مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢١٧) .. ذخائر الحرية

جواهر التدبر (٢١٧)

ذخائر الحرية

 

بقلم أ.د.فؤاد البنا

– الهداية الاختيارية:
إن الذين يسيرون في طريق الضلال ويغرقون في لجج الغواية، متعللين بأن الله لم يهدهم بعد وأنهم ينتظرونه حتى يمد لهم يد الهداية، إنما يغالط هؤلاء الجبريون أنفسهم بل ويسخرون من الله وتعاليمه التي أوضحت أن أسباب الهداية بيد الإنسان وأنه ما لم يقرع باب الهداية فلن ينفذ إلى بهوها العظيم، وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم …}[يونس: ٩]، فإن الله هو من يهديهم ولكن بإيمانهم، بما يعني أنهم اجتهدوا في الأخذ بأسباب الهداية فمنحهم الله النتيجة؛ ذلك أن الإيمان الذي يستوطن القلب إنما هو ثمرة للتزاوج بين التفكير العقلي والتأمل القلبي!

– بين الكسب والاكتساب:
يقرر المولى عز وجل بوضوح تام أن للنفس البشرية ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ويؤكد مصطلحا الكسب والاكتساب حضور الاختيار الذاتي، بما يعني أن الحرية والقدرة مناط التكليف، وأنه لا ثواب ولا عقاب على أمر جاء خارج دائرة الاختيار أو فوق درجة الاستطاعة، كما في آخر آية من سورة البقرة، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: ٢٨٦]، وهذا برهان آخر على أنه لا مكان للجبرية في الإسلام وأنه دين اليسر وعدم التكلف، وأن المبدأ الذي يقوم عليه في هذا السياق هو {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأن كل ما يحمل الإنسان فوق طاقته فليس من الإسلام في شيء وإن تلفع بأرديته وتلفظ بكلماته ورفع شعاراته!

– مشيئة الهداية أو الضلال:
من المعلوم يقينا أن الله صاحب العدل المطلق، وأن الاختيار مناط التكليف ومعيار الثواب أو العقاب، فلا ثواب لعمل صالح تم عمله كرها وكذا بالنسبة للعمل الفاسد.
ومشيئة الإنسان هذه في اختيار الهداية أو الضلال، الاستقامة أو الانحراف، الصلاح أو الفساد، الإيمان أو الكفر، لا تتعارض مع مشيئة الله تعالى المطلقة وقدرته اللامحدودة في أن يقول للشيء كن فيكون، كأن يجعل البشرية كلها أمة إيمان أو أمة كفر، وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون} [النحل: ٩٣]، فهو عز وجل بعدله الكامل يراعي إرادة البشر فيضل من يشاء الضلال ويجترح أسبابه منهم، ويهدي من يشاء الهداية ويعاقر أسبابها أيضا، ويؤكد هذا المعنى ختام الآية الذي يقول: {ولتسألن عما كنتم تعملون}، أي سيسألكم الله يوم القيامة عن كل عمل عملتموه بملء إرادتكم وبمحض مشيئتكم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى