كتب وبحوث

معاهدات السلام العربية الإسرائيلية في ميزان الشريعة الإسلامية 5

معاهدات السلام العربية الإسرائيلية في ميزان الشريعة الإسلامية 5

إعداد د. عطية عدلان

حكم هذه المعاهدات في شرع الله

إن الذي يتابع أحداث هذه المعاهدات، وينظر في بنودها، ويطالع نصوصها، ويتأمل نتائجها يجزم بالنظرة العابرة بأنها مصادمة لمقاصد الشريعة، فإذا ما أمعن النظر الفقهي من خلال عرض هذه الاتفاقات على الشروط التي قررها العلماء فسوف يتبين له أنها لم تستوف شرطا واحدا من شروط صحة عقد الهدنة في الإسلام؛ وسوف نستعرض الشروط شرطا شرطا؛ لنرى مصداق ذلك.

الشرط الأول: شرط الأهلية.

لم يتوفر في واحدة من هذه المعاهدات شرط الأهلية؛ لأن الذي يتولى عقد معاهدة السلام هو من له أهلية النظر في المصالح العامة للأمة الإسلامية، وهو الإمام، ويكون ذلك منه بمشورة أهل الحل والعقد في الأمة: فالإمام هو اللسان الناطق باسم الجماعة، وقد خوله عقد البيعة هذا الحق ، وأضفى عليه ذلك الاختصاص([1])، وهذا لا يمكن حدوثه إلا في ظل دولة إسلامية يحكمها إمام واحد: فَمَنْ يكون الإمام اليوم؟ ومن يكون نائبه؟

وبرغم خطورة السؤال وحاجة الأمة إليه في واقعها المعاصر؛ في ظلِّ جَبْرية صَلْعاء خشوم تَتَسَوّل الشرعية في المحافل الدولية الغارقة في النفاق الدوليّ، وتفتقدها في عمق الأمة العربية، التي لم تقم باختيار حاكم واحد من حكامها في حياتها المعاصرة ولو مرة واحدة، أقول برغم عدم شرعية هذه الأنظمة وعدم أحقيتها بتمثيل شعوبها: سنتجاوز هذا ونفترض أنّ هؤلاء الحكام حكام بحكم الواقع المفروض علينا شِئْنا أمْ أَبَيْنا، فبرغم ذلك – الذي يُعَدُّ تَنَزُّلاً غير مقبول في الأصل – لم يتوفر في واحدة من هذه المعاهدات شرط الأهلية؛ لأنّه في ظل انقسام الأمة إلى كيانات متعددة فإن عقد الهدنة لا يمكن أن يصح شرعا إذا عقده واحد من الحكام بانفراده، إلا إذا كان أمر السلم يخص الإقليم الذي يحكمه فقط ، ولا ينعكس على غيره من بلاد الإسلام.

والعدو الإسرائيلي ليس عدوا لإقليم واحد، وقضية الصراع مع هذا الكيان لا يمكن أن تتجزأ؛ ليس لأنها تضر جميع الأطراف وحسب، ولكن لذلك ولأمر آخر أكبر وأقدم ، وهو أنها قضية صراع على الدين والمقدسات، لذلك لا يصح أن يعقد الصلح مع إسرائيل حاكم واحد بانفراده، ولا يصح أن تكون المحادثات ثنائية بين إسرائيل وكل طرف عربي على حدة؛ لأنها قضية واحدة، ولأن العدو واحد، ولأن الضرر واقع على الكل، يقول الدكتور الدريني([2]):

«وعلى هذا فالإسلام يوجب إذا تعددت دوله في أقاليمه المختلفة، ألا ينفرد رئيس دولة إسلامية منها بعقد السلم مع العدو المشترك دون سائر رؤساء الدول الإسلامية، توحيدا للسياسة الخارجية، فقد جاء في الصحيفة ما نصه: « وَأَنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدٌ، وَلا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ »([3]).

ثم إن هناك أمراً هاما مبنيا على وجوب الشورى وعلى أنها في نظام الحكم الإسلامي ملزمة للحاكم، هذا الأمر هو أن معاهدة السلام تتطلب لكي تتمتع بصفة اللزوم والنفاذ أن يوافق عليها أهل الشورى([4])، وأهل الشورى الذين يُرَدُّ إليهم أمر معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي ليسوا محصورين في إقليم واحد ، وإنما هم مبثوثون في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في أنظمة حكمه ، وفي مؤسساته الدينية والسياسية والعلمية.

وقد ترتب على غياب شرط الأهلية فساد عريض؛ فإنّنا إن تجاوزنا عن ضرر الاعتراف بإسرائيل، وعن الأرض التي احتلتها قبل 1967م – وهذا بالطبع لا يجوز – فإنّ أقلّ ما يمكن أن يَتَنَزَّلَ إلى دركه حُلم المسلم في أي مكان هو أن يتمسك العرب بحدود ما قبل 5 يونيو 1967م، ، وقد كانوا قادرين على ذلك بعد أكتوبر، إذْ برغم قوة إسرائيل ، وبرغم أن نصر أكتوبر لم يكتمل، فإنّ إسرائيل تلقت لطمة أهّلَتْها لإعادة التفكير في استراتيجيتها التوسعية، وأثارت فيها الرغبة في تعديل مسارها، فما قيمة أرض يحتلونها بلا مستوطنين؟ و كيف يأتي المستوطنون والحرب لا تفتر والخطر لا يفارق الدويلة الناشئة في محيط من العداوات؟

فليهدأ قطار التوسع الجغرافي؛ ليتدفق الخبث الصهيونيّ في عروق الأمة كلها، ثم تستكمل المسيرة، وهذا يلزم منه الاتكاء على أمريكا لجرّ العرب دويلة بعد دويلة إلى طاولات مفاوضات متفرقة.

    وجاءت الفرصة لتَفِرَّ إسرائيل من مواجهة “العرب مجتمعين” على طاولة المفاوضات، فقبل زيارة السادات للقدس كانت أنظار العالم كله تتوجه إلى جينيف حيث الترتيب للمؤتمر الدولي للسلام، وقد كانت القضية الفلسطينية متحركة صوب الحل بعد حرب أكتوبر 73 ، وكان العالم كله حتى أمريكا وروسيا متقبلا لفكرة حل القضية الفلسطينية جذريا ، وبحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وبضرورة انسحاب إسرائيل من الأرض التي احتلتها في 67، فإذا بالسادات يفاجئ الجميع بقراره الذي أثار التساؤل: لماذا يؤثر التحول عن المؤتمر الدوليّ إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل؟([5])

ولذلك بمجرد أن أعلن السادات عن رغبته في زيارة القدس التي قوبلت بالترحاب من مناحم بيجن؛ استقال وزير خارجيته إسماعيل فهمي، وبعده بقليل وزير الدولة للشئون الخارجية محمد رياض، ثم مراد غالب سفير مصر في يوغسلافيا([6]).

وقد كذب السادات عندما زعم أنّ الفكرة جاءته فجأة؛ فقد ورد في كتاب حياتي لجولدمائير الذي ألفته سنة 1975م تحكي فيه عن رسالة بلغتها من السادات عن طريق شاوشيسكو يرغب في التفاوض، مستبعدا بذلك رواية السادات عن أول مرة يخطر بباله المبادرة لزيارة القدس([7])، ومن المشهور أنّ الملك الحسن الثاني ملك المغرب هو من نقل رسالة إسحاق رابين إلى السادات ، وذلك في أكتوبر تشرين الأول عام 1976م، أي قبل المبادرة بعام، وقد تضمنت الرسالة الاستفسار على السؤال: ماذا تريد مصر في مقابل السلام مع إسرائيل وإنهاء الحرب؟([8]).

ولقد أدركت إسرائيل بخبثها ومكرها أنّها لن تكسب المعركة حربا أو سلما في نهاية المطاف إلا بتفريق الموقف العربيّ الذي كشفت حرب أكتوبر وما تلاها من التضامن العربيّ عن بعض تداعياته عليها، وأدركت كذلك أنّ زعماء العرب ولاسيما السادات وحسين لديهم الرغبة في حلول منفردة عاجلة، وفهمت دوافع السادات المتمثلة في رغبته العارمة في إحراز مجد كبير بالسبق إلى نصر سياسي في ميدان السلم؛ يضاف إلى نصر أكتوبر في ميدان الحرب، ويجبر ما أصابه من كسور وخروق أوشكت أن تقلبه هزيمة محققة؛ فبدأت المغازلة بين السادات وإسرائيل من عهد قريب جدا بوقف إطلاق النار، وكان كيسنجر هو “تاكسي الغرام!” الذي وصل بسرعة ورشاقة بين “العشيقين الغريمين في آن!”.

نقل “محمد إبراهيم كامل” زير خارجية السادات – الذي استقال هو الآخر اعتراضا على كامب ديفيد – عن كتاب الصحفي الإسرائيلي ماتي حولان “المحادثات السرية لهنري كيسنجر” الذي صدر سنة 1976م، وعن كتاب وليام كوانت الأستاذ بجامعة بنسلفانيا وعضو مجلس الأمن القومي الأمريكي والذي رافق كيسنجر في المفاوضات، نقل عنه من كتابه: “جيل من القرارات” نقل ما مفاده:  في 22 أكتوبر 1973م صدر قرار مجلس الأمن 338 بوقف إطلاق النار، التزمت به مصر وتجاهلته إسرائيل التي تمكنت من حصار الجيش الثالث والتمدد في الأرض المصرية غرب القناة، فصدر قرار آخر بوقف إطلاق النار والعودة إلى حدود 22 أكتوبر، فأوقفت إسرائيل إطلاق النار وفتحت الطريق للمؤن الغذائية للسويس والجيش الثالث المحاصر، لكنها لم تتراجع إلى حدود 22 أكتوبر، وتحت ضغط من الاتحاد السوفيتي صدر قرار مجلس الأمن بضرورة العودة إلى حدود 22 أكتوبر، وتعنتت إسرائيل، فجاء كيسنجر واجتمع بالسادات وانتزع منه برفق تنازلا عن مسألة عودة إسرائيل لحدود 22 أكتوبر مما أثار دهشة كيسنجر وإسرائيل حتى أسمته جولدمائير الإنجاز المدهش([9]).

    وبعدما تحقق لإسرائيل ما أرادت من سحب مصر على بساطها بعيدا عن أخواتها؛ طفقت ترسخ الفرقة بكل الوسائل والأساليب، ففي خضم الأحداث دُعي إلى اجتماع الدول العربية، وجاءت وفود العرب لاجتماع الجامعة العربية، عدا دول الرفض سوريا وليبيا واليمن والجزائر، وفجأة أبلغ السادات وزير خارجيته محمد إبراهيم كامل بأن عيزرا وايزمان سيزور القاهرة اليوم، فجن جنون وزير الخارجية واعترض على السادات إذْ إنَّ مجيء وايزمان في هذا التوقيت يعني تخريب لكل ما تبقى من الثقة بين العرب([10]).

وقد كذب السادات على وزير خارجيته عندما قال له بأن وايزمان هو من طلب ذلك، وعلى فرض صحته كان يجب على السادات أن يرفض في هذا التوقيت وأن يُيَمِّمَ وجهه شطر الوفود العربية؛ إذ لكل وقت ما يناسبه، غير أنّ الحقيقة كانت أشد مرارة؛ فقد نقل محمد إبراهيم كامل عن كتاب وايزمان “معركة السلام” ما يكشف كذب السادات عليه عندما أخبره بأن إسرائيل هي التي طلبت زيارة وايزمان، فالذي حدث حسب كتاب وايزمان أنّ السادات أبرق إلى إسرائيل بطلب وايزمان؛ مما أحيا في قلوبهم الأمل بأن محادثات السلام سوف تستمر برغم العدوان السافر على جنوب لبنان، وجاء وايزمان ورحب به السادات أشد ترحيب بينما القاهرة تكتظ بالوفود العربية([11]).

    والعجيب أنّ إسرائيل – وكأنّها تجس النبض وتختبر مدى نجاحها في تحقيق خطتها – بمجرد اتفاق أسوان هاجمت جنوب لبنان حيث وجهت ضربة واسعة للفدائيين الفلسطينيين، وعندما وقع هذا العدوان في وقت مبكر قبل إبرام المعاهدة ثارت ثائرة الوزير محمد إبراهيم كامل، واتصل بالسادات الذي ردّ عليه والتثاؤب يغالبه، يقول الوزير: ” فأجبته إن الأمر يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على لبنان، فقال السادات ضاحكا: “هل أعطوهم العلقة ولا لسة؟”([12])، ولم يخطر ببالي ما يقصده، فقلت متسائلا: “أفندم؟” فقال: “يعني أدبوهم ولا لسه؟” وفهمت أخيرا أنه يقصد إن كان قد تم للإسرائيليين تلقين الفلسطينيين درسا بسبب العملية التي قام بها الفدائيون داخل إسرائيل منذ أيام” ثم ذكر – نقلا عن كتاب وايزمان “معركة السلام” الذي صدر 1981 – نص الرسالة التي أرسل بها الكيان الصهيوني إلى المخابرات العسكرية المصرية وهذا نصها: “بدأت قواتنا عملية محدودة على الحدود اللبنانية من المنطقة، ونتعشم هذه العملية المحودة لن تعطل المحادثات بين بلدينا”([13]).

وعندما تأكد لإسرائيل أنّها على الطريق الذي يحقق لها غرضها استمرت في “معركة السلام!” وكان من بنود الصلح ذلك الشرط الذي يرسخ الفرقة بين جميع الأنظمة العربية، ويجعلها جميعا مضطرة لحلول منفردة تفرضها إسرائيل، فالمادة السادسة فقرة 2 تنص على أنّه: “يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتما الناشئة عن هذه المعاهدة؛ بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من طرف آخر، وبشكل مستقل عن أي وثيقة خارج هذه المعاهدة …. “مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة؛ يقر الطرفان بأنه في حالة وجود التناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأيّ من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة”([14])؛ بما يعني أنّ هذه الاتفاقية ناسخة لاتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية.

وهذا النص هو ذاته الذي اشتملت عليه معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية 1984م: “يتفق الطرفان أيضاً على الامتناع عن الدخول في أي ائتلاف أو تنظيم أو حلف ذي صفة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث أو مساعدته بأي طريقة من الطرق ، أو الترويج له ، أو التعاون معه إذا كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمن شن العدوان أو أية أعمال أخرى من العداء العسكري ضد الطرف الآخر، بما يتناقض مع مواد هذه المعاهدة”([15])، بل إنّ هذه السياسة التي تكشف عن قصد إسرائيل في تفتيت الروابط العربية استمرت حتى مع لبنان بعد غارتها عليها التي شنتها في ظل سكوت مصر والتزامها الحياد وعدم التدخل، حيث تضمنت اتفاقية 17 آيار الإسرائيلية اللبنانية على نصّ مشابه تمام للنصين الواردين في معاهدتي السلام مع مصر والأردن؛ بما يؤكد مسيرة إسرائيل التي تمضي بإصرار لجعل سلم العرب والمسلمين متعدد ومتشاكس؛ لتكون الحرب عليهم سهلة.

 وقد دلت الأحداث اللاحقة بأنّ معاهدة السلام بما اشتملت عليه من بند التحييد هذا أثرت تأثيرا بالغا على سياسة مصر تجاه أشقائها العرب؛ حيث لم تكتف حتى بالحياد، بل “أضحت طرفا منحازاً لإسرائيل ضد البلدان العربية، وقد حدث هذا بالفعل أثناء الغزو اليهوديّ للأراضي اللبنانية؛ عندما التزمت مصر بتوريد ما تعاقدت عليه مع إسرائيل من النفط المصريّ الذي استخدمه الجيش الإسرائيليّ وقودا لدباباته التي اجتاحت لبنان!” ([16]).

 لذلك بعد اتفاقية كامب ديفيد بدأت أسرائيل تتحرك صوب هدفها بارتياح كبير، فسرعان ما استفادت من اتفاق السلام مع مصر؛ حيث غزت لبنان في العام 1982م أي بعد ثلاث سنوات فقط من تحييد مصر، ونفذت أبشع حصار على بيروت؛ لينتهي الحصار والغزو بخروج قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان ، وتوزيعهم على عدة دل عربية من الدول غير المحيطة بالأراضي الفلسطينية؛ الأمر الذي كان يعني بالضرورة تأمين حدود إسرائيل وانتهاء العمليات المسلحة([17]).

 وهذه نتيجة طبيعية لذاك البند المشؤوم من تلك الاتفاقية المشؤومة والذي لم يُنتزع من السادات على غفلة منه، وإنّما أخذ منه عن رضاه؛ نقل “غسان حمدان” عن مجلة الأرض العدد 22 الصادرة في 7/8/1981م ص 21 بأنّ بيجن تلقى وعدا من السادات في لقاء أسوان سنة 1980م بأنّ “مصر لن تتدخل في أيّ نزاع عسكريّ قد يحدث بين إسرائيل وسورية بسبب الأزمة في لبنان” وعلق قائلاً: “وهذا ما شجع إسرائيل لتشن هجومها وتجتاح لبنان عام 1982م([18]).

   من هنا ندرك حكمة الشرع في اشتراط أن يتولى أمر هذه المعاهدات من له أهلية النظر في المسائل العظام التي لا يستقل بالنظر فيها ، ولا بتحمل مسئوليتها قُطر دون قُطر، فإما أن يتولاها الإمام بمشورة أهل الحل والعقد، وإمّا أن يتولاها جميع رؤساء البلاد الإسلامية بمشاورة أهل الشورى جميعا، وهذا ما لم يحدث في اتفاقيات السلام التي عقدها الكيان الصهيونيّ مع العرب، سواء منها ما وقع في الربع الأخير من القرن المنصرم ، وما استجد في أوائل الألفية ، وما استحدث في الأشهر الأخيرة من عام 2020م؛ مما يقضي عليها جميعاً بالبطلان.

إنّ الضرر الأكبر من غياب هذا الشرط يتمثل في إهدار المصالح العليا للأمة الإسلامية في سبيل تحقيق مصالح جزئية لكل بلد على ربي على حدة، وليت هذه المصالح حقيقية أو حتى راجحة، ولكنها كما سيتبين لنا بعد قليل مصالح موهومة وغارقة في لجج من المفاسد والشرور، والمصالح العليا التي تضيع على الأمة – بسبب غياب شرط الأهلية بتفرق العرب على موائد مفاوضات مختلفة – تتمثل أولا وقبل كل شيء في تجاوز القضية الأمّ، قضية القدس وفلسطين والمسجد الأقصى، تلك القضية التي لها أبعاد لا يخفى خطرها؛ حيث يتمكن العدو الصهيونيّ من تحقيق حلمه وإنجاح خطته الجهنمية.

وها هي الاتفاقات الأخيرة تهدر القضية الفلسطينية إهدارا ظاهرا؛ فبرغم أنّ الإعلان الثلاثيّ أبهم شأنها؛ وجدنا نصوص الاتفاق تصدر خالية خلوا تامّا من أي شيء يتعلق بها، ففي بداية المسيرة منذ شهور يسيرة قال البيان الثلاثي: إنه نتيجة لهذا (الاختراق الدبلوماسي!)، وبناءً على طلب الرئيس “دونالد ترامب” وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ (سَتُعَلِّق!!) إسرائيل إجراءات ضم الضفة الغربية، وستركز جهودها الآن على توسيع العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، على ثقة من إمكانية حدوث اختراقات دبلوماسية إضافية مع الدول الأخرى، وستعمل معاً لتحقيق هذا الهدف.

ولا يدري أحد من المسلمين أو الكافرين ماذا بعد تعليق إسرائيل ضم أراضي الضفة؟!

وكم بقي من أراضي الضفة لم تستول عليه إسرائيل؟!

ومن الذي سيلزم إسرائيل بعد أن (تعلق!) بالتفاوض أو بالاستقامة في التفاوض؟

 إنّها ليست سوى عبارة يقصد بها الإلهاء للدهماء ريثما يمَرر مشروع العملاء؛ لذلك لا نعجب إذا رأينا نصوص الاتفاقيات تصدر عارية عن أي ذكر للضفة أو فلسطين.

    ذكرت صحيفة القدس العربيّ([19]) بالأمس: أنّ “البيت الأبيض أصدر نص اتفاقية التطبيع (الإماراتية / الإسرائيلية)، التي تتألف من أربع صفحات، بعد ساعات من حفل التوقيع على الاتفاق الثلاثي بين الإمارات والبحرين وكيان الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن، ولم تذكر الوثيقة أن إسرائيل ملزمة بوقف ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو حتى تأجيلها … وفي وقت لاحق، أصدر البيت الأبيض نسخة من الاتفاقية الثنائية (البحرينية / الإسرائيلية) ليتضح، أيضاً، أنها لم تتناول قضية ضم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة من بعيد أو قريب … وأشار العديد من المعلقين الأمريكيين على تويتر أن الاتفاقيات تجاهلت القضية الفلسطينية بشكل واضح، وتم استخدام مصطلحات عامة وغامضة بشأنها، مثل: “حل شامل وعادل وواقعي”!

ومع ذلك يَصِخُّ آذانَ العالمِ الإسلاميِّ صوتُ “بن بية” وهو يصيح: “المبادرة من الصلاحيات الحصرية والسيادية لولي الأمر شرعا ونظاما”! أيّ شرع وأيّ نظام؟! بل أيّ سيادة وأيّ وليّ؟!


([1]) انظر: أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية د. طلعت الغنيمي (ص54).

([2]) خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم د. فتحي الدريني (ص356).

([3]) رواه القاسم بن سلام في كتاب الأموال برقم”440″(ج1ص279)، وابن زنجويه في الأموال برقم”574″(ج1ص322) والحديث إسناده يحسن إذا توبع؛ لأنّ رجاله ثقات عدا عبدالله بن صالح الجهني وهو مقبول، وقد أورده حميد الله في الوثائق السياسية (ص59-62).

([4]) انظر: أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية، د. الغنيمي (ص65-66).

([5]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد – محمد إبراهيم كامل وزير خارجية مصر الأسبق – ط أولى 2002م – مركز الأهرام – صـــ 28

([6]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 30

([7]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 147 – وراجع: التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م صــــ42

([8]) راجع: التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م صــــ42

([9]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 147- 150

([10]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 188

([11]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 196–197

([12]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 177

([13]) ر:السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد مصدر سابق ص 178

([14]) اتفاقيتا كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل – أحمد علي حسن – مكتبة الآداب – القاهرة – ط الثانية 2012م – صـــ 101

([15]) موقع الجزيرة3/10/2004 – معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .. أهم البنود ..

([16]) التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م صــــ185

([17]) العرب وإسرائيل “مخاطر التطبيع والمطبعين” – محمد أمين، ومحمد عايش، وفراس أبو هلال، ود. كامل حواش – منتدى التفكير العربي – لندن – ط أولى 2019م – صــــ16-17

([18]) التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيونيّ – غسان حمدان – دار الأمان – بيروت – لبنان – ط أولى 1989م صــــ83-84

([19])  القدس العربي السبت 13 فبراير 2021م

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى