كتب وبحوث

نظرية مقاصد الشريعة قراءة تجديدية

نظرية مقاصد الشريعة قراءة تجديدية

إعداد الشيخ عاطف خوالديه

مقدمة

إن دراسة روح الشريعة واكتشاف أهدافها العامة ومقاصدها الكلية، أضحت أهم الروافد لتنمية الاستنباط الفقهي واستدعاء الفقه للعصر لا استدعاء العصر للفقه، ولعلّ التجديد في المقاصد الشرعية يأتي في مقدمة المهام الفكرية، التي يتوجب أن تقوم بها هذه الصفوة من رجالات العلم والفقه والفكر في إطار الالتزام بالقواعد الكلية للشريعة الإسلامية، والفهم المتجدد لمعاني إطار القرآن الكريم والسنة المطهرة.

            لقد اتجهت أنظار الحذاق ومشاربهم إلى التأليف المقاصدي وخاصة في المباحث النظرية والفكر المقاصدي عن الأئمة الأعلام والتقصيد الشرعي للأحكام، بينما بقي الجانب المنهجي في البحث المقاصدي عن الأئمة ضامراً وهزيلاً على الرغم من أهميته القصوى، وخصوصاً ونحن نريد لعلم المقاصد أن يقوم على سوقه وأن يمشي بقدمين ثابتتين بقدم معرفي ونظري وهو السائد والموجود، وقدم منهجي وهو المفقود والمنشود.

            وإذا تم البحث في تجديد المقاصد تحقيقاً وتدقيقاً وتعميقاً وتوثيقاً، فإن ذلك يساعدنا للخروج بضوابط للبحث المقاصدي مما يمنع الأدعياء من تسلق سوره وتمييع الأحكام الشرعية أو تعطيلها بدعوى أن الشريعة مقاصد لا أحكام.

            ويخطئ من يظن أن نصوص الوحي قاصرة عن مواكبة أو مواجهة نوازل العصر وتعاقب الأجيال، واختلاف الأجناس والأديان والأحوال وعادات وأعراف الأمم.

          وقد وعى الفقهاء والعلماء في الحقبة الأولى – خاصة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم – عمق المنظومة الفكرية الأصولية المقاصدية والشمول الذي حوته هذه النصوص، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، رغم أن هذه العلوم لم تكن مبثوثة ومدونة، بل كانت حاضرة في عقولهم، راسخة في قلوبهم رسوخ الجبال الرواسي.

            وقد أدى الاجتهاد في مقاصد الشريعة دوراً هاماً في بناء هوية الفرد المسلم في عقيدته وشريعته وأخلاقه، فتبلورت مفاهيم رئيسية كانت بمثابة القواعد والأسس لبناء فكر وفقه الأمة عبر مرّ العصور، فكلما كان فهم المقاصد أقرب وأيسر كان فهم الشريعة كذلك.

إشكالية البحث

إن الشريعة الإسلامية صالحة لرعاية مصالح البشر، فتحقق لهم إشباع حاجاتهم وطمأنينة نفوسهم أي الدنيا أي في العاجل ويؤدي إلى ثوابهم ونجاتهم من العقاب في الأخرة أي في العاجل، وهذه هي السعادة في الدنيا والآخرة.

وهذه الجزئية في غاية الدقة خصوصاً في هذا العصر الذي تتعالى فيه بعض الأصوات والأقلام داعية إلى التطوير، أو إلى ما تسميه “قراءة جديدة للتراث الإسلامي” بلا قيود أو ضوابط وشروط، أو من جهة أخرى داعية إلى قراءة تاريخية للنصوص وبطرها عن الواقع بحجة أن النصوص تصلح في زمان دون زمان ومكان دون مكان.

فتأتي النظرة العقلانية الوسطية للمطالبة بتفعيل وتجديد المقاصد لتحصين الشريعة من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

تأتي مقاصد الشريعة برؤية عصرية جديدة بين التمسك بالثابت والعض عليه، وبين تجديد المتغير وبين الانفتاح على العصر وفهم متغيراته، والسعي نحو وجود حلول سليمة صحيحة للقضايا التي تعاني منها الأمة الإسلامية ولتحقيق رسالة الخلافة في الأرض ليسعد البشر في العاجل والآجل.

فأردت في هذا البحث المتواضع أن أضيف بعض المفاهيم التي تساعد على تجديد مقاصد الشريعة.

وهذا ما يقودنا لطرح الإشكالية التالية:

  1. هل يمكن التجديد في علم المقاصد فعلاً؟
  2. كيف يتم التجديد في علم المقاصد؟
  3. ما هي أهمية تجديد علم المقاصد؟
  4. هل إضافة علماء المقاصد لبعض المقاصد الزائدة كالحرية وإنسانية الإنسان وحفظ البيئة هو تجديد لمقاصد الشريعة فعلاً؟
  5. لماذا تهيبت بعض الفرق الإسلامية لإعمال المقاصد؟
  6. لماذا تسيبت بعض التيارات الفكرية في إعمال المقاصد دون ضوابط وشروط؟
  7. هل النظرة الوسطية العقلانية لعلم المقاصد هي الحل الأمثل لتجديد علم المقاصد؟
  8. لماذا تأخر التجديد في علم المقاصد؟
  9. ما هو مستقبل المقاصد؟

منهج البحث وعملي فيه

  1. سأعتمد في هذا البحث على المنهج الاستقرائي الاستنتاجي والتطبيقي الذي يقوم على رصد أقوال علماء المقاصد القدامى والمعاصرين وجهودهم في علم المقاصد.
  2. الحرص على نسبة كل قول لصاحبه.
  3. ذكر الإحالات على هامش كل صفحة من صفحات البحث.
  4. تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

أهمية تجديد مقاصد الشريعة وتفعيلها:

            إن تجديد مقاصد الشريعة الإسلامية هو الاجتهاد الذي نؤكد عليه لإيجاد الحلول للمشكلات والمعضلات القائمة في إطار مراعاة المصالح العامة للأمة، وفي دائرة التقييد بالضوابط الفقهية التي تحدد مجال المصلحة، يقول الإمام الشاطبي في ضبط المصلحة :” إنك تعرض نفسك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر إلى مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية”.

            إن تفعيل مقاصد الشريعة في النظر الفقهي فعل مركب لا يتحقق إلا بتحقيق جملة من العناصر، ليس هذا التفعيل خاصاً ومقصوراً على فقهاء الشريعة وإنما عام في المسلمين على حسب طاقاتهم فيه، فكل مسلم مطلوب منه أن يكون تصرفه في الحياة تفكيراً نظرياً وسلوكاً عملياً موافقاً لأحكام الشريعة محققاً لمقصد ما، وهذه المقاصد المراد تحقيقها ينبغي أن تكون حاضرة في ذهنه عند ذلك التصرف ليكون تصرفاً حكيماً راشداً محققاً للمصلحة الآجلة والعاجلة. 

            ولما كانت مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستقاء ما يتوقف عليه التشريع، كان لازماً على الفقهاء أن يجددوا في مادة مقاصد الشريعة تجديداً يتماشى مع قضايا العصر، ومشاكل الأمة واهتمامها ونوازلها.

يتبع


([1]) الشاطبي، الموافقات، (ج 4، ص 191).

([2]) عبد المجيد النجار، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ، ص (239).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى