كتب وبحوث

أصول حُكم الشُّعوب المسلمة ومقاييس تطبيق العدالة 8 من9

أصول حُكم الشُّعوب المسلمة ومقاييس تطبيق العدالة 8 من9

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

تجدر الإشارة في هذا السياق أنَّ السَّادات قد أعلن في خطاب رسمي، كان آخر خطاب يلقيه أمام مجلس الشَّعب، وكان تحديدًا في 5 سبتمبر 1981م، أي قبل شهر ويوم من اغتياله، عزله الأنبا شنودة الثَّالث، بابا الإسكندريَّة وبطريرك الكرازة المرقسيَّة، وفي هذا نشر موقع صوت المسيحي الحرِّ مقالًا يذكر اتِّهام السَّادات بابا الأقباط بالسعي إلى فرض زعامته، بتأسيس دولة للمسيحيين في جنوب مصر، برغم ميل السَّادات إلى اختياره عام 1971م، خلفًا للأنبا كيرلس السَّادس.

البابا شنودة والرؤساء.. السَّادات ينكل بالبطريرك ومبارك بكاه

في ذكرى رحيل مثلث الرَّحمات البابا شنودة الثَّالث، نستعرض أهم محطاته في علاقته مع الرُّؤساء وكيف كانت علاقة الكنيسة مع النِّظام خلال فترة اعتلائه للكرسي البابوي. أحداث الخانكة واشتعال الصِّراع بين البطريرك والرَّئيس كانت أحداث الخانكة في عام 1972 هي الوقود الَّذي أشعل فتيل الأزمة والخلاف بين الرَّئيس والبطريرك، حيث تفاقمت الأحداث الطَّائفيَّة، وألقى السَّادات خطابًا في مجلس الشَّعب تحدث فيه عن المطامع السِّياسيَّة للبابا الَّذي يعمل على أن يكون زعيمًا للأقباط في مصر، ويسعى لإنشاء دولة للأقباط في صعيد مصر تكون عاصمتها أسيوط. السَّادات ينفي البابا ويحدد إقامته قرر الرَّئيس الرَّاحل محمد أنور السَّادات في سبتمبر 1981م، إلغاء القرار الجمهوري بالموافقة على انتخاب البابا شنودة الثَّالث بطريركًا، وتم عزله وتعيين لجنة خماسيَّة لإدارة الكنيسة، وتحددت إقامته في الدير. علاقة البابا شنودة بالسَّادات انتهت بخريف الغضب وهيكل وصفه بـ البطريرك المقاتل تناول الكاتب الرَّاحل محمد حسنين هيكل، علاقة الرَّئيس الراحل أنور السَّادات بالبابا شنودة الثَّالث، وما شابها من تعقيدات وتشابكات عديدة، وشهادته بكتاب خريف الغضب عن قرارات سبتمبر 1981.

ووجَّه السَّادات، في خطابه الأخير، نقدًا مباشرًا للأنبا شنودة، متِّهمًا إيَّاه بأنَّه أراد أن يصبح زعيمًا وطنيًّا، بدافع من شعوره بتعرُّض الأقباط للاضطهاد. أنهى السَّادات خطابه بإعلان قرار، هو آخر إعلان لقرار اتَّخذه والتقطته عدسة الكاميرا، جاء فيه “إلغاء قرار رئيس الجمهوريَّة رقم 2782 لسنة 71 بتعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندريَّة وبطريركًا للكرازة المرقسيَّة…وتشكيل لجنة للقيام بالمهام الباباويَّة من خمسة من الأساقفة، هم الأنبا ماكسيموس، أسقف القليوبيَّة…ثانيًا، الأنبا صمويل، أسقف الخدمات العامَّة وكنائس المهجر…ثالثًا، الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي…رابعًا، الأنبا اثناسيوس، أسقف بني سويف والبهنسة…خامسًا، الأنبا يوأنَّس، أسقف الغربيَّة…لكي لا تبقى الكنيسة بدون من يمثِّلها لدى الدَّولة…ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربَّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الَّذين من قبلنا ربَّنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقةَ لنا به واعفُ عنَّا واغفر لنا وارحمنا أنتَ مولانا فانصرنا على القوم الكافرين”.

إذا كانت زيارة السَّادات للقُدس في نوفمبر 1977م هي سبب تفجُّر الأزمة بينه وبين الحركات الإسلاميَّة في مصر، فهذه الزيارة لم تكن الأولى؛ حيث أنَّه سبق وأن زار القُدس عام 1955م، والمفارقة أنَّ هدف الزيارة تعلَّق بالحدِّ من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، الَّذي كان قد وصل إلى القُدس والأردن. تضمَّنت النسخة الصَّادرة بالإنجليزيَّة من كتاب البحث عن الذَّات (1978م) للسَّادات عن قصَّة حياته، إشارة إلى تلك الزيارة، الَّتي كان يشغل وقتها منصب الأمين العام لمنظَّمة المؤتمر الإسلامي، وكان هدفها المعلن عقد مؤتمر للشعوب الإسلاميَّة تحت رعايَّة المنظَّمة. ويظهر السَّادات في الصُّورة، مع شخصيَّات عربيَّة بارزة، أمام مصلَّى قُبَّة الصَّخرة، في المسجد الأقصى المبارك

صورة 1.8-السَّادات في ساحة المسجد الأقصى المبارك-عام 1955م

وبحسب ما ذكر مارتن كريمر، أستاذ تاريخ الشَّرق الأوسط الحديث في شاليم الإسرائيليَّة، وكما نقل عنه موقع إضاءات بتاريخ 19 نوفمبر 2016م، فإنَّ زيارة السَّادات تزامنت مع عمليَّة تجديد المسجد الأقصى، الَّتي تعهَّد مصر بالإسهام في تكاليفها، لكنَّ السَّادات كان يهدف إلى تأسيس مركز ثقافي إسلامي، يقع تحديدًا فوق مقبرة اليهود في جبل الزيتون، المطل على مصلَّى قبة الصخرة. ويدَّعي كريمر أنَّ الزيارة الأولى للسَّادات للقُدس كان لها أهدافٌ خفيَّة تتعلَّق بتقزيم دور الإخوان السِّياسي في المنطقة. ويشير المقال إلى وجود أجندة خفيَّة لزيارة السَّادات تلك.

قبل الزيارة التَّاريخيَّة: لماذا زار السَّادات القدس 1955

جاءت الزيارة في إطار سعي النِّظام المصري حينئذ لتحجيم نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، بعد احتدام الصِّراع بينهما، وانتقاله إلى ساحات إقليميَّة، وبالتَّحديد الأردن والقدس. ففي ديسمبر/كانون الأول 1953م، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد سبقت السَّادات إلى القدس، من خلال عقد مؤتمر إسلامي عالمي هناك، جمع العديد من نشطاء الجماعة في مصر وسوريا، وكذلك الحركات الإسلاميَّة القريبة لهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وقد سعت الجماعة من خلال هذا المؤتمر وضع نفسها طليعة النضال المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتحويل القدس إلى مركز دولي لجماعة الإخوان المسلمين. وقد شارك في هذا المؤتمر كل من «سيد قطب»، المنظر الأيديولوجي للجماعة في مصر، و«مصطفى السباعي»، المرشد العام للجماعة في سوريا، و«علال الفاسي»، رئيس حزب الاستقلال المغربي. وأدان المؤتمر القرارات الدُّوليَّة الَّتي منحت شرعيَّة الوجود للاحتلال.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى