كتب وبحوث

نوال السعداوي: نموذج للنُّخب الفكريَّة من أرباب الماسون 2 من 6

نوال السعداوي: نموذج للنُّخب الفكريَّة من أرباب الماسون 2 من 6

 

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

 

استهزاء صريح بالإسلام وأحكامه

في محاولة جديدة للطَّعن في الدّين، وفي تعبير صريح عن الفكر الشُّيوعي المؤمن بنظريَّة التَّطوُّر، تشير الكاتبة إلى أنَّ بدور كانت، برغم تظاهرها بالإيمان بالكتب السَّماويَّة، في قرارة نفسها “تدرك أنَّ مستقبل الإنسانيَّة في العلوم والفنون، أنَّ الكون كائن متطوّر عبر ملايين السنين، أنَّ الإنسان لم يُخلق من الطين” (صـ41). وتسخر الكاتبة من قول الله تعالى﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾[سورة البقرة: 255[، بقولها “عين الله التي لا تنام كانت تنام حين تختفي زينة بنت زينات في الظَّلام”، في إشارة إلى تعرُّض زينة في طفولتها للتَّحرُّش الجنسي، دون أن تتدخَّل العناية الإلهيَّة لإنقاذها. وفي إشارة ضمنيَّة إلى نفاق الملتزمين دينيًّا من المسلمين، تسرد السَّعداوي قصَّة فرعيَّة عن صديقة بدور، الَّتي “تخلَّت عن الله والرَّسول من أجل الحبّ” لتتزوَّج من ماركسي ملحد، لكنَّه خانها؛ ثمَّ ارتبطت بآخر ملتزم دينيًّا، فاكتشفت أنَّه تزوَّج من أخرى، بحجَّة أنَّ الشَّرع يسمح بذلك (صـ47):

تخلت صافي عن كارل ماركس وفردريك إنجلز، لفت حول رأسها حجابًا يُخفي شعرها، تزوجته على سنة الله ورسوله، ثم بعد عامين وهي تمشي في أحد الشَّوارع البعيدة، في الطرف الآخر من المدينة، قرأت فوق باب بيت اسمًا يشبه اسم زوجها، الاسم الثُّلاثي بالحروف نفسها، محفورا فوق رقعة نحاس صغيرة مثبتة فوق الباب بالمسامير.

ويمثّل الصُّحافي زكريَّا، زوج بدور ووالد مجيدة، نموذجًا آخر للملتزمين دينيًّا، الَّذي، برغم أدائه للصَّلاة، لا يكفُّ عن الخيانة، ويعشق تفحُّص الفتيات بعينيه، ثمَّ يذهب للحجّ والعمرة، معتقدًا أنَّ في ذلك محو لذنوبه. وتقدّم الكاتبة حوارًا له مع أحد مرتادي المساجد يكشف عن مدى استهزائها بالإسلام (صـ49):

يتحرَّر زكريا الخرتيتي من عبءِ الضمير بعد أن يؤدي الصَّلاة، يركب الطَّائرة إلى مكة المكرَّمة كل عام ليمسح ذنوبه الكثيرة، يهمس في أذن الرجل المتربِّع إلى جواره في المسجد: يا سلام يا أخي، الله كريم على عباده، الإنسان بالطبيعة مذنب فاسق، لكن اللهَ غفور رحيم. لولا الصَّلاة والصَّوم والحجّ ما كان الإنسان يتحمل وطأَة ذنوبه، كان الواحد منا يموت يا أخي من تأنيب الضَّمير.

– إي والله يا أخي، يغفر الله لنا جميع الذنوب إلا أن نشرك به، حتى الزنى يا أخ يغفره الله لنا طالما أنَّنا نعبده وحده دون شريك.

وتواصل السَّعداوي استهزاءها بالإسلام، بسخريتها الصَّريحة بالأذان، وتشبّهه بالأغاني الَّتي تردّدها الأمهات للصّغار والألحان الرَّاقصة (صـ53):

كان اليوم جمعة، تتصاعد الأصوات الزاعقة من خلال الميكروفونات، الابتهالات والتَّكبيرات، وأشهد أن لا إله إلا الله، تتكرَّر الشَّهادة آلاف المرات، ملايين المرات، تخرق الأصوات الآذان، وطبقات الأرض والسَّماء، تصل إلى أسماع الآلهة والملائكة والشَّياطين، وأسماع الكائنات الحيَّة فوق الأرض، حتى القطط أصبحت تردد الشَّهادة، الأمهات ومولوداتها الصغيرات، ترهف القطط آذانها لسماع الأصوات، لا تفهم القطط معنى الكلمات، لكنها مثل أطفال الشَّوارع تلتقط اللحن، تردده عن ظهر قلب، تظنه أغنيه تغنيها الأم لطفلتها عند النوم، أو قصيدة شعر ترددها الطّفلة في المدرسة، أو إيقاع رقصة يؤديها الأطفال على الرصيف أو فوق خشبة المسرح.

يحاول زكريَّا اغتصاب الطَّفلة زينة، ابنة الـ 9 سنوات حينها، لكنَّها تقاومه بعناد وتهرب منه بعد إصابته في منطقة العانة. وكعادتها، تصف السَّعداوي مشهد محاولة الاغتصاب بمنتهى الفجاجة، وتستخدم ألفاظًا خارجة، ليدخل المشهد بأكمله في إطار مساعي نشْر الإباحيَّة وإثارة الغرائز. وممَّا يسترعي الانتباه اختيار الكاتبة لشخصيَّة زكريَّا تحديدًا ليكون المعتدي جنسيًّا على زينة، وهي من محارمه، كونه زوج أمَّها؛ وكأنَّما أرادت السَّعداوي إضافة نقيصة زنى المحارم إلى الاغتصاب. تنتقل السَّعداوي إلى ملمح آخر من الإساءة إلى الدّين، بسرد قصَّة فقدان صديقة بدور لإيمانها بالله تدريجيًّا كلَّما تعمَّقت في دراسة الأديان، بعد أن اكتشفت أنَّ إيمانها متوارَث، فرضه نظام الدَّولة الَّذي لا يسمح بالتَّحرُّر الذّهني ويهدّد بسحق المتحرّرين من قيود الدّين (صـ68):

كنت أومن يا بدور بكتب الله الثلاثة كما أمرنا ربنا في القرآن، كنت ألقي الأحاديث الدينية في المؤتمرات والإذاعات وأنشر المقالات عن الإيمان والتَّقوى وحجاب النساء، لكنَّ شيئًا غريبًا كان يؤرقني في الليل. أنهض من الفراش أتوضأ وأصلي، لا أكف عن الركوع والسجود، أتمتم بصوت خافت حتى لا أوقظ زوجي، أستغفر الله من كلّ ذنب عظيم، أكرّرها المرَّة وراء المرَّة، عشرات المرَّات، مئات المرَّات. أحرّك حبَّات السّبحة بين أصابعي المرتعشة، تصوَّرت أنّي مريضة بالحمَّى، لكنّي كنت مريضة بالشَّك، حتَّى تعمَّقت أكثر وأكثر في دراسة الأديان، كلما كنت أتعمق أكثر كانت الرَّعشة تزول ويزول معها الإيمان. نحن نرث الإيمان عن الأسرة يا بدور، يدخل الإيمان خلايا عقلنا وجسمنا منذ الولادة حتَّى الموت، لا يمكن التَّحرر منه إلا بالدّراسة والتَّعمق في العلم والمعرفة والدّين نفسه، إنَّه طريق صعب مليءٌ بالمخاطر، أنا أفتح لك قلبي يا بدور لأنَّك صديقة عمري، أرجو أن تكتمي هذا السّر وإلَّا قتَلوني. نحن نعيش في دولة دينية لا تسمح بحرية التَّفكير…

وفي تحدٍّ جديد لتعاليم الدّين، تنكر نوال السَّعداوي على لسان أحد شخصيَّات روايتها، الطَّبيب النَّفسي المعالج لمجيدة، وجود النَّار والعذاب في الآخرة، حيث يقنع الطَّبيب الشَّابة الَّتي تعاني من الاكتئاب بأنَّه لا داعي للخوف من العقاب الإلهي ليشجّعها على إطلاق العنان لشهوتها. حينها، تخضع الفتاة للطَّبيب، وتوافق على مطارحته الفراش. يدخل الطَّبيب بعد ذلك في حيرة بين الشَّك في وجود إله واليقين بأنَّه هناك إلهًا سيعاقبه على آثامه. هنا، تطلق السَّعداوي سهامًا لتطال المؤمنين بوجود إله، بعضّ النَّظر عن الدّيانة الَّتي يعتنقونها، معلّقةً بأنَّ كافَّة الدّيانات تشجّع على العنف (صـ78):

مزيد من النَّاس يعودون إلى الإيمان، تصاعدت التيَّارات الدّينيَّة في كل مكان في الشَّرق والغرب، مسلمين ومسيحيين ويهودًا وبوذيين وهندوكيين وكل الأديان. كل دين أكثر عنفًا من الآخر، حروب طائفيَّة تحت اسم الإله، كلُّ إله أكثر دمويَّة من الآخر، حاول التَّخلُّص من إيمانه دون جدوى.

بعد كلّ ما سبق من تشكيك في ثوابت الدّين، بل وفي وجود الله تعالى ذاته، تصوّب السَّعداوي سهامها تجاه المؤسّسة الدّينيَّة الرَّسميَّة، متمثّلةً في الشَّيخ السَّلفي أحمد الدَّامهيري، ابن عمّ بدور، الَّذي يعمل في مجال الدَّعوة الإسلاميَّة، لكنَّه في حقيقته سكّير وعربيد، يمارس الفواحش، ويتاجر بالدّين لتحقيق المنافع المادّيَّة. ومن المثير للاهتمام أنَّ السَّعداوي تنسبه إلى جماعة الإخوان المسلمين، ضمنيًّا، بأن أشارت إلى أنَّ يردّد شعار “الإسلام هو الحل”، الَّذي تحمله الجماعة (صـ86-87):

أصبح يحمل لقب فضيلة الشَّيخ، يرفع شعار الإسلام هو الحل، أعوانه في المجموعة تحت الأرض ينادونه الأمير، يرتفع صوته في الإذاعات تحت الأضواء، ينخفض صوته في الاجتماعات السّرّيَّة، رأسه مربع الشَّكل صغير الحجم، ذقنه مربع كان حليقًا، ثم نبتت له لحية سوداء كثيفة، جبهته كانت ملساء ناعمة، ثم نمت فوقها زبيبة سوداء، أصابعه البضة القصيرة النَّاعمة تشبه أصابع أبيه وعمه وجده، يمسك بها السّبحة في النهار، وكأس الخمر أول الليل، يداعب بها أجساد الباغيات قبل الفجر، يخاف العفاريت في الظُّلمة والصَّراصير والخنافس والفئران. تعود الشَّجاعة إليه مع قدوم النهار، يرتدي العمامة حول رأسه أو الطاقيَّة المخرمة، الجلباب الأبيض الواسع الطويل، أو البدلة من الصوف الإنجليزي في الاجتماعات الرَّسميَّة مع الوزراء أو السُّفراء، مع الرؤساء أو زعماء الأحزاب. لا تفارق أصابعه السّبحة الصفراء، تتحرك حباتها النَّاعمة مع تمتمات صوته الخافت، يتلو الآيات المقدسات، أحاديث الرسول والمرسلين، أقوال الأولياء، الأسلاف الصالحين، يبسمل ويحوقل ويمسح جبينه بكفه الصَّغيرة السَّمينة.

تنتقل الأحداث إلى مرحلة جديدة، يدور الصّراع فيها بين الشَّيخ السَّلفي وبين زينة، الَّتي شبَّت واحترفت الغناء، بمساعدة مريم، مدرّسة الموسيقى نصف المسيحيَّة الَّتي عنيت بتربية زينة منذ أن كانت من أطفال الشَّوارع، حتَّى اعتبرتها زينة أمَّها الثَّانية، وأسَّست فرقة لها ولرفقائها تحمل اسم ‘‘فرقة مريم’’ (صـ93). تعلَّمت زينة من الشَّارع التَّمرُّد على الظُّلم والهتاف ضدَّه والمطالبة بالحريَّة؛ وقد نجحت في اجتذاب العامَّة إليها حتَّى صارت أيقونة للثَّورة على الأوضاع البائسة. تضع السَّعداوي زينة في احتكاك مباشر مع الشَّيخ أحمد، الَّذي يفتتن بجمالها ويريدها لنفسه، لكنَّه تنفر منه، ليستشيط غضبًا منها بعد انصراف الحاضرين في حفل في بيت بدور عن الاستماع إلى مواعظه الدّينيَّة بعد أن تبدأ زينة في الغناء. وفي وصْفها لشموخ زينة وهي تغنّي على المسرح، تشبّهها السَّعداوي بـ “الإلهة فينوس أو إيزيس أو نفرتيتي أو مريم العذراء أم الإله”، وكأنَّما رسالتها هي أنَّ في غناء زينة، الَّذي تعلَّمته على يد مريم، نصف المسيحيَّة، فيه من القداسة ما يجتذب الأسماع أكثر من الموعظة الإسلاميَّة؛ ولعلَّ في إقرار السَّعداوي بألوهيَّة المسيح، بقولها عن أمّه “مريم العذراء أم الإله” ما يعطي ملمحًا عن طبيعة انتمائها الدّيني الَّذي تستره بادّعاء الإلحاد (صـ95). تفتح السَّعداوي ملف انخراط بعض الإسلاميين في مجال توظيف الأموال، ويصل الأمر بالكاتبة أن تساوي بين النّظام الإسلامي والاشتراكيَّة والانفتاح في الاقتصاد، وتصفهم على لسان إحدى الشَّخصيَّات بأنَّهم جميعًا لصوص: “كلهم حراميَّة…كلهم…بتوع الإسلام، وبتوع الانفتاح زي اللي قبلهم بتوع الاشتراكيَّة” (صـ98). ويطال الاستهزاء بأحكام الإسلام التَّضحية بالذَّبح في عيد الأضحى، وتستغلُّ الكاتبة السّياق ذاته في التَّشكيك فيما أُنزل في الكُتب السَّماويَّة، وتشير تحديدًا إلى عقيدة الإسلام في رفْع المسيح، وليس قتْله وصلْبه فداءً للبشر (صـ103):

منذ طفولتها تكره بدور الأعياد، خاصة عيد الأضحى، تظل عينا الخروف المذبوح في عينيها وهي نائمة. تطاردها المقلتان الحزينتان، تراهما داخل المرآة في الصَّباح قبل أن تذهب إلى المدرسة، وفي الليل قبل أن تنام. تراهما في عينَي زينة بنت زينات، حين يقول النَّاس لها بنت زنى. حين يتلو الشَّيخ في الإذاعة بعض الآيات من الإنجيل والقرآن والتَّوراة، يقول: إن الله أنزل هذه الكتب الثَّلاثة هدى للعالمين، إنها كتب نزلت من السَّماء إلى المسلمين والمسيحيين واليهود، إنهم جميعا من أهل الكتاب سوف يذهبون إلى الجنَّة بعد الموت إن آمنوا بالنبي محمد والقرآن، وأن سيدنا عيسى المسيح ابن مريم لم يُصلب ولم يقتله البشر، بل صعدت روحه إلى السماء بأمر الله.

جدير بالإشارة في هذا السّياق أنَّ كاتبة صحافيَّة، تربَّت في إحدى مدارس الإرساليَّات التَّبشيريَّة في مصر، كتبت منشورًا عبر حسابها على شبكة فيسبوك، بمناسبة عيد الأضحى عام 1435ه، الموافق لعام 2014م، تحت عنوان “كلّ مذبحة وأنتم بخير”، قالت فيه:

بعد برهة تُساق ملايين الكائنات البريئة لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونصف ويكررها كل عام وهو يبتسم…مذبحة سنويَّة تتكرر بسبب كابوس باغت أحد الصَّالحين بشأن ولده الصَّالح، ورغم أن الكابوس مرّ بسلام على الرَّجل الصالح وولده وآله، إلا أن كائنات لا حول لها ولا قوة تدفع كل عام أرواحها وتُنحر أعناقها وتُهرق دماؤها دون جريرة ولا ذنب ثمنًا لهذا الكابوس القدسي، رغم أن اسمها وفصيلها في شجرة الكائنات لم يُحدد على نحو التخصيص في النص، فعبارة ذبح عظيم لا تعني بالضرورة خروفًا ولا نعجة ولا جديًا ولا عنزة…

حُكم على تلك الكاتبة بالحبس 6 أشهر مع إيقاف التَّنفيذ، والمفارقة أنَّها ما كانت ستُحبس فعليًّا، لو أنَّ الحُكم كان بالتَّنفيذ؛ لأنَّها كانت وقت صدور الحُكم في نوفمبر 2016م خارج البلاد، وتحديدًا في كندا، وقد طالَب عددٌ من المسيحيين المصريين المقيمين في كندا، خلال المؤتمر الدُّولي لمساندة مصر ضدَّ الإرهاب بمدينة تورنتو الكنديَّة في أبريل 2016م، بالعفو عن تلك الكاتبة، وغيرها ممَّن يوصفون بالكُتَّاب التَّنويريين، من باب الدّفاع عن حريَّة الرَّأي.

وبالعودة إلى رواية زينة، تدعو السَّعداوي إلى إعمال العقل وإعادة النَّظر فيما ورد في الكُتب السَّماويَّة، تمامًا كما طالبت صراحةً في أواخر أيَّامها في حديثها آنف الذّكر مع قناة بي بي سي البريطانيَّة مطلع يوليو 2018م. تتَّهم السَّعداوي الكُتب السَّماويَّة بازدراء المرأة ومحاباة الرَّجل على حسابها، وكذلك بالدَّعوة إلى العنف، مستشهدةً بآيات من الكتاب المقدَّس، من سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي تتعلَّق بمجيء الرَّبّ في آخر الزَّمان وبإدانته للبشر. ومن بين صور الاستهتار بشعائر الدّين ما ترويه السَّعداوي عن تصرُّفات مجيدة، ابنة بدور وزكريَّا، أثناء القيام بالشَّعائر المفروضة من صيام وصلاة، دون أن تنسى الكاتبة الاستهزاء بالتَّهديد بالعقاب في النَّار في الآخرة وإمكانيَّة السُّقوط في النَّار أثناء السَّير على الصّراط بعد الحساب (صـ122):

أكثر ما تحبه مجيدة هو النَّوم أن تغيب في النَّوم عن الواقع والحقيقة، عن صوت أبيها وأمها يتشاجران، عن صوت الله يهددها بالحرق في نار جهنم، عن صوت إبليس يغويها بالإثم، قبل أن تبلغ العاشرة من عمرها اقترفت مجيدة كثيرًا من الآثام، أحدها أنها كانت تكره أباها وأمَّها والمفترض أن تحبهما، وهي أيضًا تبتلع قطرات ماء في شهر رمضان قبل مدفع الإفطار، لا تتوضأ أحيانًا قبل الصَّلاة، أو تفلت من أمعائها ريح وهي تصلي فلا تقطع الصَّلاة لتتوضأ من جديد، وهي لا تغطي شعرها وهي تقف بين يدي الله، وتبول في فراشها أحيانًا خوفًا من السُّقوط من فوق الصّراط المستقيم بعد أن تموت، ترى نفسها في الحلم تمشي فوق هذا الحبل الرَّفيع الممدود بين الجنة والنَّار، تتأرجح فوق بجسمها القصير السَّمين، لم تتدرب في حياتها على السَّير فوق الحبال الرَّفيعة الممدودة في الهواء، قدماها الصغيرتان الناعمتان يُدميهما الحبل المشدود، مثل شفرة السّكين، تمش فوق الشّفرة تترنَّح حتى تسقط في النَّار، ثم تصحو مبلَّلة بالعرق والخزي.

 

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى