كتب وبحوث

الإسلام والاستبداد السياسي

قراءة لينة خليفة

 

توطئة:

يتناول المؤلف في هذا الكتاب تجربته التي خاضها ضد الاستبداد، ويعبر فيه عن مدى كرهه له، ويُذكر أن هذا الكتاب من أخطر الكتب التي تناولت الاستبداد السياسي، وفق دراسة واقعية معاصرة جريئة، امتزجت فيها الإنسانية والمرويات التاريخية.

ويتميز الكتاب بجرأة المؤلف البالغة في توجيه صفعة شديدة للطغيان، في وقت كان السجن هو مصير رائدي الأقلام الحرة، وأصحاب الضمائر اليقظة.
وقد احتوى هذا الكتاب على معلومات جديدة وقوية، ويعد بداية الصدام مع النظام، وهو أحد الوثائق الهامة التي تسجل تاريخاً دقيقاً لمرحلة مستبدة قد ماتت فيها كل معاني الحرية.

مع الكتاب:

تطرق المؤلف في كتابه هذا، للعديد من المواضيع الهامة، فيما يتعلق بالاستبداد السياسي، نذكر منها:

*حصاد مرير: يروي فيه الكاتب تجربته التي قضاها، عندما سُجن وأودع في سجن الطور، ويبين أن سبب إخراجه لهذا الكتاب، كرهه الشديد للاستبداد، الذي عانى منه الكثير.

ثم يبين الفرق بين الدين والاستبداد، وكيف أنهما ضدان لا يلتقيان، فالإسلام ينتهي بالناس إلى عبادة ربهم، أما الاستبداد فينتهي بهم لوثنية سياسية عمياء .

وبعد ذلك يذكر أمثلة في العالم العربي، قد مارست الاستبداد مع شعبها، في ذلك الوقت، منها مصر وتركيا.

*مكمن الداء: يرى أن المشكلات التي تواجهنا، وتبدو لنا شديدة التعقيد، وتحتاج لحلول عبقرية، إنما تتطلب القليل من الذكاء والبداهلة، ومفتاحها يكون في متناول اليد.

ثم يذكر بعض الخصائص التي تكتنف الحكم المطلق، وتجعل من الفرد المتسلط جباراً لا دين له، وهي:

1) كبرياء الفرد.
2) الرياء بين السادة والأتباع.
3) تبذير من أقوات الشعوب!

*بين الشورى والاستبداد: يبين الكاتب هنا أهمية الشورى في الإسلام، فلا قداسة لرأي أحدٍ أياً كانت منزلته، فلا حق لأي مخلوق أن يفرض رأيه على الأمّة.

وأن طبيعة الشورى تكمن في أمورٍ تتفاوت العقول في إدراكها، ووزن ما يرتبط بها من نفع أو ضر، ولا تكون الشورى في حقائق العلم، وقواعد الدين الثابتة التي لا تقبل جدلاً.

ويضرب أمثلة على ذلك، من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يستشير أصحابه، ويأخذ برأيهم، ويجعل الشورى في معظم أمره.

ثم يوضح أن ما يضمن للإنسان حريته، ليست الدساتير ولا القوانين، وإنما تكون بالأشخاص الحاكمين، وطبيعتهم، وضمائرهم !
وهو يرى أن كلمة (ملك)، تطلق على كل رجل حر آمن من المظالم، مهما كان منصبه ودرجته.

ثم ذكر، أن حرباً شعواء تقوم بين العباد من أجل الحكم والسلطة، والتي هي في الأساس، أمانة سوف يُسأل عنها من تولاها.

*الأديان والحريات: يؤكد المؤلف على ضرورة التحرر من العوز؛ لنيل الحرية، وذلك بالمطالبة بتحقيق الحريات وتأمين الشعوب؛ لرفع المستواها المادي، ولكي تحظى بعيشة كريمة.

وأن الاستبداد الأعمى، هو عدو منذ الأزل لله ولرسوله، وللشعوب الواعية، فلا قيام للحق حتى يقضى ويطمس ذلك الاستبداد .

ثم يدعو للحرية العقلية، ويكون ذلك بالتدبر في مخلوقات الله، والتفكر بآياته، وهذا ما ميّز الإسلام عن غيره من الديانات، فهو لا يحمل في طياته عنصر الإكراه، والقسوة والعنف، إنما ذلك راجع للحرية المطلقة للفرد.

وذكر أن حمل السلاح والقتال، والدفاع عن النفس من الخطر، ليس خطأ، بل أقرّ الإسلام الجهاد، وإنما الخطأ يكون بقولهم: الإسلام قام بالسيف والعنف، غافلين عن أنفسهم، وماضيهم، الذي يعمّ بالفساد والقتل، وفي المقابل فإن الإسلام حارب الفتنة ووضع قوانين محددة للقتال.

*الرقيق: حث الإسلام على تحرير الرقيق، والعبيد، والإماء، وكرمهم ذكوراً وإناثاً، وأعطاهم حقوقهم كاملة، ومن ناحية أخرى، يرى الكاتب، أن من مقتضيات الحرب أن أحل الإسلام الأسر للعدو، فليس من الممكن أن يأسروا من المسلمين، دون أن يكون أسرٌ للمشركين!

لذلك وضعت قوانين خاصة للأسرى، نذكر أهمها:

1) كفل لهم الغذاء والكساء، كغذاء وكساء أوليائهم.
2) حفظ كرامتهم وعدم خدشها بكلمة نابية.
3) يتقدم العبد على الحر فيما يفضله من شؤون الدين والدنيا.

*أشعة الحرية: يذكر المؤلف هنا، أن الاستبداد السياسي يمتاز بكرهه الحرية والنقد والتوجيه، في كل زمان ومكان، لأنه إنما يريد أن يطفو ويستبد من دون أي تدخل ، فلذلك يتوجب على الفرد المسلم أن يحرس إيمانه، ويبقيه قوياً، حتى يبقي على البناء متماسكاً.

ويبين المؤلف بعد ذلك، أن الله شرع قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ صيانة للجماعة من العبث والفوضى، ولم يفضل يوماً السكوت عن الباطل، حتى إن كان الإنكار بالقلب.

ثم يوضح لنا في هذا الكتاب، أن الإسلام شرع مبدأ التناصر من المظالم، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم، على نصرة المسلم سواء كان ظالماً أو مظلوماً، نصرته ظالماً: بتجنيبه الظلم والعدوان بكل أشكاله، وحثه على الابتعاد عنه، ونصرته مظلوماً: بالقتال معه، والدفاع عنه، والوقوف معه جنباً إلى جنب.

وتحدث الكاتب، عن الخيانات العامة التي تحصل في عالمنا، وكيف يُتهم البريء ويعاقب. وفي المقابل فالخائن يبقى مخلصاً ووفياً، وبين أنه يجب إسقاط الحاكم ما لم يمتثل لأمر الله ورسوله، وما إن أبى التوجيه والإرشاد وتجبر!

*عبر من الماضي: لم يكن قصد الكاتب هنا، البكاء على أطلال الماضي البعيد، إنما أراد تجنب العثار، والاعتبارَ من تجارب الأمس، فيذكر أن أول حكومة في الإسلام كانت حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حكومة الخلفاء الراشدين من بعده، والتي تُعَدُّ امتداداً للحكم النبوي، وامتاز الخلفاء الراشدين بصفات مميزة لكل واحد منهم، ورغم اختلاف شخصياتهم إلا أنهم نجحوا في إدارة الحكم، وإقامة دولة مسلمة عادلة.

ولم تكن الخلافة تنتقل فيما بينهم بالميراث، وإنما بالشورى والاختيار، فانتقال الزعامة والخلافة بالمواريث، هو أمر مرفوض في الإسلام، وغير ثابت لا عقلاً ولا نقلاً.

ويذكر حال الأمة كيف تفرقت، وانقسمت أحزاباً، ويضرب الأحزاب بعضهم، وهذا الانقسام فيه خطر كبير على الأمة.

*بين العلم والحُكم: العلم بعيد كل البعد عن العصبية التي يتميز بها الحكم، وإنما يقتضي العلم بإعطاء النصح والرعاية العامة للحاكم وشعبه، لذلك تجد نصح العلماء له وقع حسن في القلوب؛ لصدق نيتهم، وسلامة مقصدهم.

ووضح المؤلف أن هناك مايُدعى (سياسة لا دين لها)، وهي أن يتحالف ملوك مسلمون مع ملوك نصارى، ووزراء مسلمون مع حكام نصارى؛ لأن هناك رجالاً آخرين من نفس دينهم، ينافسونهم على مناصبهم المقدسة !

ويضيف أن سبب تلقي الأتراك -السلاجقة والعثمانيين- راية الإسلام بقوة، هي عاطفتهم القوية نحو الإسلام، بينما هم يجهلون كثيراً من الفقه والمسائل العقدية.

وأخيراً يروي لنا الكاتب فضل الإسلام على الشعوب، وكيف جاء ودقت طبوله الأنحاء، بقدوم الرسول وجهاده؛ كي يصل لنا الشرع كاملاً، ويرجو أن تكون هناك عودة حقيقية للإسلام، بعد أن عمت الدنيا الجاهلية والظلام.

عن المؤلف:

الشيخ محمد الغزالي، عالم ومفكر إسلامي مصري، يعد أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، كان في شبابه مع جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا، ثم اعتُقل مع من اعتقلوا من الجماعة، وبعد ذلك مارس العديد من الوظائف المتنوعة التي برع فيها.

بلغت مؤلفاته أكثر من خمسين عملاً، وكان لها تأثير قوي، لما تمتعت به من القوة والبلاغة، ويتضح ذلك من العناوين.

توفي سنة (1996)م تاركاً خلفه فراغاً كبيراً.

عن الكتاب:

اسم المؤلف:الشيخ محمد الغزالي.
اسم الكتاب: الاسلام والاستبداد السياسي.
دار النشر: نهضة مصر – القاهرة
تاريخ النشر: أكتوبر (2005)
الطبعة: السادسة.
عدد الصفحات: 215

 

(المصدر: موقع بصائر أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى