كتاباتكتابات مختارة

واقع التّجديد الفقهي المعاصر وتقييمه

واقع التّجديد الفقهي المعاصر وتقييمه

بقلم أيمن صالح

مرّ الفقه الإسلامي بعد وفاة، النبي، صلى الله عليه وسلم، بأدوار عدّة يتفاوت كُتّاب تاريخ الفقه في عَدِّها وتسميتها. ويمكنني أن أحصرها في ثلاثة أدوار رئيسة وأختار لها الأسماء الآتية:
1. دور الاجتهاد وانتشار الفقه.
2. دور التقليد المذهبي وتحرير الفقه.
3. دور انحسار التقليد المذهبي وإقصاء الفقه.
الأوّل: دور الاجتهاد وانتشار الفقه: ويمتدّ منذ عصر الصحابة، رضوان الله عليهم، إلى نهاية ظهور أئمّة الاجتهاد المطلق أواسط القرن الثالث الهجري تقريبًا، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأقرانهم من أئمّة الأمصار كسفيان والليث والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وداود ونحوهم، رحم الله الجميع. وهذا هو العصر الذهبي للفقه.
الثّاني: دور التقليد المذهبي وتحرير الفقه: ويمتدّ منذ بدء تشكُّل المدارس المذهبية أواسط القرن الثالث الهجري إلى ما قبل عهد سقوط الخلافة العثمانية والاحتلال الأجنبي لأكثر دول المسلمين في أواسط القرن الرابع عشر الهجري/ نهاية الربع الأول من القرن العشرين الميلادي.
وفي هذا الدور تشكّلت المدارس الفقهيّة المذهبيّة الأربعة واستقرّت شيئًا فشيئًا، وتُرك الاجتهاد المطلق، ولم يُسلَّم به لمن ادّعاه، بينما ازدهر «الاجتهاد المذهبي» بتحرير أقوال أئمّة الاجتهاد وأصحابهم والتخريج عليها، إلى أن بدأ يضمحلّ هذا النوع من الاجتهاد في أواخر هذا الدور. قال ابن خلدون (ت 808هـ) رحمه الله:
«ووقف التّقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، ودَرَسَ المقلِّدون لمن سواهم. وسدّ النّاسُ باب الخلاف وطرقه لـمَّا كثر تشعّب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرّحوا بالعجز والإعواز، وردّوا النّاس إلى تقليد هؤلاء كلُّ من اختصّ به من المقلّدين، وحظروا أن يُتداوَل تقليدُهم لما فيه من التّلاعب، ولم يبق إلّا نقل مذاهبهم، وعَمَلُ كلِّ مقلّد بمذهب من قلّده منهم بعد تصحيح الأصول واتّصال سندها بالرّواية. لا محصول اليوم للفقه غير هذا. ومدّعي الاجتهاد لهذا العهد مردودٌ على عقبه، مهجورٌ تقليدُه، وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمّة الأربعة»([1]).
الثّالث: دور انحسار التقليد المذهبي وإقصاء الفقه: ويمتدّ منذ سقوط الخلافة العثمانيّة والاحتلال الأجنبي لأكثر دول المسلمين في أواسط القرن الرابع عشر الهجري/ نهاية الربع الأول من القرن العشرين الميلادي إلى الآن.
وقد ميَّز هذا الدور أمورٌ ثلاثة:
أحدها: إلغاء تطبيق الشريعة والفقه الإسلامي في معظم دول المسلمين وإحلال القوانين الوضعيّة مكانها. وقد كان هذا – ولا يزال – من أعظم القواصم التي ضربت الفقه الإسلامي على مرّ التاريخ فأصابته في مقتل، بأن أدّت إلى وقفه عن النموّ في المجالات العامّة، وعزله عن تسيير شؤون الحياة في أكثر نواحيها.
والأمر الثاني الذي ميّز هذا الدور: انتشار التعليم النظامي غير الشرعي، وشدّة إقبال النّاس عليه، وتأخُّر مكانة التّعليم الشرعي، ومنه تعليم الفقه، إلى مراتب متأخِّرة في سلّم الاهتمام في أكثر المجتمعات الإسلاميّة.
والأمر الثالث: انحسار التقليد المذهبي المغلَق شيئًا فشيئًا، وبروز ظاهرة الاجتهاد الجزئي المستقلّ الفردي والجماعي، في المسائل القديمة والحادثة على حدٍّ سواء، والقبول العام للتقنين الملفّق من آراء المذاهب الأربعة وغيرها. وهذا كان لأسباب كثيرة. من أهمّها:
1. تخلي السلطة السياسيّة عن تبنّي الفقه المذهبي الذي كانت له الهيمنة سابقًا في القضاء، واستبداله بالقوانين الوضعية أو القوانين الملفّقة من المذاهب.
2. ضعْف – ثمّ انتهاء – اعتماد مُدرِّسي الفقه في أرزاقهم على الوقف المذهبي في مراكز التعليم وتولّي الدولة الحديثة لذلك.
3. جمود الفقه المذهبي نفسه وتوقّفه عن النموّ الداخلي بالتخريج والترجيح منذ أواخر الدّولة العثمانيّة، ممّا جعله عاجزًا عن استيعاب المحدثات.
4. اشتداد دعوات نبذ التقليد المذهبي – ولا سيّما المغلق – من جهتين: إحداهما: الاتجاه الإصلاحي ورموزه مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا. والجهة الأخرى: الاتجاه السّلفي، كالحركة الوهابيّة وجماعة إحياء السنّة المحمّديّة وغيرهم. وقد كان أنصار التمذهب يدركون مدى تأثير هذه الدعوات في إضعاف المذهبية كما يدل عليه ما رُوي عن عبد العزيز العلجي المالكي (ت 1362هـ) أحد أنصار المذهبيّة أنّه عندما كان يأتي في دروسه على ذكر السّيّد صدّيق حسن خان القنّوجي – ممثِّلا للمدرسة السّلفية – والشيخ محمد رشید رضا – ممثِّلا للمدرسة العقلانية أو الإصلاحيّة – يقول عنهما: «إنّ الأول – يعني صديق حسن خان – فتح ثغرةً في جدار الإسلام [؟!]، والآخر – يعني محمد رشید رضا – دخل بجيوشه»([2])؟!
5. بَدْءُ التأليف في تاريخ الفقه على نحوٍ مستقلٍّ على يدي الشيخين محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي (ت ۱۳۷۹ه) وقد فرغ من تأليف جلّ كتابه «الفكر السامي في تاریخ الفقه الإسلامي» في سنة ۱۳۳۹هـ/ ۱۹۱۸م، والشيخ محمد الخضري بك (ت 1395ه) في كتابه «تاريخ التشريع الإسلامي» الذي صدر عام 1341هـ/۱۹۲۰م([3]). وقد أثَّر هذان الكتابان في غالب الكتب التي كُتبت بعدهما في تاريخ الفقه. وفي الكتابين نقدٌ مرير للجمود المذهبي الذي آل إليه حال الفقه في أواخر عصر التقليد، ودعوةٌ قويّة إلى تجديد الفقه وإحيائه بالاجتهاد، وإلى استبدال المؤلّفات المذهبية التقليديّة بالتأليف العصري، فتوارث كُتّاب تاريخ الفقه – الذين صارت تُدرّس كتبهم مداخلًا للفقه في معظم مراكز التعليم الفقهي في العصر الحديث – نقدَ عصر التقليد عن هذين الكتابين، ممّا ولد نظرة سلبية لدى غالب متعلمي الفقه في هذه الأعصار تجاه الجمودِ على التقليد المذهبي، وتجاه القولِ بسدّ باب الاجتهاد.
6. نشوء المدارس والكُّلّيّات والجامعات الشرعيّة الحديثة التي تتبنى في أكثرها أنظمة معاصرة غير تراثيّة في إدارة التعليم تحدِّد مُددًا زمنية قصيرة للدراسة، لا تتناسب مع تدريس الفقه في صورته المذهبية المتسلسلة في مستوياتها من المتن المختصر إلى الوسيط وأخيرًا الموسّع.
تقييم التجديد الفقهي في الوقت المعاصر
رائدا الكتابة استقلالًا في تاريخ الفقه الشيخان الحجوي والخضري لم يرصدا في تحقيبهما لتاريخ الفقه دورَه الأخير/المعاصر، الذي بات يُعرف في كثير من كتب تاريخ الفقه بعدهما بدور “النهضة الفقهية”، وذلك لأنّ هذا الدور لم يكن قد بدأ في زمنهما بعد. وقد عدلنا عن تسمية هذا الدور بـ “النهضة الفقهية” إلى تسميته بدور “انحسار التقليد وإقصاء الفقه”، في التحقيب الذي ذكرناه آنفًا، إشعارًا بعدم الرضا عن وصفه بدور «النّهضة الفقهيّة» لما في ذلك من مبالغة مفرطة من وجهة نظرنا؛ إذ كما اعترت الفقه مظاهر إيجابيّة في هذا الدور فقد اعترته أخرى سلبية تكاد تعادل في خطورتها المظاهر الإيجابيّة أو ربّما تربو عليها.
فمن أهمّ المظاهر الإيجابيّة ما يأتي:
1. اضمحلال التعصُّب المذهبي الذي لطّخت آثارُه السّلبيّة عصورَ التقليد ولاسيّما المتأخّر منها؛ «إذ أصبح الانفتاح على المذاهب جميعًا من سمات الفقيه المعاصر» كما يقول الشيخ مصطفى الزرقا، رحمه الله([4]).
2. تقنين الفقه من غير التقيُّد بمذهب معيّن، ولاسيّما في مجال الأسرة، في كثير من البلاد الإسلامية. وهذا – فضلًا عن توحيد المرجعيّة القضائيّة في البلد الواحد – أعطى الفقه مرونةً أكبر في استيعاب مستجدّات الحياة وتنظيمها بحسب ما تقتضيه المصالح، مع عدم التفريط بالانضباط القضائي الذي كان يضمنه الالتزام المذهبي قبل التقنين.
3. انتشار الدّراسات المتخصِّصة (الجزئيّة) المقارنة، سواء بين المذاهب الفقهيّة نفسها، أو بينها وبين القوانين الوضعيّة.
4. انتشار الدّراسات التي تبحث في تاريخ الفقه والعوامل المؤثّرة فيه، وكيفيّة تجديده، الأمر الذي شكّل فرعًا جديدًا من العلوم الفقهيّة يمكن تسميته بـ «فلسفة الفقه» على غرار العلوم الأخرى.
5. تحقيق مخطوطات فقهيّة كثيرة وطباعتها، ولاسيّما كتب المتقدّمين من الفقهاء.
6. زيادة الاهتمام بعلم أصول الفقه تعليمًا وتأليفًا.
7. ظهور فروع جديدة من العلوم الفقهيّة وانتعاشها تأليفًا واهتمامًا وأخصّ بالذكر علم مقاصد الشريعة.
8. تحديث أشكال التأليف الفقهي كالتأليف الموسوعي المعجمي وتنظير الفقه.
9. ظهور البرامج الحاسوبية التي خدمت علوم الشريعة بعامّة ومنها الفقه، وقرّبتها لطلبة العلم والباحثين، ويسرت تعاملهم مع كتب الفقه من حيث سهولة اقتنائها، ويسر كلفتها، وسرعة الوصول إلى المعلومة فيها.
10. انتشار الاجتهاد الجزئي في تناول المستجدّات العصرية وإعادة الاجتهاد في مسائل قديمة في ضوء المعطيات العصرية.
11. إحياء طريقة الاجتهاد الجماعي عن طريق العمل المؤسّسي وعقد الندوات والمؤتمرات، وهذا لم يكن متيسّرًا فيما مضى.
12. جسر الهوة بين علم الفقه وعلم الحديث إلى حدٍّ بعيد حتى أضحت الدراسات الفقهيّة المعاصرة تتجنّب الاعتماد في الاستدلال على الأحاديث الموضوعة والواهية، وتهتم بتخريج الحديث وبيان درجته من الصّحّة والحسن والضعف.
ومن أهم المظاهر السّلبية:
1. وهو أهمّ هذه المظاهر: إقصاء الفقه عن تنظيم الحياة واستبداله بالقوانين الوضعية في أكثر بلاد المسلمين كليًّا أو جزئيًّا، ممّا جعل الفقه لا ينمو ولا ينتعش في المجالات التي نظّمها القانون الوضعي، كمجال القانون الجنائي والتجاري والدستوري والإداري والقضائي ونحو ذلك.
2. قلّة إقبال طلبة العلم المميّزين ذكاءً واجتهادًا على دراسة الفقه – والعلومِ الشرعيّة بعامّة – في أكثر البلاد الإسلاميّة، وانصرافُهم إلى دراسة العلوم الدنيويّة التي تبوّأت مركز الصّدارة في الاهتمام، بسبب وفرة الوظائف لها، وارتفاع العائد المادّي من ورائها، بينما احتلّت علوم الشريعة مراتب متأخِّرة إن لم تكن الأخيرة. وهذا أدّى إلى أن يشتغل بالعلوم الشرعيّة في الغالب الضعفاء – أو ربّما المتوسطون – من الطلبة من حيث الموهبة العقليّة، والقدرة على المثابرة في التحصيل العلمي. ومن ثَمَّ ضعُف الإبداع في وسط المشتغلين بالفقه رغم كثرتهم، وبدا الضعف واضحًا في مخرجاتهم العلميّة من بحوث ورسائل ومؤلّفات إلا من شذّ منهم.
3. ضعف التعليم الشرعي ومخرجاته مقارنة بالعصور الماضية بما فيها عصور التقليد المتأخّرة، رغم كل مظاهر التطوّر التي أُدخلت على التعليم الشرعي من حيث حداثة المؤلّفات ووسائل التدريس. وقد رصدنا في دراسة مفصّلة([5]) سببين رئيسين لذلك: هما: الأول: قلة إقبال الأذكياء من الطلبة على دراسة العلوم الشرعيّة، كما أشرنا إليه في النقطة السابقة، والسبب الثاني: سوء مناهج التعليم وطرق التدريس، ولسوء المناهج مناحي كثيرة بينّاها في الدراسة المذكورة. يقول الشيخ علي الطنطاوي (ت1420هـ)، رحمه الله، الذي شهد تحوّل الأزهر من النظام التعليمي القديم إلى الحديث:
«أمَّا التعليم الدّيني فلنعد فيه إلى مثل الطريقة الأزهريّة الأولى مع إصلاحٍ يسير فيها، فقد ثبت أنّها أنفع وأجدى، دنيا وأخرى، وأنَّ تلك الثورة عليها حتّى تمّ العدول عنها، والقضاء على الجامعة الأزهريّة، كان فيها إغراقٌ أدركناه الآن. وأنا أعرف الأزهر الجديد وأعرف كلِّيَّاتٍ ثلاثًا أُنشئت على غراره في دمشق وبغداد وبيروت عَمِلت فيها كلِّها، وأشهد لله شهادةَ حقّ أنَّ الأزهر القديم كان في الجُملَة خيرًا منها؛ إذ كان أهله يطلبون العلم لله وللعلم، فصار أهلها يطلبونه للشّهادات والوظائف، وكانوا يصبرون على تلك الحواشي المطوَّلات وإن تكن عقيمات، فصار هؤلاء لا يقرؤون إلا خلاصات يجوزون بها الامتحانات. وكانوا علماء عاملين لدينهم أهل تقىً وورع في سمتهم وسلوكهم، وسرّهم وعلنهم، فصار بعض المدرِّسين وأكثر التلاميذ، صاروا على حالٍ من عَرفها فقد عرفها، ومن جهِلها فلا يسأل عن الخبر»([6]).
4. فوضى الإفتاء والاجتهاد وكثرة المتقحّمين أسوار الشريعة على نحو لم يكن يحدث من قبل، حتّى صار يتكلّم في الشريعة والفقه والفتوى الفلاسفة والأدباء والمبتدئون في العلم وغير المؤهّلين. ولهذه الظاهرة أسباب: من أهمّها: إهمال أكثر الدول الحديثة الشريعةَ، وتهاونُها في صيانتها؛ ولذلك لم تعتن بزجر من ليس أهلا للإفتاء والاجتهاد أن يفتي ويجتهد في أمور الدين. ومنها: انحسار التقليد المذهبي في هذا العصر ممّا أدّى إلى تجرؤ كثيرين على الاجتهاد وهم ليسوا له بأهل. ومنها: سهولة نشر الأفكار في هذا العصر مقارنة بالعصور السالفة بفضل وسائل الاتصال الحديثة، ولاسيّما الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
فلهذه المظاهر السلبية، وغيرها، لا يَسْلم وصفُ هذا العصر بأنّه عصر تجديد فقهي ونهضة فقهيّة من مبالغة، ولا سيّما أنّ التجديد يعني، في أكثر ما يعنيه، نشرَ التطبيق والالتزام والاهتمام بأحكام الفقه، وهذا العصر من هذه الناحية هو أبعد العصور عن تطبيق الفقه وتعليمه للعامّة على مرّ التاريخ الإسلامي كلّه.
ومن هنا فإنّ قول بعضهم: إنّ الفقه الإسلامي يعاني أزمةً في هذا العصر إن كان يقصد به عدم قدرة الفقهاء المعاصرين على مواكبة المستجدات وعقم الفقه عن استيعابها فهذا من أبطل الكلام، وإن كان يقصد به ابتعاد الفقه عن الحياة والتطبيق والتعليم في أكثر الدول الحديثة فهذا حقٌّ لا يُنكر.
فأزمة الفقه في هذا الزمان هي أزمة تنفيذ لا أزمة توليد، وأزمة توزيع لا أزمة إنتاج، وأزمة إبعاد لا أزمة اجتهاد. يقول الشيخ البوطي، رحمه الله، في جواب على السؤال: «لماذا لا يقدِّم المسلمون نموذجًا مثاليًّا للاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك تسير الأمّة عليه؟»:
«النموذج موجود، لكن موضوع على الرّفوف…النموذج موجود، لكن مع الأسف غير مطبَّق، فيمكن أن يكون السؤال بشكل آخر: لماذا لا تكون الأحكام والمبادئ والشرائع الإسلاميّة التي تتكفَّل بحل مشاكل المسلمين موضع حدّ التنفيذ؟ هذا السؤال بهذا الشكل وارد. نقول: في هذه الحالة؛ لأنّ قادة المسلمين أكثرهم موظّفون لدى القوى الكبرى التي تفرض منهجًا معيّنًا على عالمنا العربي والإسلامي، ولأن ّكثرة كاثرة من النّاس في مجتمعاتنا، سواء كانوا قادة أو شعوبًا غير مقتنعين – رغم أنّهم مسلمون – غير مقتنعين بالحلول الإسلاميّة الموجودة على الرفوف، هذا هو السّبب»([7]).
بقي أن نشير إلى أنّ الدّول المستعمِرة (المحتلّة) لأكثر الدول الإسلامية في أواخر عهد الدولة العثمانيّة ساهمت كثيرًا، عن طريق جيشها الناعم من المستشرقين، في ترويج مقولة جمود الفقه وعقم الشريعة ليقنعوا السياسيين والمثقفين من المسلمين بنبذ الفقه وتبني القوانين الغربية في الحكم كما يوضِّح ذلك وائل حلاق في كتابه عن السلطة المذهبية([8]).

[المقال مقتبس من: أيمن صالح، صناعة التجديد الفقهي، فصل في كتاب صناعة التفكير الفقهي، صدر عن مركز تكوين للدراسات والنشر، لندن، 2019م/1440هـ، ص325-381].

________________________________________________

([1]) تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون، 1/566.

([2]) المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل، العرفج، 25.

([3]) فقه تاريخ الفقه، الرومي، 76.

([4]) فتاوى مصطفى الزرقا، الزرقا، 370.

([5]) “ضعف خريجي كليات الدراسات الشرعية: أهم الأسباب والحلول الممكنة في ضوء أدبيات التعليم في تراثنا التربوي”، صالح، 10.

([6]) “أسلوب جديد في التعليم”. الطنطاوي. مجلة الرسالة، عدد 655 (1946هـ/1365م).

([7]) “الإحياء والتجديد في الإسلام في نظر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي”، تمورتاش. https://www.naseemalsham.com/ar/Pages.php?page=readviestor&pg_id=55752&page1=1.

([8]) السلطة المذهبية التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي، حلاق، 8.

(المصدر: مدونة أيمن صالح)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى