تقارير وإضاءات

فرنسا.. كيف أصبح اضطهاد المسلمين أشبه باضطهاد اليهود في الثلاثينات؟

فرنسا.. كيف أصبح اضطهاد المسلمين أشبه باضطهاد اليهود في الثلاثينات؟

بضعة أشهر فقط، تفصل الفرنسيين عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي يبدو أنها ستكون ساخنة، وذلك على ضوء ما بدت عليه المنافسة من شدة بين مختلف المرشحين ممثلين في غالبية التوجهات والتيارات السياسية في فرنسا.

وأصبحت بذلك بعض الملفات والقضايا الشائكة، محور التنافس بين الفرقاء، يسعى فيها كل طرف لاستمالة جمهوره وكسب المزيد من الأصوات بناء على موقفه ووجهة نظره من القضية الخلافية.

فإلى جانب القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قررت بعض الشخصيات استدعاء “الذاكرة التاريخية” لتوجيه آراء الشارع الفرنسي، على غرار ما يحاول إثارته باستمرار الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون إلى جانب بعض المرشحين عن التيار اليساري.

وعلى نفس المنوال، ومحاولة لإضعاف المعسكر اليميني المتطرف ووضعه في الزاوية قالت المرشحة الاشتراكية، آن هيدالغو، خلال اجتماع جماهيري لها بمدينة بربينيان الفرنسية يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إن “لغة الثلاثينيات ضد اليهود تنطبق اليوم على المسلمين”.

وهاجمت هيدالغو، في خطابها، التيار اليميني المتطرف الذي يُروج خلال حملته الانتخابية على لسان مرشحيه، ومن أبرزهم إيريك زمور، العنصرية ومعاداة المسلمين والمهاجرين ودعت إلى توحيد الفرنسيين.

واستدعى تشبيه هيدالغو وضعية المسلمين، بوضعية اليهود خلال فترة الثلاثينات، انتباه الكثيرين ليتساءلوا عن وقائع ذلك.

فرنسا تضطهد اليهود وترحلهم

سبق وأن تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حقبة مظلمة في التاريخ الفرنسي تتعلق باضطهاد اليهود. فأثار بذلك حفيظة اليمينيين، وفي مقدمتهم إيريك زمور، الذي اعتبر أن ماكرون يوظف التاريخ الفرنسي ويتلاعب به.

وعن هذه المرحلة التاريخية، فقد كشفت العديد من المصادر التاريخية أنه بعد تولي المارشال فيليب بيتان قيادة حكومة فيشي عام 1940، إثر الانتصارات التي حققها خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وتصديه للهجوم الألماني على فرنسا، انتهج سياسة معادية تجاه العائلات اليهودية في فرنسا.

ودخل المارشال بيتان في تحالف وتعاون سري مع الألمان بعد توليه الحكم. وفي إطار التعاون والتنسيق المشترك بين الطرفين، اعتقل بيتان آلافاً من اليهود وارتكاب المجازر في حقهم ورحّل آلافاً منهم إلى معسكرات الاعتقال الألمانية.

وأكد لاحقاً عدد من المصادر التاريخية والرسمية ترحيل حوالي 75 ألف يهودي من فرنسا في ذلك الوقت وذلك من 330 ألفاً كانوا يسكنون هناك، قُتل معظمهم في المعسكرات الألمانية ولم ينج منهم سوى بضعة آلاف.

وتعليقا على هذه الحادثة التي وصمت آنذاك التاريخ الفرنسي بالظلام والاستبداد، قال ماكرون خلال حفل تكريم المارشال بيتان : “من المشروع تماما أن نُشيد بالقادة الذين قادوا الجيش نحو النصر، وبينهم بطبيعة الحال فيليب بيتان” الذي تعامل خلال الحرب العالمية الثانية مع الاحتلال النازي وكان على رأس حكومة فيشي التي أسهمت في نقل يهود فرنسا إلى المحارق النازية.

ويشير المؤرخون إلى ترويج فكرة، آنذاك، مفادها أن اليهود يمثلون مشكلة ويعتبرون تهديداً لهوية الدولة الفرنسية، وهو نفس الاتهام الذي يوجَّه اليوم للمسلمين في فرنسا.

وعلى الصعيد ذاته، قال عالم الاجتماع الفرنسي، البروفيسور رفائيل ليوجير في حديث سابق مع الأناضول إثر انتشار الصور المسيئة للنبي محمد في فرنسا: ” إنني أعتقد بأن هذه الرسوم تحتوي على العنف. هناك قاسم مشترك بين ما عاشه اليهود في ثلاثينيات القرن الماضي وما يحدث للمسلمين اليوم”.

وأوضح ليوجير أن الرسوم الكاريكاتورية بحق النبي محمد عليه السلام، تشبه تلك التي رسمتها مجلات اليمين المتطرف في فرنسا بحق اليهود في ثلاثينيات القرن الماضي.

مسلمو فرنسا.. عزلة واضطهاد

انتهز بعض الناشطين والناقدين الموضوع اليهودي للإضاءة على الاضطهاد والتضييق الذي يعيشه مسلمو فرنسا اليوم. وتشتد وطأته يوما بعد يوم، وسط حملات التحريض التي يشنها المعسكر اليميني المتطرف، الذي عُرِف بعدائه التاريخي للإسلام والمسلمين.

فرغم أن المسلمين في فرنسا يزيدون اليوم على 6 ملايين نسمة وفق إحصائيات رسمية، فإنهم يعيشون في عزلة واغتراب وانعدام للأمن، عززته القوانين التي شددت قبضة الدولة على كافة مناحي حياتهم. ويواجهون في الأثناء العنصرية والكراهية نتيجة التحريض الإعلامي الذي وضعهم في قفص الاتهام، واختارهم، بتوجيه سياسي وايديولوجي، كبش فداء لكل عملية “إرهابية” تحدث في فرنسا.

وطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، خطته في مكافحة ما أسماه “النزعات الإنفصالية” وذلك ضمن قانون “تعزيز قيم الجمهورية”، ليأخذ النقاش لاحقاً منحى آخر غير محاولة دمج المسلمين ومراقبة قنوات تمويل الجمعيات والمساجد، إلى محاربة الحجاب ومزيد التضييق القانوني عليه، والتدخل في كافة مناحي الحياة الخاصة بالمسلمين.

فمُنع مؤخراً ارتداء الحجاب لأي فتاة يقل سنها عن 18 عاماً في الأماكن العامة، وأجيز السماح للمسابح العامة بمنع ارتداء البوركيني إضافة إلى منع الأشخاص المرافقين للتلاميذ في الرحلات المدرسية ارتداء الحجاب أو أي رمز ديني.

واستمر التضييق على المسلمين، واستهدفت السلطات الفرنسية كافة المرافق والمؤسسات التي ينضوون إليها، وأقدمت مؤخراً على إغلاق 21 مسجداً وأغلقت العديد من المنظمات والجمعيات.

المصدر: TRT عربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى