تقارير وإضاءات

“الأوروبي للإفتاء” يتحدث عن أزمة الرسوم المسيئة

“الأوروبي للإفتاء” يتحدث عن أزمة الرسوم المسيئة

إعداد طه العيسوي

دعا رئيس لجنة الفتوى بألمانيا والأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، خالد حنفي، الساسة والرؤساء والإعلاميين الغربيين إلى “التوقف عن الشحن والتسخين الإعلامي والتوظيف السياسي للأحداث الأخيرة، والتعامل بحياد وموضوعية معها، وتغليب صوت الحكمة والعقل والمصلحة العامة”.

وطالب، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، مسلمي أوروبا ومؤسساتهم بالتمسك والتشديد على “رفض العنف، وعدم التفاعل مع أي استفزاز، وتبني خطاب مسؤول ينطلق من البصر بالواقع واستشراف المستقبل والحساب الدقيق للمآلات”، منوها إلى أن “المسلمين في أوروبا يعيشون أجواء غير مسبوقة من الخوف والقلق في هذه الأجواء المشحونة المتوترة”.

وقال “حنفي” إن “أزمة الرسوم المسيئة في فرنسا من أخطر الأحداث والتحديات التي مرت بالوجود الإسلامي في الغرب، وهي تتجاوز كل أحداث التطاول السابقة على الرموز الدينية المقدسة للمسلمين، خاصة أن أعلى سلطة في الدولة الفرنسية أعلن عن حماية الرسوم وعدم التخلي عنها، وأعلن رئيس وزرائه أن الدولة في حرب على التطرف الإسلاموي حسب تعبيرهم”.

ورأى أن “مداهمة وتجميد مؤسسات إسلامية بأوروبا دون أسانيد قانونية واضحة تطور بالغ الخطورة من شأنه مضاعفة حالة الاحتقان والتوتر، كما يضر بقيم التعايش والتسامح والتعددية الثقافية والحرية”، مضيفا: “قلقنا وعملنا ليس فقط لحماية الوجود الإسلامي في فرنسا وأوروبا، وإنما لحماية قيم المجتمع الأوروبي وحضارته العريقة المُهددة بشيوع خطاب الكراهية وإذكاء النزعات العنصرية ضد أقلية دينية رافضة للعنف والتشدد”.

وتاليا نص المقابلة:

 

كيف تنظرون لأزمة الرسوم المسيئة في فرنسا اليوم وما وصلت له حتى الآن؟

هي من أخطر الأحداث والتحديات التي مرت بالوجود الإسلامي في الغرب، وهي تتجاوز كل أحداث التطاول على الرموز الدينية المقدسة للمسلمين بدءا من رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي مرورا بأحداث الرسوم الدنماركية المسيئة، والفيلم الهولندي إلى شارلي إيبدو وانتهاء بالجريمة المروعة التي ذُبح فيها المعلم الفرنسي صمويل باتي؛ ذلك أن كل تلك الأحداث التي وقع فيها تطاول على المقام النبوي الشريف كانت أحداثا صادرة عن رسام أو صحيفة أو كاتب ضمن قانون الدولة التي وقع فيها الحدث، أما اليوم فإن أعلى سلطة في الدولة الفرنسية يعلن عن حماية الرسوم وعدم التخلي عنها، ويعلن رئيس وزرائه أن الدولة في حرب على التطرف الإسلاموي حسب تعبيرهم، وتتم مداهمة مؤسسات وتجميدها دون أسانيد قانونية واضحة، وهو تطور بالغ الخطورة ومن شأنه أن يضاعف من حالة الاحتقان والتوتر، ويهدم دور المؤسسات الإسلامية وجهودها المتراكمة لحماية الأجيال من التطرف والغلو، كما يضر بقيم التعايش والتسامح والتعددية الثقافية والحرية، وقلقنا وعملنا ليس فقط لحماية الوجود الإسلامي في فرنسا وأوروبا، وإنما لحماية قيم المجتمع الأوروبي وحضارته العريقة المُهددة بشيوع خطاب الكراهية وإذكاء النزعات العنصرية ضد أقلية دينية رافضة للعنف والتشدد، وقامت بدور وطني مُشرّف جسّدت فيه قيم المواطنة والاندماج الإيجابي.

ما تقييمكم لموقف الحكومات الأوروبية من أزمة الرسوم المسيئة؟

الحكومات الأوروبية تضامنت مع فرنسا، وهو موقف متوقع، لكن مواقفهم اتسمت بالحكمة والتعقل، وهو ما نرجو أن يدوم حتى تمر الأزمة بسلام.

ما انعكاسات هذه الأزمة على أوضاع مسلمي أوروبا؟   

المسلمون في أوروبا يعيشون حالة غير مسبوقة من الخوف والقلق في هذه الأجواء المشحونة المتوترة، حيث تتقلص حريتهم ويصبح المسلم والمسلمة المتحجبة موضع اتهام وريبة وإن بلغ أقصى درجات الانضباط القانوني والمجتمعي كما وقع في حادثة الاعتداء على فتاتين متحجبتين قرب برج إيفل في العاصمة باريس. كما يشعر مسلمو أوروبا بحالة من العجز أمام إهانة رموزهم ومقدساتهم الدينية ولا يستطيعون إدانتها ورفضها في هذا الجو المشحون؛ لأن رفضهم سيفسر على أنه تبرير للقتل وتعاطف مع القاتل.

أين المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث من هذه الأزمة؟

المجلس أصدر بيانين أدان فيهما جريمة قتل المعلم صمويل باتي، كما أدان جريمة القتل في مدينة نيس، وكانت إدانته واضحة مجردة عن أي إدانة أخرى لما قام به المعلم من عرض للرسوم المسيئة على التلاميذ أو تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، حتى لا يفهم من تلك الصيغة أي درجة من التعاطف أو التبرير للجريمة رغم رفض المجلس للتطاول على مقام النبوة الشريف بطبيعة الحال.

وأود التأكيد على أن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث هو صمام أمان للمجتمعات الأوروبية ضد الأفكار المتشددة، وقد خصص عددا من الدورات للتأكيد على رسالة المسلمين الحضارية في المجتمعات الأوروبية ونبذ كل صور العنف والتطرف وضرورة الالتزام بقوانين البلاد، منها: دورة فقه العيش المشترك، ودورة أحكام العلاقات الاجتماعية في أوروبا ودور المسلمين في تعزيزها، ودورة هدي الإسلام في إقرار السلام والأمان ودفع الظلم والعدوان، كما خصص المجلس ندوة لفقه التعامل مع الإساءة للمقدس في مدينة باريس.

“ماكرون” حاول تبرير مواقفه قائلا في لقائه مع “قناة الجزيرة” إن عباراته حُرّفت وتم إخراجها عن سياقها.. كيف استقبلتم هذا الأمر؟ وما المطلوب من ماكرون اليوم؟

في تقديري أن الرئيس ماكرون أعاد ما قاله في خطاباته السابقة في مقابلته مع قناة الجزيرة، فقط أعاد الصياغة وتركيب الجمل على نحو يشعر بالتراجع والتهدئة، وهو خطاب ذكي أُعد وأُخرج بإحكام، ومع ذلك نحن نرحب بكل خطوة وكلمة تخفف من الاحتقان والتوتر وتعيد الأمن والسلام النفسي والاجتماعي للناس.

والمطلوب من الرئيس ماكرون أن يُغلّب خطاب التصالح والتهدئة، وأن يقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين كرئيس لكل الفرنسيين، وأن يتوقف جميع الساسة والإعلاميين عن إطلاق وصف التطرف على دين الإسلام وإثارة مليارين من أتباعه حول العالم فقط لمجرد أن مسلما ارتكب جريمة بشعة أدانتها المؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا بل وفي العالم كله، فنحن كما أننا لا نقبل وصف أي دين غير الإسلام بالإرهاب أو التطرف إذا ارتكب أحد أتباعه جريمة نرفض هذا الوصف للإسلام والمسلمين.

هل موقف “ماكرون” من هذه الأزمة مرتبط بالانتخابات الرئاسية المقررة بعد نحو عام ونصف أم لا؟

لا شك أن الملف كله سياسي، وأنه يزايد به على خصومه السياسيين، ويحاول استقطاب الأصوات التي ذهبت لهم، كما يغطي به على عدم نجاحه في عدد من الملفات الداخلية.

كيف ترون الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي ماكرون سابقا ضد ما وصفه بـ “الانعزالية الإسلامية” التي تسعى إلى إقامة “نظام مواز” ينكر قواعد النظام الجمهوري حسب قوله؟ وهل هناك “انعزالية إسلامية” في فرنسا أو أوروبا؟

في تقديري أن المسلمين في فرنسا من أكثر الناس اندماجا وتفاعلا مع المجتمع، وقد أثروه وأضافوا إليه في مختلف المجالات، وجسّدوا قيم المواطنة الحقيقية، ولم يصدر حسب علمي عن أي فرد أو مؤسسة في فرنسا أي تأييد أو دعم أو قبول لأي حوادث عنف رغم تأذيهم من التطاول على أحب خلق الله إلى قلوبهم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعكس الولاء والانتماء الواضح لديهم لوطنهم الفرنسي، وبالتالي فالحديث عن الانعزالية غير منطقي وغير واقعي، ولن يفضي إلى خير حقيقي للمجتمع.

هل تتوقع هدوء وتجاوز الأزمة قريبا أم أن الأوضاع قد تتأزم أكثر خلال الفترة المقبلة؟

أتمنى أن تنتهي الأزمة في أقرب وقت، ولكن انتهاءها مرهون بما سيحدث على أرض الواقع من أحداث، والمطلوب من الرئيس ماكرون أكثر من المطلوب من المسلمين ومؤسساتهم، فهو بصفته رئيسا للجميع يتعين عليه أن يقدم خطابا تصالحيا هادئا يوقف التوتر والشحن الذي لن يستفيد منه أحد.

هل هناك حوار بين الجاليات المسلمة في أوروبا وبين الحكومات الأوروبية؟ وهل يتم إشراك المسلمين في تهدئة الأوضاع أم لا؟

هذا يختلف من بلد إلى بلد، ومن حكومة إلى حكومة، والمسلمون ومؤسساتهم حريصون على التواصل والعمل الدائم على ترسيخ قيم المواطنة والسلم الاجتماعي.

البعض يطالب بتشريع عالمي يجرم إهانة النبي محمد.. كيف ترون هذا المطلب؟

القوانين وحدها لا تكفي لبلوغ هدف أو تحقيق قصد، وأذكّر هنا بالحكم القضائي الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لا تندرج ضمن حرية التعبير، وذلك في 15 شباط/ فبراير 2011، حيث أيدت المحكمة حكما محليا بتغريم سيدة نمساوية 480 يورو لإطلاقها تصريحات مسيئة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ورأت أن المحكمة المحلية وازنت بدقة بين حق المرأة في حرية التعبير، وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية والحفاظ على السلام الديني في النمسا.

ليس بالقانون وحده تمنع الإساءة للمقدسات، لابد من العمل على توعية المجتمع بمفهوم المقدس عند المسلمين وتعريفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيم رسالته العالمية، ودراسة أوسع للملف واستيعاب للفكر الغربي وثقافته وتاريخه ومفهومه وممارسته لحرية التعبير، والعمل بمنهجية التجاهل للتطاول والاستمرار في العمل والإنجاز.

برأيك، ما هو الأسلوب الأنجع في احتواء هذه الأزمة والخروج منها؟

على الساسة والرؤساء والإعلاميين التوقف عن الشحن والتسخين الإعلامي والتوظيف السياسي للأحداث، والتعامل بحياد وموضوعية معها، وتغليب صوت الحكمة والعقل والمصلحة العامة، وعلى المسلمين ومؤسساتهم التمسك والتشديد على رفض العنف وعدم التفاعل مع أي استفزاز وتبني خطاب مسؤول ينطلق من البصر بالواقع واستشراف المستقبل والحساب الدقيق للمآلات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى