كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (1) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (1)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

الحمدُ لله العليِّ العظيم، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الأمين، وعلى الآلِ والصحبِ أجمعين، وبعد:

فقد منَّ الله عليَّ بالاستدراكِ على عدةِ تفاسيرَ قديمة، وخاصةً المشهورَ منها، لتكتملَ الفائدةُ منها، وأحببتُ أن أعرِّجَ على بعضِ التفاسيرِ الحديثة، لإمكانِ الاستدراكِ عليها أيضًا، فرأيتُ أشهرها (في ظلال القرآن)، ثم (التحرير والتنوير من التفسير).

أما الأولُ فشأنهُ عجب! وقد هبتُ الخوضَ فيه، والاستدراكَ عليه.. فلصاحبهِ نهجٌ جديدٌ في التفسير، وأسلوبٌ لا يُبارى.

والآخرُ بحرٌ في العلوم، مليءٌ بالفوائد، وقد استفدتُ منه لكتابي “عون البصير على فتح القدير”، ولاحظتُ أثناءها أنه تركَ أشياء.. وبتتبعِ قسمٍ منه رأيتُ إمكانيةَ الاستدراكِ عليه، ولكن ليس بنفَسِ مؤلفهِ الطويل، وتفصيلهِ المسهب، وإنما بتفسيرِ ما يلزم، وتقديمِ معناه، مما يتوضحُ به للقارئ.

وقد ذكرَ رحمَهُ الله أنه اهتمَّ في تفسيرهِ هذا ببيانِ وجوهِ الإعجاز، ونكتِ البلاغةِ العربية، ومعاني المفردات، وأساليبِ الاستعمال، وتناسبِ اتصالِ الآي بعضها ببعض.

وقالَ مثنيًا على عملهِ ومرغِّبًا فيه: “عسى أن يجدَ فيه المطالعُ تحقيقَ مراده، ويتناولَ منه فوائدَ ونكتًا على قدرِ استعداده، فإني بذلتُ الجهدَ في الكشفِ عن نكتٍ من معاني القرآنِ وإعجازهِ خلتْ عنها التفاسير، ومن أساليبِ الاستعمالِ الفصيحِ ما تصبو إليه هممُ النحارير، بحيثُ ساوَى هذا التفسيرُ على اختصارهِ مطوَّلاتِ القماطير، ففيه أحسنُ ما في التفاسير، وفيه أحسنُ مما في التفاسير”.

ومؤلفهُ عالمٌ ومفسِّرٌ علّامة، من تونس، تولَّى القضاءَ والإفتاءَ ومشيخةَ جامعِ الزيتونة. وكان متبحرًا في العلومِ الإسلامية، واللغة، فصيحًا، مطلعًا على العلومِ العصرية، وآراءِ الفرقِ وعقائدِ الأديانِ وشرائعها. وقد بقيَ مع تفسيرهِ هذا نحوَ أربعينَ عامًا. وله كتب أخرى نافعة، وقد توفي عام 1394 هـ وقد قاربَ المئة. عليه رحمةُ الله.

وكما ذكرتُ في أولهِ فإن الاستدراكَ على هذا التفسيرِ يكونُ مختصرًا، وليس كما توسعَ فيه المؤلف، فهو أنفعُ للقارئ المعاصر.. ولستُ أهلًا لأن أخوضَ فيه كما فعلَ صاحبهُ رحمَهُ الله.

وهو مثلُ غيرهِ من المفسرين، يتركُ بعضَ الألفاظِ أو الآياتِ بدونِ تفسير، وقد يحيلُ إلى ما فسَّرَهُ سابقًا أو لا يحيل. ومن مظاهرِ وأسبابِ عدمِ تفسيرِ بعضِ الآيات:

أنها قد تكونَ واضحة.

أو يفسرها المؤلفُ لغةً ونحوًا بما لا يوحي بتفسيرها بشكلٍ مناسب.

أو يفسِّرُ الآيةَ بالألفاظِ الواردةِ فيها نفسها.

وقد يفسِّرُ منها لفظًا واحدًا، ولا أشيرُ إلى ذلك عند الاستدراكِ عليه.

واعتبرتُ كلَّ ما يؤدِّي إلى توضيحِ معنى الآيةِ تفسيرًا، ولو كان تعليقًا في الهامش.

ولم أبحثْ في الحروفِ المقطَّعة، والمتشابهاتِ من الآيات.

ولم أتتبَّعْ ما أوجزَ من تفسير، والأفضلُ توضيحهُ أكثر.

واستثنيتُ – كذلك – ما كان تفسيرهُ واضحًا، ولو لم يتتبَّعِ المؤلفُ ألفاظه.

وقد لا أوردُ التفسيرَ كلَّهُ من المرجعِ إذا كان مطوَّلاً، بل أكتفي بما تتوضَّحُ به الألفاظُ أو الآيات، وقد أشيرُ عند ذلك إلى أنه مختصرٌ.

وأُورِدُ تفسيرَ آيةٍ أو لفظٍ مما فسَّرهُ المؤلفُ من مشابهٍ له في موضعٍ آخر، فإنْ لم أجدهُ طلبتهُ في تفاسيرَ أخرى ذكرتها للقارئ. ولم أتقصَّ هذا، فتفسيرُ الألفاظِ والآياتِ في سياقها قد يعطيها مدلولًا إضافيًّا غيرَهُ فيما سبق، فالتكرارُ له فائدةٌ وميزة.

وقد أوردُ معنى آيةٍ أو لفظٍ من تفسيرين أو أكثر، لزيادةِ أحدها على الآخر، أو لتباينٍ في التفسير.

وقد نقلتُ من تفاسيرَ عديدة، وخاصةً تفسيرَ الإمامِ الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن)، وتفسيرَ الحافظِ ابنِ كثير (تفسير القرآن العظيم)، كما استعنتُ بتفسيرِ الإمامِ البغويِّ رحمَهُ الله، وبتفسيرِ ابن عطية، وتفسيرِ (روح البيان) للشيخ إسماعيل حقي، و(روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) للآلوسي، و(فتح القدير) للشوكاني. كما استعنتُ بـ (الواضح في التفسير) لمعدِّ هذا الكتاب، وقد استفدتهُ من التفاسيرِ السابقةِ وغيرها.

وغالبُ ما كنتُ أنسخهُ من تفاسيرَ مخزَّنة، وإذا شككتُ في خطأ قارنت.

وأضعُ المصدرَ في آخرِ تفسيرِ كلِّ آية.

وموضعُ الاستشهادِ هو مكانُ تفسيرِ الآياتِ في التفاسيرِ نفسها، واستغنيتُ بذلك عن ذكرِ أرقامِ الأجزاءِ والصفحاتِ في الهوامش.

ولم أوردِ الأقوالَ والآثارَ والخلافات.

وجمعتُ بين المأثورِ والرأي في هذا المستدركِ كما هو شأنُ التفسيرِ المستدرَكِ عليه.

وراعيتُ جاهدًا ما أقدِّمهُ لجيلٍ معاصرٍ بما يناسبهُ وما يفهمهُ ويستفيدُ منه.

وأوردُ الآيةَ أو جزءًا منها، يسبقها رقمها، وأضعُ خطًّا تحت الكلمةِ أو الكلماتِ والجُمَلِ التي لم تفسَّرْ فيها.

فإذا لم تفسَّرِ الآيةُ كلُّها أبقيتُها بدونِ خطّ.

وقد لا أشيرُ إلى كلمةٍ فسَّرها في آيةٍ طويلةٍ كما ذكرت، فأفسِّرُها كلَّها مع الكلمة.

وأنبِّهُ إلى أن معظمَ ما وردَ هنا هو تفسيرٌ لجزءٍ أو ألفاظٍ أو جملةٍ من الآية، وقد لا يصلحُ إلا مع متابعةِ الأصل، يعني أن هذا التفسيرَ مكملٌ لتفسيرِ “التحرير والتنوير”، وليس مستقلاً بذاته، فقد أفسِّرُ لفظةً في آيةٍ تكونُ مرتبطةً بما قبلها وما بعدها فسَّرها المؤلف. والأفضلُ أن يطبعَ معه، بهامشه. وقد أذنتُ بذلك لمن شاء، مع إثباتِ هذه المقدِّمة، وعدمِ الزيادةِ أو النقصِ في الكتاب، إلا ما كان من الرسمِ العثماني للآياتِ الكريمة.

واعتمدتُ في هذا الاستدراكِ على طبعةِ الدار التونسية للنشر، 1404 هـ.

والمشروعُ الذي أرمي إليه من خلالِ التفسيرِ والمستدركاتِ عليه، هو اعتبارُ جميعِ الألفاظِ الواردةِ في الآيةِ عند تفسيرها، بحيثُ يدركُ القارئُ أن شرحَ كلِّ كلمةٍ أو حرفٍ منها قد وردَ في هذا التفسير. ولا يُقتصَرُ على مفهومِ الآيةِ والمعنى الإجماليِّ لها.

وقد سميته “التكوير على التحرير والتنوير”، والتكويرُ هو الالتفافُ والتدوير، وقد كان من شأني في هذا العملِ التنقيبُ في جوانبِ هذا التفسيرِ والالتفافُ حولَهُ وفحصه، لمعرفةِ ما فيه من نقصٍ للاستدراكِ عليه.

والحمدُ لله الذي ألهمَ ويسَّر، وله الشكرُ كلُّه.

محمد خير رمضان يوسف

 

الجزء الأول

 

سورة الفاتحة

1- {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم}.

قالَ رحمَهُ الله: الكلامُ على اسمِ الجلالةِ ووصفه، يأتي في تفسيرِ قولهِ تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين . الرَّحْمـنِ الرَّحِيم}.

وكان مما قالَ هناك: (الله) هو اسمُ الذاتِ الواجبِ الوجود، المستحقِّ لجميعِ المحامد. وأصلُ هذا الاسم: الإله، بالتعريف، وهو تعريفُ (إلاه)، الذي هو اسمُ جنسٍ للمعبود، مشتقٌّ من أَلَهَ بفتحِ اللام، بمعنى عبد، أو من أَلِهَ بكسرِ اللام، بمعنى تحيَّرَ أو سكنَ أو فزعَ أو ولع، مما يرجعُ إلى معنًى هو ملزومٌ للخضوعِ والتعظيم…

{الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم}: وصفانِ مشتقانِ من رَحِم… واسمُ الرحمةِ موضوعٌ في اللغةِ العربيةِ لرقةِ الخاطرِ وانعطافه…

ومما قالَ أيضًا: وبعدَ كونِ كلٍّ من صفتَي الرحمنِ الرحيمِ دالةً على المبالغةِ في اتصافهِ تعالى بالرحمة، فقد قالَ الجمهور: إن الرحمنَ أبلغُ من الرحيم، بناءً على أن زيادةَ المبنى تؤذنُ بزيادةِ المعنى، وإلى ذلك مالَ جمهورُ المحققين…

7- {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}.

ذكرَ في تفسيرِ الآيةِ السابقة، أن لفظةَ الصراطِ عربية، وأنها تعني الطريق.

سورة البقرة

12- {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُون}.

ذكرَ في تفسيرِ الآيةِ السابقة، أن الإفسادَ في الأرضِ هو تصييرُ الأشياءِ الصالحةِ مضرَّةً…

20- {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

أي: هو الفاعلُ لما يشاء، لا منازعَ له فيه. (الخازن).

30- {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}.

قال: الإفسادُ تقدَّمَ في قولهِ تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}.

وإنما فسَّرَهُ في الآيةِ التي قبلها، وأنه بمعنى تصييرِ الأشياءِ الصالحةِ مضرَّةً…

33- {قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.

{بِأَسْمَآئِهِمْ}: قالَ رحمَهُ الله: وفي إجرائهِ على صيغةِ ضمائرِ العقلاءِ ما قُرِّرَ في قوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} [الآية 30].

ومما قالَهُ هناك: إعادةُ ضميرِ المذكرِ العاقلِ على المسمَّياتِ في قوله: {عَرَضَهُمْ} للتغليب؛ لأن أشرفَ المعروضاتِ ذواتُ العقلاءِ وصفاتُهم، على أن ورودَ مثلهِ بالألفاظِ التي أصلُها للعقلاءِ طريقةٌ عربية، نحوُ قولهِ تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36]. والداعي إلى هذا أن يُعلَمَ ابتداءً أن المعروضَ غيرُ الأسماء، حتى لا يضلَّ فهمُ السامعِ قبلَ سماعِ قرينةِ {أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء} [الآية 30].

وذكرَ قبلَهُ أن المعروضَ مدلولاتُ الأسماء… وفصَّلَ فيه.

{غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ}: ما كان منهما وما يكون؛ لأنه قد قالَ لهم: {إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}. (البغوي).

36- {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين}.

أي: موضعُ قرارٍ على وجهها، أو في القبور. (روح البيان).

38- {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

{وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما فاتهم من أمورِ الدنيا. (ابن كثير).

39- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها. (البغوي).

56- {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}.

قالَ في تفسيرِ مثلها، في الآيةِ (52) من السورة: رجاءً لحصولِ شكركم. وعدلَ عن لامِ التعليلِ إيماءً إلى أن شكرهم مع ذلك أمرٌ يتطرقهُ احتمالُ التخلف، فذكرُ حرفِ الرجاءِ دونَ حرف التعليلِ من بديعِ البلاغة…

57- {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.

كلوا من مشتهياتِ رزقنا الذي رزقناكموه. (الطبري).

59- {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}.

الرجز: العذاب… و{يَفْسُقُونَ}: معناهُ يخرجون عن طاعةِ الله. (ابن عطية، باختصار).

ونقلَ كثيرٌ من المفسرين أن العذابَ كان طاعونًا، لكن قالَ ابنُ جبير: ثلج، هلكَ به منهم سبعون ألفاً. قالَ الآلوسي: فإن فُسِّرَ بالثلجِ كان كونهُ {مِّنَ ٱلسَّمَاء} ظاهراً، وإنْ بغيرهِ فهو إشارةٌ إلى الجهةِ التي يكونُ منها القضاء، أو مبالغةٌ في علوِّهِ بالقهرِ والاستيلاء. (روح المعاني).

60- {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}.

الانفجار: الانسكاب، والانبجاس: الترشحُ والرشّ، فالرشُّ أول، ثم الانسكاب. {مِنْهُ} أي: من ذلك الحجر، {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً}: ماءً عذبًا، على عددِ الأسباط، لكلِّ سبطٍ عين. وكان يضربهُ بعصاهُ إذا نزلَ فيتفجر، ويضربهُ إذا ارتحلَ فييبس. {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}، أي: كلُّ سبطٍ من الأسباطِ الاثني عشر، {مَّشْرَبَهُمْ} أي: عينَهم الخاصةَ بهم، أو موضعَ شربهم، لا يدخلُ سبطٌ على غيرهِ في شربه. والمشرب: المصدرُ والمكان. (روح البيان).

61- {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون}.

{وَقِثَّآئِهَا}: شيءٌ يشبهُ الخيار.

{اهْبِطُواْ}: انحدروا وانزلوا.

{بِآيَاتِ اللَّهِ} الباهرة، التي هي المعجزاتُ الساطعةُ الظاهرةُ على يدي موسى عليه السلام، مما عدَّ أو لم يعدّ.

{يَعْتَدُون}: يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي. (روح البيان).

62- {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً}.

{وَعَمِلَ صَالِحاً} فأطاعَ الله. (الطبري).

{وَعَمِلَ صَالِحاً}: مرضيًّا عند الله. (روح البيان).

65- {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين}.

معناه: مبعَدين أذلّاء صاغرين، كما يقالُ للكلبِ وللمطرود: اخسأ. (ابن عطية).

66- {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين}.

للمؤمنين من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا يفعلون مثلَ فعلهم. (البغوي).

69- {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}.

قالَ رحمَهُ الله في تفسيرها، في الآيةِ السابقة: معنى {ادْعُ لَنَا} يحتملُ أن يُرادَ منه الدعاء، الذي هو طلبٌ بخضوعٍ وحرصٍ على إجابةِ المطلوب، فيكونُ في الكلامِ رغبتُهم في حصولِ البيانِ لتحصيلِ المنفعةِ المرجوةِ من ذبحِ بقرةٍ مستوفيةٍ للصفاتِ المطلوبةِ في القرابين المختلفةِ المقاصد، ويحتملُ أنهم أرادوا مطلقَ السؤال، فعبروا عنه بالدعاءِ لأنه طلبٌ من الأدنى إلى الأعلى، ويحتملُ أنهم أرادوا من الدعاءِ النداءَ الجهير، بناءً على وهمهم أن الله بعيدُ المكان، فسائلهُ يجهرُ بصوته. واللام في قوله {لَنَا} لامُ الأجل، أي: ادعُ عنا، وجزمُ {يُبَيِّنْ} في جوابِ {ادْعُ} لتنزيلِ المسببِ منزلةَ السبب، أي: إنْ تَدْعهُ يسمعْ فيبيِّن. (باختصار).

70- {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ}.

قالَ في تفسيرها، في الآيةِ (68) من السورة: معنى {ادْعُ لَنَا} يحتملُ أن يُرادَ منه الدعاء، الذي هو طلبٌ بخضوعٍ وحرصٍ على إجابةِ المطلوب، فيكونُ في الكلامِ رغبتُهم في حصولِ البيانِ لتحصيلِ المنفعةِ المرجوةِ من ذبحِ بقرةٍ مستوفيةٍ للصفاتِ المطلوبةِ في القرابين المختلفةِ المقاصد، ويحتملُ أنهم أرادوا مطلقَ السؤال، فعبروا عنه بالدعاءِ لأنه طلبٌ من الأدنى إلى الأعلى، ويحتملُ أنهم أرادوا من الدعاءِ النداءَ الجهير، بناءً على وهمهم أن الله بعيدُ المكان، فسائلهُ يجهرُ بصوته. واللام في قوله {لَنَا} لامُ الأجل، أي: ادعُ عنا، وجزمُ {يُبَيِّنْ} في جوابِ {ادْعُ} لتنزيلِ المسببِ منزلةَ السبب، أي: إنْ تَدْعهُ يسمعْ فيبيِّن. (باختصار).

73-{كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}.

يعني جلَّ ذكره: ويُريكمُ الله – أيها الكافرونَ والمكذِّبونَ بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وبما جاءَ به مِن عندِ اللهِ مِن آياتهِ – أعلامَهُ وحججَهُ الدالَّةَ على نبوَّته. (تفسير الطبري).

80- {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

بل تقولونَ على اللهِ ما لا تعلمونَ من الكذبِ والافتراءِ عليه. (ابن كثير).

82- {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

والذين آمنوا بالله ورسُوله، وعملوا الأعمالَ الصالحةَ الموافقةَ للشريعة، الخالصةَ لله، فإنَّهم مِن أهلِ الجنَّة، مخلَّدونَ فيها أبداً. (يُنظر الواضح في التفسير).

83- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}.

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ} في التوراة، والميثاق: العهدُ الشديد، {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ} معناهُ أن ألا تعبدوا إلا الله، {وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: ووصَّيناهم بالوالدين إحساناً، برًّا بهما، وعطفاً عليهما، ونزولاً عند أمرهما، فيما لا يخالفُ أمرَ الله تعالى، {وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ} أي: وبذي القرابة، والقربى: مصدرٌ كالحُسنَى. {وَالْيَتَـٰمَىٰ}: جمع ُيتيم، وهو الطفلُ الذي لا أبَ له، {وَٱلْمَسَـٰكِينِ}، يعني الفقراء. (البغوي، باختصار).

84- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}.

أي: واذكروا أيها اليهودُ وقتَ أخذنا إقرارَكم وعهدَكم في التوراة. (روح البيان).

85- {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}

أي: إن اللهَ بالمرصاد، لا يغفلُ عمّا تعملونَ من القبائح، التي من جملتِها هذا المنكر. (روح المعاني).

86- {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ}.

أخبرَ جلَّ ثناؤهُ أن هؤلاء الذين اشتروا رئاسةَ الحياةِ الدنـيا علـى الضعفـاءِ وأهلِ الجهلِ والغبـاءِ من أهلِ ملَّتهم، وابتاعوا المآكلَ الـخسيسةَ الرديئةَ فـيها بـالإيمانِ الذي كان يكونُ لهم به في الآخرةِ لو كانوا أتَوا به مكانَ الكفرِ الخـلودُ في الجنان.

وإنما وصفهم الله جلَّ ثناؤهُ بأنهم اشتروا الحياةَ الدنـيا بـالآخرة، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بـالله فـيها عوضًا من نعيـمِ الآخرةِ الذي أعدَّهُ اللهُ للمؤمنـين، فجعلَ حظوظَهم مِن نعيـمِ الآخرةِ بكفرهم بـاللهِ ثمنًا لِـما ابتاعوهُ به مِن خسيسِ الدنـيا. (الطبري).

92- {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالآياتِ الواضحاتِ والدلائلِ القاطعاتِ على أنه رسولُ الله، وأنه لا إله إلا الله. والآياتُ البيناتُ هي الطوفانُ والجرادُ والقمَّلُ والضفادعُ والدمُ والعصا واليد، وفرقُ البحر، وتظليلُهم بالغمام، والمنُّ والسلوى، والحجَر، وغيرُ ذلك من الآياتِ التي شاهدوها، {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} أي: معبوداً من دونِ الله، في زمانِ موسى وأيامه، وقوله: {مِنْ بَعْدِهِ} أي: من بعدِ ما ذهبَ عنكم إلى الطورِ لمناجاةِ الله عزَّ وجلّ، كما قالَ تعالى:{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } [سورة الأعراف: 148]، {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} أي: وأنتم ظالمون في هذا الصنيعِ الذي صنعتموهُ من عبادتِكم العجلَ، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله. (ابن كثير).

93- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}.

يقولُ تعالى مذكِّراً بني إسرائيلَ ما أخذَ عليهم من العهودِ والمواثيقِ بالإيمانِ به وحدَهُ لا شريكَ له، واتِّباعِ رسله، وأخبرَ تعالَى أنه لمـّا أخذَ عليهم الميثاق، رفعَ الجبلَ فوق رؤوسهم؛ ليقرُّوا بما عُوهِدوا عليه… (ابن كثير).

وينظرُ ما أطالَ فيه المؤلفُ من ذكرِ الطورِ وما قيلَ في رفعه، عند تفسيرِ الآيةِ (63) من السورة، فله استنتاجٌ آخرُ فيه.

101- {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ}.

أي: من التوراة، من حيثُ إنه صلى الله عليه وسلم جاءَ على الوصفِ الذي ذُكرَ فيها، أو أخبرَ بأنها كلامُ الله تعالى المنزلُ على نبيِّهِ موسى عليه السلام، أو صدَّقَ ما فيها من قواعدِ التوحيدِ وأصولِ الدين، وأخبارِ الأممِ والمواعظِ والحِكم، أو أظهرَ ما سألوهُ عنه من غوامضها. وحملَ بعضُهم (ما) على العموم؛ لتشملَ جميعَ الكتبِ الإلهيةِ التي نزلتْ قبل. (روح المعاني).

104- {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

يعني بقولهِ “الأليم”: الموجع. (الطبري).

105- {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

وصفَ فضلَهُ بالعِظَم، فقال: فضلهُ عظيمٌ لأنه غيرُ مشبَّهٍ في عِظَمِ موقعهِ ممَّن أفضلَهُ عليه أفضالَ خـلقه، ولا يقاربهُ في جلالةِ خطرهِ ولا يدانيه. (الطبري).

107- {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.

وليسَ للمؤمنين وليٌّ يقوِّيهِم ويَهديهم، ولا نصيرٌ يؤيِّدُهم وينصرُهم إلاّ الله، فكونوا على حذرٍ من تشكيكِ أعدائكم، واحذَروا أضاليلَهُم وخُدَعَهُم. (الواضح).

111- {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

يقولُ اللهُ لنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: يا محمد، قلْ للزاعمينَ أن الجنةَ لا يدخلُها إلا مَن كان هودًا أو نصارَى دونَ غيرهم مِن سائرِ البشر: هاتوا برهانَكم على ما تزعمونَ مِن ذلكَ فنسلِّمَ لكم دعواكم، إنْ كنتـُم في دعواكم مِن أنَّ الجنةَ لا يدخـلُها إلا مَن كان هودًا أو نصارَى محقِّين.

والبرهان: هو البـيانُ والحجَّةُ والبـيِّنة. (الطبري).

112- {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

ضمنَ لهم تعالَى على ذلك تحصيلَ الأجور، وآمنَهم ممّا يخافونَهُ من المحذور، فلا {خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلونه، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما مضَى ممّا يتركونه. (ابن كثير، باختصار).

114- {وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}.

ولهم على معصيتِهم وكفرهم بربِّهم وسعيهم في الأرضِ فساداً عذابُ جهنَّم. (الطبري).

119- {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم}.

{بَشِيرًا} أي: مبشِّراً لأوليائي وأهلِ طاعتي بالثوابِ الكريم، {وَنَذِيرًا} أي: منذراً مخوِّفاً لأعدائي وأهلِ معصيتي بالعذابِ الأليم. (البغوي).

120- {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

… من بعدِ الذي جاءكَ من العلمِ بضلالتهم وكفرهم بربِّهم، ومن بعدِ الذي اقتصصتُ علـيكَ من نبئهم في هذه السورة… (الطبري).

122- {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

فسَّرَهُ في الآيةِ (47) من السورةِ نفسها، فكان مما قال: ذكرُ النعمِ تمجيدٌ للمنعِم، وتكريمٌ للمنعَمِ عليه، وعظةٌ له ولمن يبلغهم خبرُ ذلك تبعثُ على الشكر. والنعمةُ هنا مرادٌ بها جميع ُالنعم؛ لأنّه جنسٌ مضاف، فله حكمُ الجمع. {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: واذكروا تفضيلي إياكم على العالمين. وهذا التفضيلُ نعمةٌ خاصة، فعطفهُ على {نِعْمَتِيَ} عطفُ خاصٍّ على عام، وهو مبدأٌ لتفصيلِ النعمِ وتعدادها… والآيةُ تشيرُ إلى تفضيلِ بني إسرائيلَ المخاطَبين أو سلفِهم على أممِ عصرهم، لا على بعضِ الجماعاتِ الذين كانوا على دينٍ كامل… فلا يلزمُ تفضيلَ كلِّ فردٍ من بني إسرائيلَ على أفرادٍ من الأممِ بلغوا مرتبةً صالحةً أو نبوءة؛ لأن التفضيلَ في مثلِ هذا يرادُ به تفضيلُ المجموع…

123- {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}.

{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}: هذه الآيةُ ترهيبٌ من الله جلَّ ثناؤهُ للذين سلفتْ عظتهُ إياهم بما وعظَهم به في الآيةِ قبلها، يقولُ الله لهم: واتقوا يا معشرَ بني إسرائيلَ المبدِّلين كتابي وتنزيلي، المحرّفين تأويلَهُ عن وجهه، المكذِّبين برسولي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، عذابَ يومٍ لا تقضي فيه نفسٌ عن نفسٍ شيئاً، ولا تُغني عنها غناءً، أن تهلكوا على ما أنتم علـيه، من كفركم بي، وتكذيبكم رسولي، فتموتوا عليه.

{وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}: ولا هم ينصرهم ناصرٌ من الله إذا انتقمَ منها بـمعصيتها إياه. (الطبري).

126- {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير}.

المخصوصُ بالذمِّ محذوف، أي: بئسَ المرجعُ الذي يرجعُ إليه للإقامةِ فيه: النارُ أو عذابُها. (روح البيان).

127- {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

أي: ويقولان: ربَّنا تقبَّلْ منّا بناءَنا، {إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ} لدعائنا، {ٱلْعَلِيمُ} بنيَّاتِنا. (البغوي).

128- {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

{وَتُبْ عَلَيْنَا}: أما التوبةُ فأصلها الأوبةُ من مكروهٍ إلى محبوب، فتوبةُ العبدِ إلى ربه: أوبتهُ مما يكرههُ الله منه، بالندمِ عليه، والإقلاعِ عنه، والعزمِ على تركِ العودِ فيه. وتوبةُ الربِّ على عبده: عودهُ عليه بالعفوِ له عن جُرْمه، والصفحِ له عن عقوبةِ ذنبه، مغفرةً له منه، وتفضلاً علـيه…

{إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: إنكَ أنت العائدُ على عبـادِكَ بالفضل، والمتفضِّلُ عليهم بالعفوِ والغفران، الرحيمُ بهم، المستنقذُ من تشاءُ منهم برحمتِكَ من هلكته، المنجي من تريدُ نجاتَهُ منهم برأفتِكَ من سخطك. (الطبري، باختصار).

129- {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.

يعني القرآن. (البغوي).

133- {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

{إِلَهًا وَاحِدًا}: بدلٌ من {إِلَهَ آَبَائِكَ}، وفائدتهُ التصريحُ بالتوحيد، ودفعُ التوهمِ الناشئِ من تكررِ المضاف، أو نصبٌ على الاختصاص، كأنهُ قيل: نريدُ ونعني بإلهِ آبائك: إلهًا واحدًا. (روح البيان).

… أي: نُخـلِصُ له العبـادة، ونوحِّدُ له الربوبـية، فلا نشركُ به شيئًا، ولا نتَّـخذُ دونهُ ربًّا.

ويعني بقوله: {وَنَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ}: ونحن له خاضعونَ بـالعبوديةِ والطاعة. (الطبري).

135- {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ (120) من السورة، أن الملة: الدينُ والشريعة. قال: وهي مجموعُ عقائدَ وأعمالٍ يلتزمُها طائفةٌ من الناسِ يتفقون عليها، وتكونُ جامعةً لهم كطريقةٍ يتبعونها، ويحتملُ أنها مشتقةٌ من (أملَ) الكتاب، فسمِّيتِ الشريعةُ ملَّةً لأن الرسولَ أو واضعَ الدينِ يعلِّمها للناسِ ويمللها عليهم، كما سمِّيتْ دينًا باعتبارِ قبولِ الأمةِ لها، وطاعتهم وانقيادهم.

136- {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

{وَالْأَسْبَاطِ}: هم ولدُ يعقوب… والسبطُ في بني إسرائيلَ بمنزلةِ القبيلةِ في ولدِ إسماعيل، فسمُّوا الأسباطَ لأنه كان من كلِّ واحدٍ منهم سبط. (ابن عطية).

{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}: قالَ رحمهُ الله: القولُ فيه كالقولِ في نظيرهِ المتقدمِ آنفًا، عند قولهِ تعالى: {إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [الآية 133]

وقد قالَ هناك: جملةٌ في موضعِ الحالِ من ضميرِ {نَعْبُدُ}، أو معطوفةٌ على جملةِ {نَعْبُدُ}، جيءَ بها اسميةً لإفادةِ ثباتِ الوصفِ لهم ودوامه، بعد أن أُفيدَ بالجملةِ الفعليةِ المعطوفِ عليها معنى التجددِ والاستمرار. اهـ.

138- {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.

أي: موحِّدون، أو مطيعون متَّبِعون ملَّةَ إبراهيم، أو خاضعون مستكنّون في اتِّباعِ تلك الملَّة. (روح المعاني).

 140- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ}: يعني: فإنْ زَعَمَتْ – يا محمدُ – اليهودُ والنصارى، الذين قالوا لكَ ولأصحابِك: كونوا هوداً أو نصارى، أن إبراهيـمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسبـاطَ كانوا هوداً أو نصارى، فمن أظلـمُ منهم؟ يقول: وأيُّ امرىءٍ أظلمُ منهم، وقد كتـموا شهادةً عندهم من الله بأن إبراهيـمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسبـاطَ كانوا مسلـمين، فكتـموا ذلك ونحلوهم الـيهوديةَ والنصرانـية…

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}: يعني تعالى ذكرهُ بذلك: وقلْ لهؤلاء اليهودِ والنصارى الذين يحاجُّونكَ يا محمد: {وَما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من كتمانكم الحقَّ فيما ألزمَكم في كتابهِ بيانَهُ للناس، من أمرِ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ في أمرِ الإسلام، وأنهم كانوا مسلمين، وأن الحنيفيةَ المسلمةَ دينُ الله، الذي على جميعِ الخلقِ الدينونةُ به، دونَ اليهوديةِ والنصرانيةِ وغيرهما من الملل، ولا هو ساهٍ عن عقابكم على فعلكم ذلك، بل هو مُحْصٍ عليكم، حتى يجازيكم به من الجزاءِ ما أنتم له أهلٌ في عاجلِ الدنيا وآجلِ الآخرة. فجازاهم عاجلاً في الدنيا بقتلِ بعضهم وإجلائهِ عن وطنهِ وداره، وهو مجازيهم في الآخرةِ العذابَ المهين. (الطبري).

{وَمَنْ أَظْلَمُ}: لفظهُ الاستفهام، والمعنى: لا أحدَ أظلمُ منهم، وإياهم أرادَ تعالى بكتمانِ الشهادة.

والغافل: الذي لا يفطنُ للأمورِ إهمالاً منه، مأخوذٌ من الأرضِ الغُفْل، وهي التي لا مَعْلَمَ بها. (ابن عطية).

141- {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

ذكرَ الحكمةَ من تكرارها، وقد فسَّرها في الآيةِ (134) من السورة، وموجزُ كلامهِ هناك: لإفادةِ أن الجزاءَ بالأعمالِ لا بالاتكال. والإشارةُ بـ (تلك) عائدةٌ إلى إبراهيمَ وبنيه، باعتبارِ أنهم جماعة. ومعنى {خَلَتْ}: مضت. والخبرُ هنا كنايةٌ عن عدمِ انتفاعِ غيرهم بأعمالهم الصالحة، وإلا فإن كونها خلتْ مما لا يحتاجُ إلى الإخبارِ به. والخطابُ موجهٌ إلى اليهود، أي: لا ينفعُكم صلاحُ آبائكم إذا كنتم غيرَ متَّبِعين طريقتَهم. والمرادُ بـ {مَا كَسَبَتْ} وبـ {مَا كَسَبْتُمْ} ثوابُ الأعمال. وقوله: {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: إنما نفَى السؤالَ عن العملِ لأنه أقلُّ أنواعِ المؤاخذةِ بالجريمة، فإن المرءَ يؤخَذُ بجريمتهِ فيُسألُ عنها ويعاقَب، وقد يُسألُ المرءُ عن جريمةِ غيرهِ ولا يعاقَب، كما يلامُ على القومِ فعلُ بعضِهم ما لا يليق، وهو شائعٌ عند العرب. ونفيُ أصلِ السؤال أبلغ وأشمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى