كتب وبحوث

الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية عرض ونقد وتقييم 8

الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية عرض ونقد وتقييم 8

إعداد أكرم حجازي

المبحث الثالث

نقد الإستراتيجية

     منذ اللحظات الأولى للإعلان عنها؛ تركزت موضوعات نقد الإستراتيجية الأمريكية في العراق والشام على (1) التدخل البري، و (2) وجود الإستراتيجية، و (3) أمد الحرب. أما مضامين النقد فقد وقعت ما بين جدية يشوبها غموض وجهل مطبق إلى حد السفاهة وأكثر، كما لو أن المتابع، لوقائع النقاشات والحوارات الأمريكية على متن الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، يشهد سيركا هوليوديا بأتم معنى الكلمة.

أولا: التدخل البري

     فما أن انتهى الرئيس الأمريكي من خطابه حول الإستراتيجية، حتى شحذ الكتاب الأمريكيون أسنة أقلامهم، نقدا وطعنا وتساؤلات عن الإستراتيجية وحولها، وتشكيكا حتى بما ألمحت إليه. وكانت كاتبة « الواشنطن بوست[1] – 11/9/2014»، جنيفر روبين، واحدة من هؤلاء، حين «تساءلت عن مدى جدية أوباما في اتباع إستراتيجية تقود إلى مواجهة تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا؟»، ورأت أن: « أوباما بدا في خطابه البارحة (10/9 بحسب التوقيت الأمريكي) وكأنه يريد أن يفعل شيئا جديدا بينما هو ليس كذلك، وخاصة بعد أن أشار إلى أنه لا يأخذ على محمل الجد تهديد تنظيم الدولة للأمن القومي الأميركي والولايات المتحدة[2]بل أنه: يعتبر أن تهديد تنظيم الدولة ينصب على شعبي العراق وسوريا، وعلى منطقة الشرق الأوسط على النطاق الأوسع، بما في ذلك المواطنون الأميركيون، والمنشآت والمصالح الأميركية في المنطقة».

   ثم عاودت الكاتبة الكرَّة في 14/11/2014[3] لنقد فراغ القيادة الأمريكية، قائلة« إن العالم يشهد انسحابا للولايات المتحدة من الساحة الدولية بشكل ملحوظ، وإن الرئيس أوباما لم يعد يملك حلولا لما يواجهه العالم من مشاكل وأزمات». وأن: «عديدين باتوا على يقين من أن البيت الأبيض لم يعد يملك مبادرات جديدة، وأنه لم يعد هناك ما يمكن توقعه لما يمكن للرئيس فعله على مدى العامين القادمين المتبقيين من فترة رئاسته الثانية الأخيرة». وكانت صريحة في تقييمها حين أشارت إلى أن: «غياب القيادة الأميركية وتنامي أعمال العنف في الشرق الأوسط من شأنهما تبديد أي حلول زائفة لأزمات المنطقة».

   أما كاتب« النيويورك تايمز – 11/9/2014»، فالي نصر، فأشار إلى أن: « أوباما يواجه أزمة في الشرق الأوسط هي الأخطر»، وأن: « الإدارة الأميركية تفتقر إلى إستراتيجية كبرى أو خارطة طريق، ليس فقط لكيفية معالجة الأزمة المتمثلة في مواجهة تهديدات تنظيم الدولة، ولكن في الطريقة التي يمكنه من خلالها وضع نهاية لها».

    لذا فهي«هزيلة»! بهذه الكلمة قيمت افتتاحية « الواشنطن بوست[4] – 16/9/2014» الإستراتيجية الأمريكية لهزيمة «الدولة الإسلامية». وهي كذلك بالمقارنة مع: «التحالفات التي تمت في حرب الخليج عام 1991، بمشاركة السعودية ومصر وسوريا وسلطنة عُمان من بين دول عربية أخرى، وكان لها قوات برية معتبرة على الأرض، وغزو العراق عام 2003 والاحتلال اللاحق له الذي دُعم بقوات من 39 دولة». وفي ذات الوقت رأت « النيويورك تايمز»[5] من جهتها أن: « دحر تنظيم الدولة قد يستلزم إيجاد طريقة للعمل مع القوى الأكثر فعالية على الأرض، مثل جيش النظام السوري، ومقاتلي حزب الله اللبناني، وبالتالي يجب تأجيل خلافات الغرب مع النظام السوري، إلى أن يتحول تيار المعركة». أما عن الحل السياسي للأزمة السورية فرأت بأن:« اشتمال التحالف المناهض لتنظيم الدولة على سوريا وإيران وروسيا قد يكون المفتاح الحقيقي الوحيد لعلاقة سياسية مع الرئيس السوري بشار الأسد، يمكن أن تساعد في تحقيق حل سلمي للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات».

   في الأثناء، وبعد أسبوع (18/9/2014) على الإعلان عن الإستراتيجية، توقفت الصحف الأمريكية وكافة

 وسائل الإعلام في العالم عند التباين[6] الصريح فيما بين وزارة الدفاع والبيت الأبيض، حول التدخل البري. فخلال جلسة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 16/9، وبحضور وزير الدفاع، تشاك هيغل، قال رئيس هيأة أركان الجيوش الأمريكية، الجنرال مارتن ديمبسي،: « إذا وصلت الأمور إلى مرحلة يتحتم فيها على المستشارين العسكريين الأميركيين الموجودين بالعراق مرافقة القوات العراقية في هجماتها ضد أهداف محددة لتنظيم الدولة، فإنه سيوصي الرئيس أوباما بالسماح لهم بالمشاركة». فما كان من البيت الأبيض إلا أن رد سريعا؛ مؤكدا على قرار عدم نشر قوات برية. أما شهادة ديمبسي فقد تزامنت مع تصريحات أدلى بها نائب الرئيس، جوزيف بايدن، وأشار فيها إلى أن الولايات المتحدة « ستقاتل التنظيم على الأرض». وفي السياق أوضحت «الواشنطن بوست – 18/9/2014» أن ما سمته « زلة لسان بايدن – 16/9  .. ربما تكون كشفت عن خفايا في إستراتيجية أوباما والبيت الأبيض بهذا الشأن».

توالت الانتقادات والدعوات إلى إرسال قوات برية، حتى على لسان وزراء دفاع سابقين وعسكريين أمريكيين. ونقلت صحيفة « الواشنطن تايمز[7] – 21/9/2014» عن وزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس، تصريحا له في 17/9، رأى فيه أن: «الضربات الجوية لن تنجح في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة، وأن ترك القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية أو العشائر السنية تتصرف على هواها في العراق لن يفلح في إضعاف التنظيم أو تدميره». لذا فقد دعا إلى:« ضرورة أن يقوم التحالف الدولي بنشر قوات على الأرض داخل العراق، وذلك من أجل مقاتلة مسلحي تنظيم الدولة، إذا أريد للحملة الدولية على التنظيم أن تلقى النجاح وتحقق أهدافها». أما زميله ليون بانيتا، فنقلت له الصحيفة تصريحا في 19/9/ 2014، حمل فيه الرئيس الأمريكي مسؤولية: « صعود تنظيم الدولة بسبب الانسحاب العسكري الأميركي من العراق الذي نفذه أوباما بشكل سريع، وتردده في التدخل بالأزمة السورية أو الحرب الأهلية التي عصفت بسوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات». وفي تقرير منفصل للصحيفة شكك القائد السابق في البحرية الأميركية الجنرال، جيمس كونواي، في 19/9، بـ« نجاح إستراتيجية الرئيس أوباما في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة».

وعلى مستوى الكتاب والإعلاميين الأمريكيين أيضا، تساءل الكاتب دويل مكمناص، في مقالة كتبها في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز[8] – 28/9/2014»: «عما إذا كان من الممكن للولايات المتحدة النجاح في قيادة تحالف للحرب دون نشر جنود أميركيين على الأرض للمشاركة في مقاتلة مسلحي التنظيم؟»، وشكك بـ:«إمكانية الاعتماد على أداء دول التحالف الدولي، التي تضم دولا عربية وجيشا عراقيا بقيادة ضعيفة ومجموعات من المعارضة السورية المعتدلة وعد أوباما ببنائها في عملية تحتاج إلى سنوات». وانتهى إلى القول بأن: « القضاء على تنظيم الدولة في ظل هذا التحالف يبدو مستحيلا ما لم تنتشر قوات على الأرض في كل من العراق وسوريا». ومن جهتها تساءلتروزا بروكس في صحيفة  « الواشنطن بوست»: «عن معنى تأكيد الرئيس أوباما في أكثر من مناسبة على عدم الحاجة لنشر قوات أميركية مقاتلة على الأرض»ورأت الكاتبة أن: « إبقاء مقولة أنه لا حاجة لقوات على الأرض يعد أمرا لا يبعث على الطمأنينة»، وأن:« استمرار تأكيد أوباما على عدم نشر قوات أميركية برية في العراق يعمل على ترسيخ صورة في أذهان المسلحين المتطرفين أن الأميركيين متغطرسون وجبناء في نفس اللحظة».وقدمت«الواشنطن تايمز» من جهتها مفارقة طريفة بين الجمهوريين والديمقراطيين، حين قالت أن: « أوباما يواجه انتقادات بشأن إستراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة وبما يتعلق بأزمات دولية أخرى، ويرد بالقول إن القيادة الأميركية هي الثابت الوحيد في عالم متقلب، متعهدا بأن تلك القيادة ستكون جلية طالما ظل هو الرئيس». لكن، وبحسب الصحيفة، فإن « الجمهوريين يقارعون حجة أوباما بالقول إن الولايات المتحدة … لم تعد ذلك القائد العالمي المحترم كما كانت في وقت مضى».

    ومع أن ثلاثة أسابيع فقط مضت على إعلان الإستراتيجية؛ إلا أن الانتقادات لم تتوقف، الأمر الذي وضع الإدارة الأمريكية في مآزق عدة. وقبل أن تصدر إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي* لسنة 2015 بنحو أربعة أشهر، اضطر « البنتاغون» لكشف مقدماتها، حين استعمل عبارة « صبر استراتيجي»، التي وردت في تقديم الرئيس أوباما للإستراتيجية. ففي 1/10/2014 واجه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، وسائل الإعلام وسيل الانتقادات بسيل مماثل من الإجابات غير المسبوقة[9]. ومما قاله أنه « (1) لم يقل أحد إن الأمر سيكون سهلا أو سريعا»، وأن«(2) قادة الجيش الأميركي كانوا واضحين منذ البداية بأن الضربات الجوية وحدها لا تكفي»، كما أننا«(3) كنا صادقين جدا بشأن كون الطريق العسكري لوحده لن يؤدي إلى إنهاء الجهاديين، .. هذا القول لا ينبغي أن يؤخذ على أنه اعتراف بعدم الفعالية»، لكن « (4) لن نقصف؛ ولا يمكننا أن نقصف (تنظيم الدولة) بشكل أعمى»، لذا«(5) لا يجوز أن يتكون عند أي شخص وهم أمني خاطئ بأن هذه الضربات الجوية الموجهة قد تؤتي ثمارها»، وأوضح أنه « (6) بالرغم من أننا نتقاسم الشعور بالعجلة تجاه هذا التنظيم، فيجب أن نتقاسم أيضا شعورا بالصبر الإستراتيجي».

   لم تُجْد فزعة « البنتاغون» في وجه وسائل الإعلام نفعا. فبعد أيام نشرت « الواشنطن تايمز[10] – 4/10/2014» مقالة للأدميرال المتقاعد، جوزيف فيزي، اعتبر فيها أن: «سياسة الضربات الجوية المتبعة ضد تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، .. مصيرها الفشل كالذي لحق بالحرب الأميركية على فيتنام». وللخروج من المأزق اقترح الأدميرال على الرئيس أوباما: «البدء بمبادرة دبلوماسية لإقناع القادة السياسيين في الدول الإسلامية لتضافر الجهود لقمع أيديولوجية التعصب والحقد»، والأهم من ذلك:« للاتفاق على رؤية بديلة ومقنعة للإسلام كدين سلام حقيقي»!!!!

    لكن الانتقادات تواصلت إلى حد الحديث عن الفشل. وهو ما عبر عنه الكاتب نواه بونسي في مجلة  « فورين بوليسي[11] – 14/11/2014»، في قوله الصريح: «الفشل هو مصير الإستراتيجية الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة، .. كونها لم تأخذ في الحسبان الأسباب الحقيقية للصراع في كل من سوريا والعراق». ولأن «الولايات المتحدة وحلفاؤها يتعاملون مع تنظيم الدولة بمعزل عن الجوانب الأخرى للصراع الذي يعصف بكل من سوريا والعراق، وينذر بالانتشار في المنطقة»، فلا بد من:« مراجعة إستراتيجيتها بالكامل». أما البيت الأبيض«فيحتاج أن يفهم أن تنظيم الدولة يتخذ من سوريا مكانا مناسبا للتوسع، وبالتالي فإن تركيز أميركا على العراق وحده دون معالجة مشكلة تنظيم الدولة في سوريا لن يكون ذا جدوى».

    وفي ذات السياق، من إعادة النظر التي دعا إليها الرئيس الأمريكي نفسه، تحدث روبرت كاسي في «واشنطن بوست[12] – 28/11/2014» عن وجوب:«تضمين الإستراتيجية .. سبل معالجة القضايا الأساسية التي أدت إلى ظهور تنظيم الدولة وانتشاره على نطاق واسع، ومضاعفة الجهود لدعم المعارضة السورية المعتدلة». في حين أشارت « النيويورك تايمز» إلى أن: «السياسات الأميركية المتضاربة إزاء الأزمة في سوريا أدت إلى إضعاف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط». ولاحظت أن:« طيران التحالف الدولي الذي يستهدف مواقع لتنظيم الدولة في سوريا يتشارك الأجواء مع طيران النظام السوري الذي يستهدف المدنيين الأبرياء بالقصف العشوائي دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكنا، مما يشير إلى نوع من التعاون بين إدارة أوباما ونظام الأسد». وأن: «هذا التناقض يزيد من تقويض مكانة الولايات المتحدة والوجود الأميركي في المنطقة برمتها».


  مضت شهور على هذه الحال من النقد والتخبط. ولم ينفع فيها النظر ولا إعادة النظر، ولا الثناء الأمريكي على إيران في معركة تكريت، لاسيما بعد سقوط الرمادي، مركز محافظة الأنبار، بيد « الدولة الإسلامية – 17/5/2015» ، واعتبار ما حصل بلسان الرئيس الأمريكي مجرد « انتكاسة تكتيكية»[13] .. انتكاسة!!! ترجمها وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر،بلغته بأنها«أسوأ هزيمة منيت بها القوات العراقية منذ قرابة سنة»، وبررها في تصريحات تلفزيونية بالقول: « لدينا مشكلة مع إرادة العراقيين في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وفي الدفاع عن أنفسهم»[14]. لكنها تصريحات أخرجت الجنرال الصفوي، قاسم سليماني، عن طوره، متجاوزا كل التوريات، والميوعات السياسية السابقة، والمراسلات والمصافحات والمجاملات والتمنعات، وأحاديث التنسيق بين أوباما وكيري وديمبسي من جهة، وخامنئي وروحاني وظريف من جهة أخرى، ليصب جام غضبه على الأمريكيين، وكأنه نجح في مهمته، لولا أنه تعرض منهم إلى خذلان أو خيانة. وفي السياق، وخلال حفل ثقافي أُقيم في مدينة كرمان جنوب شرق البلاد، نقلت «وكالة تسنيم – 24/5/2015» الإيرانية عن سليماني القول: «اليوم في المعركة ضد هذه الظاهرة الخطيرة .. لا أحد موجود باستثناء إيران .. الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً لأجل العراق وأمنه، رغم وجود قواعد عسكرية لها بالقرب من المدينة» .. وفي حديثه؛ وجه سؤالا مباشرا للرئيس الأمريكي قائلا: « السيد (باراك) أوباما: إن قواعدکم العسکرية قريبة من مدينة الرمادي، فكيف تحدث مجزرة فی بلد أنتم موجودون للحفاظ على أمنه وشعبه ولا تفعلون شيئا؟ ماذا يجب أن نسمي هذا الأمر؟»[15].

وجود الإستراتيجية

 كل من تابع الإعلام الأمريكي وتصريحات القادة حول ماهية الإستراتيجية ووجودها، سيلحظ أنه يشاهد بامتياز وقائع سيرك، صممته صناعة السينما الهوليودية! ليس هذا مبالغة أبدا، بقدر ما هي الحقيقة الأشد حضورا، في حزمة المعلومات المتوفرة على وسائل الإعلام والاتصال الأمريكية.

   شكل وقوع الموصل في قبضة «الدولة الإسلامية – 10/6/2014» لحظة انعطاف فارقة في التحضير لتحرك أمريكي لمواجهة الموقف. وحتى عشية إعلانها في 10/9/2014؛ كان الحديث عن الإستراتيجية يتسم بالغموض والضبابية والنقد، الذي اشتد طرديا مع إعلانها عن بدء الحملة الجوية في إطار التحالف الدولي، إلى حد التسليم بانهيارها مع الإعلان الرسمي عن التدخل الروسي في سوريا، وبدء القصف الجوي يوم 30/9/2015.

   كتبإيرنست إستوك مقالة في صحيفة « نيويورك تايمز – 15/9/2014»، تهكم فيها على الرئيس الأمريكي، عبر الإشارة إلى تصريح لوزير الخارجية، جون كيري، قال فيه:« سبق أن أعلن أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع تنظيم الدولة»، فلما كان الأمر كذلك:« فماذا يمكن تسمية التحالف الدولي الراهن الذي تقوده أميركا إذن؟»!! لعله ذات التساؤل الذي دفع إد روجرز في « الواشنطن بوست» للتساؤل عماما إذا كان:«هناك تمرد خفي يختمر حول أوباما داخل بلاده نفسها، في أعقاب كشفه عن إستراتيجية الولايات المتحدة لقيادة تحالف دولي لمواجهة تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا .. تمرد؛ قد يكون يحاك حول أوباما ضمن أوساط إدارته نفسها، ربما جعله يُقْدم على اتخاذ قراره الأخير، وهو المتمثل بإعلانه عن عزم بلاده شن حملة عسكرية عالمية ضد تنظيم الدولة بعد أن تردد لسنوات»، وهو ما يعني بالنسبة للكاتب، ديفيد روثكوف، في مقاله بمجلة «فورين بوليسي» أن: « الولايات المتحدة تتورط في حروب مستمرة، وأن أوباما قد بدأ حربا ضد تنظيم الدولة في الشرق الأوسط يصعب الخروج منها، وأنها لن تنتهي، ولا مخرج منها، وستبدأ من العراق وسوريا، ولكنها قد تطال الشرق الأوسط والمنطقة برمتها»[16].

   حين يجري الحديث عن « تمرد» داخل الإدارة الأمريكية، فلا يذهبَن الحديث عن مثيله في العالم الثالث، حيث الحروب والانقلابات والاستبداد والديكتاتورية وسفك الدماء، بقدر ما سيتعلق الأمر بوجود انقسامات عميقة، ستنعكس سلبا على محتوى الإستراتيجية، إنْ لم يكن على وجودها من الأصل، كما سنرى لاحقا. ومنذ البداية كانت المصطلحات المتداولة عرضة للنقد، بسبب غياب التوافق حول الهدف من تكوين التحالف الدولي. وفي السياق ينقل الكاتب الْكامن في مقالة له بصحيفة «الواشنطن بوست – 5/10/2014» تصريحات للجنرال المتقاعد، جون ألين، يقول فيها: «إن استخدام الرئيس باراك أوباما لكلمة القضاء على كان غير دقيق، وإنه يمكن استخدام كلمة إضعاف في وصف مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة»[17]. أما توماس فريدمان، الذي جرى

 تسويقه حتى في العالم العربي بالصحفي المخضرم الذي لا يُشَق له غبار، فعبر عن رأي أقرب ما يكون إلى الإحباط، حين كتب في «نيويورك تايمز» يقول: «إن أنسب خيار للقضاء على تنظيم الدولة هو المتمثل في محاولة احتوائه بحيث يقضي على نفسه بنفسه»[18]، وهي مقاربة لم يتوانى تقرير مجموعة « mebriefing» عن وصفها بـ:«الحكمة الزائفة التي تقول دعهم يتقاتلون، فنحن لا يمكننا فعل أي شيء على أي حال أو أنّهم سوف يتوقفون عندما يشعرون بالتعبهذه الحماقة تميل إلى رؤية الأشياء بطريقة تجريبية كنوع من أنواع المنهجية»[19].

     بدت الولايات المتحدة واقعة بما يشبه الجدل البيزنطي، إزاء المشهد العراقي، وما يتوجب عليها القيام به. فبينما كانت صحيفة « وول ستريت جورنال – 20/6/2014» كمن يقيم بيت عزاء على ما بات: «يُحزن العالم وهو يرى مقاتلي تنظيم الدولة يقودون الدبابات والآليات العسكرية والأميركية وقطع المدفعية وعربات الهمفي التي استولوا عليها في العراق»، كانت افتتاحية «الواشنطن تايمز» مشغولة في تأملات: «البيت الأبيض (وهو) يعيش حالة من الحيرة بشأن التسمية المناسبة لحملته الجوية ضد تنظيم الدولة»[20]. حيرة! بررها عضوا الكونغرس، جون ماكين والسناتور ليندسي غراهام، بـ:«حقيقة عدم امتلاك إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إستراتيجية فاعلة تجاه عزل النظام السوري، يكون من شأنها إنهاء الصراع في البلاد والمنطقة». في حين رأى فيها كاتبان آخران في صحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 7/10/2014»، هما فريدرك كاغان وكيمبرلي كاغان، مبررا للدعوة إلى « نشر قوات برية»، وإعادة «التفكير بنهج جديد يمكنه أن ينجح بالقضاء على تنظيم الدولة، وإلا فعلى الجميع التعايش مع دولة وجيش تنظيم الدولة الإسلامية»[21]. وفي خضم الحديث عن إعادة التقييم كتب تشارلز كروثامر في «الواشنطن بوست – 11/10/2014» يقول أن: « التحالف الدولي ما يزال ضربا من الخيال»، وأن«هدف التحالف هو إخراج تنظيم الدولة من العراق واحتواؤه في سوريا، ولكننا لم نر شيئا من ذلك»[22].

   وحول فاعلية الضربات الجوية ميدانيا، علقت صحيفة «التايمز – 29/9/2014» البريطانية، على ما قالهرئيس هيئة الأركان البريطانية السابق، الجنرال لورد ريتشاردز، بأنه: « حتى مع وجود رادارات حديثة فإن الطائرات لن تستطيع التحليق فوق كل موقع محتمل لتنظيم الدولة»، وأن « تلك الطائرات عادت أكثر من مرة إلى قواعدها دون أن تُلقي أي قنبلة لأنها لم تعثر على أهداف مميزة»[23]وكان يشير بذلك إلى عودة طائرتين بريطانيتين من طراز «Tornado GR4» أكثر من مرة دون أن تنفذ مهماتها.وذات الأمر تحدثت عنهالكاتبة جنيفر روبين في « الواشنطن بوست – 18/10/2014». إذ نقلت عن:« خبراء إستراتيجيين يرون أن العدد الضئيل من الضربات الجوية على تنظيم الدولة يظهر أن هناك عجزا معلوماتيا لدى قوات التحالف الدولي»[24].ومن جهتها أكدت الكاتبةNancy A. Youssef في مقالتها« لا تغييرات في خطة أوباما ضد داعش، وتوقعات سرية بتقسيم العراق»، المنشورة في« الديلي بيست[25] – 29/5/2015»، أن«المسؤولين الأمريكيين يصرون على أنهم لا يضربون إلا عندما يكون لديهم معلومات استخبارتية جيدة عن مواقع التنظيم»[26].

    ولأن الطائرات تعود من حيث أتت محملة بذخيرتها؛ فقد تَقرَّر عقد أول اجتماع لوزراء خارجية دول التحالف، في مقر حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية- بروكسل يوم 3/12/2014، برئاسة جون كيري، لوضع «إستراتيجية تتجاوز الضربات الجوية». لكن النتائج لم تختلف عما تم التوصل إليه في لقاءات ومؤتمرات سابقة. فقد ظلت معضلة (1) بقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، فضلا عن (2) التدخل البري قائمة، وسط إصرار أمريكي على عدم الانجرار إليها. وهو ما لفت انتباه الكاتب،ماركو روبيو، في « الواشنطن بوست –  13/12/2014»، حين رأى أن: « التحالف الدولي يستخدم سياسة أنصاف الحلول في إستراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة، وأن الحملة الجوية لا تعتبر كافية لهذه المهمة»، موضحا ما يبدو خارطة طريق تؤكد على:«(1) أن أي جهد ناجح ضد تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن يتضمن خطة لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد والإعداد لمرحلة ما بعد الأسد». وأنه « (2) على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف التحرك بسرعة لإيجاد منطقة عازلة آمنة على طول الحدود مع تركيا»، و«(3) البدء بفرض منطقة حظر جوي على طيران النظام السوري». أما ديفيد إغناتيوس فأقر في « الواشنطن بوست» أن«إستراتيجية التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا مليئة بالتناقضات». لكنه أوضح أن:« أوباما يفضل إستراتيجية مواجهة تنظيم الدولة في العراق أولا، في ظل المعضلة الشائكة التي تواجهها سوريا». أما المعضلة ذاتها فتكمن، بحسب إغناتيوس، في أن:« بعض المسؤولين الأميركيين يطالب بتنحية الأسد، والبعض الآخر يشعر بالقلق تجاه ما قد تشهده سوريا في حال الإطاحة بالنظام، قبل أن تكون هناك سلطة جاهزة لتسلم زمام الأمور في مرحلة ما بعد الأسد»[27].

    لا أحد يدري ما الحل!!! نهاية؛ حيرت حتى لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني التي انتقدت وزراء وقادة عسكريين لـ«فشلهم في تقديم فكرة واضحة عن أهداف أو إستراتيجية بريطانيا في العراق»؛ وكتبت في تقريرها (13/12/2014) تتساءل: « بالنظر إلى الاستقطاب الحاد والضعف الهيكلي للدولة العراقية، نتساءل هل احتواء ومنع تمدد داعش سيكون هدفا أكثر واقعية من القضاء التام عليه؟» … وفيما بدا إجابة محتملة؛ أضاف التقرير أنه« توجد هوة كبيرة بين العبارات الرنانة التي ترددها بريطانيا وشركاؤها وواقع الحملة على الأرض… سيكون من الصعب جدا تدمير داعش»[28].

   في المقابل؛ جاءت تقييمات وزير الدفاع الأمريكي الجديد، آشتون كارتر، على النقيض من كل ما سبق. فعندما سئل في 24/2/2015 عما إذا كان يرى حاجة إلى إعادة نظر في الإستراتيجية قالبلا تردد: « لدينا عناصر الإستراتيجية السليمة»، وأن «جهودنا حتى الآن حققت بالفعل بعض الآثار المهمة، أما تحالفنا العالمي؛ فعلى مستوى هذه المهمة، وكذلك القيادة الأميركية». وفي بيان أصدره البنتاغون على لسانه قال:« إن التحالف الدولي يضغط على تنظيم الدولة في العراق وسوريا من الكويت وغيرها من المناطق، وإن إلحاق الهزيمة به في النهاية ليست محل شك»[29]. لكن هل هي كذلك فعلا، خاصة بعد سقوط الرمادي وحالات الكر والفر بين المدن والأرياف؟

    لو كانت كذلك، في حينه، لما اجتهد دهاقنة معهد واشنطن عشية سقوط الرمادي إلى دراسة الإستراتيجية على نطاق واسع. فقد أصدر « المعهد[30] – نيسان/ ابريل 2015» تقريرا جديدا حول الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، كتبه خمسة أشخاص من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، هم: اثنين من مستشاري الأمن القومي السابقين، صمويل بيرغر وستيفن هادلي؛ والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري؛ ومسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ودينيس روس المبعوث السابق للسلام في الشرق الأوسط لفترة طويلة؛ بالإضافة إلى روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن. وكان أبرز ما تطرق إليه التقرير هو مصير « الدولة القومية» القائمة في المنطقة.

     وبحسب التقرير فإن: « الهيكلية الكاملة لنظام الدولة في الشرق الأوسط معرضة للخطر .. وإذا استمر هذا الاتجاه

المُضعِف، ستضطر الولايات المتحدة، لا محالة، إلى مواجهة المؤامرات المحاكَة، ليس ضد أصدقاء واشنطن فحسب، بل ضد الوطن الأمريكي أيضاً». ورأى التقرير أن: [ قيام إستراتيجية تحافظ على نظام الدولة في الشرق الأوسط، وتواجه تنظيم « الدولة الإسلامية في العراق والشام» (« داعش») / « الدولة الإسلامية» وتدحره، وتُطمئن الزعماء السنّة الرئيسيين … وتتصدّى للإيرانيين، ستحتاج إلى رؤية حول الطريقة التي تريد واشنطن من خلالها تحريك المنطقة … رؤية تهدف في إطارها الولايات المتحدة إلى إضعاف الإسلاميين المتطرفين، سواءً كانوا من السنّة أو الشيعة]. إذ يعتقد معدو التقرير أنه: [ في نهاية المطاف، إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تعبئة السكان العرب السنّة في العراق وسوريا لمعارضة «داعش» … لا يمكن لإيران أن تكون حليفاً مفترضاً. إن ظهور مثل هذه الشراكة ستحول دون أي جهد سنّي جاد لنزع شرعية تنظيم «الدولة الإسلامية»].

    لذا؛ وبعيدا عن إيران، يوصي التقرير بـ [ (1) التركيز على إلحاق الهزائم بتنظيم «داعش»، و (2) العمل مع شركاء محليين لإيجاد ملاذ آمن داخل سوريا، و (3) تعزيز العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين مثل مصر، و (4) العمل بهدوء مع إسرائيل لمنع المزيد من التآكل في العلاقات الثنائية].

   أما بعد سقوط الرمادي، فبدت هذه الدراسة أو تلك غير ذي جدوى. ووسط تباين في الآراء وصفته «الواشنطن بوست – 20/5/2015» بالقول: « أنه يعكس فشل إستراتيجية العراق ضد تنظيم الدولة، وأنه أكثر من مجرد فقدان مدينة رئيسية في أكبر محافظات العراق لأنه يمكن أن يقوض الدعم السني للجهد العراقي الأوسع لدحر التنظيم بما يشكل تعقيدا كبيرا للمجهود الحربي». وفي مقالة أخرى في الصحيفة اعتبر الكاتب، تشارلز كرثامر، «الحملة الجوية غير فاعلة، مما يدل على عقم الإستراتيجية المتبعة»وأضاف بأن:« نفوذ الولايات المتحدة بالشرق الأوسط آخذ بالتضاؤل، وخاصة في أعقاب قرار أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق، الذي كان خطأ فادحا، حيث ترك البلاد ساحة للإرهابيين وترك المنطقة تعاني من فراغ خطير»ومن جهته تساءل يوجين روبنسون في الصحيفة ذاتها: « لماذا علينا أن نحارب من أجل العراقيين، إذا كانوا هم لا يريدون القتال من أجل أنفسهم؟»، مشيرا إلى أن:«هذا السؤال يأتي في أعقاب سقوط الرمادي في أيدي تنظيم الدولة الذي كشف عن الفراغ في صميم السياسة الأميركية». ولاحظ أن: « من بين البدائل والخيارات المتاحة لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة ما يتمثل في ضرورة غزو العراق واحتلاله مرة أخرى … فإذا ما قامت الولايات المتحدة والغرب بغزو العراق مجددا، فإن تنظيم الدولة سيبقى مسيطرا أيضا في سوريا وسيبقى يشكل نفس التهديد، مما يتطلب ضرورة دخول الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب السورية»، لذا، والكلام للكاتب، فإن « الخيار الآخر يتمثل بالانسحاب من المنطقة … مع أنه … الخيار الأسوأ». أما افتتاحية « وول ستريت جورنال» فردت على تصريحات الرئيس الأميركي القائلة « لا أعتقد أننا نخسر» بالتساؤلعن مفهوم أوباما للخسارة «كيف يُعرّف الرئيس النصر؟»[31].

    وكتبت صحيفة «الديلي تلغراف – 20/5/2015» البريطانية في افتتاحيتها تقول: « إن سقوط الرمادي بما لها من أهمية إستراتيجية يمثل اختراقا مهما لمقاتلي تنظيم الدولة، ولاسيما أن نجاحهم هذا يأتي في وقت اعتقدت فيه معظم الحكومات الغربية أن التنظيم يتراجع»وأمعنت الصحيفة في النقد حتى وصفت الوضع بـ « الكارثي» و « النكسة الخطيرة للساسة الغربيين الذين ظنوا أنه بتوفير دعم عسكري محدود وتدريب الجيش العراقي ستنجح بغداد في النهاية في إنهاء تهديد تنظيم الدولة وإعادة الأغلبية العظمى من البلاد لسيطرة الحكومة، ولكن بعد عام على رفع التنظيم أعلامه فوق مناطق شاسعة في شمال وغرب العراق يبدو أن احتمال إعادة بغداد تأكيد سلطتها لا يزال أبعد من أي وقت مضى». وفيما يتعلق بتداعيات الحدث على الشأن السوري رأت الصحيفة أنه: «(1) مع استمرار تنظيم الدولة في تحقيق مكاسب كبيرة بسوريا المجاورة، و (2) مع التقارير التي تفيد بقرب الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، يواجه الغرب الآن احتمالا حقيقيا للاضطرار إلى التعامل مع كيان إسلامي متشدد ومستقل، تماما مع كل التداعيات الأمنية الخطيرة التي ستنشأ». ومن جهتها وصفت افتتاحية صحيفة « الإندبندنت» سقوط الرمادي بأنه«(1) دليل على فشل السياسة الأميركية في العراق والمنطقة بأكملها»، وأنه « (2) أكبر انتصار لتنظيم الدولة خلال هذا العام (2015)»، وأنه «  (3) يكذب المزاعم بأن التنظيم يتقهقر»[32].

   وفي تقرير عميق له نفى موقع « mebriefing – 20/6/2015» وجود إستراتيجية أو أي مفهوم واضح. وألقى باللائمة على القادة السياسيين والعسكريين. وبحسب التقرير فإن: « الغارات الجوية الأمريكية، التي يُطلق عليها اسم التحالف الدولي، ليست سوى عمل  فني في أزمة سياسية وإستراتيجية في جوهرها»لذا: «يجب على قادة البنتاجون معالجة مسألة إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط … لقد أوضحوا مؤخرًا أنّ هناك إستراتيجية يمكن القيام بها عمليًا في ظل هذه الظروف .. لا يمكننا فهم لماذا ينبغي على البنتاغون تحديد الإستراتيجية الأمريكية؛ فأي إستراتيجية بتعريفها الشائع هي أكثر شمولًا من الجانب العسكري … لكن يبدو أنّ ثقافة واشنطن قد اعتادت على عسكرة السياسة الخارجية إلى الحد الذي كلما تم الحديث عن كلمة إستراتيجية، يتحول الجميع إلى البنتاغون». أما «الجيش فهو أداة إستراتيجية، ويفضل أن تكون الأداة الأخيرةلا ينبغي محاسبة الجيش عن أي إستراتيجية يجري تنفيذها، ورغم أنّه يدعم الدبلوماسية لأنّ دورهما يجب أن يكون متكاملًا في مفهوم واحد في أي إستراتيجية، لكن استخدام الجيش يُعدّ بمثابة قمة الهرم. لكننا في الحقيقة لم نر أي إستراتيجية أو مفهوم. لم تكن هناك خيارات تمت مناقشتها بشكل عميق. وعندما كان هناك بعض الخيارات، تم رفضها من قبل الساسة غير الموهوبين وغير الأكفاء»[33].

   لكن مهما تباينت الآراء حول سقوط الرمادي*، إلا أنها أسقطت كل المحرمات في السياسة الأمريكية. وأطلقت سيركا إعلاميا غير مسبوق. ولن ينفع واشنطن الإعلان عن أنها بصدد إعادة النظر في إستراتيجيتها بعد سقوط الرمادي، وهي مقتنعة تماما، بحسب ما نقلته « وكالة الصحافة الفرنسية – 21/5/2015» عن مسؤول في الخارجية الأمريكية، امتنع عن ذكر اسمه، أن « تنظيم الدولة يشكل تهديدا هائلا». وسواء سقطت الرمادي بيد « الدولة» أو انتزعت منها فالحقيقة الأشد إثارة جاءت على لسان وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، لقناة « MSNBC – 19/5/2015» حين قال ما لم يقله أحد من قبل: « لم تكن لدينا إستراتيجية فعلية على الإطلاق، نحن نقوم بهذه المهمة كل يوم بيومه»[34]. بعد غيتس لحق به رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ السناتور، جون ماكين، في تصريحات نقلتها صحيفة « ذا هيل – 24/5/2015» قال فيها: « ينبغي أن يكون لدينا إستراتيجية، ولكن ليس لدينا واحدة وأي شخص يقول أن هناك واحدة، أود أن أعرفها، لأنه بالتأكيد ليس هناك إستراتيجية واضحة الآن»[35]. لكن هل يختلف كلام غيتس وماكين عن كلام الرئيس أوباما عن الإستراتيجية!!؟


[1] جنيفر روبين: « ما مدى جدية أوباما لمواجهة تنظيم الدولة؟»، 11/9/2014، « واشنطن بوست»، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/k4pbe

[2] من الجدير بالذكر أن وزير الداخلية الأمريكية، جيه جونسون، قد قالفي أول خطاب سياسي له منذ توليه منصبه في ديسمبر/ كانون الأول أن: « سوريا أصبحت قضية تهم الأمن الداخلي». وفي كلمة لهبتاريخألقاها في مركز« وودرو ويلسون – 7/2/2014»، عقب عودته من اجتماع عقد في بولندا لوزراء داخلية فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبولندا، أن: =

=   « التركيز قائم حاليا على مسألة المقاتلين الأجانب الذين يتوجهون إلى سوريا»، وأننا« لسنا وحدنا قلقين. إن حلفاءنا الأوروبيين قلقون جدا ونحن مصممون بشكل جماعي على القيام بما يلزم»، موضحا أن « مديري وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والشرطة الفدرالية يتشاركان أيضا في هذا القلق»للمتابعة في« وزير أميركي: أزمة سوريا خطر على الأمن القومي»، 8/2/2014، موقع« الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/OPgE

[3] « مشكلات العالم أكبر من قدرات أوباما»، 2014/11/27، موقع« الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/HiiQm

[4] « واشنطن بوست: إستراتيجية أميركا لدحر تنظيم الدولة هزيلة»، 16/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/Jdipb

[5] كررت الصحيفة ذات الموقف في افتتاحية 21/9/2014:بالإشارة إلى:« إمكانية ائتلاف أعداء الماضي من أجل مواجهة عدو مشترك، وأن إيران قد تشترك في مهمة مقاتلة تنظيم الدولة إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى»للمتابعة:« انتقاد إستراتيجية أوباما لمواجهة تنظيم الدولة»، 21/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/4gcHc

[6]« تباين أميركي رسمي بشأن قتال تنظيم الدولة»، 18/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/qgiba

[7] « انتقاد إستراتيجية أوباما لمواجهة تنظيم الدولة»، 21/9/2014، مرجع سابق.

[8] « صحف أميركية: إرسال قوات برية حتمي»، 28/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/A6oHw

* صدرت في 6/2/2015.

[9] « البنتاغون يدعو إلى صبر إستراتيجي بمواجهة تنظيم الدولة»، 1/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/nfJwX

[10] « انتقادات لأوباما وتحذير من حرب طويلة على تنظيم الدولة»، 4/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/yDYYO

[11] « مشكلات العالم أكبر من قدرات أوباما»، 2014/11/27، مرجع سابق.

[12] « سياسة واشنطن بسوريا والمنطقة أضعفت أميركا»، 28/11/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/9nkeJ

[13] « أوباما: لم نخسر الحرب وسقوط الرمادي انتكاسة تكتيكية»، 22/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/TLEJ

[14] « وزير الدفاع الأمريكي: القوات العراقية لم تبد حماسا للقتال في الرمادي»، 25/5/2015، قناة « فرانس24»، على الشبكة: http://cutt.us/nPaO

[15] « جنرال إيراني: أميركا تتقاعس بحربها على تنظيم الدولة»، 25/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/YpQkX

[16] « صحف أمريكية تنتقد إستراتيجية أوباما تجاه تنظيم الدولة»، 15/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/pnL5v

[17] ذات الرأي عبر عنهالسناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام في مقالة مشتركة في صحيفة « وول ستريت    =

=    جورنال – 7/10/2014»، للمتابعة:« دعوة لنشر قوات برية لعدم كفاية غارات التحالف»، 7/10/2014، موقع« الجزيرة نت»، على الشبكة:  http://cutt.us/DIpVL

[18] « خيارات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة»، 5/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/sXO5R

[19] « البحث عن إستراتيجية في سوريا والعراق»، 20/6/2015، موقع « mebriefing»، على الشبكة: http://mebriefing.com/?p=1758

[20] « صحف تنتقد عدم فاعلية الحملة على تنظيم الدولة»، 8/10/2014، موقع« الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/HMws

[21] « دعوة لنشر قوات برية لعدم كفاية غارات التحالف»، 7/10/2014، مرجع سابق.

[22] « صحف تنتقد إستراتيجية التحالف ضد تنظيم الدولة»، 11/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:  http://cutt.us/5hc4y

[23] « صحف غربية: القتال ضد تنظيم الدولة حرب أفكار طويلة»، 29/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/r7qY

[24] « صحف: مطلوب من التحالف الانتصار لا العرض الجوي»، 18/10/2014،:موقع« الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/xkCI

[25] Nancy A. Youssef« لا تغييرات في خطة أوباما ضد داعش وتوقعات سرية بتقسيم العراق»، 29/5/2015، موقع « الديلي بيست»، على الشبكة: http://cutt.us/Lg9sk

[26] لاحظ الكاتب ديفيد إغناتيوس في مقالته في « الواشنطن بوست – 29/5/2015» لاحقا أن:« سقوط الرمادي (17/5/2015) بأيدي تنظيم الدولة مرده إلى النقص في المعلومات المخابراتية، وأن الولايات المتحدة لا تعرف الكثير عن التنظيم كي تتمكن من مواجهته بشكل فاعل، وأن هذا العجز الاستخباري يؤثر على الجيش الأميركي وعلى وكالة المخابرات المركزية الأميركية وغيرها من الوكالات». ولحل معضلة المعلومات دعا إغناتيوس وكالة المخابرات الأمريكية إلى: « بناء شبكات تجسس داخل تنظيم الدولة نفسه، وأوضح أن تجنيد الجهاديين ليست مهمة مستحيلة، وأشار إلى ضرورة نشر ضباط أميركيين مدربين جيدا في الخطوط الأمامية لتشديد المواجهة ضد تنظيم الدولة». راجع:« دعوات لأميركا إلى دعم العراق لمواجهة تنظيم الدولة»، 29/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/uL53

[27] « الحملة الجوية غير كافية لمواجهة تنظيم الدولة»، 13/12/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:  http://cutt.us/k4YtN

[28] « لجنة برلمانية: احتواء تنظيم الدولة الإسلامية هدف أكثر واقعية من القضاء عليه»، 5/2/2015، موقع وكالة « رويترز»: http://cutt.us/VItXO

[29] « وزير الدفاع الأميركي: إستراتيجيتنا لقتال تنظيم الدولة سليمة»، 24/2/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/rAGT3

[30] صمويل بيرغرستيفن هادليجيمس جيفريدينيس روس, و روبرت ساتلوف: « العناصر الرئيسية لإستراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط»، نيسان/أبريل 2015، موقع «washingtoninstitute»، على الشبكة: http://cutt.us/6CBEk

[31] « آراء متباينة بالصحف الأميركية عن تقدم تنظيم الدولة»، 22/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:  http://cutt.us/bHmEe

[32] « صحف غربية تعتبر سقوط الرمادي فشلا لأميركا»، 20 /5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/5GXJ

[33] « البحث عن إستراتيجية في سوريا والعراق»، 20/6/2015، مرجع سابق.

* وحتى بانتزاعها ثانية من قبضة « الدولة» في ربيع العام 2016

[34] « واشنطن تعيد النظر في إستراتيجيتها بعد سقوط الرمادي»، 21/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:  http://cutt.us/EO3PO

[35] « ماكين: إدارة أوباما ليس لديها إستراتيجية للقضاء على “داعش”»، 24/5/2015، موقع صحيفة « الشروق» المصرية، على الشبكة:  http://cutt.us/ijt8y

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى