كتب وبحوث

نوال السعداوي: نموذج للنُّخب الفكريَّة من أرباب الماسون 4 من 6

نوال السعداوي: نموذج للنُّخب الفكريَّة من أرباب الماسون 4 من 6

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

دلائل ترويج الرُّواية لأهداف الماسونيَّة
لن يخطئ المتابع لأعمال الأدباء المنتمين إلى التَّيَّار التَّنويري، من شاكلة نوال السَّعداوي، في الإقرار بوجود تشابهات جليَّة بين مضمون رواية زينة (2009م) وروايات معاصرة تتناول الواقع المصري في هذه المرحلة. ولعلَّ أقرب نموذج لذلك رواية جمهوريَّة كأنَّ (2018م)، للأديب وطبيب الأسنان، علاء الأسواني، الَّذي يشترك مع السَّعداوي في احتراف مهنة الطّب قبل الخوض في مجال الكتابة. أمَّا عن الرَّسائل المشتركة بين الرُّوايتين:
1.تعمُّد الحديث عن انتشار الفحشاء وارتكاب الزّنى وانكباب النَّاس على إشباع الشَّهوات، وإن كانت رواية السَّعداوي تنفرد بإثارة قضيَّة تكرار حوادث الاغتصاب، وما ينتج عن ذلك من ولادة ملايين من أطفال الشَّوارع، ممَّن يتحوَّلون إلى مجرمين نتيجة لغياب الرّعاية والرّقابة. وتسعى السَّعداوي من خلال قضيَّة أطفال الشَّوارع إلى إثارة التَّعاطف وتقنين نسب الأبناء إلى الأمّ في حال إنكار الأب للبنوَّة، برغم مخالفة ذلك لشرع الله، مصداقًا لقوله تعالى﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾[سورة الأحزاب: 5[.
2.إبراز نفاق الإسلاميين، واستغلالهم للدّين لتحقيق مصالح نفعيَّة، وتواطؤهم مع رجال السُّلطة التَّنفيذيَّة على حساب مصلحة العامَّة، وإن كانت السَّعداوي تبالغ في وصْف التَّناغم بين مصالح رجال الدّين ورجال السّياسة. وفي مقابل خسَّة ونذالة المسلمين، تجد النُّبل وكرم الأخلاق والفعَّاليَّة من المسيحيين، كما يتَّضح عند المقارنة بين بدور، الأم المسلمة الَّتي تلقي بابنتها في الشَّارع خوفًا من المجتمع، ومريم، مدرّسة الموسيقى الَّتي ترعى ابنة بدور وتقف إلى جانبها حتَّى تصبح أيقونة للثَّورة على الظُّلم، وإن لم تصرّح السَّعداوي بالانتماء الدّيني لمريم.
3.هدْم ثوابت الدّين، والتَّشجيع على الإلحاد، وادّعاء عدم صلاحيَّة الإسلام لزمن الحداثة، والتَّرويج لما يُعرف بدين الأخلاق. وتختصُّ رواية السَّعداوي بمزيد من الجرأة في الدَّعوة الصَّريحة إلى إعادة النَّظر في النُّصوص الكتابيَّة، والمطالبة بإسقاط الأحكام الشَّرعيَّة، بل والتَّشكيك في الذَّات الإلهيَّة والطَّعن في سيرة نبيّنا مُحمَّد (ﷺ).
4.الهجوم على الزَّواج الشَّرعي الموثَّق، وإظهار سلبيَّاته، والدَّعوة إلى الارتباط الرَّوحي غير المقيَّد بأحكام وشروط؛ ومن غرائب الصُّدف أن يثير الكاتبان مسألة ارتباط رجل مسيحي بامرأة مسلمة، في تحدٍّ صارخ لحُكم الإسلامي الَّذي يحرّم ذلك. غير أنَّ السَّعداوي وظَّفت ذلك الارتباط الرَّوحي في أحداث الرُّواية بأن جعلت ثمرته، أبلة مريم، نموذجًا إيجابيًّا يُحتذى به، كان له الدَّور الأكبر في تنشئة زينة، أيقونة الثَّورة على الاستبداد باسم الدّين، الَّتي هي كذلك ثمرة علاقة غير زوجيَّة.
5.التَّأكيد على عجْز المشروع الإسلامي عن تأسيس نظام حُكم عادل، والتَّرويج للفكر الاشتراكي الإلحادي باعتباره وحده القادر على تحقيق العدالة والمساواة. وتشترك الرُّوايتان في التَّهيئة لثورة جماهيريَّة عارمة تقوّض النّظام القائم وتقصي كافَّة القيود المتوارثة، وعلى رأسها الأحكام الدّينيَّة. ونذكّر بما يورده د. بهاء الأمير في كتابه الوحي ونقيضه: بروتوكولات حكماء صُهيون في القرآن (2006م)، عن تخطيط الماسون لإشاعة الفوضى في بلدان العالم تحت مسمَّى نشْر الحريَّات والتَّأسيس للعدل والحُكم الدّيموقراطي، بينما الهدف هو إعادة تشكيل النّظام بما يخدم أهداف الماسونيَّة. يقول البروتوكول الأوَّل (ص321-322):
في أيّ دولة تختلُّ سُلطتها، وتنتكس فيها هيبة القانون، ويفقد الحُكم شرعيَّته وقوَّته أمام طوفان التَّحرُّريَّة، يجب علينا أن نجهّز ما تبقَّى فيها من نظام وقواعد، لكي نسخّر القوانين، ونعيد بناء النّظام ومكوّناته؛ بما يضع مقاليده في أيدينا ويوطّد سيطرتنا عليه.
6.التَّمهيد لثورة عارمة، بزعامة تيَّار الاشتراكيين الثَّوريين، ضدَّ الدّين ورموزه؛ وقد أطلقت السَّعداوي تلك الثَّورة فعليًّا في روايتها، وكان أوَّل شهدائها صحافي جهر بضرورة تنحية أحكام الشَّريعة وأعلن تمرُّده على ما ينافي العقل في النُّصوص الكتابيَّة.
8.2. ‘‘الإله يقدّم استقالته’’: تمرُّد على مفهوم الألوهيَّة ودعوة لدين العقل والحكمة
أثارت نوال السَّعداوي الرَّأي العام في مصر ضدَّ عند نشْر مسرحيَّة الإله يقدّم استقالته عام 2006م، ووصل الأمر إلى رفْع الأزهر الشَّريف دعوى قضائيَّة تتهّم الكاتبة بالزَّندقة والرّدَّة عن الإسلام، ولكن حُسم الجدال لصالحها عام 2008م بأن برَّأها القضاء المصري. توضح السَّعداوي في مقدّمة المسرحيَّة أنَّها تعود إلى عام 1996م، حيث قدَّمها عدد من طلَّاب قسم الأديان في جامعة ديوك (Duke University) الأمريكيَّة، بعد ترجمتها إلى الإنجليزيَّة. أمَّا عن الدَّافع وراء كتابتها، فهو التَّمرُّد على الظُّلم الممارَس ضدَّ المفكّرين وأصحاب الآراء المخالفة للنّظام السَّائد، مسترجعةً واقعة اعتقالها في 6 سبتمبر 1981م بطريقة وحشيَّة، فقط لتقييد تعبيرها عن رأيها. وبالمناسبة تلك كانت المرَّة الوحيدة الَّتي تعرَّضت السَّعداوي فيها للاعتقال، وكانت ضمن عدد كبير من الشَّخصيَّات العامَّة في مصر، كان من بينهم مرشد جماعة الإخوان المسلمين، ولم يستمر الاعتقال طويلًا؛ حيث خرج المعتقلون جميعهم بعد أسابيع، في أعقاب اغتيال الرَّئيس الأسبق، أنور السَّادات، في 6 أكتوبر 1981م. شرعت الكاتبة في تأليف مسرحيَّتها المسيئة للذَّات الإلهيَّة كردّ فعْل على اغتيال المفكّر العلماني، فرج فودة، في 9 يونيو 1992م، بعد صراع مع الحركات الإسلاميَّة بسبب معارضته لتدخُّل الدّين في سياسة الحُكم. فوجئت السَّعداوي ليلة الاغتيال بقوَّات الأمن تقصد منزلها، ليس للقبض عليها، إنَّما لحمايتها، بعد أن أُدرج اسمها في “قائمة الموت” لجماعات مسلَّحة كانت تنفّذ أعمال عنف باسم الإسلام مطلع تسعينات القرن العشرين.
كعادتها، تدين نوال السَّعداوي الخلط بين الدّين والسّياسة، وتعيب استمداد الحُكَّام شرعيَّتهم من الحُكم بكتاب الله، معتبرةً أنَّ في ذلك تألُّه من الحاكم؛ والنَّاس لذلك “يخلطون دائمًا بين شخصيَّة الجالس على عرش الأرض والجالس على عرض السَّماء” (صـ14). لا يقتصر استغلال الدّين على تبرير الحُكَّام لتصرُّفاتهم، بل يمتدُّ إلى سلْب أموال النَّاس ووضْع الرّقابة على الخزانة العامَّة للدَّولة. وقد شرعت الكاتبة، كما تروي، في كتابة رواية تحت عنوان سقوط الإمام، أثناء احتجازها في سجن النّساء عام 1981م، وكانت ترمز فيها إلى شخصّ الرَّئيس السَّادات، الَّذي كان، في رأيها، “يخلط كثيرًا بين الحاكم الأرضي رئيس الجمهوريَّة الَّذي يستمدُّ قوته من القانون المدني وتشريعات الدَّولة، وبين الحاكم الدّيني «الإمام» الَّذي يستمدُّ قوَّته من القانون الإلهي وكتاب الله” (صـ15). ومن المفارقات الواجب الانتباه إليها أنَّ السَّادات اغتيل بعد شهر واحد من اعتقال السَّعداوي ورفاقها من دعاة العلمانيَّة والاشتراكيَّة، حتَّى قبل أن تنشرها رسميًّا عام 1987م، وقد صادر مجمع البحوث الإسلاميَّة تلك الرُّواية؛ لما تحمله من طعْن في الله تعالى. دُعيت السَّعداوي للعمل في جامعة ديوك الأمريكيَّة من قِبل زائرة أمريكيَّة أرادت التَّعرُّف عليها بعد أن قرأت رواياتها، وأشفقت عليها بعد أن لاحظت الحصار الأمني المفروض عليها لتأمين حياتها. سافرت السَّعداوي بالفعل إلى أمريكا، لتعمل أستاذًا زائرًا، تدرّس أعمالها الأدبيَّة، وهناك تشجَّعت على كتابة المسرحيَّة الَّتي يتجسَّد فيها الإله في صورة إنسان يحمل صفات البشر، بعد أن قدَّم طلَّابها، يوم 4 أكتوبر 1996م، مسرحيَّة استوحوا أحداثها من روايتي سقوط الإمام (1987م) وبراءة إبليس (1994م)، وقد استهلَّ الطَّالب الَّذي لعب دور الرَّاوي المسرحيَّة بقوله (صـ18):
إن تجسيد الله أو الرَّبّ الأعلى على المسرح كان مستحيلًا، ليس خوفًا من دخول النَّار بعد الموت، وإنَّما هو عجْز الخيال البشري عن تصوُّر الله أو الرُّوح أو الهواء أو اللاشيء داخل جسد مادي من لحم ودم يتحرك فوق المسرح؛ كيف يكون شكل هذا الجسم؟ كيف يكون حجمه بالنّسبة للشَّخصيات الأخرى؟ ماذا يكون لون بشرته؟ بيضاء مثل كلينتون رئيس أمريكا أم سوداء مثل الزُّنوج في نورث كارولينا؟ وإذا أصبح الله أسود البشرة فماذا يكون لون الشَّيطان؟! هكذا حُذفت شخصيَّة الله من المسرحيَّة، ولم يتجسد منها شيء فوق الخشبة إلا الصوت، صوت الله فقط سمعناه بصوت أحد الطَّلبة المختفي وراء جدار.
بعد هذا الاجتهاد من طلَّاب السَّعداوي في إنزال الإله الخالق إلى مرتبة البشر ومنحه الصّفات البشريَّة، في ضوء كتاباتها عن ظُلم الإله وعنصريَّة أحكامه وتحيُّزه للذَّكر، مُهّد الطَّريق أمام الكاتبة لتطوير تلك الأفكار في مسرحيَّة أطلقت عليها الإله يقدّم استقالته، انتهت من كتابها في 5 أكتوبر 1996م، أي عشيَّة الذّكرى الـ 15 لاغتيال السَّادات، وهو الَّذي استوحت أحداث روايتها سقوط الإمام من شخصه، ثمَّ طوَّرت الفكرة لتقدّم تلك المسرحيَّة. والأجزاء المشار إليها من الإله يقدّم استقالته مأخوذة عن إصدار مؤسَّسة هنداوي سي آي سي لعام 2021م للمسرحيَّة. يدور الصّراع في المسرحيَّة بين 10 شخصيَّات، على رأسها الإله، الَّذي يظهر في صورة “شيخ وقور جدًّا في السّتّين من العمر، شعره أبيض، لحيته طويلة بيضاء، بشرته بيضاء، ملابسه بيضاء واسعة”، ولا يبرح كرسي العرش العظيم إلَّا قليلًا، ويتحدَّث من وراء ستار (صـ19). يتجسَّد في المسرحيَّة 4 أنبياء، هم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد (على أنبياء جميعًا أزكى الصَّلوات وأتمُّ التَّسليم)، ولا يظهر من الذُّكور غيرهم إلَّا رضوان حارس الجنَّة، الَّذي تصفه الكاتبة بأنَّه “حَمَل وديع رعديد أمام رئيسه الأعلى، وأسد على الآخرين الواقفين عند الباب يطلبون الدُّخول” (صـ20). في حين تظهر 3 نساء، هنَّ حوَّاء ومريم العذراء وفتاة شابَّة تُدعى بنت الله، وهي فتاة عصريَّة متحرّرة “في قدميها حذاء يشبه أحذية راقصات الباليه، تمشي بخفة ورشاقة، قد ترقص أحيانًا، ترتدي ثوبًا قصيرًا حتَّى الرُّكبتين” (صـ20).
تنديد بالأوامر الإلهيَّة وطعن صريح في الله تعالى
تبدأ الأحداث بظهور النَّبيّ موسى على المسرح، وهو يطلب رؤية الرَّبّ بعد فترة انقطاع طويلة منذ أعطاه ألواح الوحي فوق جبل الطُّور في سيناء. يدَّعي موسى امتثال بني إسرائيل لكافَّة أوامر الرَّبّ، بلهجة استهزاء (صـ21):
قال لنا: اقطعوا غرلة الذكر، قطعناها. قال لنا: اقتلوا أهل كنعان وفلسطين وخذوا الأرض، قتلناهم وأخذنا الأرض. قال لنا: ارجموا الزانية، رجمناها. قال لنا: أنا الرب الأعلى مالك السَّماوات والأرض ولا شريك له، وإن كان هو معبودكم المقدس العجل، قلنا له سمعًا وطاعة، وحطمنا العجل. قال لنا: أنتم شعبي المختار الوحيد بين شعوب الأرض، قلنا: وأنت ربنا المختار الوحيد بين الآلهة.
وينافي هذا الادّعاء قول الله تعالى الحقّ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾[سورة البقرة: 93[، الَّذي يؤكّد معصية بني إسرائيل لأوامر الله وعنادهم وتمرُّدهم على أحكام كتابهم المنزَّل من عند الله. يتضَّح تهافُت السَّعداوي على العلاقات الجسديَّة والحديث عمَّا يتعلَّق بها، بإشارتها إلى رجْم الزَّانية، وكذلك إلى ختان الرّجال الَّذي أثبتت الدّراسات الحديثة خطورته. غير أنَّ أكثر ما يثير الدَّهشة في حديث موسى هو تأسُّفه، أو لتقل تأسُّف السَّعداوي على لسانه، على عدم سيطرة اليهود على كامل أرض الميعاد، بما فيها كامل أرض فلسطين وجبل الطُّور (صـ22):
أين هذه الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات؟ حتى جبل سيناء فقدناه، لم يصبح لنا إلَّا الأرض فلسطين، وهي ليست كل فلسطين، أجزاءٌ منها يا رب يستولي عليها الفلسطينيون تحت اسم تنفيذ قرار الأمم المتحدة، هل يعلو قرار الأمم المتَّحدة على قرارك يا رب؟ … أعرف يا رب أنك غاضب على قومك بني إسرائيل، لقد وقعوا تحت قبضة إبليس، إنَّه يوسوس لهم بالسَّلام، يقول لهم أعطوا الأرض مقابل السَّلام، هل هذا الكلام؟ إبليس وأنت تعرفه يا رب، إنه لا يؤمن بكلامك، يقول للناس إنَّك أنت الذي أمرت بهذه المذابح البشريَّة من أجل الأرض الموعودة، وأصبحت الناس تنصت لوسوسة إبليس، لقد تعبوا يا رب من الحروب المتتالية منذ إنشاء دولة إسرائيل، إنهم مستعدون للانسحاب من بعض المدن الصغيرة في الضَّفَّة الغربيَّة مقابل السَّلام، لكن لا يزال بين قومي رجال مخلصون لك حافظون لعهدك.
تتَّهم السَّعداوي الإله بمنتهى الصَّراحة بالتَّحريض على العنف والتَّقتيل بهدف تأسيس دولة إسرائيل، بقولها “أنت الذي أمرت بهذه المذابح البشريَّة من أجل الأرض الموعودة”، في إدانة للأساس الدّيني الَّذي نشأت عليه الدَّولة. ينتقل الحوار إلى عيسى بن مريم، ابن الرَّبّ، كما يطلق على نفسه، وتستغلُّ الكاتبة حديثه في إدانة العنصريَّة الَّتي تراها في التَّعاليم الدّينيَّة، حيث تدَّعى محاباتها للرَّجل على حساب المرأة. يتأسَّف عيسى على إهماله لأمّه من أجل أبيه، الرَّبّ، الَّذي خذله وهو على الصَّليب وتركه يتحمَّل أقسى الآلام، دون أن ينجده، وفي ذلك ما يتَّفق مع ما قاله يسوع على الصَّليب “إلهي إلهي لماذا تركتني؟!” (إنجيل متَّى: إصحاح 27، آية 46). يرصد عيسى إحجام النَّاس عن الذّهاب إلى الكنائس وقراءة الإنجيل، حتَّى أصبحت دراسة الكتاب المقدَّس تقتصر على أقسام الدّراسات اللاهوتيَّة والتَّاريخيَّة. يلتقي موسى بعيسى ويتعانقان، ويكتشف عيسى أنَّ أخاه موسى يريد مقابلة الرَّبّ مثله؛ وحينها يشير عليه موسى بإرسال رسالة إلى الرَّبّ عبر الفاكس: “لقد طلبتُ أنا أيضًا مقابلة الرب الأعلى، أرسلت طلبًا بالفاكس إلى سيدنا رضوان عليه السَّلام” (صـ23). يعكس ذلك القول استهزاء السَّعداوي الصَّريح بقول الله تعالى عن تعذُّر رؤيته على البشر﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[سورة الأنعام: 103[، وعن وجود ضوابط لحديثه تعالى معهم في توقيت هو تعالى يختاره﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾[سورة الشُّورى: 51[.
ولمزيد من السُّخرية، يقول موسى لعيسى، ابن الإله الَّذي يحتاج إليه: “طيب يا أخي خلي أبوك يعطيك رقمه!” (صـ25). يتفرَّع الحديث إلى مسألة مساندة الغرب المسيحي، الَّذي يمثّله عيسى، لإسرائيل وإمدادها بالسّلاح ودعْمها سياسيًّا (صـ25):
إنَّ دولتكم كلَّها يا أخي لم تقم إلا على أكتافنا؛ ألم نمدكم بالأسلحة لتقتلوا أهل فلسطين والعرب؟ حتى السلاح النووي الذي نحرمه على الجميع إلا أنتم ونحن؛ وكنتم مشردين في العالم فجعلناكم دولة مثل الدول الأخرى، رغم أن دولتكم لم تقم إلا على إراقة الدم، ولا تزال تريق الدم رغم اعتراضاتنا، ماذا تريدون يا أخ موسى أكثر مما أخذتم؟ أتريدون الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات؟! هذا طمع وجشع زائد على الحدّ!
يظهر النَّبيُّ محمَّد في تلك اللحظة، متأسّفًا على حالة التَّردّي الَّتي أصابت أمَّته (صـ26):
كانت دولة الإسلام والعرب تمتدُّ من بلاد الفُرس إلى ما بين النَّهرين إلى الشَّام ومصر وبلاد المشرق حتى بلاد المغرب إلى الأندلس في إسبانيا، لكنَّ أحوال المسلمين ساءت، وحكوماتهم فسدت وتقلَّصت دولة الإسلام، ولا تزال تتقلص، وأخشى أن تنتهي تمامًا من فوق الأرض. أصبح المسلمون والعرب في مؤخرة البلاد، يسمونها البلاد المتخلفة، مع أن حضارة الغرب قامت على حضارتنا.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى