا في المساجد إلا بعد أن يمر بمراحل تحضيرية في مدارس “إمام خطيب”، يليها دراسات متقدمة مصحوبة بامتحانات واختبارات خاصة يجب على المرء أن يتجاوزها لكي يكون إمامًا في مسجد على سبيل المثال.

تُعرض المسابقة يوميًا في المساء، حيث يُصنف فائز واحد، يتم وصفه بـ”البلبل”، عن كل حلقة عن طريق تصويت كل من لجنة التحكيم التي رشحتها وزارة الشؤون الدينية في تركيا، بالإضافة إلى تصويت الجمهور الحاضر في الاستوديو، بعدها يتم تصفية الفائزين في نهاية كل أسبوع ليتم اختصارهم إلى فائز واحد سينافس نظراءه في نصف النهائي.

يترقب المتسابقون الحلقة النهائية، والتي حُدد تاريخها أن يكون “ليلة القدر” والتي يحتفل الأتراك بها في السابع والعشرين من شهر رمضان من كل عام، حيث سيعقد النهائي بعد تدريب وتحضيرات من قِبل أئمة مسجد “صلاح الدين” في إسطنبول للمتسابقين، ولهذا تكون تجربة المسابقة بالشيء العظيم بالنسبة لجميع المتسابقين حتى من لم يفز منهم، لأنها ستكون قد أثقلتهم بالفعل في مجال عملهم ودراستهم، بعد أن يتدربوا على أيدي خبراء الأئمة.

سيتنافس خمسة من المتسابقين في النهائي، حيث سينال الحاصل على المركز الأول 50 عملة من الذهب الخالص، يليه المركز الثاني وتُمنح له جائزة قدرها 20 عملة من الذهب الخالص، وأما المركز الثالث فسيكون من نصيبه عشرة عملات ذهبية.

هذا الحدث من أكثر الأحداث الفريدة من نوعها على الساحة الإعلامية التركية، فكما كانت الجرائد الرسمية تستغل مواقعها الإلكترونية لمواكبة تطورات برامج الزواج والمواعدة، أصبحت الآن تُسجل تطورات مسابقة قراءة القرآن الكريم، التي لاقت ترحيبًا من المشاهدين.

(المصدر: الاسلام اليوم)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى