تقارير وإضاءات

في كتاب مليء بالألم والأمل والثبات.. الشيخ عكرمة صبري يروي محطات من جولاته ومسيرته

في كتاب مليء بالألم والأمل والثبات.. الشيخ عكرمة صبري يروي محطات من جولاته ومسيرته

إعداد أسيل الجندي

في مؤتمر لخطباء المساجد بالمغرب عام 1987، اصطف المسؤولون لمصافحة الملك الحسن الثاني، وقبّلوا جميعا يده، وعندما حان دور الخطباء كان صبري أولهم فامتنع عن تقبيل يده، وهكذا فعل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

يوثّق كتاب “محطات من سيرتي وجولاتي” لمؤلفه خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، مواقف صعبة وتجارب تاريخية مرّ بها هذا الرجل، وإصراره، بالمقابل، على مجابهتها بمزيد من الثبات.

ولد الشيخ صبري عام 1938 في مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية، وتلقى تعليمه المدرسي بمدينة نابلس، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة في جامعة بغداد عام 1963.

وفي كتابه الذي صدر حديثا، تحدث عن سنوات دراسته في بغداد التي شهدت ظروفا سياسية مضطربة ومعقدة نتيجة الانقلابات العسكرية. وتطرق إلى إحدى النوادر التي عاشها هناك عندما افتتح القائد العسكري، عبد الكريم قاسم، مستشفى للأمراض العقلية وخطب قائلا: “أيها الشعب إن هذا المستشفى لي ولكم وللأمة العربية جمعاء”!

وعلق الشيخ صبري على تلك المقولة في كتابه بالقول: “يبدو أن عبد الكريم قاسم كان بعيد النظر وثاقب البصيرة”.

عاد من بغداد إلى القدس، حيث اشتغل معلما في مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية، وكان يدرّس اللغة العربية في المدرسة القبطية أيضا. وفي أحد الأعوام، تم الاستغناء عنه مع عدد من المعلمين المقدسيين بحجة وصول معلمين مصريين للتدريس في المدرسة على نفقة الحكومة المصرية.

كانت تلك الإقالة التعسفية الأولى التي تلقاها صبري من الحكومة الأردنية، ورفع على إثرها دعوى في المحكمة العدلية بالقدس تلقى مقابلها تعويضا بقيمة 250 دينارا أردنيا، دفعها مهرا لعروسه حينها.

الشيخ عكرمة صبري يؤم الصلاة في المسجد الأقصى بحضور الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات (الجزيرة)

مهام ومناصب

لاحقا عُين الشيخ مديرا لمدرسة ثانوية الأقصى الشرعية، وواجه عقبات خلال مهمته سرد تفاصيلها في كتابه الذي قسّمه لمحطات. وتحدث خلالها أيضا عن قسوة رحيل والدته ووالده الذي أصبح منصب خطيب المسجد الأقصى خاليا بعد وفاته عام 1973، وكان صبري أحد المتقدمين لملء هذا الشاغر، وتفوّق حينها على 20 منافسا.

عن هذا المنصب كتب صبري، أن إكرامية الخطيب الشهرية كان مقدارها 12 دينارا أردنيا، وأنه قدم طلبا لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عام 1985 عبّر من خلاله عن رغبته في أن يحتسب الخطابة لوجه الله تعالى، وهكذا صار حتى يومنا هذا.

استمرت مسيرته التعليمية رغم انشغاله بالتدريس والخطابة وفي تأسيس دار القرآن الكريم، فحصل على درجة الماجستير في الفقه والتشريع عام 1989، بالإضافة لشهادة مزاولة مهنة المحاماة الشرعية عام 1990، ولاحقا حاز على الدكتوراه في الفقه العام من جامعة الأزهر بمصر عام 2001.

عكرمة الخطيب

أفرد أحد فصول كتابه للحديث عن “عكرمة الخطيب” واستهله بجملة “لا أنسى أول خطبة جمعة ألقيتها في حياتي على منبر المسجد الأقصى بتاريخ 4-5-1973، حول هجرة الشباب إلى الدول الأجنبية”.

وتطرق إلى بعض الخطب التي ألقاها في الأقصى أمام مسؤولين وحكام، ومن بينهم الرئيس المصري محمد أنور السادات، وكتب عن ذلك اليوم “ألقيت الخطبة بأعصاب ثابتة ونبرة واضحة في حين كان السادات يتصبب عرقا وتظهر عليه آثار الاضطراب”، وكانت زيارته تتضمن حينها لقاء مسؤولين إسرائيليين.

كثيرة هي العقبات التي تعرض لها الشيخ في حياته المهنية، من بينها تغييب اسمه عن برنامج خطب الجمعة خلال شهر رمضان، والسبب “إفساحه المجال لرئيس الشؤون الدينية في تركيا محمد قرماز لإلقاء خطبة الجمعة في الأقصى”، وهو الأمر الذي رفضته سابقا الأردن (الوصية على الأوقاف الإسلامية في الأقصى).

اتصل حينها الديوان الملكي الأردني بعكرمة صبري معاتبا، ورد الأخير بأنه فعل ذلك إكراما لضيفه في الأقصى، كما أكرمه الضيف ذاته في تركيا سابقا.

أما “عكرمة الواعظ”، فهو فصل تطرق فيه لتعيينه عام 1974 مديرا عاما للوعظ والإرشاد، وخلال ذلك، عيّن الشيخ 73 واعظة و50 واعظا، جميعهم جامعيون، للتجول على المساجد كل في منطقته.

وقدّم صبري عام 1973 اقتراحا لمجلس الأوقاف بالقدس بإحياء ليلة القدر في الأقصى، بحيث يتم وضع برنامج ديني طيلة الليلة على أن تبقى أبواب المسجد مفتوحة للمصلين حتى الفجر، وما زال هذا البرنامج مطبقا حتى يومنا هذا.

أسس صبري أول دار للحديث الشريف في رحاب المسجد الأقصى عام 1980، وأول مجلة دينية ثقافية تصدر عن دائرة الأوقاف باسم “هدى الإسلام”، وأسس مجلة “الإسراء” أيضا.

عُيّن الشيخ مفتيا عاما للقدس والديار الفلسطينية عام 1994، وظل كذلك حتى أقالته السلطة الفلسطينية عام 2006. ومنذ عام 1998 حتى يومنا هذا يتولى عكرمة صبري رئاسة الهيئة الإسلامية العليا في القدس.

صورة من لقاء الشيخ عكرمة صبري الملك المغربي الحسن الثاني (الجزيرة)

رفض تقبيل أيادي الزعماء

لم تخلُ سطور كتاب “محطات من سيرتي وجولاتي” من المواقف المضحكة والمحرجة والحاسمة أحيانا، ومنها مع بعض حكام العرب، أحدهم ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، الذي طلب الاجتماع بضيوف مؤتمر “خطباء المساجد” المنظم في بلاده عام 1987، وكان من بينهم خطباء الأقصى والمسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.

بعد انتهاء الاجتماع اصطف المسؤولون المغاربة لمصافحة الملك وقبلوا جميعا يده، وعندما حان دور الخطباء كان الشيخ عكرمة أولهم فقرر عدم تقبيل يد الملك، وهكذا فعل لاحقا مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1996، وعندها انحنى الأخير وقبّل يد عكرمة صبري وليس العكس.

خلال استقباله للجزيرة نت في منزله بحي الصوانة للحديث عن كتابه، قال عكرمة صبري بابتسامة هادئة “عندما جاء دوري لمصافحة الملك قررت أن أحفظ كرامتي بما يليق بالعلماء، فسلمت عليه منتصب القامة ولم أقبل يده، لأنني لم أعتد أن أقبل يد حاكم”.

وأردف “أقبل يد والدي أو رجل كبير بالسن أو طفل، لكن لم يُحسب عليّ أن قبلت يد حاكم في حياتي، وأثنى حينها بقية الخطباء على موقفي واعتبروا أنني أنقذتهم من الحرج”.

تقاعد وإبعاد واعتقالات

وعن الأثمان التي دفعها الشيخ عكرمة صبري لثبات مواقفه تجاه القدس والمسجد الأقصى، قال إنه لم يندم يوما على أي منها سواء عادت عليه بالنفع أو الضرر.

وبسبب مواقفه، أحيل صبري للتقاعد 3 مرات إحداها على يد السلطة الفلسطينية، ومرتان من الحكومة الأردنية. بالإضافة للإبعاد المتكرر عن الأقصى، والاعتقالات والاستجوابات والمنع من السفر بأوامر سلطات الاحتلال.

بلغ الشيخ صبري 83 عاما، وما زالت مسيرته مستمرة، ورغم “محاولات كسره وتجويعه وأسرته”، إلا أنه يشعر بعد كل عقبة بانفراج من الله دفعه للتحرر من القيود والانطلاق أكثر، كما قال في ختام لقائه مع الجزيرة نت.

 

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى