متابعات

الإسلاميون والعسكر والفساد.. نقاط التلاقي والاختلاف بين حراك الجزائر والربيع العربي

الإسلاميون والعسكر والفساد.. نقاط التلاقي والاختلاف بين حراك الجزائر والربيع العربي

بعد ثلاثة عقود على اندلاع الحرب الأهلية بالجزائر “العشرية الحمراء” وبعد ثماني سنوات على انطلاق شرارة “ثورات الربيع العربي” اندلعت احتجاجات شعبية جزائرية واسعة النطاق لتعيد للأذهان الانتفاضات الشعبية التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.

ورغم أن الأسباب التي ولّدت الاحتجاجات الجزائرية تشترك نسبيا مع نظيرتها من دول الربيع العربي في تغيير النظام، فإنه توجد الكثير من نقاط الاختلاف حول معطيات البلدان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأين التقاطع وأين الاختلاف؟

يقول نوري دريس أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة سطيف إن الربيع العربي تسمية أطلقت لثورات شعوب، وإن لكل ثورة خصوصية تختلف من بلد لآخر، يجمعها الفترة الزمنية المتقاربة، وهذا ما “فتح الباب لتسويق نظرية المؤامرة”.

وشهدت الجزائر الموجة الأولى من الانتقال الديمقراطي عقب أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 ثم انحرفت العملية السياسية إلى عنف، وانتهت بحرب أهلية دامت عشر سنوات، ونتج عن تلك المرحلة تأسيس نظام ديمقراطي “شكلي” وفق دريس.

أما الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ بداية 22 فبراير/الماضي، فيرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أنه مختلف في حيثياته وظروفه وأساليبه عما حصل في عدد من بلدان الربيع العربي.

قطف الثمار
ويعتبر إدريس أن الجزائر تعيش ما بعد الموجة الأولى، كما سماها “مرحلة قطف ثمار التعددية الشكلية” واليوم الشعب يطالب بتطبيق ما هو موجود شكليا في القوانين والدستور.

لكن هناك عنصرا مشتركا بين حراك الجزائر وثورات الربيع العربي وهو التظاهر في الشارع، بالإضافة إلى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي مكنت الناشطين من اختراق الحواجز التقليدية التي تعتمد عليها السلطة في كبح حرية الشعب.

ويرى المحلل السياسي إسماعيل معراف أن هناك تشابها بين ما حدث في دول الربيع العربي وما يحدث في الجزائر، لكن طريقة “الإخراج” تختلف.

ويضيف “الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية تدخل ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا الذي تديره الولايات المتحدة حفاظا على مصالحها بتطبيق خارطة طريق جديدة، وهي تغيير الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية التي وصلت لمرحلة الشيخوخة”.

لكن لخضر خلاف القيادي بجبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي) يرفض ما يسميها نظرية المؤامرة، ويرى أنه لا يوجد تشابه بين ما حدث في مصر وباقي دول الربيع العربي مع ما يحدث في الجزائر، معتبرا أن الجزائر تعيش مشكلة داخلية بين الجزائريين متعلقة “بسوء تسيير” السلطة للثروة.

خصوصية الحراك
ويشير خلاف إلى أن لكل مجتمع خصوصيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن طبيعة النظام الحاكم، و”يصعب أن يكون هناك تقارب بين تجارب الحركات الاحتجاجية”.

ويعود دريس إلى الإشارة إلى أن هناك ثلاث سمات تمير الحراك الجزائري:

1 الطابع أفقي: حيث تجاوز كل الحدود الفئوية والطبقية. “ولأول مرة في تاريخ الجزائر تقترب الطبقة الوسطى بالمجتمع من الطبقة التي فوقها والتي تحتها، فالجميع يتظاهر من أجل هدف واحد هو: تغيير النظام”.

2 درجة السلمية: في تعامل وسائل الأمن مع الحراك، ويرجع الأمر إلى تجاوز الجزائريين للعنف الذي عاشوه أو سمعوا عنه خلال فترة العشرية السوداء.

3 الجميع متضرر من نمط سلطة بوتفليقة حتى النظام نفسه، مما ساعد في تزايد عدد الملتحقين بالحراك من مختلف الفئات كان آخرهم القضاة.

إسلاميو الجزائر
أتاحت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 -وما تبعها من انفتاح سياسي- فرصة لمشاركة الإسلاميين بالسلطة، وتشكلت “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” وكادت أن تتولى قيادة الجزائر لولا تدخل الجيش وتعطيل المسار الانتخابي في يناير/كانون الأول 1992، ومنذ تلك الفترة لم يتحصل الإسلاميون في كل الانتخابات التي جرت على أغلبية أصوات الناخبين.

ضعف تأثير الإسلاميين بالمشهد السياسي يرجعه دريس إلى استهلاك جزء كبير منهم في “الموجة الأولى من الربيع الجزائري” بداية التسعينات، والقليل الذي بقي حاضرا تم استهلاكهم في عهد بوتفليقة “بحيث أقصى المتطرفين، وقرَّب المعتدلين من السلطة ووزع عليهم المناصب، وورط الكثير منهم في الفساد”.

ويضيف للجزيرة نت أن الجزائر اليوم تعيش “ما بعد الإسلامية” والأحزاب الإسلامية لم يعد لها حضور لافت أو تأثير داخل الحراك الشعبي.

وفي نفس السياق، يرى معراف صعوبة تحديد موقف الإسلاميين لأنه تم اختراقهم وتحييدهم من قبل نظام بوتفليقة، من خلال إشراكهم بالحكومات المتعاقبة، وإيهامهم بلعب أدوار معينة، بالإضافة لتوريط بعض المحسوبين عليهم بملفات فساد، وبهذا أنهى الحركة الإسلامية، على عكس الإسلاميين في مصر فيعتبرهم “أكثر تجذرا في المجتمع والمؤسسات، وأكثر قوة في التأثير”.

ويؤكد خلاف أن الإسلاميين “ناضلوا عشرات السنين ورفضوا السياسات الخاطئة، وهم جزء من الحراك الشعبي ولا يؤطرونه، ولكنهم يرافقونه ويدعمونه لأنه تبنى مطالبهم”.

أعين العساكر
وعن دور الجيش في الحراك الشعبي، يرى دريس أن “موقع الجيش الجزائري من الأحداث إيجابي ومشرف” ما دام لم يقمع المظاهرات.

ويضيف أن هذا الموقف يعود لتجربة الجيش بأحداث التسعينيات التي تعلم منها بألا يتدخل في السياسة بشكل فاضح ومباشر، “على عكس ما قام به الجيش في مصر وليبيا وسوريا، ولا توجد أوجه شبه بينهم”.

وأضاف أن العسكر لا ينتج الديمقراطية ولا يصنع تحولا ديمقراطيا، لكنه هو الضامن لها حتى لا تنحرف المظاهرات إلى العنف، وألا يستعمل أي طرف وسائل الجهاز الأمني لقمع المتظاهرين.

أما عن تكرار السيناريو المصري بالجزائر، فيري أن ذلك يستحيل حدوثه نظرا لاختلاف طبيعة المجتمعين، بالإضافة إلى أن الجزائر أحسن حالا من مصر بالجانب الاقتصادي

و”لهذا فإن الجيش ليس مضطرا للعب دور فاضح في قمع المتظاهرين والانقلاب على الحقل السياسي كما حدث في مصر”.

وفي نفس السياق، توقع معراف بأن الجيش الجزائري سيمنع ما وقع في دول الربيع العربي من دمار.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى