كتب وبحوث

أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 3 من 7

أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 3 من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

تعاوُن الرَّوافض مع الصَّليبيين ضدَّ المسلمين على مرّ العصور

يوضح سرور أنَّ خطَّة تحريف صحيح الإسلام لصالح التَّرويج للفكر المجوسي تحت مسمَّى مذهب الرَّافضة كانت تُنفَّذ بإحكام في زمن الدَّولة العبَّاسيَّة، من خلال “تشويه التَّاريخ الإسلامي، ودسّ الأحاديث المكذوبة على رسول الله ﷺ، و …تجريح أعلام الصَّحابة” (ص71). لم يتوقَّف التَّأثير الفارسي زمن الدَّولة العبَّاسيَّة على العقائد الدّينيَّة والمذاهب الفكريَّة، بل امتدَّ إلى الحُكم، باقتطاع أبناء ملَّة الرَّافضة الباطنيَّة أجزاءً من دولة الإسلام واستقلالهم بالحُكم الذَّاتي فيها، ويُذكر في هذا السّياق تأسيس الدَّولة الفاطميَّة، أو العبيديَّة، في مصر والشَّام من القرن الرَّابع وحتَّى السَّادي الهجري، ودولة القرامطة، المنشقَّة عن الدَّولة الفاطميَّة، في الأحساء واليمن وعمان والبحرين، وكذلك الدَّولة البويهيَّة في العراق وفارس وسائر بلاد المشرق الإسلامي. بعد أكثر من قرنين من نشْر الفكر المضادّ لصحيح الإسلام، نجح صلاح الدّين الأيُّوبي في القضاء على النُّفوذ الرَّافضي في مصر والشَّام عام 562ه، تمهيدًا لتحرير الشَّام، وبخاصَّة بيت المقدس، من الغزو الصَّليبي. وجدير بالإشارة أنَّ الرَّوافض تعاونوا ضدَّ المسلمين سرًّا، وكان لهم دورٌ كبير في نجاح الحملة الصَّليبيَّة الأولى عام 1096م، الَّتي غزت ديار المسلمين في ظلّ سيطرة الدَّولة الفاطميَّة على الشَّام.

استمرَّ عداء الرَّوافض تجاه المسلمين في عهد الدَّولة الصَّفويَّة (1501-1736م)، وبدأ الشَّاه إسماعيل الصَّفوي، مؤسَّس تلك الدَّولة، في إبداء عدائه الصَّريح للمسلمين في فارس من خلال إجبار أهل السُّنَّة على ترْك مذهبهم واعتناق المذهب الرَّافضي، برغم ضآلة عدد المنتسبين إلى ذلك المذهب من أبناء فارس، مقارنةً بالأغلبيَّة السُّنّيَّة هناك. كما أورد أوجيه دي بوسبيك، سفير إمبراطوريَّة النَّمسا إلى الدَّولة العثمانيَّة في كتابه Itinera Constantinopolitanum et Amasianum (1581م)، الصَّادر عام 1927، في نسخة مترجَمة من اللاتينيَّة إلى الإنجليزيَّة تحت عنوان The Turkish Letters of Ogier Ghiselin de Busbecq, Imperial Ambassador at Constantinople 1554–1562-الخطابات التركيَّة لأوجيه غيزيلين دي بوسبيك، السفير الإمبراطوري في القسطنطينيَّة 1554-1562، إلى أنَّ عداء الدَّولة الصَّفويَّة للدَّولة العثمانيَّة صبَّ في مصلحة أوروبا، بأن عطَّل الزَّحف العثماني إليها وشغل المسلمين بالاقتتال مع عدو محسوب على الإسلام. يضيف دي بوسبيك أنَّ الشَّاه إسماعيل الصَّفوي أرسل إلى كارلوس الخامس، ملك إسبانيا وإمبراطور الإمبراطوريَّة الرومانيَّة المقدَّسة وأرشيدوق النمسا عام 1523م رسالة ينصحه فيها بشنّ هجمة مشتركة من الشَّرق والغرب على الدَّولة العثمانيَّة لإيقاف توسُّعها والقضاء عليها، لكنَّ الله شاء ألَّا يعبأ كارلوس الخامس بتلك الرّسالة إلَّا بعد وفاة إسماعيل الصَّفوي.

وصلت الدَّولة الصَّفويَّة إلى أوج عظمتها في عهد الشَّاه عبَّاس الصَّفوي (1588-1629م)، وشهد عهده تعاونًا واسع مع الإنجليز، وبخاصَّة في إضعاف الدَّولة العثمانيَّة بإثارة الفتن وإشعال الحروب. تعاوَن عبَّاس الصَّفوي تجاريًّا مع فرنسا وهولندا والبرتغال، وبلغت درجة تماهي الدَّولة الصَّفويَّة مع القوى الغربيَّة المسيحيَّة أن بنى عبَّاس الصَّفوي الكنائس في بلاده، وسمح بعمل المبشّرين والقساوسة في الدَّعوة إلى المسيحيَّة، كما يشير الدُّكتور سليم واكيم في كتابه إيران في الحضارة (1976م). لم يتوقَّف الانحراف العقائدي عند عبَّاس الصَّفوي عند ذلك الحدّ، حيث أنَّه سعى إلى نقْل حجّ الفُرس من مكَّة المكرَّمة إلى مدينة مشهد، الواقعة في إقليم خراسان، بل وسار على قدميه إلى تلك المدينة من أصفهان، تعبيرًا منه عن تقديس مرقد الإمام عليّ الرّضا هناك، ومن هنا اكتسبت مشهد قداستها لدى الشّيعة، كما يقول حسن محمد جوهر ومحمد مرسي أبو الليل في كتاب إيران (1961م). ويشير الشَّيخ محمَّد سرور كذلك إلى أنَّ نشأة الدّيانة البابيَّة، الممهّدة للبهائيَّة، كانت بتشجيع من الشَّاه عبَّاس الصَّفوي، الَّذي كانت “دعوته وأفكاره مرتعًا لمثل تلك الأفكار المتطرّفة المنحرفة” (ص88).

ماذا كان وراء تمكين الاستعمار الغربي للعلويين في سوريا؟

يعرِّف الموقع الرَّسمي لسماحة الشَّيخ ابن باز، أستاذ الفقه الإسلامي وعلم الحديث والرَّئيس الأسبق لهيئة كبار العلماء ومفتي المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، النُّصيريَّة، أو العلويَّة، بأنَّها إحدى فرق الرَّافضة الباطنيَّة، تؤلِّه الإمام عليَّ ابن أبي طالب (كرَّم الله وجهه)، وهو يتَّبعون التَّقيَّة في إظهار الإسلام، وإبطان الكُفر به من خلال اتِّباع عقائد وطقوس تتنافى مع صحيح السُّنَّة. أسَّس هذه الفرقة الضَّالة أحد أتباع الإماميَّة الاثني عشريَّة، اسمه محمد بن نصير البصري النُّميري، ادَّعى النُّبوَّة والرِّسالة، وخلَع على نفسه صفه نائب الإمام المهدي، الإمام الثَّاني عشر، في غيبته الصُّغرى. وقد جاء في كتاب الغيبة للمرجع الشِّيعي البارز الطُّوسي أنَّ أتباع النُّصيريَّة يعتقدون أنَّ النُّميري هو الباب الشَّرعي للإمام المهدي والمؤتَمن على أسراره، خاصَّة وأنَّه عاصَر الإمام الحسن العسكري ذاته. إلى جانب تقديس الإمام عليِّ، يقدِّس أتباع النُّصيريَّة سلمان الفارسي من بين صحابة النَّبي (ﷺ)، والأغرب أنَّهم يقدِّسون عبد الرَّحمن بن ملجم، قاتل الإمام عليِّ؛ كونه خلَّص اللاهوت من النَّاسوت، أي الرُّوح من الجسد، ولا يقبلون سبَّه.

نشأة النُّصيريَّة

يتناول هاشم عثمان في كتابه العلويُّون بين الأسطورة والحقيقة (1985م) تاريخ النُّصيريَّة منذ نشأتها وتطوُّرها إلى ما يُعرف بالمذهب العلوي. يشير عثمان إلى أنَّ تاريخ نشأة هذه الفرقة المبتدعة غير محدد، وإن كان البعض يعتقد أنَّ هذه الفرقة تُنسب إلى نُصير، مولى الإمام عليِّ بن أبي طالب، ممَّا يعني ظهورها في النِّصف الأوَّل من القرن الأوَّل الهجري. غير أنَّ الرَّأي السَّائد بين علماء الإسلام هو أنَّ نشأة هذه الفرقة كان على يد محمد بن نصير البصري النُّميري، المتوفَّى عام 259ه، ويرجِّح كامل مصطفى الشَّيبي، أستاذ الفلسفة الإسلاميَّة بجامعة بغداد، في كتابه الصِّلة بين التَّشيُّع والتَّصوُّف أنَّ يكون ظهور النُّصيريَّة في النِّصف الثَّاني من القرن الثالث الهجري، دون تحديد تاريخ بعينه، ويرى الدُّكتور عمر فرُّوخ في كتابه تاريخ الفكر العربي (1983م)أنَّ نشأة النُّصيريَّة تزامَن مع نشأة الدُّرزيَّة. هذا وقد أشار أبو الفرج الملطي في كتابه تاريخ الدُّول السِّرياني إلى أنَّ ظهور النُّصيريَّة كان في عام 278ه، الموافق 891م، في قرية النَّاصريَّة في أطراف الكوفة في العراق، على يد إمام تظاهر بالزُّهد والتَّقوى، وادَّعى أنَّ رأى المسيح كلمة الله وأحمد بن محمَّد بن الحنفيَّة والملاك جبريل في صورة شخص واحد، قال له أنَّه الدَّاعي وحامل الرِّسالة الإيمانيَّة، وأمره بالصَّلاة ركعتين قبل شروق الشَّمس وركعتين قبل غروبها تجاه “أورشليم”، وليس مكَّة المكرَّمة، كما أمره بالتَّقليل من الاغتسال والإكثار من شُرب المُسكرات. يجد هاشم عثمان أنَّ تاريخ نشأة النُّصيريَّة المذكور في كتاب تاريخ الدُّول السِّرياني لأبي الفرج الملطي، يتَّفق مع التَّاريخ المعروف لنشأة فرقة القرامطة، وأنَّ مؤسس الفرقة الأولى تتَّفق مواصفاته مع ما يروى عن حمدان بن الأشعث، المعروف بـ “قرمط”، وهو أحد دُعاة الشِّيعة الإسماعيليَّة.

عقائد النُّصيريَّة وطقوسها

يذكر الدُّكتور مصطفى الشَّكعة، أستاذ اللغة العربيَّة وعضو مجلس البحوث الإسلاميَّة، في كتابه إسلام بلا مذاهب (1961م) أنَّ أتباع النُّصيريَّة يختلفون في صلاتهم عن صلاة المسلمين في أنَّ صلاتهم لا سجود فيها ولا تستلزم التَّطهُّر، كما يُسقطون صلاة الجمعة ويرفضون الصَّلاة في مساجد، بل ويحاربون تشييدها. يؤدِّي النُّصيريُّون طقوسًا أشبه بطقوس المسيحيين المعروفة بالقُدَّاس، كما يذكر الدُّكتور غالب بن عليِّ عواجي، عضو هيئة التَّدريس بالجامعة الإسلاميَّة في المدينة المنوَّرة، في كتابه فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (1998م)، مضيفًا أنَّ من بين تلك القُدَّاسات “قدَّاس الطَّيب لكل أخ وحبيب، وقدَّاس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور، وقداس الأذان وبالله المستعان” (ص575).

ويذكر هاشم عثمان في كتابه العلويُّون بين الأسطورة والحقيقة (1985م) أنَّ مصطلح “النُّصيريَّة” أصبح مقترنًا بالعديد من البدع والضَّلالات والتَّحريفات الصَّريحة لصحيح العقيدة الإسلاميَّة، وهو يتضمَّن “الفتن، والانقسامات والميول، والأهواء والنَّزعات، والمذاهب الفلسفيَّة، والعداوات المذهبيَّة”، إلى جانب الدَّس وتزييف الحقائق (ص43). وتشتمل عقائد النُّصيريَّة على مزيج من العقائد المنسوبة إلى الأمم الوثنيَّة، مندمجة مع فلسفة المجوس والمعتقدات المسيحيَّة واليهوديَّة، وكذلك الآسيويَّة والشَّرقيَّة، وما يدلُّ على ذلك احتفالهم بعيد النَّيروز الذي احتفل به قدماء المصريين الوثنيين ويحتفل به المسيحيُّون والفرس إلى يومنا هذا. لا مجال للاندهاش إذًا بمعرفة أنَّ أتباع النُّصيريَّة يخالفون المسلمين في الاحتفال بعيد الأضحى يوم الثَّاني عشر من ذي الحجَّة، وليس العاشر من الشَّهر ذاته، وأنَّهم يحتفلون بأعياد مسيحيَّة، مثل عيد الميلاد وعيد الغطاس وعيد الصَّليب. وينقل عثمان عن حمزة بن عليِّ، وهو أحد دعاة فرقة الشِّيعة الإسماعيليَّة ومجادليها، اتِّهامه أتباع النُّصيريَّة بارتكاب فظائع تخالف صحيح الإسلام، تُضاف إلى إيمانهم بتناسخ الأرواح وتجسُّد الرَّبِّ الخالق في صورة الإمام عليِّ بن أبي طالب، من بينها عدم تحريم القتل والسَّرقة والكذب والافتراء، وإطلاق العنان للشَّهوات الجسديَّة ليصل الأمر إلى عدم تحريم نسائهم على بعضهم البعض، ولعلَّ في ذلك ما يشابه زواج المُتعة عند الشِّيعة اليوم.

التَّشابه بين النُّصيريَّة والغنوصيَّة

يشير هاشم عثمان في كتابه (1985م) آنف الذِّكر، إلى وجود تشابهات عقائديَّة بين النُّصيرَّيَّة وبين الفرق الباطنيَّة المحسوبة على الدِّيانات السَّماويَّة، منها الغنوصيَّة شديدة التأثير على المسيحيَّة، ومنها كذلك العلي إلهيَّة المنبثقة عن بعض الفرق الشِّيعيَّة المغالية، ومنها البكتاشيَّة، وهي إحدى الطُّرق الصُّوفيَّة التي تؤلِّه الإمام عليِّ. تشترك تلك العقائد مع النُّصيريَّة في الإيمان بالحلول والتجسُّد وتناسُخ الأرواح ونزول الحكمة الإلهيَّة في صورة فيوض نورانيَّة أثناء الجلسات التأمُّليَّة، أو الخلوات الصُّوفيَّة. كما سبق تعريفها في كتاب القبَّالة في ميزان القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة (2019م)، فالغنوصيَّة هي عقيدة تشترك فيها الدِّيانات الوثنيَّة الآسيويَّة القديمة، تعتبر أنَّ “تعتبر أنَّ الكون المادي هو انبثاق للرب الأعلى الذي وضع الشعلة الإلهيَّة في صلب الجسد البشري. ويمكن تحرير أو إطلاق هذه الشعلة عن طريق معرفتها، أي ‘أغنصتها’” (ص37-38). ويحتاج الوصول إلى “المعرفة الروحيَّة النابعة من فيض النور الإلهي” الانخراط في رياضة روحيَّة تقوم على “التَّقشُّف وترويض النفس أمام الشَّهوات” (ص237). انتقلت العقائد الوثنيَّة الآسيويَّة القديمة بدورها إلى صحيح الشَّريعة الموسويَّة وأدَّت إلى تحريف عقيدة بني إسرائيل، في فترة ما بعد السَّبي البابلي، أي بداية من القرن السَّادس قبل الميلاد، وقد عرفت تلك العقائد طريقها إلى صحيح رسالة عيسى بن مريم، رسول الله وكلمته، لتنشأ ما يُعرف الآن بالمسيحيَّة.

يوضح ذلك التَّعريف للغنوصيَّة اشتراكها مع القبَّالة، وهي التُّراث الباطني اليهودي وتُعرف كذلك بأنَّها عقيدة التَّصوُّف اليهودي، وممَّا يؤكِّد ذلك تعريف الدُّكتور مجدي وهبة، أستاذ أدب اللغة الإنجليزيَّة بجامعة القاهرة، للغنوصيَّة في معجم المصطلحات العربيَّة في اللَّغة والأدب (1984م) بأنَّها “مذهب تلفيقي يجمع بين الفلسفة والدِّين…وتلتقي فيه الأفكار القبَّاليَّة بالأفلاطونيَّة الحديثة“، نقلًا عن عثمان (ص206). ولا يختلف ذلك التَّعريف عن تعريف المؤرِّخ الدُّكتور محمَّد شفيق غربال للغنوصيَّة في كتابه الموسوعة العربيَّة الميسَّرة (1965م)، بأنَّها “حركة فلسفيَّة ودينيَّة نشأت في العصر الهلنستي، وأساسها: أنَّ الخلاص يتمُّ بالمعرفة أكثر ممَّا يتمُّ بالإيمان والأعمال الخيِّرة”، مضيفًا أنَّ أتباع الغنوصيَّة تأثَّروا بالفرقة الإسينيَّة لليهود في إيمانها بالوصول إلى “الحكمة الإلهيَّة” من خلال جلسات تأمُّليَّة للذِّكر والإيماء بالجسد، وأنَّهم “أدمجوا في تعاليمهم شيئًا من السِّحر“، نقلًا عن عثمان (ص207). هذا ويعتبر مؤلِّف العلويُّون بين الأسطورة والحقيقة أنَّ النُّصيريَّة بعيدة عن الغنوصيَّة في كثير من العقائد، من بينها عدم إباحة الغنوصيَّة إطلاق العنان للشَّهوات وإباحتها المسكرات، وأنَّ الأولى أقرب إلى العليِّ إلهيَّة من ناحية تأليه الإمام عليِّ بن أبي طالب. أمَّا عن درجة تشابُه النُّصيريَّة مع البكتاشيَّة، فهي تكاد تصل إلى التَّطابق؛ لأنَّ البكتاشيَّة، برغم ادِّعائها الانتماء إلى السُّنَّة، تشترك مع النُّصيريَّة في الإيمان بثالوث إلهي، يتكوَّن في حالة البكتاشيَّة من الله ومُحمَّد (ﷺ) وعليِّ، بينما يتكوَّن في النُّصيريَّة من عليِّ-باعتباره تجسيد الإله-ومُحمَّد (ﷺ) وسلمان الفارسي، هذا إلى جانب التوسُّل بأهل البيت النَّبوي، والإيمان بالإماميَّة الاثني عشرية، والاحتفال بعيد النَّيروز.

لاهوت النُّصيريَّة

يعترف الباحث تورشتين شيوتز وورن دراسته عن النُّصيريَّة في سوريا، التي تحمل عنوان الخوف والمقاومة: بناء الهويَّة العلويَّة في سوريا (2007م)، بأنَّ عقيدة النُّصيريَّة يكتنفها الغموض وتمتاز بالسِّريَّة، مشيرًا إلى وصْف الرَّحالة الأوروبيين تلك العقيدة بأنَّها مزيج بين “التَّأثيرات الإسلاميَّة والوثنيَّة والمسيحيَّة”، وإلى سريَّة الكتب المقدَّسة عند النُّصيريَّة، التي لم يُنشر منها سوى كتاب المجموع عام 1859م. ينقسم العلويون إلى قسم، ملقِّنين وعامَّة الجمهور؛ يُسمح للملقِّنين وحدهم تعلُّم “الأسرار الدَّاخليَّة للإيمان”، بينما تقتصر معرفة العامَّة على ما يُصرَّح به لها (ص10-11). ويتألَّف المفهوم الإلهي لدى العلويين من ثالوث “المعنى الخفيّ لله، والتَّعبير الخارجي للمعنى، والمبشِّر”؛ أمَّا عن المعني الخفيّ، فهو عليٌّ الذي يرقى إلى الذَّات الإلهيَّة؛ وأمَّا عن التَّعبير الخارجي، فهو مُحمَّد (ﷺ)؛ وأمَّا عن المبشِّر، أو الموصِّل، فهو سلمان الفارسي (ص11). يُلاحَظ أنَّ النبيَّ (ﷺ) يوضع في مرتبة أدنى من عليٍّ في الثَّالوث الإلهي، ولكنَّه لم يزل يتَّصف بصفة الألوهيَّة. وبرغم تنافي ذلك المعتَقد مع صحيح الإسلام بالكليَّة، وبرغم اعترافهم كتابهم المقدَّس المسمَّى المجموع بإيمانهم بتناسُخ الأرواح وغير ذلك من البدع، يُصرُّ العلويون على أنَّهم مسلمون، ويرفضون اعتبارهم من غلاة الشِّيعة، بل ويعتبرون اتِّهام أهل السُّنَّة لهم بالتَّقيَّة، بتظاهرهم بممارسة الشَّعائر القشريَّة الخاوية من المضمون، بأنَّه “مزاعم لدى المسلمين المتطرِّفين” (ص11). هذا وقد أصدرت جماعة من صفوة الطَّائفة العلويَّة عام 1973م، أي بعد استتباب الأمور للرَّئيس العلوي حافظ الأسد الذي بارك تلك الخطوة وربَّما كان وراءها، بيانًا تندِّد فيه إنكار انتماء الطَّائفة العلويَّة إلى الإسلام، وتؤكِّد فيه كذلك اتِّباعها المذهب الشِّيعي الاثني عشري، أو الجعفري، وتشير إلى أنَّ كتابها هو القرآن وأنَّها ملتزمة بالأركان الخمسة للإسلام.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى