تقارير وإضاءات

مع قرب إحياء الذكرى الـ73 للنكبة.. أهالي حي الشيخ جراح على أعتاب نكبة جديدة

مع قرب إحياء الذكرى الـ73 للنكبة.. أهالي حي الشيخ جراح على أعتاب نكبة جديدة

إعداد أسيل الجندي

في الشارع يوجدون ليلا ونهارا غير مكترثين بالرائحة الكريهة التي تغرق الحي منذ أيام، إذ تتعمد قوات الاحتلال رش المياه العادمة يوميا خلال الوقفات التضامنية مع أهالي حي الشيخ جراح المهددين بإخلاء منازلهم لصالح المستوطنين.

كخلية النحل يتحلقون ويناقشون آخر المستجدات، ليس بينهم متقاعس ولا يائس رغم الإنهاك الشديد الذي بدا على وجوههم مع تزامن جلسات المحاكم المصيرية مع الصيام ودرجات الحرارة العالية.

الشباب بدوا أكثر حيوية من كبار السن المنهكين من التردد على مدار عقود على المحاكم الإسرائيلية التي يؤمنون أنها لن تنصفهم، لكن العبارة التي تتردد على لسان الجميع “أملنا بالله كبير، سينتصر الحق ولو بعد حين”.

نبيل الكرد أحد أكبر سكان الحي سنا سألته الجزيرة نت في الشارع: مع قرب حلول الذكرى الـ73 للنكبة هل أنتم على أعتاب نكبة جديدة؟

نبيل الكرد: إذا كان المستوطنون يملكون هذه الأرض فلماذا يدفعون لي أموالا طائلة لإخلاء منزلي؟ (الجزيرة نت)

لم يصمت طويلا وأجاب “نحن نعيش في نكبة متواصلة منذ عام 1948 وإسرائيل تختار كل فترة منطقة بفلسطين لتقتلع سكانها، والآن جاء دور التهجير الجماعي لأهالي كرم الجاعوني، وأعتقد أن الاحتلال ازداد شراسة وقوة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، ونحن ندفع ثمن هذه الولاية، بالإضافة إلى التقاعس في تثبيت حقنا بملكية الأرض والمنازل”.

وأضاف الكرد أن القضاء الإسرائيلي يطلب منذ 20 عاما أوراقا من المستوطنين تثبت ملكيتهم في الأرض، ولم يقدموا منها شيئا حتى الآن، مشيرا إلى أن شخصيات كبيرة في الحكومة الإسرائيلية عرضت عليه مبلغ 10 ملايين دولار لبيع منزله ورفض ذلك.

وعلق على ذلك متسائلا: إذا كان المستوطنون يملكون هذه الأرض فعلا فلماذا يدفعون لي مبالغ طائلة لإخلاء منزلي؟

وعن توقعاته حول جلسة سماع الاستئناف المقدم من عائلات حي الشيخ جراح في المحكمة العليا يوم الاثنين المقبل، قال الكرد “منذ السبعينيات وأنا أقول إن هذه محاكم احتلالية مزيفة، وهي محاكم سياسية تنفذ ما تريده الحكومة والمستوطنون لا ما يمليه عليها القانون”.

متطرفون ينصبون مكتبا لعضو الكنيست المتطرف إيتمار بن جفير في حي الشيخ جراح (الجزيرة نت)

لجوء فتوطين فإخلاء جديد

لجأ الكرد عام 1948 من حيفا إلى القدس، وكانت عائلته من ضمن 28 عائلة قرر الأردن توطينها في القدس بالتعاون مع الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وبهدف التوسع بنى نبيل منزلا ملاصقا لمنزله وأنهى العمل فيه عام 2001، لكن الاحتلال صادر مفاتيحه قبل سكنه بـ4 أيام، وفي عام 2009 جاء المستوطنون واستولوا عليه، ومنذ ذلك الوقت تحولت حياة هذه الأسرة إلى جحيم.

نصب خيمة في مدخل المنزل وتناوب على الوجود فيها متضامنون فلسطينيون وأوروبيون ويهود، وتعرض هؤلاء لمضايقات عدة تمثلت في سكب الحليب الفاسد عليهم، ورشقهم بالخضروات والفواكه المتعفنة، وإلقاء قمامة المراحيض عليهم وعلى فراشهم، بالإضافة إلى إطلاق الجرذان أثناء نومهم، وبعد 5 أعوام أضرم المستوطنون النيران في الخيمة وأحرقوها.

عارف حماد: 160 فردا في الحي وصلتهم مؤخرا أوامر لإخلاء منازلهم بينهم 46 طفلا (الجزيرة نت)

انتهت المضايقات للمتضامنين، لكن أصحاب المنزل يعانون على مدار الساعة، وحول ذلك يقول الكرد “يتعمد المتطرفون خلع ملابسهم بالكامل والوقوف أمام النوافذ المطلة علينا، فاضطررت لوضع حاجز قماشي لأحمي بناتي وزوجتي.. كلابهم تهاجمنا ونفاياتهم تغرق المدخل، أعدموا الأشجار وعاثوا خرابا في المنزل”.

يتنقل نبيل بين وسيلة إعلام وأخرى يطلعها على مسار قانوني طويل في المحاكم الإسرائيلية قد ينتهي بقرار إخلاء قريب بحقه وحق عائلات أخرى تنتظر مصيرا قاتما في الحي.

ويقف على مقربة منه عضو لجنة وحدات سكن لاجئي حي الشيخ جراح عارف حماد الذي قال إن أهالي الحي والمحامين والمتضامين مع قضيته يبذلون جهدا جماهيريا وقانونيا كبيرا كي لا يتعرض السكان لتهجير ثان بعد لجوء معظم العائلات إلى كرم الجاعوني من حيفا وعكا ويافا والناصرة.

“تركنا بيوتنا وممتلكاتنا قسرا، وبعد سنوات أقمنا مجتمعا طيبا يمكننا العيش فيه هنا، لكن بكل بساطة الحكومة الإسرائيلية التي تأتمر بأوامر المستوطنين تريد اقتلاعنا من الحي وبناء 220 وحدة سكنية للمستوطنين مكاننا، هذه أكبر من جريمة حرب”.

لا إجابات

وعن الوضع النفسي الرديء الذي يمر به 111 طفلا يسكنون الحي، علق حماد “ما يراه الأطفال في هذه الأيام من قمع وحشي أثر عليهم من الناحية النفسية جدا، وأحفادي يسألونني طوال الوقت: ما مصيرنا؟ وأين ستذهب كتبنا وألعابنا؟ وليس لدي إجابات على هذه الأسئلة التي تغرقني في دوامة من العجز والحزن”.

وأوضح حماد أن 160 فردا في الحي وصلتهم مؤخرا أوامر لإخلاء منازلهم، بينهم 46 طفلا، وينتمي هؤلاء إلى 12 عائلة مختلفة، وتعيش 28 عائلة ممتدة لاجئة على مساحة 18 دونما في “كرم الجاعوني” بحي الشيخ جراح ويبلغ عدد أفرادها 500 شخص.

حفيده عارف حماد يوجد في الشارع مع الكبار ينصت بعمق لنقاشاتهم تارة، ثم يسير وحده ذهابا وإيابا أمام منزله.

طلبت منه الجزيرة نت التعريف بنفسه فقال بنبرة حازمة “أنا عارف حماد من حي الشيخ جراح المهدد بإخلاء منزلي، عمري 9 سنوات، عرفت العام الماضي أن المستوطنين يريدون الاستيلاء على منزلنا فبدأت المشاركة في الجلسات والاحتجاجات لأفهم ما يجري حولي”.

الطفل المقدسي عارف حماد المهدد بإخلاء منزله في حي الشيخ جراح (الجزيرة نت)

وعن كيفية قضائه الوقت في الأيام الأخيرة الساخنة في الحي، قال “أشرب كل ليلة كأسا من اليانسون، وأتناول موزة، وأحاول الخلود للنوم لكنني لا أفلح بذلك من صوت القنابل ورائحة المياه العادمة”.

قبل أن نودعه سألناه عن أمنيته فأجاب: أن أعيش في منزلي آمنا كبقية أطفال العالم، وأن ألعب مع الأولاد بالمدرسة وأنا مطمئن، فجميعهم يلعبون بسعادة، وأنا أفكر خلال الفسحة المدرسية بالمنزل وأخشى أن أعود ولا أجد أسرتي به.

سامي ارشيد أحد المحامين المكلفين بالدفاع عن عائلات حي الشيخ جراح المهددة بإخلاء منازلها قال إن القاضية في المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا تقنيا قررت فيه سماع طلب الاستئناف المقدم باسم أهالي الحي أمام هيئة مكونة من 3 قضاة يوم الاثنين المقبل الموافق 10 مايو/أيار.

“الكرد والجاعوني وقاسم وسكافي” هي العائلات الأربع التي ستمثل أمام المحكمة العليا بعد أيام، وأكد ارشيد أن أي قرار سيصدر عن الجلسة المقبلة قد يكون مفصليا بالنسبة لهم.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى