علماء من عصرنا

مذكرات الشيخ رفاعي طه (17) من مؤسسي الجماعة الإسلامية المصرية

مذكرات الشيخ رفاعي طه (17) من مؤسسي الجماعة الإسلامية المصرية

سجلها عنه وحررها أ. محمد إلهامي

خضع أسامة حافظ وكبار زعماء الطلاب لاختيار الشاب الطالب بالصف الأول بكلية الطب أسامة السيد كأمير للجماعة الإسلامية بالجامعة، في واحدة من وقائع الزهد وتوقير الكبار وتقديم مصلحة الدعوة على مصلحة النفس، على النحو الذي أشرنا إليه سابقًا.

لكن وَضْع أميرٍ على رأس الإخوة الكبار، وهو لا يتمتع بمواهب القيادة، لم يكن أمرًا طبيعيًا، لقد صار الأمر كأنه وُضِع أمير شكلي ليدير شيئًا أكبر منه وأعظم، وجرى الأمر بهذه الصورة: الاسم والمنصب الرسمي لأسامة السيد، والزعامة الحقيقية لمن هم كأسامة حافظ وحمدي عبد الرحمن وغيرهم. له الصورة ولهم حمل العبء العملي في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يصدرون عن طبعهم وما استقر عليه الأمر في الفترة الماضية، فهم الذين يملكون مقاليد العمل على الحقيقة.

عُرِفت جامعة أسيوط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان هذا أبرز سمت للعمل الدعوي الشبابي فيها، وقد حاول أسامة السيد تعطيل هذا الأمر مرارًا ولكنه لم يفلح!
كان أسامة السيد واجهة قيادة الإخوان في الجامعة، وبدأ يظهر بالتدريج لماذا وضعوا أسامة السيد في هذا المنصب وأصروا عليه في ذلك المعسكر، كانت بداية المشكلات في اجتماع مجلس شورى الجامعة، حيث يجتمع أمراء الكليات ليتشاوروا ويقرروا ماذا يفعلون، فإذا اتفقوا على شيء قال أسامة السيد: لا بد من الرجوع للإخوة الكبار، لا يمكن أن نتصرف في هذا بغير إذن الإخوة الكبار، وهكذا!.. يقصد بهم قيادة الإخوان في المحافظة.

وعندئذ يزمجر الإخوة أمراء الكليات، أولئك الذين أسسوا العمل ونظموه وتحملوه وكانوا يعملون باستقلال تام قبل أن يطرأ عليهم هذا الوضع الجديد، ويعترضون على هذا الأسلوب الذي يرهن العمل وقراره لآخرين، وأسامة من جهة يصرّ على ألا يُمْضِي أي أمر دون هذا الرجوع لقيادته في الإخوان واستئذانهم، ويتمسَّك بشرعية اختياره أميرًا وله على الجميع حق السمع والطاعة!

تعددت الوقائع، يخرج أسامة من اجتماع مجلس شورى الجامعة إلى قيادة الإخوان بما استقر عليه أمرهم، فإما أقرُّوهم فعاد إليهم بإمضاء ما اتفقوا عليه، وإما اعترضوا فلم يُقِرُّوهم فسعى في نقض ما اتفقوا عليه بالأمس.

هنا بدأ ينمو عزمٌ لدى أسامة حافظ بأن يعزل أسامة السيد! وحدَّث بقية الإخوة بما في نفسه، يقول: اخترنا أسامة السيد أميرًا فإذا هو مخبر، يذهب إلى الإخوان فيخبرهم بكل شيء، وكلما اتفقنا على أمر رهنه لقرار ورغبة “الإخوة الكبار” عنده، والجامعة لها وضعها الذي لا يفهمه من كان خارجها، ولا يمكن أن يُقاد العمل في الجامعة من خارجها، وذهب هذا مثلًا وشعاًرا “الجامعة تقاد من داخلها لا من خارجها”.

وجد كلامه صدى في نفوس بقية الإخوة، وتشاوروا: كيف نعزله؟ قالوا: نجمع الناس كما جُمِعوا أول مرة، ونختار مرة أخرى، ولئن أعادوا اختياره فهم وما أرادوا، ولكن سيكون اختيارهم هذه المرة اختيارًا حرًّا يجب علينا قبوله، وإن لم يختاروه فلن نسمح مرة أخرى لهذا الضغط أن يُمارس علينا، ولن يُفرض علينا من لا نقتنع به.

كان هذا في ذات السنة، لقد تولى أسامة السيد إمارة الجامعة في النصف الأول من العام الدراسي 1976 – 1977، بدأت ولايته في شهر نوفمبر أو ديسمبر 1976، وقضينا في هذه المشكلات الداخلية سحابة هذا العام حتى قررنا إقامة المعسكر العام لعزله في شهر مارس أو إبريل 1977، واخترنا أن يكون أيضًا في مسجد عمر مكرم.

وليس يعني هذا أن العمل في الجامعة قد توقف، بل نحن في هذه السنة قد فزنا برئاسة اتحاد الطلاب في الجامعة. وكما هو معروف فقد كانت إمكانيات اتحاد الطلاب الرسمي العصب الأقوى في العمل الدعوي في الجامعات تلك الفترة.

حاول الإخوان ما استطاعوا إثناءنا عن فكرة الدعوة إلى معسكر، ثم حاولوا إثناءنا عن فكرة الانتخابات في المعسكر أيضًا، طلبوا أن نعطيه فرصة أخرى، سنة أخرى، فترة جديدة، ونحن في إصرارنا نرفع شعار “الجامعة تقاد من داخلها لا من خارجها” و”لا فرصة إلا لمن يأتي به الطلاب”، يجادلوننا: ها قد صرنا في نهاية السنة الدراسية والوقت قد ضاق بل قد فات، ولن يتمكن الجديد من فعل شيء إذا انتُخِب، ونحن نرد: المهم عندنا أن يتحقق اختيار حقيقي للطلاب، ولئن اختاروه مرة أخرى فلا مشكلة عندنا..

وهكذا أخفقت محاولاتهم في إفساد الأمر، وذهبوا في محاولة حشد أتباعهم لإعادة انتخابه!

كان زعماء تنظيم المعسكر والدعوة إليه ثلاثة: أسامة حافظ وصلاح هاشم وأنا.. وكان حضور صلاح هاشم نوعًا من الدعم المعنوي والروحي بصفته مؤسس العمل الدعوي في الجامعة مع أنه كان قد تخرج في هذ الوقت.

بدأنا بانتخابات أمراء الكليات، وفيما أتذكر كانت النتائج هي هي، فيما عدا أمير المدينة الجامعية التي فاز بها هذه المرة ناجح إبراهيم وكان طالبًا في كلية الطب، خلفًا لأخ اسمه محمد عباس أو شيئًا قريبًا من هذا، وقد كان هذا الأخ من الجماعة الإسلامية أيضًا لكنه لم يعد من المشهورين من رجالها فيما بعد.

اختير أسامة السيد أميرًا لكلية الطب مرة أخرى، وجاء دور اللحظة المهمة، لاختيار أمير الجامعة.

كانت قيادات الإخوان حاضرة أيضًا، نفس المجموعة: د. دسوقي شملول ود. محمد حبيب والمحامي محمد الغزالي، وفيما أظن الأستاذ عبود أيضًا، وحاولوا قدر إمكانهم منع اختيار بديل لأسامة سيد، ولكن قيادات العمل الطلابي التي بدأته كانوا حاضرين أيضًا: صلاح هاشم وأسامة حافظ وحمدي عبد الرحمن وعبد الله عبد السلام.

ولم أحضر أيضًا هذا الاجتماع، ولا أتذكر السبب الآن، لكني أدركته في اللحظات الأخيرة!

تداول الحاضرون فيمن يمكن أن يكون أميرًا للجامعة، كان الإجماع منعقدًا على رفض أسامة السيد، لكن ليس ثمة إجماع مقابل على شخص البديل، كان أسامة حافظ أول من طُرِح ليكون هو أمير الجامعة، ولكن أسامة حافظ رفض، رفض لئلا يقال: فعل هذا كله لأنها أرادها لنفسه. مثلما تنازل عنها أول مرة زهدًا فيها وإيثار لما ظنه مصلحة العمل الدعوي.

وكان الشيخ أسامة حافظ هو الذي رشح ناجح إبراهيم ليكون أميرًا للجامعة!
قال له الإخوان: لكن ناجح إبراهيم حليق، وأنت كنت تنتقد أسامة السيد لأنه حليق أيضًا، فقال: يلتحي من الآن. فالتحى ناجح من هذه اللحظة وصار أميرًا للجامعة.

انتهى الأمر، وصعد أسامة السيد المنبر ليقول كلمة، وهنا دخلت المسجد فأدركت هذه الكلمة!

الحق أنه قال كلمة مؤثرة حقًا، بل لقد أبكاني فيها، وذكر أن ما حدث اليوم أمر غير شرعي، وأنه خروج على أمير شرعي، وأنه عمل لا يجوز، ولا أرضى عنه، وبصفتي أميرًا للجماعة لا أقبل به، وذكر نحو هذا الكلام. كانت أشبه بخطبة التنحي عن العرش! وانقضى الأمر، وأعلن ناجح إبراهيم أميرًا للجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط.

وقبل أن أترك هذا المقام فإني أسأل الله أن يجمعنا بالدكتور أسامة السيد على خير وعلى ما يحب ويرضى، هو الآن طبيب كبير، ولكنه ليس حاضرًا في الساحة الإسلامية، أو بالأحرى لا أدري الآن أين موقعه من العمل الإسلامي، وقد قابلته مرة أخرى في التسعينات، لقد كان أخًا دمث الخلق جدًا، وكان أصغر منا في السن ونحن أكبر منه، واختاره الإخوان –كما ذكرتُ من قبل- لكي يقضي أكبر فترة ممكنة داخل الجامعة، بحيث يؤسس لحركة الإخوان داخل جامعة أسيوط، لكن هو كشاب كانت إمكانياته القيادية ضعيفة، لم يكن الأمر مجرد صغر في السنّ، فربما كان الأخ صغيرًا ولكن ارتفعت به مواهبه، ولذلك لم يكن قادرًا على احتواء الإخوة الذين كانوا أكبر منه وأقوى في مسألة القيادة.

كان يمكنه أن يعود للإخوان في كل القرارات لكن بشكل أذكى وأكثر احترافًا وحصافة، دون أن يعطي شعورًا لمجلس شورى الجماعة الإسلامية أنهم رهن قرار الإخوان، لقد كان يعلم أن هؤلاء الذين معه ليسوا أبناء جماعة الإخوان، ومن ثَمَّ فهم لا يقبلون بهذا الارتهان والقيادة من الخارج، أحسب أني لو كنتُ مكانه لكنت ركزت جهدي واهتمامي في احتواء أولئك الذين ليسوا من الإخوان ليصيروا جزءًا من الإخوان فيما بعد، فأشركهم معي في القرار والإدارة، بدلًا من أن أقول: لا بد من الرجوع للإخوان، يمكنني أن أقول: ما رأيكم أن نستفيد من رأي هؤلاء الإخوة الكبار ومن خبرتهم؟ هلم بنا لمزيد من الفائدة نناقش هذا الأمر مع هؤلاء الإخوة الكبار، وهكذا.. أنشئ نوعًا من التعامل والاحتكاك بين هؤلاء الإخوة وبين الإخوان الكبار عسى أن يجعلهم ذلك من الإخوان تدريجيًا!

لكن الذي وقع أن الإخوة الكبار في الإخوان كانوا كأصحاب الفيتو والمرجعية المفروضة على مجلس شورى الجماعة الإسلامية بالجامعة، وبالتالي أنشأ هذا شعور النفور وقوَّى شعور الاستقلال لدى الشباب. لعله لو كان أسنَّ من ذلك وأخبر حركيًا كان سيمكنه أن يدير الأمر بشكل أفضل.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى