مقالات المنتدى

بيان شرعي في حرمة الخمر وحرمة الاتجار بها وحكم من استحلّها.

بيان شرعي في حرمة الخمر وحرمة الاتجار بها وحكم من استحلّها.

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فإن الحكومة السعودية تدرّجت في قضية الخمر تدرجاً مشيناً، فأشاعتها في مشاهد قنواتها كالأم بي سي واستمر ذلك زمناً، ثم تغافلت عن حد شرب الخمر ، ثم أتاحت المجال للكتاب والمتحدثين المحسوبين على الدولة أن يتحدثوا عن عدم وجود أدلة على حرمة الخمر في القرآن، وأن بيع الخمر للمدمنين أولى من شربهم الكلونيا أو الشراء من الأثيوبيين؛ حفظاً للصحة وتوفيراً للمال العام !! ثم وُجدت حسابات منشأة من داخل البلاد وهي علنية وبإرقام محلية تعلن عن بيع أنواع من الخمور ، في ذات الوقت الذي تعتقل فيه الدولة من يكتب نقداً أو يعجب بمن سخطت عليه الحكومة، ثم ظهر شرب الخمر في مقاطع مصورة بين حشود حفلات الترفيه،ثم أباحت بيعها في الحي الدبلوماسي في الرياض بحجة بيعه على أعضاء البعثات الدبلوماسية، ثم جاء أخيرا بأنه أصبح الآن بإمكان المقيمين الذين يبلغ دخلهم الشهري 50 ألف ريال شراء الخمر من متجر للخمور.
وإن استمر هذا الحال فسوف تنتشر الخمور في الفنادق بحسب درجاتها، ثم في الأسواق.
وكل ذلك محرم في الإسلام ومنافٍ لأحكامه، ومدنّس لجزيرة الإسلام التي هي مهبط الوحي ومنازل الصحابة.
أما من جهة الحكم الشرعي في أم الخبائث
فإن من المعلوم أن دين الإسلام حرص على حفظ الفرد والمجتمع من كل ضرر وفساد ، ولذلك جاء بتحريم الخمر ومنع هذه الآفة؛ لحفظ العقل أولاً الذي بذهابه قد ينتهك العرض وتقتل النفس ويذهب الدين، وهي من الضرورات التي جاءت الشريعة بحفظها.
وقد أمر الله تعالى بتحكيم نبيه ﷺ ، ونفي الإيمان عن الذين لا يحكّمونه أو يجدوا في نفوسهم الحرج من أحكامه فقال تعالى:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا)
والأدلة على تحريم الخمر كثيرة، من الكتاب والسنة والإجماع..كما سنبينه:
أولًا: حرمة الخمر في الإسلام قطعية معلومة الحرمة في دين الله بالضرورة.
وقد أجمع المسلمون قاطبةً على أنّ الخمر محرّمٌ تحريمًا قطعيًا، وأنها من كبائر الذنوب، فمن :
1. أدلة القرآن الكريم
1.قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
والأمر بالاجتناب هو أعلى درجات التحريم.
2.وقوله تعالى:
(إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ)
وهذا اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ”
وهو أمر قاطع بالامتناع عنها بلا استثناء.
3- ثم إن القرآن نص على تحريم الخمر بلفظ التحريم، قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)فالإثم حرام
والله تعالى يقول عن الخمر: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) فإذا كان الإثم حراما، وكان في الخمر إثم كبير، كانت النتيجة أن الخمر حرام، وهذا واضح، كما هو مصرح به في الآيتين الكريمتين.

2. أما أدلة التحريم من السنة: فهي كثيرة منها :
1.قول رسول الله ﷺ:
(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)رواه مسلم وعند البخاري بنحوه
2.وقوله ﷺ:
(ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام)
رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة واحمد، وهو مخرّج في صحيح ابن ماجة
3.وقوله ﷺ:
( إن الله تعالى حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع)
رواه مسلم
4- وقوله ﷺ:
(لا يَشْرَبُ الخمرَ رجلٌ من أُمَّتِي ، فيَقْبَلُ اللهُ منه صلاةً أربعينَ يومًا)
أخرجه النسائي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد مطولاً باختلاف يسير وهو في صحيح الجامع
وقال النووي:
“وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لا ثَوَاب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ , وَلا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة” اهـ.
5- وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال:
(ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)

3. دليل الإجماع
جاء في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر (والخَمْرُ ما خامَرَ العَقْلَ) ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة فدلّ على إجماعهم على هذا التفسير، وعلى تحريم الخمر، وعلى أن العلة في التحريم الإسكار.
قال ابن عبد البر: “وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها” الاستذكار
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: “وأما حد الشرب: فإنه ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وإجماع المسلمين” السياسة الشرعية.
قَالَ ابن حزم: (الْخَمْرُ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ-، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَمَنْ اسْتَحَلَّهَا مِمَّنْ سَمِعَ النَّصَّ فِي ذَلِكَ، وَعَلِمَ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ كَافِرٌ، مُرْتَدٌّ، حَلَالُ الدَّمِ)

ثانيًا: حرمة الاتجار بالخمر و يشمل:
•بيعها وشراءها
•وحملها باليد او أي وسيلة
•تقديمها
•السعي فيها، أو تأجير المكان لبيعها
•الإعانة على ترويجها بأي وجه

فمن الأدلة الشرعية على حرمة البيع والتجارة بالخمر
1.قوله ﷺ:
(إنَّ الله لعن الخمر، ولعن شاربها، وعاصرها، ومُعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وشاربها، وبائعها، ومبتاعها، وآكل ثمنها)
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وهو مخرّج مصحح في إرواء الغليل.
واللعن لا يكون إلا على كبيرة محرّمة تحريمًا مغلّظًا.
2.هناك قاعدة شرعية تنص على:
“ما حُرّم شربه حُرّم ثمنه.”
وقد قال رسول الله ﷺ:
(لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم على قوم ‌أكل ‌شيء، ‌حرم ‌عليهم ‌ثمنه )
رواه أحمد والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث جابر أنه ( سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ عَامَ الفَتْحِ وهو بمَكَّةَ: إنَّ اللَّهَ ورَسولَه حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والمَيْتَةِ، والخِنْزِيرِ والأصْنَامِ)
3.أجمع العلماء على تحريم ثمن الخمر،وأن بيعه باطل، وعقده فاسد، وماله خبيث لا يحلّ للمسلم أكله.

ثالثًا: حكم من استحلّ الخمر أو استحلّ الاتجار بها، أو قال بجواز ذلك، أو قنّنه وحماه عملياً، ولو قال أبيعه لغير المسلمين.
أجمع العلماء على أن:
•من استحلّ محرّمًا قطعيًا معلومًا من الدين بالضرورة — كالخمر — فهو كافرٌ مرتدٌّ عن الإسلام،
لأنه مكذّبٌ للقرآن والسنة والإجماع.
قال القاضي أبو يعلى الفراء في كتاب المعتمد في أصول الدين:
(من اعتقد تحليل ما حرم الله ورسوله بالنص الصريح، أو أجمع المسلمون على تحريمه؛ فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر)
وقال أبو الحسين محمد بن أحمد القدوري الحنفي:
(الأمة اتفقت على تكفير ‌مستحلِّ ‌الخمر) وللتوسع انظر قول الخرشي في شرحه لمختصر خليل والعدوي في حاشيته.. والجويني من الشافعيةو زكريا الأنصاري
وقال النووي في شرح مسلم :
(وإن جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة، حكم بردته وكفره، وكذا من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة)
قال ابن باز ( إذا استحل دماء المسلمين أو استحل الزنا، وقال: إنه حلال، أو استحل الخمر أو استحل عقوق الوالدين؛ كفر بإجماع المسلمين، نسأل الله العافية، وهو مخلّد في النار، نعوذ بالله.)
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
(من استحل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغيرها من المحرمات المجمع على تحريمها كفر عند أهل السنة والجماعة)
والفرق بين الاستحلال الذي اتفق أهل السنة على تكفير صاحبه، وبين الإصرار على المعصية الذي اتفقوا على تبديع من يكفّر به، هو أن الاستحلال إما أن يكون بتكذيب حكم الله وعدم الإقرار به، فهذا مضاد لمبدأ التصديق، وإما أن يكون برد الحكم وعدم التزامه، والاعتراض عليه، والاستكبار عنه، وهذا مضاد لمبدأ قبول الأحكام، وتخلف التصديق هو كفر التكذيب، وتخلف القبول هو كفر الرد والإباء، وكلاهما قادح في أصل الإيمان.
وبناءً على ما تقدّم، فإن الخمر محرّمة شرعًا نصًّا وإجماعًا، وتحرم كل صور التعامل بها بيعًا وشراءً ونقلًا وسقايةً وإعانةً بأي وجه من الوجوه.
وإن استحلالها أو استحلال الاتجار بها كفرٌ صريح يخرج به صاحبه من ملة الإسلام إذا كان عالمًا بالتحريم غير متأوّل.
نسأل الله أن يطهّر مجتمعات المسلمين من الخبائث، وأن يوفّق الجميع للالتزام بما جاء به الشرع الحكيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
سعيد بن ناصر الغامدي 11 جمادى الآخرة 1447
2/ 12 / 2025م

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى