تقارير وإضاءات

الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية يشبه احتلال الصهاينة لفلسطين

الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية يشبه احتلال الصهاينة لفلسطين

إعداد أمل صلاح

أكد الناشط الحقوقي ومسؤول قسم أخبار تركستان الشرقية في مرصد الأقليات المسلمة، عبدالتواب محمد، أن تركستان الشرقية تعد عبر التاريخ الإسلامي ثغراً من ثغور الإسلام؛ متى ضعف هجم الأعداء على الدولة الإسلامية وتهددها الخطر، ومتى كان هذا الثغر قوياً منح دولة الخلافة مزيداً من القوة والاستقرار.

وذكر في حواره مع «المجتمع» أن الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية يشبه احتلال الصهاينة لفلسطين إلى حد كبير؛ ومن مظاهر ذلك التجاهل التام من أغلب دول العالم، وإجهاض أي قرار أممي ضد الصين، بالإضافة إلى الانقسام الداخلي سواء بين القيادة الأويجورية أو الفلسطينية.

هل يمكن أن تعطينا لمحة جغرافية عن موقع تركستان؟ وما أهميته؟

– تتكون لفظة تركستان من مقطعين؛ ترك وستان؛ وتعني «أرض الترك»، تقع غرب وشمال غرب الصين، ويحدها من الجنوب التبت وكشمير ومن الشرق الصين ومن الشمال منغوليا ومن الغرب كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، مساحتها نحو 1.800.000 كم2، يعمل السكان بالزراعة حول حوض نهر تاريم، وعلى سفوح الجبال، وعاصمتها مدينة أورومتشي، ومن مدنها قشقر (كاشغر) وتسمى «بخارى الصغرى»؛ لكثرة علمائها، وبها أيضاً محافظة خوتان وياركند، ويتكلم سكانها اللغة التركية واللغة المفروضة عليهم من قبل المحتل وهي الصينية، وتؤكد الأرقام اليوم أن عدد سكان تركستان الشرقية يتراوح بين 30 و35 مليون أويجوري، وهم من المسلمين السُّنة.

أما أهمية موقع تركستان فتتمثل في ثرواتها الطبيعية؛ إذ تمتلك احتياطياً ضخماً من النفط والغاز، إضافة إلى مناجم الفحم واليورانيوم والأحجار الكريمة النادرة.

متى دخل الإسلام تركستان؟ وكيف؟ 

– تضرب جذور الإسلام في بلاد التركستان منذ بدء الفتح الإسلامي على أيدي القادة العظام أمثال قتيبة بن مسلم الباهلي (88 – 96هـ) الذي ما إن فرغ من توطيد أركان الإسلام في تركستان الغربية حتى بادر إلى تركستان الشرقية وفتح بعض أجزائها، ومن بعده بدأت ثمار الاتصال الحضاري بين الإسلام والحضارات الأخرى الموجودة بالمنطقة.

ثم تحولت أفواج كثيرة من التركستان إلى الإسلام تحت قيادة زعيمهم ستوق بغراخان، خاقان الإمبراطورية القراخانية، عام 323هــ/ 943م، وقد أسلم معه ما يقارب مليون نسمة تقريباً، وضربت النقود باسم حفيده هارون بوغراخان الذي وسع رقعة مملكته لتشمل أجزاء من تركستان الغربية، كما ارتقت البلاد بعهده في النواحي الحضارية المختلفة، وكتبت اللغة التركستانية باللهجة الأويجورية لأول مرة بالحرف العربي؛ ما ساعد في انتشار القرآن الكريم أكثر، وكانت أوقاف المدارس تشكل خُمس الأراضي الزراعية في محاولة لنشر العلوم الدينية والمادية المختلفة.

تلقب هارون بن موسى بلقب شهاب الدولة وظهير الدعوة، ونقش هذا اللقب على النقود التي سُكت في عهده عام 332هـ/ 992م، ومارس القراخانيون المسلمون دوراً مهماً في نشر الإسلام بين القبائل، وضربوا العملة باسم الخليفة العباسي القادر، ودعوا له على المنابر في عموم تركستان.7-3-200.jpg

ثم كانت فتوحات السلاجقة والعثمانيين في الأراضي التابعة للدولة الرومانية هي التي أعادت تشكيل أجزاء واسعة من خريطة الشرق الأوسط وتركيا الحديثة.

وكانت تركستان الشرقية عبر التاريخ الإسلامي ثغراً من ثغور الإسلام؛ متى ضعف هذا الثغر هجمت الأعداء على الدولة الإسلامية وتهددها الخطر، ومتى كان الثغر قوياً منح دولة الخلافة مزيداً من القوة والاستقرار، والجدير بالذكر أن القبائل التركية تعتبر أبناء عمومة دولة الخلافة العثمانية وقتها.

مر الاحتلال الصيني لتركستان بعدة مراحل، كيف بدأ؟ وكيف كان رد الفعل التركي والعربي والإسلامي؟

– قامت بين المسلمين التركستانيين وحكام المنجو الصينية معارك دامية في عام 1759م، راح ضحيتها أكثر من مليون مسلم، وفرضوا سيطرتهم على تركستان الشرقية حتى عام 1862م، وقد شهدت تلك الفترة قيام شعب تركستان الشرقية بـ42 ثورة ضد احتلال منجو.

وفي ثورة عام 1863م نجح الشعب التركي المسلم بطرد حكام المنجو وإقامة دولة إسلامية مستقلة تحت زعامة يعقوب بك الذي استمر في حكمه 16 عاماً.

ونظراً للتوسع الروسي خلال عهد التسارست، تخوف البريطانيون من وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الروسي؛ فقدموا النصيحة والأموال لحكام منجو الصينية باحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية، وهاجمت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال زوزونغ تانغ تركستان، واحتلّتها عام 1876م، ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم “شينجيانج”، وفي 18 نوفمبر 1884م أعلنت الصين عن ضم تركستان الشرقية إلى إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها.

بعد تولي الحكومة الوطنية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911م، حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الاحتلال الأجنبي، فقاموا بعدة ثورات ونجحوا مرتين؛ الأولى عام 1933م، والثانية عام 1944م، حيث تمكنوا من إقامة دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية، إلا أنها (الدولة المستقلة) لم يُكتب لها الاستمرار، حيث إن موسكو لم تتردد في كلتا المرتين من إرسال قواتها البرية والجوية، والقيام بكل ما من شأنه القضاء على هذه الدولة الفتية؛ لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستكون داعمة لشقيقاتها بآسيا الوسطى في كفاحهم للتخلص من الشيوعية، وقتل الصينيون والروس أكثر من مليون مسلم.

مجدداً احتلت الصين تركستان الشرقية عام 1949م، ما طبيعة ذلك الاحتلال؟ وهل يشبه الاحتلال الصهيوني في فلسطين؟

– استقلت تركستان الشرقية مرتين؛ الأولى عام 1933م، والثانية عام 1944م، وما لبثت أن احتلتها الصين عام 1949م احتلالاً غاشماً يهدف إلى محو ثقافة وحضارة الأويجور، ونشر الثقافة الصينية بالعنف والقوة العسكرية.

يشبه الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية احتلال الصهاينة لفلسطين إلى حد كبير؛ حيث التجاهل التام من أغلب دول العالم، وذلك لمصالح اقتصادية وعلاقات وارتباطات مع الصين، كما يتم إجهاض أي قرار ضد الصين في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو مجالس حقوق الإنسان وغيرها من قبل الدول الداعمة للصين (كما يحدث مع فلسطين بالفعل).

ومؤخراً تم إجهاض قرار ضد الصين في قضية الأويجور بمجلس حقوق الإنسان، وللأسف شارك في تلك الجريمة عدد من الدول العربية والإسلامية.

كما تتشابه أيضاً مع القضة الفلسطينية في التاريخ والانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق المسلمين؛ فالمجازر المرتكبة في تركستان الشرقية لا تُحصى، وقد قدمت شهداء بمئات الآلاف، بل لن نبالغ إن قلنا: إن العدد تجاوز الملايين عبر سنوات الاحتلال الصيني الطويل.

ومن أوجه التشابه بين القضيتين أيضاً غياب القيادة وعدم توحدهم، وإن كان الأويجور أفضل حالاً من فلسطين، إلا أن في قضية تركستان الشرقية لا أحد يعترف بهم، رغم أن هناك بعض الدول التي تقدم لهم الدعم بشكل مباشر وغير مباشر.

ماذا تريد الصين تحديداً من تركستان الشرقية؟ وما التغيير الديموجرافي الأيديولوجي الذي تسعى إليه؟

– تريد الصين إخضاع تركستان الشرقية وأن تصبح إقليماً صينياً بالكامل، وهو ما يكافح شعب تركستان رفضاً له.

التغيير الديمجرافي هو محاولة إحداث تغيير في طبيعة السكان سواء من حيث الكثافة أو العدد؛ وهو ما تحاول الصين عمله عبر نقل السكان الهان (العرق الصيني) من شتى الأماكن بالصين إلى تركستان المحتلة بالترغيب عبر إعطاء الهان فرص عمل مغرية، ومحلاً للسكن، وامتيازات أخرى متعددة؛ وهو ما حدث بالفعل حيث أصبحت نسبة الهان داخل تركستان تقارب 40% بعد أن كان الأويجور يمثلون 95% من سكان تركستان الشرقية، وتلك من الجرائم الصينية المتعددة.

أما التغيير الأيديولوجي ومحاولة الصينيين تشويه عقيدة الأويجور المسلمين وتغييرها؛ فهو من أكبر جرائم الصين الشيوعية في تركستان عبر معتقلات إعادة التأهيل والتثقيف التي تعمل على محاربة الإسلام، وانتزاع الهوية الإسلامية للأويجور وثقافتهم وحضارتهم بكافة الطرق والوسائل.

كما تشن الصين حملة اعتقالات واسعة، شملت إلى الآن ما يقارب مليوني معتقل، حسب بيانات الأمم المتحدة وعدة منظمات حقوقية.

كما تحارب الصين الإسلام عبر منع الحجاب واللحية والجلباب وجمع وحرق المصاحف والكتب الدينية، كما تحكم على من يُضبط معه “مصحف” بالسجن من 15 – 25 عاماً، وقد وردتنا شهادات عدة لحالات مماثلة.

وارتكبت سلطات الاحتلال الصيني مؤخراً جريمة أخرى في سبيل إجبار الأويجور التخلي عن الإسلام وعاداتهم وتقاليدهم عبر إعطاء كل شخص أويجوري (من لم يتم اعتقاله في معسكرات الشيوعية) 500 يوان مقابل أن يتعهد بعدم الصلاة أو الصوم أو قراءة القرآن، ومن يرفض يعتقل في معسكرات إعادة التأهيل والتثقيف (الجحيم الصيني).

حتى شواهد القبور تم مسح الآيات القرآنية، وكتابة الأسماء بالصينية بدل الأويجورية، بالإضافة إلى إجبار المسلمين على أكل لحوم الخنازير، وشرب الخمر، وقص ملابس الأويجوريات بحجة أنها لا تناسب العصر الحديث!

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى