تقارير وإضاءات

الإسلام في أمريكا الجنوبية بين الماضي والحاضر

الإسلام في أمريكا الجنوبية بين الماضي والحاضر

إعداد د. ليلى حمدان

لا يزال الأمريكيون من أصول لاتينية الأكثر اعتناقًا للإسلام بعد الأفارقة في القارة الأمريكية؛ ولذلك علاقة وطيدة بتاريخ الإسلام في أمريكا الجنوبية.

وتشترك دول هذه المنطقة في تاريخ واحد لكونها وقعت في قبضة الاحتلال الإسباني لفترة طويلة من الزمن وبعد الاستقلال بقيت اللغة الإسبانية اللغة الرسمية في أمريكا الجنوبية، وأما الكاثوليكية التي حملها المحتل الإسباني لهذه الديار بقوة الحديد والنار، فلا تزال ديانة الأغلبية فيها.

ويتمركز العرق الأصلي لسكان المنطقة في الجمهوريات الست شمالًا، ويتلاشى في الجمهوريات الثلاث جنوبًا وهي الأرجنتين والأوروغواي والشيلي حيث تعرض لإبادة عرقية على يد المحتلين.

وتشير بعض الإحصاءات غير الدقيقة إلى أن نسبة المسلمين في جنوب أمريكا تصل لأكثر من أربعة ملايين [1] أغلبهم في الأرجنتين والبرازيل وسورينام وبنسب أقل في بقية الدول.

فنزويلا

أمريكا الجنوبية

تقع فنزويلا في الشمال الشرقي من جنوب أمريكا يحدها شمالًا البحر الكاريبي وغربًا كولومبيا وجنوبًا البرازيل وشرقًا غويانا. حين وصلها كريستوفر كولومبس في عام 903هـ (1498م) لقي سكانها الأصليون يسكنون فوق البحيرات، فأطلق الإسبان عليها اسم فنزويلا أو البندقية الصغيرة، واحتلوها منذ عام 905هـ (1500م) إلى1227هـ (1812م) وهو عام الثورة التي قادها شمعون بوليفار، ثورة المهاجرين الإسبان الذين استجلبهم المحتل لفنزويلا ثم انقلبوا عليه وحصلوا على الاستقلال بفضل الثورة في عام 1236هـ (1821م)، لكنه استقلال بقي في إطار كلومبيا الكبرى، حتى انفصلت البلاد بشكل كامل في سنة 1245هـ (1830م).

وترجع أصول السكان بنسبة 22% إلى الأصل الأوروبي بينما ثلث السكان من الهنود الحمر، والباقي أصول مختلفة، ويدين معظم الفنزويليين بالكاثوليكية مع وجود للبروتستانت والأورثودوكس واليهود والمسلمين.

تاريخ الإسلام في فنزويلا

وصل الإسلام إلى فنزويلا عن طريق الأندلسيين المسلمين الذين قضوا نحبهم في حملات المطاردة المسعورة للنصارى الكاثوليك، مع ذلك بقيت لهم بصمة في تاريخ هذه البلاد كما يؤكد ذلك اهتمام الكاتب الفنزويلي دون رفائيل دونقالس[2] بالعرب والمسلمين واعتزازه بهم في كل مؤلفاته.

وكما كان الحال في بقية بلدان القارة الأمريكية بدأ الإسبان في استجلاب آلاف العبيد المسلمين من قارة إفريقيا. أعقب ذلك الهجرات العربية التي توالت على المنطقة من بلاد الشام منذ أواخر القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، أغلبهم من النصارى العرب الذين تمكنوا مع الوقت من تقلد مناصب مهمة في البلاد. كما أقبل مسلمون مهاجرون من مناطق مجاورة كترينداد للاستقرار في فنزويلا.

ويسجل التاريخ إنشاء المسلمين في كراكاس العاصمة، لأول مركز إسلامي، حيث تأسست جمعية إسلامية باسم اللجنة التأسيسية لبناء مسجد فنزويلا في كراكاس، في سنة 1387هـ (1968م).

وعرف المسلمون التضييق الشديد على يد النظام الاشتراكي الفنزويلي كما كان حال إخوانهم في كوبا، لكن الوضع تغير بشكل لافت في السنوات الأخيرة حيث عرف المسلمون انفراجة سمحت لهم بتنظيم أنفسهم والنشاط بشكل أفضل.

ولم يختلف تاريخ المسلمين في فنزويلا عن تاريخ إخوانهم في بقية دول القارة الأمريكية من قتل ومطاردة لمسلمي الأندلس ثم اضطهاد وتنصير انتهى باندماج الأفارقة العبيد وتنصيرهم، فضاعت الهوية الإسلامية أمام هذه العواصف الحاقدة لكنها ما لبثت أن رجعت بقوة من جديد، لتزدان عاصمة البلاد كراكاس اليوم بثاني أكبر المساجد في أمريكا الجنوبية، وهو المسجد الإبراهيمي، الذي يتميز بأطول منارة في الأمريكيتين، وتحول لمركز نشط للدعوة للإسلام [3]. فضلًا عن الكثير من المصليات والجمعيات الإسلامية المنتشرة عبر المدن في فنزويلا وقد حظيت المؤسسات الإسلامية باعتراف الحكومة الفنزويلية.

كما شهد النشاط الإسلامي في هذه البلاد توفر نشاطات كتعليم اللغة العربية والإسلام وإصدار “التجمّع الإسلامي” الفنزويلي، مجلة باللغتين العربية والإسبانية.

ولا يمكن الجزم بالعدد الدقيق للمسلمين في فنزويلا كما هو حال المسلمين في أغلب دول العالم غير الإسلامية، إلا أن هناك تقديرات تشير إلى أن عددهم يصل إلى 350 ألف نسمة، حين كان عدد سكان فنزويلا 18 مليون نسمة، بينما وصل عدد سكان البلاد بحسب آخر إحصاء في عام 2018، إلى 28.87 مليون نسمة. ولا شك أن عدد المسلمين قد ارتفع بالتوازي.

ويتمركز المسلمون بشكل كبير في العاصمة كاركاس ثم في حوض نهر أورينكو، وحول بحيرة مراكيبو، وفي مدن مركاي، وبرشلونة، وبلنسية، وحاتورين، ولهم تأثير في المجتمع الفنزويلي.

من مشاكل المسلمين في فنزويلا

من مشاكل المسلمين في فنزويلا افتقادهم للدعم المادي، وضعف التواصل بين الجالية المسلمة مع العالم الإسلامي، فضلًا عن صعوبة الدعوة لله لغياب الأمن في فنزويلا، وصعوبة تجمع المسلمين الذين تشتتوا في البلاد، ويبقى أخطر ما يتهدد المسلمين في فنزويلا ضعف التزام أكثر المسلمين بتعاليم دينهم وسهولة ذوبانهم في المجتمع الفنزويلي مما أدى إلى تنصر بعضهم.

كولومبيا

أمريكا الجنوبية

ومن دول أمريكا الجنوبية، كولومبيا التي تحدها شرقًا فنزويلا وشمالًا البحر الكاريبي وبنما وغربًا المحيط الهادئ، وجنوبًا الإكوادور، والبيرو، والبرازيل.

تعرضت كولومبيا للاحتلال الإسباني في عام 914هـ (1509م)، وأطلق عليها اسم “غرناطة الجديدة” في عام 971هـ (1564م) وكانت مستعمرة تشمل كل من كولومبيا وبنما.

ثم ثار المهاجرون الإسبان الذين استجلبهم المحتل لهذه الأرض في عام 1225هـ (1810م) بقيادة شمعون بوليفار الذي أسس في عام 1234هـ (1819م) جمهورية كلومبيا الكبرى التي كانت تضم كولومبيا، وبنما وفنزويلا والإكوادور. ثم خرجت فنزويلا والإكوادور أما البقية فحملت اسم جمهورية غرناطة الجديدة ثم الاتحاد الغرناطي، ثم في عام 1277هـ (1861م) حملت اسم الولايات المتحدة الكولومبية، ليستقر اسمها بعد 25 سنة على اسم جمهورية كولومبيا.

وترجع أصول 20% من سكان البلاد إلى الأصل الأوروبي، والغالبية من خليط من أجناس مختلفة وقبائل أصلية وأخرى إفريقية. يدين أغلبهم بالكاثوليكية مع نسبة أقل للبروتستانت ويهود والمسلمين.

تاريخ الإسلام في كولومبيا

بنفس التسلسل التاريخي الذي عرفته فنزويلا وصل المسلمون إلى كولومبيا مبكرًا، وترك الوجود الأندلسي الآثار التي جذبت اهتمام الكولومبيين بحضارة الإسلام الماجدة، وهذا ما يفسر بروز خبراء بهذه الحضارة في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) من المفكرين الكولومبيين كالدون آزكيال آوريكواشا رغم القمع الكاثوليكي الذي عرفته البلاد، ولكن ما أن ارتخت قبضة القمع، حتى أظهر كبار الكتاب الكولومبيين إعجابهم واعتزازهم بالحضارة الإسلامية وتعلموا اللغة العربية وآدابها وكان منهم الكاتب دون روفينو خوزي كوارفو.

وتوالت الهجرات العربية لهذه البلاد ولم يختلف مصيرها عن سابقاتها من الهجرات الإسلامية في فنزويلا. كما عرفت استجلاب العبيد المسلمين وكان مصيرهم نفس مصير إخوانهم في بقية بلدان القارة.

ويقدر عدد المسلمين في كولومبيا بحوالي 80 ألف مسلم، حين كان عدد السكان الإجمالي 44 مليون نسمة، بينما وصل عدد السكان الكولومبيين بحسب آخر إحصاء في عام 1439هـ (2018م)، إلى 49.65 مليون نسمة ما يعني ارتفاع عدد المسلمين أيضًا.

وتأسس أول مركز إسلامي في عام 1413هـ (1993م)، على يد كولومبي اعتنق الإسلام قبل تاريخ بناء المسجد بثلاث سنوات يعرف باسم “خوليان أبرتوروزا أباتا” وهو مدير المركز في ذات الوقت.

كما تأسست الكثير من المؤسسات الخيرية والمنظمات الإسلامية والمساجد والمدارس، بعد أن كانت الجالية المسلمة تفتقد للمؤسسات الإٍسلامية مما يشير لحالة صحوة عرفتها المنطقة.

ويتركز أغلب المسلمين في العاصمة بوكوتا، وبرانكليا، وكالي، بينما تحتضن مياكو أكبر تجمع للمسلمين في كولومبيا حيث تبدو حياة هذه المدينة وكأنها بلدة عربية.[4]

من مشاكل المسلمين في كولومبيا

لقد اشتهرت كولومبيا بتجارة المخدرات والكوكايين بشكل يستعصي علاجه، وللأسف فقد انحدر في مستنقعها الكثير من المسلمين في كولومبيا، فكانت آثارها مدمرة عليهم وعلى أبنائهم، يدفعهم لذلك الفقر والحاجة وضعف مصادر الدخل.

كما شهدت البلاد إقبال المسلمين على الزواج من غير المسلمات مما يهدد الجالية الإسلامية بالذوبان في المجتمعات الكولومبية، هذا دون الحديث عن عداء بعض المتطرفين من النصارى الذين لا يترددون في تضييق الخناق على حياة المسلمين وإيذائهم.

وقد تنصر عدد من المسلمين بسبب غياب التعليم الإسلامي والدعوة لله، وندرة المساجد والكتب الإسلامية المترجمة، ولحق أكثر الأبناء بدين أمهاتهم النصرانيات؛ وهو تهديد يشترك فيه المسلمون في أمريكا اللاتينية.

ويستهدف أبناء المسلمين في كولومبيا مشاريع التنصير بكافة أشكالها وإغراءاتها، فضلًا عن تأثير العداء اليهودي الذي يسعى لدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق المسلمين في كل مكان.

الإكوادور

وفي جنوب أمريكا تقع الإكوادور يحدها شمالًا كولومبيا وشرقًا وجنوبًا البيرو وغربًا المحيط الهادي. وبقيت الإكوادور تحت حكم الإمبراطورية الأنكوية حتى احتلها الأسبان سنة 938هـ (1532م)، ونالهم ما نالهم من أذى الاحتلال الذي كان منه ارتفاع حاد في عدد الوفيات بين السكان الأصليين بسبب الأمراض المعدية الجديدة التي جاء بها المحتل الأوروبي وذلك خلال العقد الأول من احتلاله للإكوادور، لكن ما لبث السكان أن ثاروا على الإسبان في عام 1224هـ (1809م) لينضموا إلى دولة كولومبيا الكبرى مع فنزويلا وكولومبيا وبنما، وفي عام 1245هـ (1830م) استقلت البلاد بشكل كامل، لكنها وقعت في متلازمة الانقلابات.

ويرجع أصل السكان الإكوادوريين إلى الأصل الأوروبي بنسبة عشر العدد الإجمالي للسكان، والبقية من أصل إفريقي وأصول محلية مختلفة، يدين أغلبهم بالكاثوليكية مع حضور بروتستانتي ويهودي وإسلامي.

تاريخ الإسلام في الإكوادور

تاريخ الإسلام في الإكوادور نسخة عن تاريخه في فنزويلا وكولومبيا. ويعيش المسلمون في منطقة العاصمة كيتو، وفي الميناء الرئيس جواكيل، ويتوزع البقية بنسب أقل على مانابي ولوس ريوس وإزميرالدس.

وتشير بعض التقارير إلى أن عدد المسلمين يصل إلى حوالي 3 آلاف و500 مُسلم.[5] وتأسَّس مسجد خالد بن الوليد في عام 1411هـ (1991م)، بعد فترة من التشتت وضعف التنظيم الإسلامي، كما تم تأسيس المركز الإسلامي الإكوادوري في عام 1414هـ (1994م).

وبرز مع حركة الدعوة الإسلامية د.يحيى خوان سوكيلي  وزوجته د.ليلى بقيادة كيان دعوي يخدم الأقليَّة المسلمة وينشر رسالة الإسلام.

وقد أدرج اسم د. يحيى وزوجته في قائمة “أكثر 500 مسلم مؤثِّرًا في العالم” لعام 1430هـ (2009م)، والذي يعود لمجهوده وزوجته في أعمال الترجمة في وقت لم تكن تتوفر فيه أيَّة مطبوعات باللغة الإسبانيَّة تتحدَّث عن الإسلام آنذاك.

وقد أثرت أحداث 11 سبتمبر 2001م (1421هـ) إيجابيًّا على أوضاع المسلمين في الإكوادور حيث يرى المسؤولون عن المركز الإسلامي بالإكوادور أن هذه الأحداث وما تلاها من حملات تشويه لصورة الإسلام والمسلمين أدَّت إلى تزايد عدد المتردِّدين على المركز الإسلامي من غير المسلمين للاستفسار عن حقيقة الإسلام، وكان معظمهم من طلاب الجامعات ورجال الإعلام والمثقفين، واعتنق عددٌ كبيرٌ منهم الإسلام بعد ذلك.[6]

ومن مشاكل المسلمين في الإكوادور حاجتهم لدعم دعوي كبير مع توفير المزيد من الكتب الإسلامية باللغة الإسبانية وترجمة معاني القرآن الكريم إلى هذه اللغة ونشر الوعي بين أبناء المسلمين.

البيرو

أمريكا الجنوبية

وفي جنوب أمريكا تقع البيرو وتحدها شرقًا بوليفيا والبرازيل وشمالًا كولومبيا والإكوادور وغربًا المحيط الهادي وجنوب الشيلي. عرفت هذه البلاد كمركز حضارة عظيمة وإمبراطورية كبيرة هي إمبراطورية الإينكاس، وعاصمتها كوزكو، لكنها تعرضت للاحتلال الإسباني بقيادة بيزارو سنة 938هـ (1532م)، فنهب البلاد واستعبد سكانها واندلعت الحرب بينهما سجالًا إلى سنة 950هـ (1544م)، تاريخ إعلان إسبانيا رسميًا الإمبراطورية بما فيها البيرو مستعمرة تابعة لها.

ولم تهدأ البلاد حتى قامت ثورة في عام 1236هـ (1821م) أعلنت فيها البيرو استقلالها عن إسبانيا، ولم يعترف بهذا الاستقلال الإسبانيون إلا في عام 1239هـ (1824م) بعد حرب طاحنة.

لكن بعد فترة من الاستقلال، نشبت الحرب بين الشيلي والبيرو استمرت لخمس سنوات من القتال وانتهت بهزيمة البيرو واحتلال الشيليين لمناطق واسعة منها في عام 1296هـ (1879م).

ثم في سنة 1347هـ (1929م) أرجعت الشيلي بعض هذه المناطق، وفي عام 1387هـ (1968م)، قاد الجنرال خوان بلاشقو البرادو ثورة انتهت بتقلده منصب رئاسة الجمهورية.

وترجع أصول حوالي 50% من شعب البيرو إلى شعب الإينكاس والباقي إلى أصول مختلفة منها الإسبانية. ويدين أغلبهم بالكاثوليكية مع حضور بروتستانتي وبعض الآلاف من الديانات الأخرى، منهم المسلمون والبهائيون.

تاريخ الإسلام في البيرو

وصل الإسلام البيرو بنفس الطريقة التي وصل إلى غيرها من دول أمريكا اللاتينية، بداية من الأندلسيين ثم الأفارقة العبيد ثم الهجرات التي كان منها هجرات من بلدان جنوب أمريكا المجاورة.

ويحتل التاريخ الإسلامي جزءًا لا يتجزأ من صميم حضارة البيرو، يظهر أثره بحضور التاريخ الأندلسي في كتابات المؤلفين البيرويين، ومن ذلك ما نشره كاتب البيرو الكبير دون ريكاردو وهي قصة بعنوان “افعل الخير ولا تبالي” واستشهد فيها الكاتب بحياة الأمير إبراهيم جد الأمير الأموي مروان الثاني كمحور أساسي لقصته، عن فضل التسامح والكرم لدى العرب.

ومن أبرز معالم الحضارة الإسلامية في البيرو الطراز المعماري الأندلسي الذي يميّز مساكن العاصمة ليما، وكأنها شوارع قرطبة أو أشبيلية.

لقد بقيت الهندسة المعمارية شاهدًا على الدور الحضاري للمسلمين في البيرو الذي انعكس على النظم الاجتماعية وحتى في طريقة اللباس وأسلوب الطعام. وهو دور زاد عمقًا مع الهجرات العربية في بداية القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي) عقب انهيار الدولة العثمانية وبشكل أكبر بعد احتلال فلسطين عام 1367هـ (1948م) وتهجير أهلها قسرًا فتشتتوا في العالم يبحثون لهم عن مقام للعيش.

ويصل عدد المسلمين في البيرو إلى أكثر من 5 آلاف مسلم بمستوى اقتصادي جيد، ويعيش معظم المسلمين في العاصمة ليما، ورغم قلة عددهم؛ يبقى تأثيرهم يفوق حجمهم، وينعكس ذلك في تخصيص السلطات لهم ساعات بث يومية باللغة العربية على إذاعة ليما؛ وذلك للتعريف بالإسلام.

وينشط المسلمون من ذوي الأصول الباكستانية في تجارة السيارات المستعملة بمدينة تاكنا جنوبي البيرو، وفي نفس الوقت يجتهدون في نشر الإسلام عبر مسجد لهم يعرف بمسجد باب الإسلام.[7]

واشتهر الأستاذ رفائيل قبارة بازان رئيس المعهد البيروني للدراسات الإسلامية بليما لكونه من المختصين في الوجود الإسلامي بجنوب أمريكا في الماضي والحاضر، وهو ممن يقدر الحضارة الإسلامية ويؤكد في خلاصاته على أن العرب الأندلسيين وصلوا إلى القارة قبل غيرهم من الأوروبيين.

من مشاكل المسلمين في البيرو

رغم أن للمسلمين قدم سبق في البيرو إلا أنهم في مرمى أهداف حملات التنصير التي لا تهدأ. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من ألف مسلم في البيرو يتحولون عن الإسلام بسبب الحملات التنصيرية التي تستهدفهم. وذلك بسبب قلة المساجد والمدارس والدعاة وضعف المؤسسات الإسلامية وضعف تنظيمها، لدرجة أن المسلمين يدفنون موتاهم في مقابر النصارى.

وفي وقت يقبل فيه غير المسلمين على الإسلام تفتقد البيرو لحركة دعوية تليق بهذا الإقبال.

بوليفيا

تقع بوليفيا في جنوب أمريكا وتحدها شرقًا وشمالًا البرازيل وغربًا الشيلي والبيرو وجنوبًا الباراغواي والأرجنتين، ولا تملك ساحلًا على البحر.

وظلت بوليفيا طويلًا كجزء من إمبراطورية الإينكاس إلى أن احتلها الإسبان في عام 944هـ (1538م) وبقيت تحت وطأة الاحتلال حتى ثارت في عام 1224هـ (1809م)، ونجحت ثورتها في عام 1240هـ (1825م)، فاستقلت البلاد واستمرت كذلك حتى عام 1879هـ (1879م)، تاريخ اندلاع الحرب بين الشيلي وبوليفيا والتي انتهت بهزيمة بوليفيا وخسارتها لمساحة كيرة من أراضيها على ساحل المحيط الهادي لصالح الشيلي.

وخسارة أخرى عرفتها بوليفيا لصالح البرازيل بتنازلها عن أراضي شاسعة في عام 1322هـ (1904م)، ثم التخلي على أراضي أخرى لها في حربها مع الباراغواي في عام 1350هـ (1932م).

وتعود أصول السكان بنسبة 54% إلى قبائل بوليفية أصيلة، والبقية مختلفة منها الأوروبية. ويدين أغلبهم بالكاثوليكية مع حضور للبروتستانت وآخر لليهود والمسلمين.

تاريخ الإسلام في بوليفيا

أمريكا الجنوبية

دخل الإسلام إلى بوليفيا منذ القرن الخامس الهجري (11 الميلادي) يحمله الأفارقة في وقت مبكرًا جدًا قبل وصول الأوروبيين، فأصبح الإسلام أول دين سماوي عرفته هذه المنطقة حيث أُعجب الهنود الحمر وهم السكان الأصليون للبلاد، بأخلاق المسلمين وصدق معاملتهم وتوطدت العلاقات بينهما بالزواج والمصاهرة، وعاش الجميع في سلام واستقرار تحت ظل إمارات بنظام إسلامي، نشأ معها جيل جديد من المسلمين الذين حفظوا القرآن الكريم، وأدوا شعائر دينهم الحنيف.

لكن مصير هؤلاء المسلمين كان ذات مصير إخوانهم في معظم الدول الأمريكية بالتصفية العرقية على يد الإسبان، فأخفى كثير من المسلمين إسلامهم للنجاة بأرواحهم. وظلوا يعبدون الله بسرية تامة. في حين استسلم عدد منهم لقمع الكنيسة الكاثوليكية فتنصروا.

وكما تسلسلت الأحداث في دول القارة اندثرت الأجيال المسلمة الأولى حتى انتعش الإسلام من جديد بالهجرات العربية إلى بوليفيا في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)، وتشير الروايات التاريخية إلى أقدم مهاجر مسلم هو “إسماعيل عقيلي” من أصل فلسطيني، هاجر إليها في سنة 1339هـ (1920م).

ثم تمكن المسلمون من تسجيل أول مؤسسة إسلامية بوليفية باسم المركز الإسلامي البوليفي، في مدينة سانتاكروز، في عام 1409هـ (1989م)، الذي حظي باعتراف حكومي. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المسلمين في بوليفيا يبلغ حوالي 15 ألف مسلم وأغلبهم في مدينة سانتا كروز ومدينة لاباز.[8] في نمو سريع يؤكد الباحثون على أنه لا يزال مستمرًا.

وتتوفر العديد من المراكز والجمعيات الإسلامية مع وضع عام للمسلمين في تحسن، ففي لقاء سابق مع عمرو كيفيدو- مدير المركز الإسلامي في بوليفيا- قال: إن أحوال المسلمين في الدولة تتحسن شيئًا فشيئًا. وأكد على أن أعداد المسلمين من أصل بوليفي في تزايد مستمر، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مشيرًا إلى أن المسلمين ذوي الأصل البوليفي يتفوقون على أقرانهم المهاجرين بنشاطهم الدعوي، كما يتركز غالبية المسلمين في مدينتي سانتاكروز ولاباز.

وأضاف عمرو كيفيدو: قد كانت الجهود الدعوية للمركز الإسلامي البوليفي أسفرت عن اعتناق عدد من كبار الشخصيات البوليفية للإسلام، منهم سفير بوليفيا في مصر، وعبد المؤمن أحمد، ابن قنصل بوليفيا السابق في المملكة المغربية.[9]

من مشاكل المسلمين في بوليفيا

رغم حركة الإقبال على الإسلام وارتفاع نسبة المسلمين يعيش هؤلاء تحديات كبيرة من أجل الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، بسبب وطأة الكاثوليك الحاقدين ثم تصاعد ملحوظ في نسبة البروتستانت الإنجيليين الذين يعرفون بعدائهم الشديد للإسلام والمسلمين، وعلاقاتهم القوية مع اليهود الذين يهيمنون على الاقتصاد والإعلام ويديرون حملات تشويه للإسلام.

يضاف لذلك ضعف التزام المسلمين بدينهم وانجرارهم خلف عادات غير المسلمين بسبب المدارس المشتركة والزواج من غير المسلمات.

يزيد من عمق هذه المشاكل افتقاد الحركة الدعوية للكتب الإسلامية المترجمة من العربية والإنجليزية إلى الإسبانية، والدعاة الناطقين باللغة الإسبانية وضعف التواصل مع المراكز الدعوية في العالم الإسلامي.

الشيلي

أمريكا الجنوبية

ومن دول جنوب أمريكا، الشيلي، تحدها شمالًا البيرو وشرقًا بوليفيا، والأرجنتين وغربًا المحيط الهادي. وعلى غرار البيرو كانت الشيلي تابعة لإمبراطورية الإينكاس، ثم وقعت في قبضة الاحتلال الإسباني في عام 946هـ (1540م) إلى أن قامت ثورة في عام 1225هـ (1810م)، قادها المهاجرون ضد المحتل الإسباني، انتهت باستقلال الشيلي في عام 1233هـ (1818م).

وأعقب هذا الاستقلال الحروب بين شيلي وبوليفيا والبيرو كما أسلفنا في عام 1251هـ (1836م) وعام 1296هـ (1879م)، تّوجتها الشيلي بالانتصار، وفرض سيطرتها على مناطق شاسعة من البيرو وبوليفيا.

وفي عام 1390هـ (1970م) سيطر على حكم الشيلي، أجندي، رئيس الحزب الماركسي بما يسمى الطرق الديمقراطية لكن الجيش ثار عليه في عام 1393هـ (1973م) وتعطّل العمل بدستور البلاد.

وتعود أصول الشيليين إلى أهل البلاد الأصليين والإسبان بنسبة 66% من مجموع السكان، والبقية من أصول مختلفة منها الأوروبية. يدين أغلبهم بالكاثوليكية وبشكل أقل بالبروتستانتية والأورثوذكسية واليهودية، والإسلام، والبهائي، وغيرها.

تاريخ الإسلام في الشيلي

أمريكا الجنوبية

مسجد النور في شيلي.

تابع الإسلام في الشيلي نفس منحنى أحداثه في بقية دول أمريكا الجنوبية وقد أثرت الحضارة العربية الإسلامية في الأدب الشيلاني منذ وصول الموركسيين مع سفن الاحتلال الإسباني.

 ويُعد بدرو برادو من أشهر أدباء الشيلي الذين تأثروا بالأدب العربي، ظهر ذلك التأثير بتطبيقه للقافية العربية على الشعر الإسباني ونشر ديوان باسم أفغاني مستعار، وهو رضائي روشان سنة 1339هـ (1921م) كما احتوى الفن الشعبي في شيلي الكثير من القصص العربية.

وتقدر الإحصائيات عدد المسلمين في شيلي بحوالي 4000 مسلم يمثلون أقل من 0.1% من إجمالي عدد السكان. وكان يُبث في الشيلي برنامج اسمه صوت فلسطين، ومجلة شهرية باسم “فلسطين وطن الشهيد” وتوفقت في عام 1386هـ (1967م).

وتعيش أغلب الجالية المسلمة في العاصمة سانتياجو، ومدينة إكيكي، ومدن أخرى. ويوجد للمسلمين عدد من المساجد، من أبرزها مسجد السلام بالعاصمة والذي تم بناؤه في عام 1408هـ (1988م)، وافتُتِح أمام المصلين في عام 1416هـ (1996م). وتتوفر مؤسسات إسلامية ومساجد متعددة لخدمة الجالية المسلمة في شيلي.

ومن جهود المسلمين في التنسيق بين المراكز الإسلامية في أمريكا الجنوبية المؤتمر الذي عقدته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بالتعاون مع المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية، والذي جمع بين رؤساء المراكز والجمعيات الثقافية في أمريكا اللاتينية في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس في شهر مايو 1430هـ (2009م)، انتهى بصياغة استراتيجية للعمل الثقافي العربي والإسلامي في بلاد المهجر لحفظ الهوية الإسلامية وتعزيز الدعوة.[10]

مشاكل المسلمين في شيلي

ويعاني المسلمون في شيلي من الوضع الاقتصادي المتدني، وانتشار البطالة، ثم كثرة زواج الشباب من غير المسلمات مما يهدد مستقبل النشء فضلًا عن الانفلات الأمني الذي تعاني منه الحكومة الشيلية وفساد منظومتها.

يضاف لذلك ضعف التزام المسلمين بدينهم وجهل الكثير منهم تعاليمه وقيمه. وضعف النشاط الدعوي، وأدواته، ووسائله، ودعاته. والافتقار لمدارس ومناهج لمختلف المستويات التعليمية الإسلامية.

الأرجنتين

أمريكا الجنوبية

تقع الأرجنتين في جنوب أمريكا، يحدها شمالًا البارغواي وبوليفيا وغربًا الشيلي وشرقًا البرازيل والأوروغواي والمحيط الأطلسي. وصل إلى شواطئها البحار الإسباني خوان دياس دو سولينس في عام 922هـ (1516م) وهو الذي أطلق اسم نهر الفضة على نهر بوينوس آيرس.

أعقب وصول خوان وصول آخر لإسباني يدعى بدرو دومندوسا في عام 942هـ (1536م) يرافقه 1300 مهاجر فأسسوا مدينة بوينوس آيرس ومعنى اسمها “الأجواء الطيبة”، ثم ما لبثت أن ألحقت أراضي الأرجنتين بمستعمرة البيرو الإسبانية إلى غاية عام 1026هـ (1617م) تاريخ تحويل البلاد لمستعمرة منفصلة تحت اسم نهر الفضة، أو ريو دي لابلاتا.

واحتلت هذه المستعمرة أهمية كبرى لدى الإسبان، حيث تحولت لمقر نائب الملك الإسباني في عام 1190هـ (1776م)، ولكن بعد حرب طويلة قادها السكان ضد إسبانيا استقلت البلاد في عام 1231هـ (1816م)، وألحقت قوات الثوار بقيادة الجنرال خوزي دو سان مارتين الهزيمة النكراء بالجيش الإسباني في عام 1233هـ (1818م).

شهدت بعد ذلك الأرجنتين توافد المهاجرين عليها خاصة في القرنين 13 و14هـ (19 و20م). وترجع أصول الشعب الأرجنتيني في غالبها لأصول إسبانية ثم إيطالية ثم عربية مع قلة من السكان الأصليين الذين نسي أغلبهم لغتهم وحضارتهم. ويدين أغلب السكان بالكاثوليكية ومنهم بروتستانت وأرثودكس ويهود ومسلمين.

تاريخ الإسلام في الأرجنتين

أمريكا الجنوبية

كان الأندلسيون أول من وصل من المسلمين لأرض الأرجنتين، لكنهم بفعل الاضطهاد الكاثوليكي والمطاردة تلاشى إسلامهم، مع ذلك ظهر العديد من الكتاب الأرجنتينيين الذين يتفاخرون بأصولهم العربية الأندلسية، كالكاتب دومينغو سارميانتو، الذي كان يعتز بأصله العربي كسليل بني الرزين من شرق الأندلس، ولم ينكسر لحملات الشيطنة التي لحقت به جراء تصريحاته، ولم يكن لوحده يعتز بذلك فقد أثرت الحضارة الأندلسية على الكثير من الأدباء الأرجنتينيين.

كما يعتقد الكثيرون أن الرعاة القاوشو في بوادي الأرجنتين ترجع أصولهم للمسلمين من الأندلس، ولا تزال مجتمعاتهم تحافظ على الكثير من القيم العربية.

وتمامًا كما عرفت بقية البلاد اللاتينية الهجرات العربية، توالت هذه الأخيرة على الأرجنتين من أرض الشام في أواخر القرن 13هـ (19م) وبشكل لافت بعد التوترات التي وقعت في جبل لبنان بين الدروز والمارونيين.

وفي الوقت الذي وصل فيه المهاجرون العرب الأوائل بغالبية نصرانية في سنة 1297هـ (1880) كان العنصر العربي يعد من أهم مكونات الشعب الأرجنتيني.

وواصل المسلمون هجرتهم للأرجنتين خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية، واحتلال القوات الإنجليزية والفرنسية لبلاد الشام، واستمر الحال كذلك مع الحرب العالمية الثانية إلى العصر الحديث.

ولقي المسلمون المهاجرون الأوائل الكثير من الأذى والاضطهاد على يد النصارى العرب، مما أجبر الكثيرين منهم على إخفاء إسلامه.

وتشير الأرقام إلى أن عدد المسلمين في الأرجنتين يصل إلى مليون مسلم، لكن درجة التزام أغلبهم ضعيفة. ويعتبر المسلمون في الأرجنتين من أكبر أقليات المسلمين في أمريكا اللاتينية.

ولدى المسلمين مركزًا إسلاميًا في بوينس آيرس أُسِّس في عام 1412هـ (1992م)، يقدم خدمات التعليم باللغة العربية والندوات والمحاضرات، إضافة إلى إجراء عقود الزواج وفق نظام الشريعة الإسلامية.

وكان الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم من المسلمين سابقًا، ولم يعتنق الكاثوليكية إلا عندما أراد الترشح للرئاسة؛ لأن الكاثوليكية شرط أساسي للحكم في الأرجنتين.[11]

ويتوفر للمسلمين أيضًا الجمعية العربية الأرجنتينية الإسلامية في العاصمة والتي توفر التعليم الإسلامي في مراحل الروضة والابتدائية حتى الثانوية.

ويتواجد أغلب المسلمين في مدينة بوينس آيرس وفي مدينة روزاريو ويتوزعون بنسب أقل على “توكومان” و”بوكوتا” و”قرطبة” و”مندوسا” وغيرها من المدن.

كما يتوفر للمسلمين الكثير من المراكز والمؤسسات الإسلامية إضافة إلى الكثير من الجامعات والمدارس. ويوجد في الأرجنتين أكبر مسجد وهو مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي الذي تم تشييده في عام 1416هـ (1996م) في منطقة باليرمو ببوينس آيرس. فضلًا عن عدد من المساجد الأصغر منه.

من مشاكل المسلمين في الأرجنتين

أمريكا الجنوبية

مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي في الأرجنتين.

يفتقد المسلمون في الأرجنتين على عددهم الكبير تواصلًا جادًا مع العالم الإسلامي، ويعانون من ضعف الوعي الديني، كما ينقصهم الدعاة الناطقين باللغة الإسبانية، والكتب ومعاني القرآن المترجمة للغة نفسها. ولعل أكبر تحدي يهدد المسلمين في الأرجنتين هو تنامي النفوذ الكاثوليكي والصهيوني في المجتمع الأرجنتيني.

كما أصبح المد التنصيري خطرًا حقيقيًا على أبناء المسلمين؛ بسبب قوة ونفوذ المنظمات التنصيرية التي استغلت ضعف الحركة الدعوية الإسلامية، وسوء الأوضاع المعيشية لدى المسلمين.

ومع تزوج الشباب المسلم بغير المسلمات خرج جيل لا يعرف من الإسلام إلا اسمه.

البارغواي

وفي جنوب أمريكا تقع الباراغواي، تحدها شرقًا البرازيل وشمالًا بوليفيا وغربًا وجنوبًا الأرجنتين. يسجل التاريخ أول غزو إسباني للباراغواي في عام 932هـ (1526م)، وسيطر عليها الرهبان اليسوعيون وبقوا فيها إلى أن طردتهم إسبانيا سنة 1180هـ (1767م)، ثم شهدت البلاد في عام 1226هـ (1811م) ثورة عارمة على الإسبان انتهت بطردهم وإعلان الاستقلال.

لكن تعرضت هذه البلاد اللاتينية لحرب شرسة حين تحالف ضدها البرازيل والأروغواي والأرجنتين في عام 1280هـ (1864م)، فقتل نصف سكانها وتسعة أعشار رجالها.

ثم دخلت الباراغواي حربًا شرسة أخرى مع بوليفيا في عام 1350هـ (1932م)، انتهت ببسطها السيطرة على مساحات كبيرة من منطقة الشاكو. أغلب سكان الباراغواي من الكاثوليك ويوجد بروتستانت ويهود ومسلمين.

تاريخ الإسلام في الباراغواي

بنفس الفصول التي مرت على تاريخ الإسلام في الدول اللاتينية كانت تطورات الحضور الإسلامي في الباراغواي الذي انتهى باستقرار الجالية المسلمة وانتظامها بمؤسسات إسلامية.

ويقدر عدد المسلمين في باراغواي بحوالي 20 ألف مسلم يقيمون في المدن الرئيسة، في مقدمتها العاصمة أسونسيون بينما يتمركز أكبر تجمع للمسلمين في منطقة المثلث الحدودي، عند تلاقي الحدود بين باراغواي والبرازيل والأرجنتين، وهي منطقة بديعة تزينها الشلالات، تعتبر من أجمل مناطق العالم.

ولا يزال عدد المسلمين في تصاعد بسبب الزيادة الطبيعية والهجرات واعتناق الباراغويين للإسلام.

وسبق أن تقدم المسلمون في عهد الرئيس ستروسنر بطلب رخصة للعمل الإسلامي، ولكنه رفضها فأعادوا تقديم الطلب في عهد الرئيس رودريجز فسمح لهم بممارسة الشعائر الإسلامية بالباراغواي تحت اسم “المركز الإسلامي بالباراغواي” في عام 1411هـ (1991م).

ولدى المسلمين المركز الخيري الثقافي الإسلامي الذي تم إنشاؤه في العاصمة سنة 1410هـ (1990م)، إضافة لعدد من المساجد والمصليات.

وتتميز مجتمعات المسلمين في باراغواي بتبادل الزيارات والحضور الاجتماعي القوي في المناسبات المختلفة، واستمرار المظاهر العربية والإسلامية في الشوارع من محلات ومطاعم ومدارس ومساجد كأنها في بلد عربي مع ازدياد الإقبال على المساجد.

ويواصل المسلمون جهودهم لتأصيل هويتهم العقائدية وسط مجتمع باراغواي بكل الوسائل الممكنة. حيث تمكنوا من توفير مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وإنشاء أول قناة تلفزيونية إسلامية في أمريكا الجنوبية تبث برامجها الإسلامية لمدة خمس ساعات يوميًا باللغة العربية ويصل إرسالها إلى المسلمين في البرازيل والأرجنتين.

من مشاكل المسلمين في باراغواي

من مشاكل المسلمين في هذه البلاد، حاجتهم للمدد الدعوي بتزويدهم بالمصاحف وترجمات معاني القرآن الكريم باللغة الإسبانية والكتب الدينية المترجمة إلى هذه اللغة فضلًا عن الدعاة الناطقين بها، والمدارس الإسلامية لصيانة النشء لحمايته مما يتربص به من خطر الذوبان في المجتمع الباراغواي.

يضاف لذلك الحاجة لدعم المشاريع الاقتصادية في سبيل تغطية تكاليف الدعوة ونفقات القناة التلفزيونية الإسلامية. وتعتبر بلاد باراغواي أرضًا خصبة للإسلام في أمريكا الجنوبية حيث يقبل سكانها على الإسلام بشكل مستمر.

الأوروغواي

وفي جنوب أمريكا تقع الأوروغواي، تحدها شمالًا البرازيل، وغربًا مع الأرجنتين نهر الأوروغواي، وجنوبًا خليج نهر الفضة وشرقًا المحيط الأطلسي.

احتل الإسبان الأوروغواي في عام 922هـ (1516م)، ثم احتلها البرتغاليون في عام 1091هـ (1680م) ليسترجعها منهم الإسبان في عام 1192هـ (1778م) لكنه احتلال انتهى بطرد الأوروغوايين لهم في عام 1226هـ (1811م).

ثم غزا البرتغاليون الأوروغواي مرة أخرى في عام 1231هـ (1816م) واستمر احتلالهم لها حتى عام 1245هـ (1830م) تاريخ استقلال البلاد بمساعدة الأرجنتين لها. لكن الأوروغواي عاشت في اضطراب مستمر إلى آخر القرن الماضي. أغلب سكانها من العناصر الأوروبية، يدينون الكاثوليكية ثم البروتستانتية مع وجود لليهود.

تاريخ الإسلام في الأوروغواي

تشابهت الظروف التي صاحبت وصول المسلمين لأرض الأوروغواي تلك التي رافقتهم في أراضي أمريكا، بداية مع الموريسكيين ثم استجلاب الأفارقة عبيدًا ثم توالي الهجرات من العالم الإسلامي.

ويقيم المهاجرون المسلمون في القطاع الشمالي من البلاد، وينتشرون في مناطق عديدة أهمها العاصمة، وفرجوي، وريفيرا، وليبرا منتو، وجاكوارن.

تميز تنظيم المسلمين بالضعف، نظرًا لقيامه على الجهود الفردية والتمويل الذاتي، مع ذلك برزت عدة مؤسسات ومراكز إسلامية. وتشير إحصاءات قديمة بعد انهيار الدولة العثمانية لوجود 15 ألف عربي منهم ألف مسلم من الهجرة القديمة في حالة من الاندماج يرثى لها.

من جانبها أكدت صحيفة “لاريبوبليكا” اليومية الإسبانية أن زيادة انتشار الدين الإسلامي في “أوروغواي” يرجع إلى نشاط مؤسسة “الإسلام صديق” الذي تطور خلال العام الماضي على نفقة منسق المؤسسة “بيدروريباس”. ولدى المؤسسة راديو لها على شبكة الإنترنت باسم “هنا الشعوب”، ومنشورين هما: صحيفة “الطريق الثالث”، وصحيفة “الشعوب”، ووكالة أخبار باسم “إندام إسلام بريس”.

من مشاكل المسلمين في الأوروغواي

يتهدد المسلمين في الأوروغواي المد التنصيري الذي تقوده المنظمات التنصيرية مستغلين غياب الثقافة الإسلامية الصحيحة والأوضاع الاقتصادية الصعبة. والتنظيمات الإسلامية الفردية والحاجة للوسائل الدعوية والدعاة الناطقين باللغة الإسبانية فضلًا عن الحاجة لتوفير الترجمات اللازمة لمعاني القرآن والكتب الإسلامية، كما تشكل الدعاوى الضالة كالأحمدية المعادية للإسلام خطرًا آخر إضافة لخطر الزواج المختلط.[12]

البرازيل

أكبر دولة في جنوب أمريكا هي البرازيل، تشغل نصف المنطقة من حيث المساحة ومن حيث عدد السكان. وسميت بالبرازيل نسبة إلى خشب من نوع يسمى البرازيل يتواجد على شواطئها.

احتلت البرتغال البلاد في عام 936هـ (1530م) وأرسلت المهاجرين إليها لتأسيس أول مدينة لها في هذه الأرض سمتها سانتوس، ثم استجلب البرتغاليون الأفارقة عبيدًا بأعداد هائلة حيث تشير الإحصائيات إلى أن عددهم يقدر بستة ملايين بين سنتي 956هـ و1266هـ (1549م و1850م).

وبعد احتلال إسبانيا للبرتغال أصبحت البرازيل تابعة لها، ثم بعد الانفصال عنها سنة 1176هـ (1763م)، لحقت البرازيل بالبرتغال وحولت عاصمتها من بهية إلى ريو دي جنيرو، أي نهر يناير التي تأسست في عام 972هـ (1565م).

كما احتل نابليون البرتغال في عام 1222هـ (1807م)، فانتقل ملك البرتغال إلى البرازيل ثم عاد إلى بلده في عام 1236هـ (1821م) لكنه ترك خلفه ولي عهده فأعلن استقلال البرازيل عن البرتغال سنة 1237هـ (1822م) وأطلق على نفسه اسم الإمبراطور بدرو الأول، ليحكم البرازيليين الذين لم يتجاوز عددهم آنذاك 4 ملايين نسمة. ثم في عام 1305هـ (1888م) تم إلغاء الرق في البلاد وبعده بسنة واحدة أعلنت البرازيل جمهورية.

ويؤكد المؤرخ البرازيلي الشهير جواكين هيبيرو في محاضرة ألقاها عام 1377هـ (1958م) ونشرتها صحف البرازيل، أن العرب المسلمين زاروا البرازيل، واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 905هـ (1500م)، وإن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا أخصائيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن.[13]

وتغلب على أصول البرازيليين الأصول الأوروبية بنسبة 60% مع نسبة متناقصة من الأصل الإفريقي وخليط من أجناس مختلفة، بينما تقلص عدد السكان الأصليين وهم يعيشون في أسوأ حال. وتدين أغلبية السكان بالكاثوليكية، ويوجد بروتستانت، ويهود وديانات أخرى والإسلام.

تاريخ الإسلام في البرازيل

رافق الوجود الإسلامي البرازيل منذ بداية اكتشافها ونشأتها لكن تلاشت ملامح الإسلام مع الزمن حتى رجعت من جديد مع توالي الهجرات الإسلامية لهذه الأرض.

وكبقية دول القارة اقتاد البرتغاليون الأفارقة عبيدًا وكان الكثير منهم من قبائل المادينغ والبوهل والهوسة المسلمين الذين كانوا سجناء لدى ملك داهومي الوثني الذي أسرهم في حروبه مع الدول الإسلامية في غرب إفريقيا ثم باعهم للبرتغال، وكان تاريخ وصول العبيد المسلمين إلى البرازيل لأول مرة عام 944هـ (1538م)، ولم تمضِ 40 سنة حتى نقل إليها 14 ألف مسلم مستضعف وكان آنذاك عدد سكانها لا يزيد عن 57 ألفًا.

وبفضل وجود علماء مسلمين بين العبيد الأفارقة تمكنوا من حفظ الإسلام قويًا منظمًا بين صفوفهم، فأسسوا لهم مجتمعات إسلامية في ولايات بهية وريودي جنيرو وسان لويس دومرانيون ونجحوا في إدخال كثير من العبيد الآخرين في الإسلام، كما شيّدوا المدارس الإسلامية والمساجد.

وفي عام 1250هـ (1835م) يسجل التاريخ انتفاضة المسلمين في ثورة عارمة ضد النظام النصراني في البرازيل لتحرير أنفسهم والحصول على استقلالهم لكن ثورتهم باءت بالفشل، مع ذلك فإن عزيمتهم لم تخمد فتبعتها عدة ثورات أخرى وقد حققت نجاحات متقطعة وأثخنت مرات كثيرة في المحتلين إلا أنها فشلت بدورها فكان الرد من النظام اضطهاد المسلمين ومنعهم من النشاط وشن حملات قتل وتشريد، فتشتت شمل المسلمين بين كاتم لدينه خائف على مصيره وبين مهاجر يبحث لنفسه عن أرض يعبد فيها ربه حرًا.

وقد وصل من هؤلاء الكثير إلى سواحل إفريقيا في داهومي ونيجريا وما جاورها، كلها جاليات إسلامية من أصل برازيلي بأسماء برتغالية إلى اليوم، فضعفت شوكة المسلمين السود في البرازيل وتضاءلت أعدادهم حتى فنيت. وعادت الوثنية، وما زالت بعض شعائر الوثنية تقام إلى اليوم في البرازيل.

وقد قاد الثورة ووجّهها الشيوخ ومعظمهم من ممالك البورنو وسكوتو الإسلامية الإفريقية، وكانوا مربين ووعاظًا وأئمة مساجد ومعلمين للقرآن الكريم، تقودهم الرغبة في إقامة عدالة الإسلام التي لا فرق فيها بين أبيض وأسود إلا بالتقوى وإقامة فريضة الجهاد لرد العدو الصائل الذي فرض النصرانية بالقوة وأطلق آلة بطشه واضطهاده ضد هؤلاء المسلمين.

وانتهت قصة هؤلاء المسلمين بقضاء البرتغاليين عليهم بوحشية، حتى ظلّت جثث المسلمين تتعفن مدة طويلة على قارعة الطريق، وفي عتمة “السنزالات”، وهي عبارة عن أقبية كان البرتغاليون يودعون فيها الثوار الذين انتفضوا ضد ظلمهم، ويقال إن كلمة “زنزانة” جاءت من هذه اللفظة البرتغالية.

ولا تزال النقوش الموجودة في سقوف كنائس باهية والسلفادور والتي تضمنت عدة آيات من القرآن الكريم تشهد على أن هذه الكنائس كانت بالأصل مساجد.

وللأسف لا يتوفر اليوم في البرازيل حضورًا إسلاميًا إفريقيًا يعبر عن ذلك التاريخ. ولعل ذلك يرجع إلى قيام الحكومة البرازيلية في عام 1308هـ (1891م) بإضرام النيران في الأرشيف الخاص بتجارة العبيد، مما قضى على أحد أهم المراجع لتوفير الإحصائيات والحقائق المتعلقة بالأفارقة المسلمين.

القائد المسلم جينجا زومبي وأول دولة إسلامية في البرازيل

بعد أن بدا للأوروبيين أن الإسلام قد خمد للأبد في البرازيل بعد إبادة الموريسكيين، استجلبوا العبيد الأفارقة وسلطوا عليهم آلة التعذيب والاضطهاد الوحشية فكانوا يجلدون ويحرقون وتشوّه أجسادهم، بالإضافة للاعتداء الجنسي. فبدأ بعض العبيد يلجؤون للهرب في الغابات والأدغال.

وأقاموا مجتمعات لهم عرفت بـ”أحراش الزنوج”، ومع ذلك طاردهم عدوان الرجل الأبيض، لكن في بالماراس إحدى هذه المستوطنات التي بناها العبيد، ولد جانجا زومبي وكان خاله زومبا هو قائد المستوطنة، وخاض الأخير عدة حروب مع المحتل البرتغالي شارك فيها زومبي وهو شاب، انتهت بعقد زومبا لمعاهدة مع البرتغاليين، تقضي بتحرير العبيد الهاربين إلى بالماراس، مقابل أن تخضع للسلطة البرتغالية. لكن زومبي ورفاقه رفضوا هذه الاتفاقية وقاد انقلابًا على خاله الذي يعتقد أنه مات مسمومًا فيما بعد على أيدي أتباعه الذين رفضوا هذه المعاهدة.

وشاء الله أن يعلو ذكر زومبي قائدًا مسلمًا بطلًا فأصبحت مملكته أكبر عقبة في وجه المحتل. حيث قاد بمساعدة العلماء الأفارقة حملة دعوية تعليمية تربوية بين المسلمين، فنشروا تعاليم الإسلام وعلموا الناس القرآن فبارك الله في جهودهم وازداد عددهم فأعلن الزعيم زومبي بعد تأسيس المنظومة الإسلامية في هذه المجتمعات المسلمة قيام “دولة البرازيل الإسلامية” عام 1053هـ (1643م).

فاستثار هذا الصعود الإسلامي البرتغال فأعلنت الحرب عليها، لكن قوات القائد زومبي تمكنت من دحر البرتغاليين وتلقينهم الهزائم تلو الهزائم مما ساهم في رسوخ هذه الدولة وتوسعها بشكل كٍبير، وبسط القائد زومبي سيطرته على أكثر من عشرين موقعًا من ولاية باهية البرازيلية.

واستمر نفوذ هذه الدولة الإسلامية البرازيلية لأكثر من 50 سنة بفضل تفاني أهلها وتضحياتهم.

وكانت بالماراس وتقع حاليًا في ولاية ألاغواس في البرازيل، عبارة عن عدة مدن محصنة يقطنها ما يقارب 30 ألفًا بحسب بعض التقديرات، من دولتي أنغولا والكونغو الأفريقيتين ومناطق أخرى، ثم انضم إليهم عدد من الهنود الحمر، وبعض البيض الفقراء.

وكانت مملكة زومبي تشابه ممالك أفريقيا الإسلامية من ناحية التنظيم السياسي والاجتماعي على قلة عدتها وعتادها العسكري.

وكان اسم عاصمتها “ماكاكوس” وتعني بالبرتغالية القرود، ويعتقد أنه اسم أطلقه المحتل البرتغالي بهدف السخرية فحفظته المراجع التاريخية التي غالبًا ما كانت تكتبها الأقلام الأوروبية.

وتحصنت العاصمة ماكاكوس بجدار طيني متين مما اضطر قوات الاحتلال البرتغالي إلى استخدام المدافع لاقتحامها، لكنهم لم ينجحوا في ذلك إلا بعد مقاومة طويلة للعاصمة.

وكان إمبراطور البرتغال قد قرر أن يتدخل بنفسه لإنهاء هِذا المشروع الإسلامي في البلاد فجمع قوته وعتاده ليحاصروا المسلمين، فاستشهد عدد كبير منهم وأصيب القائد زومبي في إحدى معاركه الأخيرة إصابة بليغة في قدمه، وسقطت بعدها بالماراس.

وفي عام 1106هـ (1695م) تم القبض على زومبي على إثر خيانة أحد أتباعه له، راضخًا لتهديد المحتل الذي قتل جنجا زومبي بعد أسره، فقطع رأسه وأعضاءه، كما تم التمثيل بجثته وعرضها في المدن الكبرى لإرعاب الناس من مغبة التفكير في الثورة.

وبسقوط دولة زومبي ومقتله انطلقت آلة الإبادة في سكان بالماراس لأكثر من العقدين من الزمن، شملت حملات التجويع والسلب والنهب الأبشع التي سجلت في تلك الفترة.

ومع أن تاريخ جينجا زومبي كان تاريخ بطولة ومجد إلا أن الإعلام الأمريكي اتخذ من اسمه وسيلة للسخرية والتهكم، حيث تستخدم كلمة زومبي في الإشارة إلى الموتى الأحياء، أو الجثث المتحركة في أفلام الرعب والخيال العلمي الأمريكية.

ورغم أن كل الوثائق المتعلقة بالحركة الثورية التي قادها زومبي في البرازيل قد دُمِّرت وفُقِدت إلا أن شخصية زومبي بقيت محفوظة كشخصية تاريخية عظيمة في تاريخ البرازيل، حيث صنعت الأفلام حوله في السينما البرازيلية، وله تمثال من البرونز لتخليد نضاله الطويل.

وكانت قصة نضاله الأبرز والأشهر بين قصص نضال المسلمين في هذه الأرض، ولكنها لم تكن الوحيدة، فقد قامت العديد من الثورات والبطولات التي بقيت في طيّ النسيان.

وتحتفل البرازيل في 13 أيار من كل عام بيوم الوعي الأفرو-برازيلي. ولكن البرازيليين من أصول إفريقية لا يحتفلون به إلا في يوم 20 تشرين ثاني، وذلك لإحياء ذكرى زومبي ومقاومته البطولية للاحتلال والعبودية.[14]

وتركت الهجرة الأندلسية بعض العائلات وبعض الأسماء العربية وتحتضن ولاية باهية الآثار الإسلامية من أصل أفريقي.

توالي الهجرات وعودة الإسلام

أمريكا الجنوبية

وتوالت هجرات المسلمين الشاميين الفارين من الاحتلال الأوروبي خاصة الفرنسي وبعده الصهيوني لفلسطين، حيث وصل الكثير من أهل الشام لهذه البلاد وتكونت في سان باولو وغيرها جاليات عربية نشطة من بينها بعض الشخصيات الكبيرة في الأدب العربي. وعاد بذلك الإسلام من جديد لواجهة الواقع البرازيلي.

ولا تتوفر إحصاءات لعدد المسلمين في البرازيل لكن بعد التقارير تشير إلى وجود مليون ونصف المليون مسلم في هذه البلاد.[15] ويتفق التوزيع المذهبي للمسلمين في البرازيل مع نظيره في العالم الإسلامي ككل؛ حيث 90% من مسلمي البرازيل على المذهب السني.

وفي بعض المدن والبلدات البرازيلية يشكل المعتنقون الجدد للإسلام اليوم نسبة كبيرة تصل في بعض المناطق إلى 40 أو 50% من عدد المسلمين في هذه البلدة أو تلك.

وسجل التاريخ أول تنظيم إسلامي على يد المسلمين العرب بتأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية، في مدينة سان باولو سنة 1347هـ (1929م) وكانت الجمعية الاسلامية الوحيدة في البرازيل إلى أن تأسست الجمعيات الأخرى.

واندثرت مساجد المسلمين الأفارقة بعد إخماد ثوراتهم، فشيّد المسلمون العرب مسجد في مدينة سان باولو سنة 1371ه (1952م) وعدة مساجد أخرى في مناطق مختلفة.

ويملك المسلمون اليوم أكثر من 100 مؤسسة ومركز وجمعية إسلامية في البرازيل، الكثير منها يتركز في ساو باولو، حيث تدار الأنشطة الدعوية وتوزع شهادات الذبح الشرعي، “الذبح الحلال” للشركات العاملة في هذا المجال والتي تصدر الدجاج واللحوم إلى دول العالم الإسلامي والدول الأوربية.

كما يتوفر للمسلمين مدارس ومقابر. ويوجد في جامعة سان باولو قسم الدراسات العربية الذي تأسس في عام1381هـ (1962م).

من مشاكل المسلمين في البرازيل

التنصير هو أكبر خطر يتهدد المسلمين في البرازيل، فضلًا عن دعاوى القومية التي فتت كل وحدة إسلامية ممكنة، كما نشط القاديانيون فترة ثم ضعفوا وخلفهم في هذا النشاط البهائيون.

ويبقى أخطر خطر يتهدد المسلمين هو الاندماج والتخلي عن عقيدة الإسلام مع المجتمعات البرازيلية وهو بالفعل مصير العديد من المسلمين الذين ارتدوا عن دينهم، وكان في الزواج من غير المسلمات سببًا آخر لجيل تربى على الكفر.

ويتوفر لدى المسلمين في البرازيل فرصة كبيرة لحركة الدعوة الإسلامية نظرًا إلى أن الحكومة لا تمنع الدعوات الدينية مع كافة الملل. لذلك فإن مستقبل الإسلام في البرازيل رهين باتحاد مسلمي البرازيل وتنسيق جهودهم؛ وعدم الانكفاء في دوائر عرقية بحتة تشوّه صورة رسالة الإسلام التي جاءت للناس أجمعين.[16]

غوينا

ومن دول جنوب أمريكا، جمهورية غوينا، تحدها غربًا فنزويلا وجنوبًا البرازيل، وشرقًا سورينام وشمالًا المحيط الأطلسي. احتلها الإسبان في عام 904هـ (1499م) ثم أقام الهولنديون مستعمرات لهم فيها في عام 1620هـ (1620م) في دمرارة واسكيبو وبربيس واحتلت بريطانيا في عام 1210هـ (1796م) دمرارة واسكيبو وتنازلت هولندا عنهما سنة 1229هـ (1814م) ثم حكمت بريطانيا البلاد إلى سنة 1246هـ (1831م) ثم ضمت جميع المناطق في مستعمرة واحدة اسمتها غوينا البريطانية، التي نالت بعض الحكم الذاتي في عام 1346هـ (1928م) ثم استقلت بشكل تام في عام 1397هـ (1977) وغيرت اسمها إلى غويانا. وبقيت عضوًا في الكومنولث البريطاني.

أباد الاحتلال سكانها الأصليين من الهنود الحمر، وسيق الأفارقة عبيدًا لهذه البلاد، ثم بالهنود كيد عاملة بعد إلغاء الرق.

تاريخ الإسلام في غوينا

أمريكا الجنوبية

وصلت أول هجرة إسلامية إلى غوينا من أفريقيا لكن إسلامهم ضاع على يد المحتلين، ثم جاء الإسلام مرة أخرى على أيدي الهنود المسلمين كيد عاملة. وعلى غرار ترينيداد اجتمع المسلمون وانتظموا في مجتمع إسلامي يصارع الاضطهاد.

ولم تعترف البلاد بزواج المسلمين إلا في عام 1276هـ (1860م) ونجحوا في تأسيس منظمة تجمعهم في عام 1354هـ (1936م) سموها صدر أنجمان الإسلامية المتحدة فضمت جميع المسلمين طيلة ربع قرن لكنها انتهت بالفساد ومساومات الأحزاب، ووقعوا ضحية سوء التخطيط والخطأ في الاصطفاف في الانتخابات المحلية حيث تعرض المسلمون لخيبة كبيرة في اللعبة السياسية في البلاد. وتفككت وحدة المسلمين، وفشلت جهود جمعهم من جديد، ثم تأسست عدة منظمات إسلامية.

ويوجد حوالي 200 ألف مسلم في هذه البلاد، أي بنسبة 20%، من مجموع السكان منهم هنود وأفارقة، كان أصل هذا العدد النواة الإسلامية التي شكلها الهنود المسلمون والتي بقيت وتمددت بفضل ثباتهم على الدين الإسلامي ورعايتهم للدعوة الإسلامية.

كما يعتقد معظم الأفارقة في هذه البلاد أن أصلهم إسلامي واعتنق كثير منهم الإسلام بفكرة العودة لدينهم. وتملك غوينا عددًا كبيرًا من المساجد في كل منها مدرسة، كما يتوفر لديهم مقابر خاصة بالمسلمين.

 ويقيم المسلمون في جورج تاون وضواحيها حيث يعيش حوالي نصف الجالية المسلمة، وتتوزع البقية على “انتربرايز”، “باريكي”، و”ديمرارا”، و”كوينزتون”، و”بربله”. [17]

وجدير بالذكر أن فرنسا كانت تتخذ من هذه البلاد سجنًا للمعارضين لها في مستعمراتها خلال سنة 1365هـ (1945م) حيث قدر عدد المسجونين السياسيين من بلاد شمال أفريقيا بحوالي 480 سجينًا، من بينهم عدد من المجاهدين الجزائريين وقد حاول بعض منهم الهروب إلى البرازيل المجاورة لغوينا الفرنسية، وأغلبهم مات في أثناء المحاولة، وبعضهم نجح، ونشرت بعض الصحف الفرنسية قصص هؤلاء المجاهدين.

وكذلك فإن معظم المسلمين بغوينا الفرنسية من أصل جزائري ومغربي، استوطنوا البلاد وهاجروا إليها، ويعيش أفراد الجالية المسلمة بغوينا في مدن: كايين، وكورو، وسان لوران دو ماروني، وهي مدن رئيسية.

وقد نجح المسلمون في هذه المنطقة بربط أنفسهم بالمسلمين في العالم الإسلامي.

ويتوعد طموحات المسلمين الشيوعية والقومية الهندوسية والنصرانية.

سورينام

أمريكا الجنوبية

تقع سورينام في جنوب القارة الأمريكية، وهي عضو في اتحاد مع هولندا والأنتيل الهولندية، تحدها غربًا غويانا وشرقًا غوينا الفرنسية وجنوبًا البرازيل. ويعود سبب تسمية هذه الدولة “بسورينام” نسبة إلى قبائل سورين الّذين كانوا من أوائل من سكن المنطقة.

واكتشف ساحلها الإسبان في عام 897هـ (1492م) وادعوا ملكيتها في عام 1001هـ (1593م)، فنازعهم فيها الإنجليز والهولنديين، ثم حاول الإنجليز السيطرة على المنطقة سنة 1039هـ (1630م)، لكن الهولنديين تغلبوا عليهم في عام 1077هـ (1667م)، بعد حرب بينهما انتهت بطرد الإنجليز من سورينام، وبعد مفاوضات طويلة اتفق الإنجليز على استبدال نيوأمستردام بسورينام، ثم غير الإنجليز اسم نيوأمستردام بنيويورك، ومنذ ذلك العهد والهولنديون في سورينام، رغم احتلالها مرتين من الإنجليز، وفي عام 1373هـ (1954م)، أعطت هولندا الاستقلال الداخلي للمستعمرة وانضمت معها ومع الأنتيل الهولندية في اتحاد شبيه بالكومنولث.

وخلال فترة الاحتلال الهولندي جاء بالأفارقة واستعبدهم لزراعة الأراضي فهرب منهم الكثيرون إلى الأدغال ثم نظموا أنفسهم قبائل ومجتمعات مسلمة، أعلنت الحرب على الهولنديين ولشدة شراسة هذه الحرب وقوة تنظيم صفوف الأفارقة اضطرت هولندا إلى توقيع اتفاقية صلح في عام 1279هـ (1863م)، وهي المعاهدة التي عرفت باسم (يوكا) وفيها اعترفت هولندا باستقلال هؤلاء الأفارقة الذين أطلق عليهم اسم زنوج الغابات (جيوكا)، ولقد صمدت الأجيال من بعدهم فلا يزال نسلهم إلى اليوم في سورينام.

وبعد إعلان تحرير العبيد في عام 1279 هـ (1863م)، استقدم الهولنديون العمال من الصين وجاوة، ثم من الهند في عام 1873هـ (1873م)، ولم تنقطع هذه الهجرة العمالية من الهند إلى غاية عام 1334هـ (1916م) ومن جاوة إلى غاية عام 1349هـ (1931م).

ويعيش أغلب سكان سورينام في 20% من أرضها فقط، بالقرب من سواحل الأطلسي، بينما يشغل ما يقارب 80% من مساحتها الغابات الاستوائية. وتعد سورينام مع غوينا دولًا بدون غالبية نصرانية، حيث يبرز الوثنيون والمسلمون.

تاريخ الإسلام في سورينام

أمريكا الجنوبية

بدأت الهجرة الاسلامية إلى سورينام مع وصول الأفارقة العبيد إليها، لكنها تلاشت تحت مطرقة الاستعباد، فقد عرفت سورينام الإسلام منذ القرن الخامس الهجري (11م) عندما هاجرت إليها القوافل المسلمة من غرب إفريقيا. ولا تزال الآثار تدل على قدم هذا الوصول حيث عثر علماء الآثار هناك على مسجد صغير على طراز بناء بدائي يقع في منتصف مدينة “براما – ريبو”، العاصمة الحالية. ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى القرن السادس الهجري.

ثم أعقبت هذه الموجة، الموجة الثانية من الهجرة الإسلامية بقدوم العمال من جاوة ثم الهند وكان الكثير من العمال من المسلمين، تلتها هجرة ثالثة من بلاد الشام.

ويوجد في سورينام أكثر من 110 ألف مسلم، بنسبة 25%، أي ربع عدد السكان بينما ذهبت إحصائيات حديثة لتحديد هذه النسبة بـ 35% أي ثلث عدد السكان، وهي أعلى نسبة للمسلمين في كل بلدان أمريكا.

 وتعرف البلاد إقبالًا كبيرًا على الإسلام من غير المسلمين.

ويتميز المسلمون في هذه البلاد بمحافظتهم على الإسلام أكثر من غيرهم، نتيجة حفاظ الهنود على المذهب الحنفي والجاوية على المذهب الشافعي لكن لا يزال بينهم ضعف التزام.

ويحظى المسلمون بتنظيم إسلامي كان منه الجمعية الهندية وتسمى جمعية المسلمين السوريناميين على المذهب الحنفي، والجمعية الجاوية على المذهب الشافعي، وتعرف باسم الاتحاد الإسلامي السورينامي. إضافة لعدد من الجمعيات والمراكز والمؤسسات الإسلامية.

كما تتوفر للمسلمين العشرات من المدارس والمساجد والمقابر. وسورينام عضو في منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1416هـ (1996م).

من مشاكل المسلمين في سورينام

أن كل جالية مسلمة تنفرد بنشاطها التعليمي والدعوي، وتتحدث بلغتها الخاصة مما يكرس التفرقة بين أبناء المسلمين هناك فالهنود منفصلون عن الإندونيسيين وكلاهما منفصل عن المغاربة وبقية الجاليات المسلمة.

ويعد القاديانيون العدو للمسلمين في هذه المنطقة بأساليبهم الماكرة في التسلل إلى مؤسسات أهل السنة، وسعيهم لنشر الفتن وما يمنع وحدة المسلمين، وأكبر عدو لهؤلاء المسلمين هو الجهل بالإسلام.

يضاف لذلك الحاجة لمدد دعوي مستمر بكافة وسائله ودعاته، لرفع الوعي بين صفوف المسلمين أنفسهم ولنشر الإسلام. وإن بإمكان سورينام أن تصبح دولة ذات غالبية مسلمة إن استمرت جهود الدعوة فيها بتفاني وإخلاص ومدد من العالم الإسلامي لا ينقطع.

مشهد أمريكا اللاتينية

أمريكا الجنوبية

تتربع أمريكا اللاتينية على مساحة تقدر بنحو 21 مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 422 مليون نسمة، بحسب إحصاءات 2016، شهد تاريخها صعودًا إسلاميًا لافتًا وصحوة بين المسلمين مبشرة في عدة فترات تاريخية.

أما حاضر المسلمين اليوم على تحسن حالهم، فإنه بحاجة ماسة إلى نشر المعرفة الصحيحة بالدين الإسلامي، والالتزام بتعاليمه، والتحصن من الفرق الضالة والمنحرفة، وعدم الانجرار خلف دعاوى إرضاء المجتمعات التي تعيش فيها وتقليد العادات الغربية وبدلًا من ذلك الاعتزاز بالتراث والثقافة الإسلامية ونشرها بين السكان وربط الجسور مع المفكرين والأدباء المعتزين بحضارة الإسلام من أبناء المنطقة، لتوسيع دائرة التعريف بالإسلام والدعوة إليه والاهتمام بفن الكتابة والتأليف الذي يوثّق فضائله وبالتالي إثراء المكتبات وميراث المسلمين في الجامعات ومراكز العلم والثقافة.

كما يجب الاهتمام بتعليم اللغة العربية، وتوفير المصادر الإسلامية باللغة الإسبانية، والدعاة بهذه اللغة، وتخصيص برامج لمختلف الفئات العمرية بما فيها فئة الأطفال والتحذير من الزواج من غير المسلمات بتقديم برامج توعوية للشباب المقبل على الزواج والإنصات لمشاكلهم والسعي لحلها.

كما تشترك هذه الدول في حاجتها إلى المنشآت التعليمية الدينية والعربية للمرحلتين المتوسطة والثانوية، وتوفير البعثات الجامعية للجامعات الإسلامية لصناعة الكوادر العاملة في حقل الدعوة والتربية والتعليم، وإلى التنسيق والتعاون بين نشاطات الهيئات والمؤسسات الإسلامية، لتتحول إلى تحالف إسلامي قوي يتصل بشمال ووسط القارة الأمريكية في وحدة مطلوبة بين أبناء الأمة الواحدة مع وصال دائم مع بقية العالم الإسلامي الذي ينتظر منه المدد العلمي والدعوي، دون أن ننسى ضرورة اهتمام المسلمين في جنوب أمريكا بالوسائل الإعلامية بكافة أشكالها ليعلو صوت الإسلام على أبواق أعدائه الذين يسعون لتشويهه. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى